في معنى المناورات العسكرية الأميركية - المصرية

"النجم الساطع 2023" تعبر عن شراكة طويلة الأمد؟

AFP
AFP
مظليون مصريون وأمريكيون يقفزون من طائرة حربية أمريكية في كوم أوشيم بالقرب من الفيوم، على بعد 90 كيلومترا جنوب غرب القاهرة، خلال مناورات النجم الساطع عام 2007

في معنى المناورات العسكرية الأميركية - المصرية

ثمّة احتمال في أن يطرأ تحول كبير في الاستراتيجية الأميركية تجاه الدول التي لا تلعب وفقا للقواعد الأميركية، ويتجلى هذا بشكل واضح في المناورات العسكرية التي جرت مؤخرا في الصحراء الغربية بمصر والتي جمعت آلاف القوات من الولايات المتحدة ومصر و32 دولة أخرى.

وجرت المناورات في أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط وأفريقيا. وتقع القاعدة على بعد مئات الكيلومترات من الحدود مع ليبيا، وافتتحها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في يوليو/تموز 2017 ردا على الاضطرابات في ليبيا ما بعد القذافي والمحاولات التركية للوجود والنفوذ في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.

وتدرب آلاف الجنود من الدول المشاركة، بما في ذلك 1500 جندي أميركي، حتى 14 سبتمبر/أيلول على قابلية التشغيل البيني في سيناريوهات الحرب التقليدية وغير النظامية والأمن والتعاون الإقليميين.

تجرى هذه المناورات العسكرية مرة كل عامين وتعتبر مؤشرا للعلاقات بين القاهرة وواشنطن. وتعكس، في هذا العام، من حيث كثافتها وعدد القوات المشاركة فيها والاهتمام الأميركي الرسمي بها، ابتعاد واشنطن عن سياسات باراك أوباما العقابية في التعامل مع الحلفاء الذين لا يذعنون للإملاءات الأميركية.

المناورات كمقياس لمزاج واشنطن

جاءت "النجم الساطع" نتيجة لاتفاقيات "كامب ديفيد" عام 1978 التي يسرتها الولايات المتحدة بين مصر وإسرائيل، وهي تأكيد على التعاون بين مصر والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب وقمع تصاعد التطرف العنيف وتعزيز الأمن الإقليمي. لكن هذه التدريبات العسكرية كانت، فوق ذلك، تعكس باستمرار موقف واشنطن المتغير حيال سياسات مصر الخارجية وشؤونها الداخلية.

وسبق أن ألغيت كإشارة لعدم رضا واشنطن على بعض تصرفات القاهرة. وبالفعل أوقفت المناورات بين عامي 2011 و2017؛ ففي 2011 ألغيت بسبب الاضطرابات المصاحبة للانتفاضة الشعبية ضد الرئيس حسني مبارك الذي حكم لفترة طويلة. وفي عام 2013، ألغى الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما تدريبات "النجم الساطع" احتجاجا على مداهمات الشرطة المصرية لمخيمات الاعتصام لمؤيدي محمد مرسي. وفي عام 2015، لم يجر التدريب بسبب التطورات السياسية في مصر، بما في ذلك عزل مرسي من السلطة بدعم شعبي وتدخل الجيش. ولم تُستأنف التدريبات إلا في عام 2017، بالتزامن مع مرحلة جديدة في العلاقات المصرية الأميركية، والتي اتسمت إلى حد كبير بما وصفه الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب بـ"الكيمياء الجيدة" مع الرئيس المصري السيسي.

قاومت مصر، في العامين الماضيين، الضغوط المتكررة من الولايات المتحدة للانضمام إلى المعسكر المناهض لروسيا. وقيل إنها قاومت طلبات الإدارة الأميركية لتزويد أوكرانيا بالأسلحة، بما في ذلك الصواريخ والقذائف

جرت المناورات هذا العام في الوقت الذي تمر فيه العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر باختبار صعب جديد، حيث تكررت في العامين الماضيين انتقادات الولايات المتحدة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر وما وصفته بـ"حملة القاهرة على حرية التعبير". وتقول وزارة الخارجية المصرية إن الحديث عن وقع انتهاكات حقوقية في عهد السيسي عبارة عن "مزاعم وأحاديث مُرسلة".

