لا تزال الحرب بين روسيا وأوكرانيا، منذ فبراير/شباط 2022، تمضي في مسار طويل وشاق، من دون أفق حاسم. ولا يبدو، في نظر مراقبين عسكريين وسياسيين، أن أوكرانيا تنوي الاستسلام، في حين تبدو روسيا عاجزة حتى الآن عن تحقيق نصر واضح في هذه الحرب.
في هذا السياق، تحدثت "المجلة" إلى أحد أبرز المنظرين السياسيين في روسيا، البروفيسور سيرغي كاراغانوف، الذي شغل لعقود موقع المستشار غير الرسمي للكرملين ولعدد من الرؤساء الروس، وفي مقدمتهم الرئيس فلاديمير بوتين، ويترأس حاليا مجلس السياسة الخارجية والدفاعية.
يعتقد كاراغانوف، بعد أكثر من ثلاث سنوات من القتال، أن موسكو تخوض كما هو واضح "حربا مع أوروبا على الأراضي الأوكرانية". ويقول محذرا: "لحسن الحظ، لم نلجأ بعد إلى الأداة القصوى الضرورية في ترسانتنا، وهي الردع النووي".
ويذهب كاراغانوف إلى أن الولايات المتحدة شرعت في الانسحاب من الحرب الروسية–الأوكرانية حتى خلال إدارة بايدن، "بعدما أدركت مبكرا أنها تدعم حربا خاسرة، شبيهة بإخفاقاتها في أفغانستان والعراق. وبرأيه، انتهت واشنطن في نهاية المطاف إلى اعتبار هذا الصراع غير ضروري".
وفيما يتعلق بالخطة ذات النقاط الثمانية والعشرين التي روّج لها الرئيس دونالد ترمب، وما إذا كانت تخدم بالدرجة الأولى مصالح روسيا، رفض كاراغانوف هذا الطرح، معتبرا أن عددا من بنودها يفتقر إلى الواقعية. وضرب مثلا على ذلك "اقتراح إعادة انضمام روسيا إلى مجموعة السبع"، التي كانت تُعرف بمجموعة الثماني قبل استبعاد موسكو عام 2014، واصفا المجموعة بأنها غدت "مكبّا للقوى القديمة".
ويؤكد كاراغانوف أن العقوبات الأوروبية أسهمت، على نحو غير متوقع، في خدمة روسيا، إذ دفعت إلى تنشيط الابتكار المحلي وإعادة بناء القاعدة الصناعية الوطنية. وبرأيه، فإن الأثر العام لهذه العقوبات، باستثناء الكلفة الإنسانية، كان "إيجابيا للغاية" لمسار التنمية في روسيا.
ويشدد على أن الحرب لن تنتهي إلا عندما تستعيد موسكو "أراضينا في شرق وجنوب أوكرانيا"، وعندما يتم "استبعاد الأوروبيين" من مفاوضات السلام. ويختم بالقول: "الوقت يقف إلى جانب السيد بوتين، بلا شك".
وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:
* بعد بضعة أشهر من الآن، وتحديدا في يونيو/حزيران 2026، ستكون الحرب الروسية–الأوكرانية قد تجاوزت، من حيث مدتها، الحرب العالمية الأولى، التي استمرت أكثر من أربع سنوات. اليوم، يبدو واضحا للمراقبين أن أوكرانيا لا تنوي الاستسلام، أما روسيا فتبدو، من جانبها، إما عاجزة عن تحقيق نصر حاسم، أو غير متيقنة من كيفية الوصول إليه. كيف تقيّمون هذا الوضع؟
- لقد ارتكبنا أخطاء في تقدير الوضع في أوكرانيا وفي أوروبا. لكننا نجحنا في وقف توسّع حلف "الناتو" والبنية التحتية العسكرية الأوكرانية. وكثيرون في بلادنا يعتقدون أننا تمسكنا بمبادئنا، وأنه لا يمكن الوثوق بالدول الغربية، وهو أمر بات جليا اليوم. دعني أصحح نقطة أساسية: نحن لا نعد ما يجري حربا، بل عملية عسكرية خاصة.
حتى الآن، لم نستخدم في هذه العملية العسكرية الخاصة كامل وسائلنا وقدراتنا، وذلك لأسباب إنسانية. ولو كنا استخدمنا جميع أدوات الحرب، لكان عدد القتلى من الأوكرانيين أكبر بكثير. هل الوضع مقبول اليوم؟ لا، بالطبع. هناك قتلى من الجانبين.
لكن معظم الخسائر تقتصر على القوات العسكرية، وهو أمر غير فعّال عسكريا، أولا. وثانيا، ولأسباب إنسانية ودينية، لم نستخدم– ولحسن الحظ– الأداة القصوى الضرورية في ترسانتنا، أي الردع النووي. وحتى الآن، لا يجري التلويح بها إلا بوصفها أداة ردع، وينبغي أن نكون واعين لذلك.

