هاشتاغ «أين أبناؤكم» يشعل «تويتر» في إيران

هاشتاغ «أين أبناؤكم» يشعل «تويتر» في إيران

[caption id="attachment_55268400" align="aligncenter" width="952"]طلاب إيرانيون يشتبكون مع الشرطة في جامعة طهران خلال مظاهرة يقودها الغضب من المشاكل الاقتصادية، في العاصمة طهران في 30 ديسمبر 2017. طلاب إيرانيون يشتبكون مع الشرطة في جامعة طهران خلال مظاهرة يقودها الغضب من المشاكل الاقتصادية، في العاصمة طهران في 30 ديسمبر 2017.[/caption]


لندن: حنان عزيزي



* بغض النظر عن مدى تجاوب المسؤولين الإيرانيين مع الحملة، يبدو أن هناك سخطاً وغضباً شعبياً متزايداً من أداء النظام الإيراني الاقتصادي والممارسات التمييزية.
* هل ستفتح هذه الموجة المجال لتحقيق العدالة الضائعة في إيران ووقوف كل «أبناء السادة» المتهمين بالفساد واستغلال المناصب الحكومية أمام العدالة يوماً ما؟




تنتشر في وسائل الإعلام والصحافة الإيرانية أنباء عن أبناء بعض مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية، على سبيل المثال الجامعات التي درسوا فيها أو المناصب التي يشغلونها أو الثروة التي يمتلكونها؛ حيث تثير هذه الأخبار موجة واسعة من الردود الساخطة والانتقادية والفكاهية أحيانا في الشبكات الاجتماعية الإيرانية. وربما يمكن اعتبار هاشتاغ «أين أبناؤكم؟» أحدث موجة انتقادية استقطبت اهتماما واسعا بين المغردين الإيرانيين، حيث انضم إليه أيضا بعض الوزراء والنواب ومسؤولون آخرون في النظام محاولين الإجابة على السؤال المطروح حول أبنائهم.
وتعتبر الحملة الأخيرة التي دشنها الإيرانيون على «تويتر» محاولة لحض المسؤولين على الرد والإجابة بشأن حياتهم الخاصة، خاصة أنه لم يمر يوم واحد إلا وتنتشر في وسائل الإعلام وخاصة الشبكات الاجتماعية خبرا عن اتهام أحد أبناء المسؤولين بالفساد الاقتصادي أو سوء استغلال منصبه أو الريع. لذلك، فإن هاشتاغ «أين أبناؤكم» هو ببساطة يخاطب مسؤولي النظام بأن يكشفوا ماذا يفعل أبناؤهم وأين يدرسون وأين يشتغلون خاصة في ظل تفشي الفساد الإداري والريعية في نظام الحكم وأيضا في ضوء المرحلة الاقتصادية والسياسية الحرجة التي تمر بها إيران وانتشار الاحتجاجات اليومية العمالية والنسوية والطلابية فيها.



البداية كانت مع صاحب مقولة «نحن أصحاب الجينات الصالحة»




أثارت التصريحات التي وصفت بالغريبة من قبل حميد رضا نجل محمد رضا عارف (نائب أول رئيس الجمهورية من 2001 - 2005 تحت رئاسة محمد خاتمي) موجة واسعة من الانتقادات حوله وتحولت الأنظار إلى أبناء السادة (وهي التسمية الدارجة بين الشعب لأبناء مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية). وقال حميد رضا وهو يدير مشاريع اقتصادية وسينمائية في إيران: «من يتمكن من تحقيق أهدافه وتسجيل الإنجازات فلا بد أنه يملك مواهب ذاتية ولا يمكن إغفال الجانب الوراثي في هذه القضية والجينات لها أثر كبير. على سبيل المثال، فإن أبي وأمي كانا من التلاميذ الأوائل وحققا درجة ممتازة في امتحانات دخول الجامعات في البلاد.. وهذه الجينات انتقلت إلى أبنائهما».
وأثارت هذه التصريحات الصادرة في 2017 ضجة كبيرة في الصحافة والإعلام وبين المسؤولين الإصلاحيين أنفسهم، حيث يعتبر محمد رضا عارف من أبرز وجوه التيار الإصلاحي. وانطلقت آنذاك موجة انتقادات حادة في الشبكات الاجتماعية ضد نجل عارف باسم «نجل عارف» و«الجينات الصالحة». وانطلقت حينها هاشتاغات أو نقاشات على الشبكات الاجتماعية حول «أبناء السادة» وحياتهم الشخصية.

