حتى لا يبقى لبنان على شفا الحرب

حتى لا يبقى لبنان على شفا الحرب

استمع إلى المقال دقيقة

تنتهي آخر الشهر الحالي المهلة التي حددتها إسرائيل للحكومة اللبنانية لإنجاز نزع سلاح "حزب الله" من جنوب نهر الليطاني وشماله أو التعرض لحملة عسكرية إسرائيلية عنيفة.

الولايات المتحدة التي أدت دورا حاسما في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وتابعت تنفيذه من خلال موفديها وعبر ما يعرف بلجنة "الميكانيزم"، تتخذ مواقف ملتبسة. هناك من يقول إنها تتفهم تعذر نزع سلاح "الحزب" بالقوة خشية أن تفجر خطوة كتلك حربا أهلية طائفية، مقابل مواقف تعتبر أن الحكومة اللبنانية تماطل عمدا للحصول على مكاسب على شكل مساعدات مقابل الشروع في مصادرة سلاح "حزب الله". في الوقت ذاته، تتخذ الهجمات الإسرائيلية سمة التصعيد لتقرن التهديدات بتوجيه ضربات ساحقة إلى مواقع "الحزب" ومسؤوليه، بفعل رفع وتيرة الغارات اليومية ومستوى الاغتيالات.

في المقابل، لم يترك الأمين العام لـ"الحزب" ومساعدوه مجالا للشك في أنهم ليسوا بصدد تسليم سلاحهم وأن "إعادة بناء القدرات" تسير على خير ما يرام. من دون نسيان التشديد على أن اتفاق وقف النار المستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701، يتحدث عن نزع السلاح جنوب نهر الليطاني لا غير، فيما يشكل عودة إلى مماحكة لا مخرج منها حول مضمون بنود الاتفاق.

أما السلطات اللبنانية التي لا تترك فرصة لتكرار تمسكها بقرارها في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، فتبدو في حالة من الضياع والارتباك. ذلك أنها تؤكد أنها تعمل على جمع سلاح "حزب الله" جنوب الليطاني وتتجاهل في الوقت ذاته موضوع السلاح شمال النهر المذكور، مع إشارات خجولة إلى أنها ستباشر حصر السلاح في المستقبل. الاتصالات التي يقال إن لبنان يجريها مع أطراف إقليمية وغربية، ومنها إيران التي يشكل السلاح عنصرا من استراتيجيتها منذ عقود والتي تخشى حربا إسرائيلية جديدة عليها، لم تفض إلى شيء. فطهران التي رأى علي أكبر ولايتي مستشار مرشدها علي خامنئي، أن "سلاح (حزب الله) أهم من الماء والخبز بالنسبة للبنانيين"، لا زالت تصر على إبقاء السلاح بين أيدي أتباعها ربما لاستخدامه في جولة مقبلة.

خسارة "الثنائي" مقعدا نيابيا لن تكون تغييرا يبنى عليه ما دامت السلطة في أيدي المتنفذين أنفسهم، من "الثنائي" ومن الطوائف الأخرى التي تجني قياداتها الأرباح من الأزمة

وبالعودة إلى الموضوع اللبناني، فإن السلطات لا تبدي تساهلا فقط في موضوع نزع سلاح "حزب الله" لكنها باتت تتعرض إلى اتهامات لا تخلو من وجاهة بالتباطؤ المتعمد في إجراء أي إصلاح اقتصادي يخرج البلد من الكارثة التي أوقعته الجماعة الحاكمة فيه سنة 2019، وما يفترضه ذلك من تغييرات سياسية. وتذهب الاتهامات إلى أن القوى الحقيقية في لبنان والتي ما زالت هي ذاتها من يمسك بالسلطة، لا تريد تنفيذ أي من الإصلاحات التي كانت من الشروط الدولية والعربية لانتخاب جوزيف عون رئيسا للجمهورية. هذا التواطؤ الذي يبدو أنه أثار استياء الأميركيين في ما وصفه عون بـ"بخ السم" من قبل بعض منتقديه في واشنطن، يعجل– سواء أدرك السياسيون اللبنانيون أم لم يدركوا– بتنفيذ إسرائيل لتهديداتها ويخلع أي نوع من التعاطف الخارجي مع معاناة لبنان المزمنة. ولا مفر من قول إن الأزمة الاقتصادية استثمرت واستعملت كرافعة لبقاء ذات القوى التي قادت البلاد إلى الانهيار الاقتصادي والحرب الإسرائيلية الأخيرة، في مواقعها المهيمنة على السلطة. 
من جهة ثانية، يستعد لبنان لإجراء انتخابات تشريعية في شهر مايو/أيار المقبل هي الأولى بعد الحرب مع إسرائيل في خريف 2024 والثانية بعد الانهيار الاقتصادي، ويتوقع أن تدور منافسة شديدة لانتزاع أحد المقاعد المخصصة للطائفة الشيعية من "الثنائي الشيعي" حركة "أمل" و"حزب الله"، وهو ما سيعتبر نهاية لاحتكار الثنائي للتمثيل الشيعي منذ 1992 عندما أجريت أول انتخابات تشريعية بعد نهاية الحرب الأهلية في 1990. بيد أن خسارة "الثنائي" مقعدا نيابيا لن تكون تغييرا يبنى عليه ما دامت السلطة في أيدي المتنفذين أنفسهم، من "الثنائي" ومن الطوائف الأخرى التي تجني قياداتها الأرباح من الأزمة. وعليه لا ترى أن ثمة مصلحة لها في الحل. 
على هذه الخلفية، لا يبدو أن هناك مخرجا في المستقبل المنظور من دون مقاربة عربية وغربية مختلفة تأخذ في الاعتبار الفشل الهيكلي للسلطات اللبنانية ورفضها معالجة الأزمات وتواطؤها المعلن والمستتر مع صانعيها. وفي الوقت الذي لا يبدو متاحا فيه وضع لبنان تحت إشراف دولي وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يخشى أن يكون البديل عن التدخل الدولي الذي لا يأتي هو المزيد من الحرب والفوضى والفساد.

font change