غزة ليست بخير... لكن "حماس" بخير

غزة ليست بخير... لكن "حماس" بخير

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والمنطقة تعيش على حافة الحرب. تنتظر ولا أحد على يقين إن كان سيستيقظ صباح اليوم التالي على أصوات الطيران والقذائف، أم إنه سيمضي يوما آخر يحبس أنفاسه وينتظر.

في لبنان، مصير البلاد والعباد بيد أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، هو لم يظهر على الإعلام إلا بصورة وحيدة وخبر لقاء مع قيادت من "حماس"، و"الجهاد الإسلامي"، وهو الذي اعتاد في السنوات الأخيرة أن يكثر من إطلالته الإعلامية حتى صار كلامه تكرارا مملا لمؤيديه كما لخصومه. لم ينطق منذ ذلك اليوم، فيما اللبنانيون وغيرهم، شعوبا وحكومات ينتظرون هل سيقرر الدخول في الحرب أم سيبقى ملتزما بسياسة الاشتباكات المحدودة مع إسرائيل وفق قواعد الاشتباك لا وفق ما نص عليه القرار 1701.

وفي مقابل صمت حسن نصرالله، كان وزير خارجية الجمهورية الإسلامية في إيران حسين أمير عبداللهيان لا يترك مناسبة إلا ويتحدث عن لبنان ويقرر عن لبنان وكأنه المندوب السامي، فقد صرح في حديث إذاعي من نيويورك أن "حزب الله" وحلفاء طهران "يضعون إصبعهم على الزناد"، ليعود بعدها بساعات ويقول "لا نريد أن تتسع هذه الحرب"، وبين التصريحين ساعات عصيبة مرت على لبنان واللبنانيين.

وبين التصريحين أيضا انقطعت الاتصالات عن غزة التي تتعرض لأبشع أنواع الجرائم وحرب إبادة يشنها الجيش الإسرائيلي بذريعة معاقبة "حماس" على عملية طوفان الأقصى، قصف بري وبحري وجوي، محاولات دخول غزة بريا، وآلاف من الضحايا المدنيين أغلبهم من الأطفال.

"حزب الله" كان يهدد بلسان المسؤولين الإيرانيين أنهم سيدخلون الحرب إن دخل الجيش الإسرائيلي إلى غزة، اليوم لم نعد نفهم ما المقصود بالدخول البري، وكم عدد الأمتار التي ستسمح إيران وأذرعها لإسرائيل بالتغلغل البري فيها. غزة خارج التغطية وأهالي غزة متروكون لمصيرهم، كذلك المنطقة وأهلها.

طهران ببرغماتيتها المعهودة استطاعت أن تجعل الأمر برمته يدور بفلك مصالحها. وزير خارجيتها الذي قام بزيارة مفاجئة لنيويورك في الولايات المتحدة، وهو أمر نادر الحصول لكبار المسؤولين الإيرانيين، كشف من هناك أن قادة "حماس" مستعدون لإطلاق سراح الأسرى المدنيين وتسليمهم لطهران. لم تنف "حماس" الأمر


لافت صمت حسن نصرالله، ولافتة مناشدة قيادات "حماس" لإيران وأذرعها في المحور وعلى رأسهم "حزب الله" بالتدخل في الحرب لتخفيف الضغط العسكري عن غزة.
يقول مصدر مقرب من صناع القرار في طهران ومن قيادات في "حزب الله"، إن العملية استغرقت تحضيراتها نحو عامين، فالمحور كان يحضر لعملية واسعة وشاملة ضد إسرائيل، إلا أن قيادتي "القسام" و"حماس" في غزة فاجأتهم جميعا وقامت بعملية "طوفان الأقصى" دون إعلامهم بتوقيتها، ويستدل على ذلك بارتباك إيران وكل من يدور بفلكها في ساعات العملية الأولى، وبتصريح نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، الذي سبق وأعلن أن العملية تمت من دون إطلاع المحور. إيران تريد القول إن التوقيت جرى تحديده في أنقرة. وهذا موضوع آخر يحتاج كلاما آخر.
لكن الأكيد ليس فقط أنه ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول لم تكف إيران عن القول إنه لا علاقة لها بالعملية، فيما قيادات "حماس" تؤكد أن طهران هي من تدعم وتمول، بل إنه حتى وإن صح الأمر فإن طهران ببرغماتيتها المعهودة استطاعت أن تجعل الأمر برمته يدور بفلك مصالحها. وزير خارجيتها الذي قام بزيارة مفاجئة لنيويورك في الولايات المتحدة، وهو أمر نادر الحصول لكبار المسؤولين الإيرانيين، كشف من هناك أن قادة "حماس" مستعدون لإطلاق سراح الأسرى المدنيين وتسليمهم لطهران. لم تنف "حماس" الأمر.
الهجمات على القواعد الأميركية في سوريا والعراق من قبل ميليشيات إيران، والتي أدت إلى إصابة 24 أميركيا، لم تمنع البيت الأبيض من التأكيد مرارا أنه غير معني بالصراع مع إيران، مع تأكيد البنتاغون أن ميليشيات تابعة لإيران هي من تقوم بهذه الهجمات وأنهم يردون عليها، إلا أن الأمر لن يتجاوز ما يحصل في جنوب لبنان، حيث يبدو أن هناك أيضا قواعد اشتباك بين القوات الأميركية والميليشيات الإيرانية في المنطقة.
إذن غزة وحيدة، ملايين البشر متروكون لمواجهة الموت، بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وجد الحرب على غزة فرصة تعطيه الوقت للمماطلة بما كان يواجهه من استحقاقات في الداخل الإسرائيلي. "حماس" بخير، هذا ما قاله رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية. أهل غزة ليسوا بخير، ولكن كما ذكر لي المصدر نفسه، الدم ليس مهما في سبيل تحقيق المصالح الأكبر.
لمَ لا؟ هل حاسبت هذه المنطقة يوما من تسبب في إراقة دماء أبنائها؟ هل حاسب أحد نصرالله بعد حرب يوليو/تموز 2006 عما لحق بلبنان من دمار وخراب وموت؟ دم أبناء هذه المنطقة غير مهم، فـ"حزب الله" بعد الحرب بات أقوى في الداخل اللبناني وفي الإقليم، بقوة السلاح.
والخطوة المقبلة لهم، سحب حصرية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة للشعب الفلسطيني. إيران تريد أن تجلس إلى الطاولة أيضا، فهل تفاوض بالمباشر أم عن طريق "حماس"؟ الأيام مليئة بالانتكاسات، انتكاسات لنا نحن "السذج" الذين نرفض إراقة الدماء من أجل مصالح الآخرين، ومليئة بالحوافز لتجار الدم.
حمى الله غزة وأهلها من العدو ومن "الحليف". 
 

font change