[caption id="attachment_55268401" align="aligncenter" width="501"]حملة أين أبناؤكم: حملة شعبية لاستجواب المسؤولين، فانضموا إليها. حملة أين أبناؤكم: حملة شعبية لاستجواب المسؤولين، فانضموا إليها.[/caption]

ونشر الصحافي الإيراني نادر فتوره جي تغريدة ردا على أقوال حميد رضا عارف قال فيها «إن السبب في (النجاحات الريعية) التي حققتها أنت وأمثالك ليس الجينات الصالحة أو المميزة بل السبب هو الهيكلية الفاسدة». وأضاف: «إن نجل عارف يرسم صورة عن مستقبل البلاد بما يعني زيادة نفوذ جيل من (أبناء السادة) وهو جيل من المتوهمين والفاقدين للأخلاقيات والذين لا ينتمون أبداً إلى جيل ثورة 1979».
وكتب أحد المغردين ردا على تصريحات نجل عارف بلهجة ساخرة قائلا: «يطلق اسم الجينات الصالحة على الجينات غير الفعالة والتي تصبح جينات فعالة فجأة عندما يصبح والدك مسؤولا في نظام الحكم الثوري فجأة وأنت البالغ عشرين سنة تستطيع أن تبرم صفقات بمليارات التومانات!».


«جينات متفوقة» ولكن في الفساد




وسلط التقرير الذي نشره موقع إذاعة زمانه (الموالية للمعارضة الإيرانية) في 2017 الضوء على قضية ملفات الفساد التي تورط فيها عدد من أبناء المسؤولين.
وأشار التقرير إلى أن هناك جيلا جديدا ممن يوصفون بـ«أبناء السادة» بدأ يظهر في الساحة السياسية والاجتماعية في إيران وهؤلاء من الجيل الذي يقول عنهم نجل محمد رضا عارف إنهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه بسبب «جيناتهم المتفوقة» وليس «الريعية وكسب أموال غير مشروعة». فهؤلاء يقومون بدور بارز في الأنشطة السياسية والاقتصادية وذلك خلافا لنظرائهم من الجيل السابق الذين كانوا قد ولدوا قبل قيام ثورة 1979 من آباء «معممين يرتادون الحوزات الدينية». نشأ الجيل الجديد من «أبناء السادة» في عائلات تكنوقراطية ولا يختلفون عن بقية أبناء جيلهم إلا بفارق مهم وهو التمتع بـ«الإمكانيات والامتيازات الخاصة».
وأشار التقرير إلى أحد النماذج، وهو نجل محمد علي وكيلي، رئيس التحرير السابق لصحيفة «ابتكار» الإصلاحية وعضو كتلة أوميد الإصلاحية في البرلمان، حيث أصبح الابن عضوا في هيئة الإدارة والرئيس التنفيذي في إحدى الشركات الصناعية الوطنية باسم «كاوشكران آتيه صبا».

