كلنا يعرف كيف تكون فرحة الآباء والأمهات بميلاد طفل يأتي إلى هذا العالم، ولكن هذه الفرحة تخفي وراءها خوفا كبيرا، خشيةَ أن يصيب هذا الطفلَ مكروهٌ. ومن المؤسف أن هذا الخوف يتحول إلى حقيقة واقعة في كثير من الأسر بإقليمنا.
ففي السنة الماضية وحدها، تُوفي نحو 800 ألف طفل في إقليم شرق المتوسط قبل بلوغ سن الخامسة. بل إن ستة من كل عشرة أطفال منهم لم يُكملوا الشهر الأول من حياتهم. ولم يكن ذلك لمرض غامض أو حادث مأساوي لا يمكن تفاديه، بل إن معظم هؤلاء الصغار غيَّبهم الموت لأسباب يمكن تفاديها، مثل مضاعفات الولادة المبتسرة، وعمليات الوضع غير الآمنة، وحالات العدوى التي نعرف كيف نعالجها.
ولذلك، فإن موضوع اليوم العالمي لسلامة المرضى هذا العام- وهو "الرعاية المأمونة لكل مولود وكل طفل"- أمرٌ عاجلٌ لا يحتمل التأخير. وبصفتي طبيبة أطفال وأُمّا، لا يمكن أن أقبل أن تستمر الرعاية غير المأمونة في انتزاع الأطفال من أحضان أُسرهم، في حين أن لدينا بالفعل حلولا لإنقاذهم.
ويتعرض الأطفال للخطر بشدة في مجال الرعاية الصحية لأربعة أسباب بسيطة:
أولها: أنهم لا يزالون في طور النمو، وفي كل مرحلة من مراحل النمو يواجهون مخاطر جديدة.
وثانيها: أنهم يعتمدون على غيرهم، إذ لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم أو حمايتها.
وثالثها: أن مشكلاتهم الصحية مختلفة، فحالات العدوى التي تصيب حديثي الولادة تختلف عن إصابات المراهقين.
ورابعها: أن للظروف الاجتماعية والاقتصادية دورا مؤثرا في حياة الأطفال، فمَن يولد منهم في بيئة تعاني من الفقر أو الصراع أو النزوح يواجهون مخاطر أكبر كثيرا ممَّن يولدون في بيئة مستقرة ومزدهرة اقتصاديا.
ويتجلى ذلك بأقصى قدر من الوضوح في إقليمنا الذي تؤدي فيه النزاعات والأزمات الإنسانية إلى تعطيل النُّظُم الصحية، وإثقال كاهل المرافق، ونقص الموظفين المهرة والإمدادات الأساسية. وتؤدي هذه الأوضاع إلى تفاقم مخاطر الممارسات غير المأمونة، وتأخُّر العلاج، ووقوع أضرار كان يمكن تفاديها، لا سيما في صفوف حديثي الولادة والأطفال.
الرعاية المأمونة لا تقتصر على المستشفيات والعيادات فحسب، بل تتعلق أيضا بالثقة، وصون الكرامة، والحق الأساسي لكل طفل في أن يحظى بالحماية من الأذى
ولكن ما يبعث على التفاؤل هو أننا نعرف العلاج النافع لذلك. نعرف أن رعاية الأم لمولودها بتلامس بشرتيهما في الأيام الأولى، على طريقة الكنغر، يُنقذ الأطفال الذين يُولدون قبل اكتمال فترة الحمل. ونعرف أن ممارسات الولادة الأكثر مأمونية تحمي الأمهات والمواليد على حد سواء. ونعرف أن تدريب العاملين الصحيين على اكتشاف علامات الخطر، وضمان توفر المضادات الحيوية أو الأكسجين عند الحاجة، يمنعان وقوع عدد لا يُحصى من الوفيات. وحتى التدابير البسيطة، مثل نظافة اليدين والوقاية من العدوى ومكافحتها، تُحدِث فَرقا هائلا.
وبغضِّ النظر عن أن ذلك هو الصواب الذي يجب فعله، فهو أيضا استثمار ذكي. فكل دولار يُستثمر في صحة الأمهات والمواليد يحقق عوائد تصل إلى 20 دولارا، عن طريق تعزيز صحة المجتمعات المحلية وزيادة قدرتها على الإنتاج. وهذه من أربح الصفقات في مجال الصحة العالمية.
وتساعد أيضا الرعايةُ الأكثر مأمونية على بلوغ أهداف أكبر، مثل إحراز تقدُّم نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة، وغيرها من غايات أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة، ومنها منع وفيات الأطفال التي يمكن تفاديها. وما لم تُتَّخذ إجراءات عاجلة لتحسين جودة الرعاية ومأمونيتها، فإن البلدان التي تنوء بعبء ثقيل داخل إقليمنا وخارجه لن تستطيع تحقيق أهدافها المتعلقة بوفيات الأطفال قبل حلول عام 2030.
وعلينا في هذا اليوم العالمي لسلامة المرضى أن ننتقل من مرحلة معرفة العلاج النافع إلى مرحلة تنفيذ ذلك العلاج في كل مكان ومن أجل الجميع. فيجب على الحكومات أن تلتزم بزيادة مأمونية أقسام الولادة ومستشفيات الأطفال. ويجب على الجهات المانحة والشريكة أن تستثمر في حلول مُثبَتة ومُسندة بالبيِّنات. ولا بد من دعم العاملين الصحيين بالتدريب والإمدادات وظروف العمل الآمنة. ويجب تمكين الأسر نفسها من طرح الأسئلة، وإثارة المخاوف، والتحوُّل إلى شركاء فعليين في الرعاية.
إن الرعاية المأمونة لا تقتصر على المستشفيات والعيادات فحسب، بل تتعلق أيضا بالثقة، وصون الكرامة، والحق الأساسي لكل طفل في أن يحظى بالحماية من الأذى.
وفي الختام نقول: إن حق الطفل في الحصول على الرعاية الصحية المأمونة حقٌّ شامل للجميع، وغير قابل للتفاوض، ويبدأ من لحظة ولادته.