الاقتصاد السعودي نحو التنوع والنمو المستدام

الاصلاحات صمام أمان والمشاريع العملاقة تطلق فرص الاستثمار والعمل

فايز نور الدين – أ.ف.ب.
فايز نور الدين – أ.ف.ب.
جانب من مدينة بوليفارد الترفيهية في الرياض

الاقتصاد السعودي نحو التنوع والنمو المستدام

في وقت لا يزال الاقتصاد العالمي يواجه تحديات كبرى منذ سنوات بدءا من جائحة كوفيد-19، ومن ثم الحرب الروسية الأوكرانية، وصولا إلى التشدد في السياسات النقدية الدولية، أثبتت الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية والهيكلية التي عملت عليها المملكة العربية السعودية في ضوء رؤية 2030 أهميتها وحيويتها؛ حيث دفعت هذه الإصلاحات الاقتصاد الوطني إلى تسجيل معدلات نمو مرتفعة، تتفوّق من خلالها على كل دول مجموعة العشرين في عام 2022.

تشير التقديرات الاقتصادية الدولية إلى أن الاقتصاد السعودي سجل معدلات نمو مرتفعة، تصل الى نحو تسعة في المئة في عام 2022، وهو الأمر الذي يعود إلى حزمة الإصلاحات المهمة التي عملت عليها السعودية.

وشملت الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية والهيكلية، إصلاحات مرتبطة بتحسين بيئة الأعمال، وإصلاحات تعنى بتسهيل الإجراءات وأتمتتها، هذا بالإضافة إلى تلك المرتبطة بتعزيز مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية، والعديد من الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد، وإنشاء هيئات حكومية جديدة، ودمج بعض الوزارات، ورفع معدلات الإنفاق في العديد من القطاعات الاقتصادية الواعدة، وإطلاق حزمة من البرامج والإستراتيجيات الوطنية والمبادرات الداعمة والمحفّزة.

تشريعات وتشجيع الاستثمار

ومن ضمن الإصلاحات المحفّزة للاستثمار في السعودية؛ السماح بملكية أجنبية كاملة بنسبة 100 في المئة في معظم القطاعات، بما في ذلك قطاعات الصناعة والصحة والهندسة وتجارة الجملة والتجزئة والمعادن والتعليم والنقل والنشر والإعلام، هذا بالإضافة إلى إصدار نظام تصنيف المقاولين، وتعديل نظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، وإصدار نظام الإفلاس الجديد، ونظام الرهن التجاري ولائحتيهما التنفيذيتين.

كما اشتملت هذه الإصلاحات الاقتصادية المهمة على تطوير اللوائح التنفيذية لهيئة السوق المالية، ونظام الشركات لتعزيز حماية أقلية المستثمرين، وتطوير لوائح كود (معايير) البناء السعودي، وإنشاء المركز السعودي للتحكيم التجاري، وإصدار نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الجديد ولائحته التنفيذية، وصدور نظام ضمان الحقوق بالأموال المنقولة ولائحته التنفيذية، ونظام المحاكم التجارية ولائحته التنفيذية.

ومن ضمن الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية والتنظيمية التي عملت عليها السعودية في ضوء رؤية 2030؛ فسح الحاويات في الموانئ السعودية خلال 24 ساعة؛ من خلال النافذة الإلكترونية الموحدة "فسح"، والترخيص للأنشطة التجارية بالعمل على مدار 24 ساعة، واختصار مدة إتمام إجراءات نقل ملكية العقارات الى 60 دقيقة فقط، وخفض المتطلبات الإجمالية للتراخيص الاستثمارية بنسبة 54 في المئة وفقا لأفضل الممارسات العالمية، هذا بالإضافة إلى إطلاق منصة مرئيات القطاع الخاص التي تهدف لأن تكون حلقة وصل بين المستثمرين والجهات الحكومية.

تعزيز التنافسية

على سبيل المثال؛ يعمل المركز الوطني للتنافسية على تنفيذ العديد من الإصلاحات الهادفة إلى تعزيز البيئة التنافسية من خلال دراسة المعوقات والتحديات التي تواجه القطاعين العام والخاص، ويحددها ويحللها لاقتراح الحلول والمبادرات لتنفيذ إصلاحات على مستوى الأنظمة واللوائح لتطوير البيئة التشريعية والإجرائية المحفزة للتنافسية، معتمدا على متانة العلاقة التشاركية التكاملية التي قام ببنائها، وتعزيزها مع كلٍّ من الجهات الحكومية والقطاع الخاص.

