زيارات متعاقبة لمقررين أمميين إلى الجزائر...

هل هو انفتاح للرد على تقارير دولية حقوقية؟

AFP
AFP
جلسة للبرلمان الجزائري في الثاني من سبتمبر 2021

زيارات متعاقبة لمقررين أمميين إلى الجزائر...

شهدت الجزائر في الأشهر الأخيرة حركة حقوقية لافتة، إذ عرفت زيارات متتالية لوفود حقوقية دولية، وهو ما أثار تساؤلات مختلفة عن السبب والغاية. وبحسب الرزنامة فقد شهدت البلاد منذ الخامس من مايو/أيار الماضي زيارات متعاقبة لمقررين أمميين مكلفين بتقصي الحقائق والأوضاع في الميدان.

آخر الزيارات قامت بها ماري لولور، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان، واستغرقت زيارتها 10 أيام كاملة، التقت خلالها أعضاء من الجهاز التنفيذي وممثلين عن المجتمع المدني. وخلال هذه المدة زارت المقررة الحقوقية عدة مدن جزائرية.

واختتمت المقررة زيارتها بالقول إنها "سترفع تقريرا مفصلا حول زياراتها إلى مجلس حقوق الإنسان الأممي في مارس/آذار 2025"، واعتبرت أن "الحكومة الجزائرية تؤكد بوضوح أنها على استعداد للالتزام كما ينبغي بالقضايا المتعلقة بالمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث كان بإمكانها عدم الاستجابة لطلبي كما فعلت دول أخرى".

وكتأكيد منها على انفتاح السلطات في الجزائر على الرقابة التي يفرضها مجلس حقوق الإنسان الأممي، ذكرت المقررة الأممية: "عدد الاجتماعات رفيعة المستوى التي خصصت لي تثبت التزام الحكومة الجزائرية بالتعامل بجدية مع الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة والعمل من أجل حماية أفضل للمدافعين عن حقوق الإنسان"، وحسب التفاصيل التي أوردتها ماري لولور أيضا فإن "معظم الاجتماعات جرت في جو من الاحترام المتبادل والالتزام البناء".

وتعتبر زيارة لولور هي الزيارة الثانية من نوعها لمسؤول أممي في فترة لا تتجاوز 3 أشهر؛ ففي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، أجرى مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، كليمان نيالتسوسي فول، زيارة إلى الجزائر، واجتمع خلال الفترة الممتدة بين 16 إلى 26 سبتمبر/أيلول 2023، مع مسؤولين حكوميين وأعضاء في البرلمان والسلطة القضائية وهيئات الرصد وأعضاء فريق الأمم المتحدة المعتمد، كما أنه التقى عددا من النشطاء والأطراف الفاعلة في المجتمع المدني وصحافيين ومحامين ونقابات وأحزابا سياسية.

ملامح استراتيجية جديدة

الخبير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، البروفيسور نور الصباح عكنوش يقول في حديثه لـ"المجلة" إن "الجزائر انتهجت سياسة جديدة تقوم على التعامل بصيغة إيجابية مع جميع الفعاليات الدولية التي لها علاقة بحقوق الإنسان، وهذا في إطار التجاوب والتفاعل شريطة احترام السيادة الوطنية والقانون الجزائري". واعتبر أن "استقبال الجزائر لمقررين أمميين يفسح المجال أمام الهيئات الحقوقية الدولية للاطلاع على الوضع الفعلي للحريات وحقوق الإنسان في البلاد بعيدا عن أية ضغوطات أو إملاءات خارجية".

دافع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، عن سجل بلاده الحقوقي. وقال إن "الجزائر تؤمن إيمانا عميقا بأن احترام حقوق الإنسان، وترقيتها هما حجر الزاوية لأي نظام سياسي ذي مصداقية"

ويشير البروفيسور نور الصباح عكنوش إلى أن "الحكومة الجزائرية تحاول اليوم التأكيد على انفتاحها مع كل الأطراف، والتعامل بصيغة إيجابية مع المنظمات الحقوقية الدولية الحكومية، في إطار التجاوب والتفاعل مع احترام السيادة الوطنية والقانون الجزائري. وأوراق الحكومة الجزائرية شفافة في المجال الحقوقي وليس لديها شيء تخفيه ولا أي شيء تخشاه، فهي تريد التعامل بشفافية ووضوح مع ملف حقوق الإنسان كعامل من عوامل التنمية السياسية خصوصا، والتنمية الوطنية عموما، في سياق دولي أصبحت فيه دول أخرى بيئة طاردة للإنسان وحقوقه".
ودافع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ78 المنعقدة في نيويورك، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي عن سجل بلاده الحقوقي. وقال إن "الجزائر تؤمن إيمانا عميقا بأن احترام حقوق الإنسان، وترقيتها هما حجر الزاوية لأي نظام سياسي ذي مصداقية".
وجاء حديث الرئيس عبد المجيد تبون بعد أيام قليلة فقط من انتهاء جولة المقرر الأممي لمجلس حقوق الإنسان كليمان فول، الذي حط بالجزائر في سبتمبر/أيلول الماضي، من أجل التأكد من وضعية الحريات والحقوق في الجزائر.
وقد صال كليمان فول وجال في عدة مدن جزائرية، واستغرقت الزيارة عشرة أيام، التقى خلالها بالمسؤولين المعنيين بهذا الملف، مثل وزارة العدل، الداخلية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والتقى أيضا فاعلين في منظمات المجتمع المدني المستقل وأحزابا سياسية من الموالاة والمعارضة ومدافعين عن حقوق الإنسان وصحافيين. 