[caption id="attachment_55268402" align="alignleft" width="559"]محسن هاشمي رفسنجاني (نجل أكبر رفسنجاني) وهو من المنضمين إلى الحملة، يقول في تغريدة: لدي 3 أبناء كلهم طلبة لا يتولون أي مناصب حكومية... ابني الأول: عماد، من مواليد 1984، وهو حائز على شهادة الدكتوراه في فرع صناعي ومدير مكتب نشر وترويج معارف الثورة (المختص في نشر مذاكرات آية الله رفسنجاني). ابني الثاني: علي، من مواليد 1986، ومتخرج في فرع تصميم المدن من جامعة طهران، ويدرس الدكتوراه. وإحسان من مواليد 1996 وهو طالب في جامعة أمير كبير. محسن هاشمي رفسنجاني (نجل أكبر رفسنجاني) وهو من المنضمين إلى الحملة، يقول في تغريدة:
لدي 3 أبناء كلهم طلبة لا يتولون أي مناصب حكومية... ابني الأول: عماد، من مواليد 1984، وهو حائز على شهادة الدكتوراه في فرع صناعي ومدير مكتب نشر وترويج معارف الثورة (المختص في نشر مذاكرات آية الله رفسنجاني). ابني الثاني: علي، من مواليد 1986، ومتخرج في فرع تصميم المدن من جامعة طهران، ويدرس الدكتوراه. وإحسان من مواليد 1996 وهو طالب في جامعة أمير كبير.
[/caption]

وقال وكيلي في حوار مع صحيفة «شرق» في أغسطس (آب) 2017 إن نجله «جرى توظيفه في الشركة بناء على طلب زميله»، وهو «لم يكن على علم بالمنصب الذي يتولاه نجله».
وأوضح التقرير: «بغض النظر عن تصريحات وكيلي وللإجابة حول كيفية حصول نجله على مثل هذا المنصب في هيئة إدارة إحدى الشركات الصناعية المهمة في البلاد، يجب أن نعود قليلا إلى الوراء، أي عندما أعلن وكيلي عن مشروع للنواب لاستجواب وزير العمل (علي ربيعي)
ولكنه تراجع عن الفكرة التي كان هو صاحبها بالأساس بعد فترة وجيزة. وبالتالي يمكن الآن فهم الأسباب التي منعت وكيلي من الاستمرار في مبادرته باستجواب وزير العمل حسب التقرير».
وأفادت وكالات الأنباء الإيرانية المحسوبة على المعارضة بأن المحكمة أصدرت حكما على محمد طاهر حائري شيرازي وهو نجل محيي الدين حائري شيرازي (خطيب جمعة السابق في شيراز) بالسجن 6 سنوات واسترداد 366 مليون و400 ألف تومان من أموال الدولة ودفع غرامة مالية بقيمة 400 مليون تومان باتهام حيازة مساحات واسعة من الأراضي بشكل غير قانوني في 2011 غير أن محكمة الاستئناف أصدرت حكما بتبرئته.



وفي الرياضة... جينات متفوقة أيضاً




ولم يسلم قطاع الرياضة أيضا من الفساد المالي، حيث يحتكر عدد من أبناء المسؤولين وقيادات الحرس الثوري الإشراف على النوادي الرياضية المهمة والإعلانات، مما يدر عليهم أموالا طائلة. وعبرت وكالة «مهر» للأنباء عن هذا الموضوع بعنوان «دخول أبناء السادة إلى الإعلانات في الملاعب الرياضية... كرة القدم في محاصرة (الجينات الصالحة)».
ونشرت صحيفة «إيران ورزشي» (الرياضية) تقريراً حول صفقة حقوق بث مباريات كأس العالم مع التلفزيون الرسمي الإيراني (رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية يتم تعيينه مباشرة من قبل مرشد الثورة). وأشار التقرير إلى «أن هيئة الإذاعة والتلفزيون حصلت على أرباح طائلة من الإعلانات في فترة الراحة بين الشوطين، بلغت مليارات من التومانات. وحصلت هذه المؤسسة من بث إعلان واحدة يستغرق 17 ثانية قبل بداية المباراة 329 مليون تومان وبين شوطين 658 مليون تومان».