وفي الوقت نفسه، تتسبب الحرب في أوكرانيا في هبوب رياح الحرب الباردة من ساحات القتال إلى دوائر صنع القرار في واشنطن، وصار الاستراتيجيون في واشنطن مستعدين مرة أخرى لتصنيف الآخرين على أنهم إما مع الولايات المتحدة (ضد روسيا) أو ضدها (مع روسيا). غير أن القاهرة ليست في وارد الذوبان في النظرة الأميركية للعالم. لقد ألحقت الحرب في أوكرانيا خسائر فادحة بمصر بالفعل، إذ حرمتها من مليارات الدولارات من عائدات السياحة، وأجبرتها على تكديس المزيد من الأموال لشراء وارداتها، وتعرّض أمنها الغذائي للخطر.

PENTAGON
قوات مصرية في مناورات النجم الساطع العسكرية المشتركة بين مصر والولايات المتحدة عام 2018

ولا يجد صناع القرار المصريون فائدة في الانضمام إلى أي من المعسكرين المتحاربين، وهم عوضا عن ذلك يدعون إلى الحوار لتسوية الصراع، ويعتقدون أن معركتهم الحقيقية ليست في أن تصبح بلدهم ترسا في آلة حرب ليست في النهاية حربهم، بل في تنمية بلادهم وإطعام سكانها الذين يتزايدون باضطراد.

غير أن بعض الأميركيين لا يحبون حياد مصر ويرسلون تحذيرات عبر المحيط الأطلسي من أن مصر ستدفع الثمن.

وبسبب الأزمة الاقتصادية الراهنة، اضطرت مصر أيضا إلى طلب قرض جديد من صندوق النقد الدولي، كما اضطرت إلى خفض قيمة عملتها ثلاث مرات منذ العام الماضي، ولجأت إلى بيع أصولها للقطاع الخاص المحلي والأجنبي لسد الفجوة التمويلية المتزايدة، والتي يشل قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الدولية، بما في ذلك سداد الديون وخدمات الديون.

شريك محوري

ولا يبدو أن مصر ترغب في كشف خيوط الاعتماد المتبادل مع الولايات المتحدة. ذلك أن الدعم المالي الأميركي (الذي بلغ منذ العام 1978 نحو 50 مليار دولار في هيئة مساعدات عسكرية، و30 مليار دولار في هيئة مساعدات اقتصادية) يشكل أهمية بالغة لتنمية الاقتصاد المصري وتحديث الجيش المصري، الذي يحتل المرتبة الرابعة عشرة على مستوى العالم.

وتستثمر الولايات المتحدة بكثافة في مصر، فقد وضعت الشركات الأميركية ما يقرب من 24 مليار دولار كاستثمارات مباشرة في كافة قطاعات الاقتصاد المصري، بما في ذلك قطاع الطاقة والبنية التحتية والزراعة والسياحة، وفقا لاحصاءات لوزارة الخارجية الأميركية عام 2021.

وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية كأكبر شريك تجاري لمصر بعد الصين، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري السنوي بينهما 9.1 مليار دولار. كما تعكس الاستثمارات السياسية والأمنية والاقتصادية الأميركية في مصر الأهمية المحورية لهذا البلد العربي.

من المرجح أن صناع القرار في القاهرة يدركون الآن أن بعض الأفراد في واشنطن ما زالوا متمسكين بعقلية الحرب الباردة، التي يعتبرونها هم قديمة وغير مناسبة في عالم سريع التغير

وفوق ذلك، فإن دور مصر، التي تسيطر على قناة السويس وتديرها، دور مركزي في الأمن والاستقرار الإقليميين، وهي شريك مهم في الحرب ضد الإرهاب والتطرف، بما في ذلك كونها مركزا رئيسا للاعتدال الديني. كما أنها تتعاون مع الولايات المتحدة على المستوى الاستخباراتي ولها دور فعال في وضع حد للتوترات الإقليمية، وبخاصة بين الفلسطينيين في قطاع غزة وإسرائيل.