ايمن يعقوب - غيتي

قبل نهاية العام المنصرم توقع تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تحقيق المملكة نموا اقتصاديا يصل الى 9,9 في المئة خلال 2022، وهي أعلى نسبة نمو بين دول مجموعة العشرين، وتأتي هذه التوقعات في الوقت الذي يعيش فيه الاقتصاد السعودي حيوية كبرى، واستراتيجيات وطنية داعمة ومحفّزة، ومشاريع نوعية تجذب الاستثمارات، الأمر الذي انعكس بشكل واضح على حيوية القطاع الخاص ونمو الناتج المحلي، وصولا إلى تدفق الكثير من الاستثمارات الأجنبية الرائدة إلى المملكة كوجهة استثمارية حيوية وجاذبة.
وعلى الرغم من النظرة القاتمة التي رسمها تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن أداء الاقتصاد العالمي، إلا أن تقديراته لنسب نمو اقتصاد المملكة جاءت مخالفة لذلك، نظير التحسن القوي للنشاط الاقتصادي السعودي المدعوم باستراتيجية تنويع مصادر الدخل واحتواء التضخم إضافة إلى قوة مركزها الاقتصادي الخارجي.
وكان للإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها المملكة في إطار "رؤية 2030 " دور بارز في جهود التنويع الاقتصادي من خلال تعزيز نمو الإيرادات غير النفطية، وإطلاق المشاريع الاستراتيجية الكبرى وتفعيل الاستثمار في القطاعات الواعدة، وهو الأمر الذي كان له بالغ الأثر في امتصاص الأزمات المتلاحقة واحتوائها، وزيادة نسبة نمو الاقتصاد السعودي.
ويتوقع استمرار النمو في 2023 مدفوعا بالسياسات المالية المنضبطة وكفاءة الإنفاق وزيادة تعزيز الاستدامة المالية لتجنب التقلبات الدورية، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر دخل رئيسي للبلاد، بعيدا من التأثر بتقلبات أسعاره في الأسواق العالمية، مما سيساعد الإصلاحات الهيكلية المخطط لها والجاري تنفيذها. 
ومن المقرر أن تستمر مستويات الإنفاق الحكومي المرتفعة، حيث وصلت الى تريليون و 114 مليار ريال (296 مليار دولار)، بحسب الموازنة المقررة للسنة الجارية، وهو ما يؤشر الى استمرار  النمو وتحفيز القطاعات التجارية والصناعية والاستثمارية على التوسع، وتوفير فرص للاستثمار والعمل. 

نيوم، ذا لاين، المربع الجديد، والقديّة، البحر الأحمر، أمالا ووسط جدة استثمارات عملاقة ومشاريع نوعية كبرى 

وكانت المملكة أطلقت برامج واستراتيجيات وطنية خاصة بالاستثمار، والصناعة، والنقل، والخدمات اللوجستية، والتعدين، والسياحة، والرياضة، كما أنها أعلنت عددا من المشاريع النوعية  الكبرى، مثل نيوم، و ذا لاين، والمربع الجديد، والقديّة، والبحر الأحمر، وأمالا، ووسط جدة، ومشاريع أخرى نوعية في عدد من المدن السعودية.

وتبرهن الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية والهيكلية التي عملت عليها السعودية جدواها وأهميتها من خلال قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة التحديات التي تعصف بالاقتصاد العالمي وتدفعه إلى حالة عدم اليقين. 
وساهمت الإصلاحات في دفع التصنيفات الائتمانية للاقتصاد السعودي، والشركات الكبرى العاملة فيه، إلى تحقيق تقدم إيجابي كبير خلال السنتين المنصرمتين، وتبرز أهمية هذه التصنيفات الائتمانية في قدرتها على تعزيز جاذبية الاقتصاد وثقة المستثمرين.

وساهم إدراج سوق الأسهم السعودية في العديد من المؤشرات العالمية في زيادة حجم رؤوس الأموال الأجنبية المتدفقة إلى تعاملات السوق، فيما تعزز مساهمة المستثمرين العالميين في الشركات المدرجة في تعاملات سوق الأسهم السعودية حجم الاهتمام في متابعة تطورات هذه الشركات، ومن أبرزها شركة "أرامكو"، إضافة إلى إدراج شركات عملاقة في قطاعات الطاقة المتجددة، والتقنية، والقطاع المالي، الأمر الذي دفع بالسوق المالية السعودية إلى دخول قائمة أكبر 10 أسواق مالية عالمية من حيث القيمة السوقية.

"رؤية السعودية 2030" ترتكز على الإصـــلاحات الاقتصادية والمالية، التي استهدفت تحول هيكل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد متنوع ومستدام مبني على تعزيز الإنتاجية ورفع مساهمة القطاع الخاص

وشهد الاقتصاد السعودي في عصره الحديث نموا على مستوى عدد كبير من القطاعات، مستغلا بذلك الموارد الطبيعية في المملكة، وموقعها الجغرافي والحضاري بين قارات العالم الثلاث، ونتج من هذا النمو بناء قاعدة اقتصادية متينة، حيث أصبح ضمن أكبر عشرين اقتصاد عالمي وعضوا فاعلا في مجموعة العشرين، وأحد اللاعبين الرئيسيين في الاقتصاد العالمي وأسواق النفط العالمية، مدعوما بنظام مالي قوي وقطاع مصرفي فعال، وشركات حكومية عملاقة تستند الى كوادر سعودية ذات تأهيل عالٍ.

وفي سبيل تطوير الاقتصاد وتنويعه وتخفيف الاعتماد على النفط، أطلقت المملكة "رؤية السعودية 2030" مرتكزة على الإصـــلاحات الاقتصادية والمالية، التي استهدفت تحول هيكل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد متنوع ومستدام مبني على تعزيز الإنتاجية ورفع مساهمة القطاع الخاص، وتمكين القطاع الثالث.  
ونجحت المملكة منذ إطلاق هذه الرؤية الوطنية الطموحة في تنفيذ العديد من المبادرات الداعمة والإصلاحات الهيكلية لتمكين التحول الاقتصادي، وشمل هذا التحول جهودا رئيسة عدة متمحورة حول بعد قطاعي يشمل تعزيز المحتوى المحلي والصناعة الوطنية وإطلاق القطاعات الاقتصادية الواعدة وتنميتها، وبعد تمكيني يهدف إلى تعظيم دور القطاع الخاص والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز استدامة المالية العامة.

ختاماً، أسهمت هذه التحولات الهيكلية في تعزيز قدرة اقتصاد المملكة على تجاوز التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي بثبات، فيما من المتوقع أن تستمر وتيرة هذا التحول الهيكلي نحو نمو اقتصادي مستدام في السنوات المقبلة، خصوصا في ظل عدد من المبادرات الاستثمارية  العملاقة، تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة، والشركات الرائدة، كما يتوقع أن تتسارع عجلة توطين المعرفة والتقنيات المبتكرة.
 

font change