AFP
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

وفي نهاية الرحلة، أصدر المقرر الأممي لمجلس حقوق الإنسان كليمان فول، بيانا لا يختلف كثيرا عما صدر من نظيرته المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان ماري لولور؛ إذ أعرب عن تقديره للحكومة لموافقتها على زيارته، لأنها الزيارة الأولى التي يقوم بها مقرر خاص للأمم المتحدة إلى الجزائر منذ عام 2016، وهو ما وصفه فول بـ"المؤشر الإيجابي على الانفتاح المتزايد على الحوار والتعاون في مجال حقوق الإنسان"، وأصدر في الأخير توصيات للحكومة حول حتمية تعديل بعض القوانين والتوسع في الحريات.


انفتاح دولي 


"زيارة خبراء دوليين في حقوق الإنسان على غرار المقررة الأممية لحقوق الإنسان في الجزائر يمكن قراءتها ضمن تصورين"، هكذا استهل جدو فؤاد، أستاذ وباحث بقسم العلوم السياسية والإعلام بجامعة بسكرة حديثه مع "المجلة"، واستطرد قائلا إن "التصور الأول يتعلق بالتزام الجزائر بشركائها الدوليين لا سيما الأمم المتحدة، خصوصا وأن هذه الزيارات تأتي وفقا للبرنامج المسطر من طرفها لتفقد الأوضاع في دول العالم، وقد اعترفت هذه الأخيرة بتجاوب الجزائر واستعدادها لتكثيف جهودها بهدف تجاوز التحديات في مجال حماية حقوق الإنسان وإحترامها". 

تلقت السلطات الجزائرية عدة انتقادات في ملف حقوق الإنسان منذ اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط 2019، لاسيما من طرف منظمة "هيومان رايتس ووتش" التي لم تكن يوما على ود مع السلطات الجزائرية

أما التصور الثاني، فقد قال جدو فؤاد إنه "يتعلق بالتحولات السياسية الجزائرية في مجال حقوق الإنسان داخليا وخارجيا من خلال تبني مجموعة من الآليات، بينها الانفتاح على الهيئات والمنظمات الدولية للاطلاع على الأوضاع خاصة بعد المرحلة الحرجة التي مرت بها الجزائر بعد حراك 2019". 

AFP
مظاهرة في الجزائر العاصمة في 12 ديسمبر 2019

ومن الرسائل التي تريد الجزائر إيصالها للمجتمع الدولي، يشير المتحدث إلى "ضرورة تطابق القوانين مع المواضيع السيادية التي تتعلق بالوحدة الوطنية، ولهذا ليس لديها شيء تخفيه وهي تسعى لترقية حقوق الإنسان، وقد أقرت لهذا الغرض الكثير من الآليات في إطار الإصلاحات الكبرى الرامية إلى بناء مجتمع منسجم وإرساء أسس دولة جديدة". واستدل الباحث بقسم العلوم السياسية والإعلام بـ"مؤسسة وسيط الجمهورية التي استحدثت بموجب المرسوم رقم 20-45 المؤرخ في 15 فبراير/شباط، وذلك بهدف وضع قواعد صلبة لعلاقة جديدة بين المواطن الجزائري والإدارة، مبنية على مفهوم المشاركة في دولة القانون التي تعتمد على قيم العدالة والإنصاف". 
وتلقت السلطات الجزائرية عدة انتقادات في ملف حقوق الإنسان منذ اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط 2019، لاسيما من طرف منظمة "هيومان رايتس ووتش" التي لم تكن يوما على ود مع السلطات الجزائرية، فقبل زيارة المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات نيالتسوسي فول، قدمت له ورقة إحاطة تقول فيها إن "السلطات الجزائرية سحقت القضاء المدني خلال السنوات الأربع الأخيرة".
وتزعم المنظمة غير الحكومية الأميركية أنه "قد تمت عرقلة السلطات التعددية السياسية بالاستناد إلى قوانين مُقيدة للجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات"، واستدلت المنظمة بـ"حل التشكيلات السياسية المعارضة". 
لكن "هيومان رايتس ووتش" اعترفت بأن زيارة نيالتسوسي فول تأتي بعد عدة سنوات من التأجيل، ولذلك فإن الزيارة في نظرها "تبعث الأمل في اتساع رقعة تعاون السلطات الجزائرية مع آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان".

font change