من يتحمل مسؤولية غرق قارب المهاجرين قبالة سواحل اليونان؟

تساؤلات حول أحد أكثر حوادث القوارب إزهاقاً للأرواح في البحر المتوسط

Ewan White
Ewan White

من يتحمل مسؤولية غرق قارب المهاجرين قبالة سواحل اليونان؟

غرقت الإنسانية مرة أخرى في 14 يونيو/حزيران، عندما غرقت، في شرق البحر الأبيض المتوسط، قبالة سواحل بيلوس في جنوب اليونان سفينة تقل على متنها، حسبما ورد، أكثر من 700 شخص كانوا يحاولون الوصول إلى أوروبا.

نجا من الركاب 104 أشخاص، بينما انتشلت 78 جثة، أما البقية فاعتُبروا في عداد المفقودين ولن يُعثر على الكثير منهم. أبدا وهذه ثاني أكبر مأساة بعد انقلاب السفينة قبالة سواحل ليبيا في أبريل/نيسان 2015، ما أودى وقتها بحياة حوالي 800 مهاجر. ولربما اختلفت أسماء الموتى، أما جوهر هذه القضية، فهو يشبه، في نواح كثيرة، مشاهدة الفيلم نفسه عدة مرات.

يبدأ الأشخاص اليائسون والفارون من العنف والفقر بحثا عن مستوى معيشي إنساني في بيئة آمنة رحلتهم بدفع بضعة آلاف من اليورو (عادة 4-5 آلاف) للمهربين، مستهدفين الوصول إلى أوروبا. ويعبَّؤون في سفن بحرية غالبا ما تكون سيئة التجهيز يديرها طاقم من مهربي البشر. وينتهي الأمر بالمحظوظين منهم على شواطئ أوروبا وينتقلون إلى المرحلة التالية وهي تقديم طلب للحصول على وضع قانوني يتيح لهم بدء حياة جديدة، والوقت ما بين المرحلتين إما حياة أو موت.

وكان من بين ركاب السفينة المنكوبة التي أقلعت من طبرق شرقي ليبيا مصريون وسوريون وباكستانيون وأفغان وفلسطينيون. ووفقا للأرقام الرسمية للاتحاد الأوروبي، كانت الجنسيات الخمس الأولى في المعابر الحدودية غير النظامية في عام 2022 على النحو التالي: السوريون (29.7٪)، الأفغان (10.9٪)، التونسيون (7.6٪)، المصريون (6.6٪)، والبنغلاديشيون (5.3%).

وفقا للأرقام الرسمية للاتحاد الأوروبي، كانت الجنسيات الخمس الأولى في المعابر الحدودية غير النظامية في عام 2022 على النحو التالي: السوريون (29.7٪)، الأفغان (10.9٪)، التونسيون (7.6٪)، المصريون (6.6٪)، والبنغلاديشيون (5.3%)

ويجعل الموقع الجغرافي لليونان وإيطاليا وإسبانيا هذه البلدان في مقدمة دول الاتحاد الأوروبي التي تحمي قلعة أوروبا من الزوار غير المرغوب فيهم. وتشمل طرق إيقاف الهجرات غير الشرعية عبر البحر دفع المهاجرين إما إلى المياه الدولية أو إلى المياه الإقليمية لدولة أخرى.

ولم تُعلن بعد تفاصيل ما حدث بالضبط أومن هو المسؤول عما حدث في حالة القارب المقلوب، ولكن اللوم ألقي على خفر السواحل اليوناني، إذ لا يمكن أن تكون السفينة خرجت من العدم فجأة بدون أن يكتشفها أحد، وقد جرى تنبيه المسؤولين اليونانيين والوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) بشأن القارب.

وحاول خفر السواحل اليوناني تحويل مساره وأجرت بعض القوارب اتصالا مباشرا معه لتقديم الطعام والشراب بالإضافة إلى محاولة سحبه. وتقول التقارير إن القارب رفض المساعدة، وأصر على الاستمرار في طريقه إلى إيطاليا، بينما تزعم تقارير أخرى أن خفر السواحل اليوناني ركز جهوده على طرد القارب خارج مياهه الإقليمية.