هناك مجموعة كبيرة من أبناء المسؤولين حصلوا على مناصب رفيعة في نظام الحكم وتورطوا في ملفات فساد اقتصادي. يسعى هؤلاء الذين ينتمون إلى عائلات إصلاحية ومتشددة على حد سواء ويمكن تسميتهم بـ«أصحاب الجينات المتفوقة» إلى أن يحلوا محل «آبائهم» في مستقبل النظام ليستمروا في نهج الآباء في الريعية والفساد على كافة الأصعدة.
وأثار تسريب مقاطع فيديو لحفلة زواج فخمة لأمير حسين مراديان نجل السفير الإيراني لدى الدنمارك ومصممة الأزياء الإيرانية أناشيد حسيني، في إحدى صالات العرس في منطقة راقية بطهران في العام الماضي انتقادات واسعة بين مستخدمي الشبكات الاجتماعية، وخاصة في ظل موجة الاحتجاجات على الظروف المعيشية السيئة التي يواجهها المواطن الإيراني وارتفاع نسبة البطالة والتضخم. فجاء انتشار مقاطع من حفل الزفاف الذي بلغت تكلفته مليارات الريالات بحسب رواد الشبكات الاجتماعية، في ظل هذه الظروف، ليزيد الطين بلة ويرفع من مستوى الاستياء الشعبي من النظام الذي كان المسؤولون فيه يتظاهرون بتمتعهم بحياة بسيطة وكريمة.
وردا على هذا الفيديو نشر موقع «فرارو» الإلكتروني تقريرا انتقد فيه حفل الزفاف الفخم هذا وقال: «لقد أقيم هذا الحفل في الوقت الذي لا يتمكن فيه 13 مليون شاب وشابة وهم في سن الزواج من الزواج بسبب ظروف اقتصادية متدهورة».

[caption id="attachment_55268403" align="aligncenter" width="550"]" لا تسألوا المسؤولين # أين أبناؤكم، بل اسألوهم أين هم أبناء الغير؟  # أين الأطفال العاملون؟ # أين أطفال المناطق المنكوبة بالزلزال في منطقة جسر ذهاب؟ # أين أطفال البلوش المفقودون؟" " لا تسألوا المسؤولين # أين أبناؤكم، بل اسألوهم أين هم أبناء الغير؟
# أين الأطفال العاملون؟ # أين أطفال المناطق المنكوبة بالزلزال في منطقة جسر ذهاب؟ # أين أطفال البلوش المفقودون؟"
[/caption]

واعتبر بعض رواد الشبكات الاجتماعية أن انتشار الفساد وغصب المناصب الرفيعة بين أبناء المسؤولين وأقربائهم يدل على زيادة التمييز في إيران والابتعاد عن القيم والأسس الثورية التي لطالما تغنى بها مسؤولو الجمهورية الإسلامية.
وقال رجل دين محافظ يدعى محمد مهدي صدر الساداتي على «الإنستغرام» إن نشر صور هذه الحفلة والأنباء الأخرى عن أبناء المسؤولين قد تضع نهاية لحكم رجال الدين حيث كان مؤسس الثورة يدعو دوما إلى الحياة البسيطة ودعم الطبقات الفقيرة.
وبغض النظر عن مدى تجاوب المسؤولين الإيرانيين مع الحملة الجديدة على الشبكات الاجتماعية يبدو أن هناك سخطا وغضبا شعبيا متزايدا من أداء النظام الإيراني الاقتصادي والممارسات التمييزية وهو يسعى إلى نافذة أو متنفس يعبر فيه عما يجول في ذهنه، ويبدو أنه لم يجد منصة أفضل من الفضاء الافتراضي للتعبير عن هذا الاستياء. فهل هذه الموجة الجديدة ستفتح المجال لتحقيق العدالة الضائعة في إيران ووقوف كل «أبناء السادة» المتهمين بالفساد واستغلال المناصب الحكومية أمام العدالة يوما ما؟


font change