وأهم من ذلك محافظتها على السلام الذي وقعته مع إسرائيل عام 1979 ومساعدتها على إطفاء الحرائق في النقاط الساخنة الإقليمية، بما في ذلك ليبيا، ولبنان، ودول إقليمية أخرى.

المعسكر الروسي 

ومع ذلك كله، فقد قاومت مصر، في العامين الماضيين، الضغوط المتكررة من الولايات المتحدة للانضمام إلى المعسكر المناهض لروسيا. وقيل إنها قاومت طلبات الإدارة الأميركية لتزويد أوكرانيا بالأسلحة، بما في ذلك الصواريخ والقذائف.

ولعل ما يقف وراء رفض مصر للمناشدات الأميركية في هذا الصدد علاقاتها العميقة الجذور مع موسكو ومصالحها الخاصة في الحفاظ على علاقات متوازنة مع الدول الأخرى، بما في ذلك تلك التي على خلاف؛ فروسيا أيضا مهمة بالنسبة للقاهرة. فهي مورد مهم للأسلحة، ولها استثمارات كبيرة في مصر، وتعمل مع القاهرة في عدة ملفات إقليمية.

ويعمل المهندسون الروس الآن على بناء محطة للطاقة النووية في غرب مصر، وهي المنشأة التي سيكلف بناؤها 30 مليار دولار، منها 25 مليار دولار تأتي من خلال تسهيلات ائتمانية روسية ميسرة.

إلى ذلك، تعمل روسيا على بناء منطقة صناعية كبرى في إقليم قناة السويس، ستكون المحرك الرئيس المنشود للتنمية الاقتصادية في مصر في العقود القادمة.

وجملة القول إن المصريين تعلموا درس وضع كل بيضهم في سلة واحدة بالطريقة الصعبة؛ ففي عام 2013، حجبت إدارة باراك أوباما المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر، بما في ذلك الأصول الحيوية مثل مروحيات أباتشي الهجومية، وصواريخ هاربون، ومكونات الدبابات "M1-A1"، والطائرات المقاتلة من طراز "F-16". وجاء هذا القرار في وقت كان فيه الجيش والشرطة المصريان منخرطين بعمق في مكافحة فرع تنظيم "داعش" في سيناء.

ومن المرجح أن صناع القرار في القاهرة يدركون الآن أن بعض الأفراد في واشنطن ما زالوا متمسكين بعقلية الحرب الباردة، التي يعتبرونها هم قديمة وغير مناسبة في عالم سريع التغير. وبالإضافة إلى سعيهم الدؤوب للبحث عن مصادر متنوعة للأسلحة والإمدادات الغذائية، تسعى مصر بنشاط إلى المشاركة في تحالفات دولية جديدة، بهدف مواجهة الهيمنة الغربية.

أخيرا كما هو مقرر، ستنضم مصر، اعتبارا من يناير/كانون الثاني من العام المقبل، إلى مجموعة "بريكس"، وهي تبني آمالا عريضة على هذا التحالف الناشئ لتوفير فرص بديلة في عالم أصبح متعدد الأقطاب على نحو متزايد في الممارسة العملية.

ومن يدريِ؟ لا يستبعد أن بعض الشخصيات في واشنطن بدأت في إدراك هذه الديناميكيات الجديدة والاعتراف بالعقلية المتطورة التي توجه سياسات القاهرة. وهذا قد يفسر لماذا يفكرون في استراتيجية المشاركة والتعاون مع مصر، بدلا من النهج العقابي الذي اتبعه أوباما قبل سنوات قليلة في التعامل مع لاعب محوري في المنطقة.

font change


مقالات ذات صلة