Reuters
محمد، 18 عامًا، أحد الناجين، الذين أُنقذوا في عرض البحر قبالة اليونان بعد انقلاب قاربهم، يبكي بينما يقابل شقيقه فادي الذي جاء لمقابلته في ميناء كالاماتا

وأصدر كبار السياسيين في المنظمات الدولية، الواحد تلو الآخر، بيانات حزن وأسى، وحثوا على اتخاذ خطوات لمنع تكرار مثل هذه المآسي في المستقبل. وصرح رئيس المجلس الأوروبي، تشارلز ميشيل، إنه يشعر بحزن عميق بسبب غرق السفينة المأساوي وأن زعماء الاتحاد الأوروبي سيطرحون هذه القضية في المجلس الأوروبي في شهر يونيو/حزيران.

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أوروبا إلى "إيجاد حل لهذه المشكلة الأوروبية وتحديد سياسة هجرة فعالة حتى لا تتكرر هذه المآسي مرة أخرى".

كما أعلن رئيس الوزراء اليوناني المؤقت، إيوانيس سارماس، الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام وألقى باللوم على "المهربين الذين لا يعرفون الرحمة ويستغلون التعاسة البشرية." وهي أقوال سمعناها آلاف المرات من قبل، وعلى الرغم من ضرورتها إلا أنها لا تحل المشكلة.

مسؤولية المهربين 

يتحمل المهربون الكثير من المسؤولية، ويجب محاسبتهم على هذا الدور الذي يلعبونه، ولكنهم ليسوا السبب الرئيسي للمشكلة. فهم مجرد أشخاص يجنون المال من مآسي الآخرين، كما كان الحال طوال تاريخ البشرية.

بتقدير تقريبي، تلقى المهربون حوالي ثلاثة ملايين يورو من حوالي 700 شخص من سيئي الحظ. ومبلغ بهذا الحجم يشكل حافزا أقوى من معظم الأمور الأخرى التي يمكن لها أن تثني عزيمتهم.

وتوصل الاتحاد الأوروبي مؤخرا إلى اتفاق بشأن سياسة جديدة للهجرة واللجوء. وتتمثل ركيزتاه الرئيسيتان في إدارة وصول طالبي اللجوء وتبسيط الإجراءات الحدودية. وصوتت المجر وبولندا ضد الاتفاقية بينما امتنع البعض الآخر، بما في ذلك بلغاريا ومالطا، عن التصويت.

تتطلب الاتفاقية من الدول الأعضاء إما قبول عدد من طالبي اللجوء ودفع تكاليف عودة المتقدمين المرفوضين إلى بلادهم، أو المساهمة في تمويل العمليات. كما حاول الاتحاد الأوروبي إيقاف الناس عند نقطة انطلاقهم من خلال التوصل إلى اتفاقيات مع الدول ذات الصلة وتقديم الدعم المالي لهم. وفي هذا الصدد، كان الاتفاق مع تركيا في عام 2016 إنجازا ملموسا، لكنه أكمل دورة حياته ثم توقف.

بتقدير تقريبي، تلقى المهربون حوالي ثلاثة ملايين يورو من حوالي 700 شخص من سيئي الحظ. ومبلغ بهذا الحجم يشكل حافزا أقوى من معظم الأمور الأخرى التي يمكن لها أن تثني عزيمتهم

وكان الاتحاد الأوروبي توصل مؤخرا إلى اتفاق مع تونس وأعلن عن تقديمه لمساعدات بقيمة 100 مليون يورو لإدارة الحدود والبحث والإنقاذ ومكافحة التهريب والعودة. وسيخصص فيما بعد مليار يورو إضافي إذا سارت الأمور بشكل مرض.

وأدت الصعوبات الاقتصادية في مصر إلى انضمام الكثير من المصريين إلى القوافل التي تبحث عن مستقبل في أوروبا. وخصص الاتحاد الأوروبي 80 مليون يورو لمصر لإدارة الحدود وعمليات مكافحة التهريب.

وفقا لإحصاءات الاتحاد الأوروبي الرسمية، بلغ عدد المغادرات غير النظامية للحدود (برا وبحرا) 331.400 حالة في عام 2022، مما يمثل زيادة بنسبة 66٪ مقارنة بعام 2021.

وقد يقلل بناء الجدران من حالات العبور غير القانونية ولكنه لا ينهي المشكلة. فعلى الرغم من بناء تركيا لجدار على الحدود الإيرانية في عام 2017، إلا أن الأفغان وغيرهم ما زالوا يحاولون العبور.

أما الأمور في البحر فهي أكثر صعوبة. ففي عام 2022 كان هناك 148.000 عملية عبور بحري مما يمثل زيادة بنسبة 29٪ مقارنة بعام 2021. وكانت الزيادة الأعلى في منطقتي وسط وشرق البحر الأبيض المتوسط، بنسبة 56٪ و 134٪ على التوالي.

وانخفضت عمليات العبور في غرب البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك طريق المحيط الأطلسي من غرب أفريقيا إلى جزر الكناري، بنسبة 25 ٪ مقارنة بالعام السابق. وفقا للبيانات الأخيرة التي نشرتها المنظمة الدولية للهجرة، ففي عام 2022 فقط ، مات حوالي 3.800 شخص على طرق الهجرة داخل دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

AP
مهاجرون من إريتريا وليبيا والسودان على ظهر قارب خشبي أثناء انتظارهم لتلقي المساعدة من قبل عمال الإغاثة على بعد حوالي 30 ميلاً شمال ليبيا، 17 يونيو، 2023

لا يرهب الموتَ أو كلَّ تلك المخاطر السوري القادمُ من درعا أو اللاجئ الروهينغا القادم من بنغلاديش أو الباكستاني القادم من جوجرات أو اللاجئ القادم من ساحل العاج أو الأفغاني القادم من هرات، بل هم يصرون على المقامرة من أجل الوصول إلى حياة أفضل.

وأثبتت الآليات القانونية الدولية أنها غير كافية لمعالجة هذه المشكلة الكبيرة التي تتسم بأبعاد إنسانية وقانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية. وأصبح المبدأ الأساسي المتمثل في مساعدة الأشخاص الذين يواجهون ضائقة في البحر عرضة للتأويل.

القول المأثور المشهور في التسوق، "إذا كسرت الشيء صار ملكك"، تم تكييفه في سياق المهاجرين غير الشرعيين في البحر ليشبه شيئًا على غرار "إذا ساعدتهم ، فسيصبحون مسؤوليتك." ولا يحمل هذا النهج الكثير من المقاربة الإنسانية في داخله.

لا يوجد حل مثالي، ولكن كما هو الحال دائما، فالحل يكمن أساسا في مصدر المشكلة. وحتى مع أفضل الأفكار والممارسات، فإن إنهاء المشكلة يعد مهمة مستحيلة. وأفضل ما يمكن أن نأمل به هو تقليلها إلى أدنى حد ممكن ومنعها من أن تصبح حركة جماعية لا يمكن إيقافها.

ولن يتم حل المشكلة بتحويلها إلى مشكلة شخص آخر. وسيكون الوضع بالنسبة للدول أفضل بكثير إذا تمكنت من التعاون واتخاذ إجراءات مشتركة.

قد يكون هذا إقرارا بما هو واضح، ولكن إنهاء الأزمة في البلدان التي يفر منها الناس وخلق فرص عمل هناك، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات وتدابير أخرى ذات صلة، من شأنه أن يساعد بشكل كبير في جهود إيجاد حلول لهذه المشكلة.

font change

مقالات ذات صلة