تهديد إيران بغلق مضيق هرمز.. مجرد خدعة؟

تهديد إيران بغلق مضيق هرمز.. مجرد خدعة؟

[caption id="attachment_55231361" align="aligncenter" width="619" caption="أسطول بحري أمريكي في مياه الخليج العربي في حال استنفار"]أسطول بحري أمريكي في مياه الخليج العربي في حال استنفار[/caption]



يعرف المجتمع الدولي أن تهديد إيران بغلق مضيق هرمز ذي الأهمية الاستراتيجية - ذلك الممر المائي الضيق الذي يجب أن تمر عبره خُمس إمدادات النفط اليومية في العالم - مجرد خدعة. ويعرف أيضا، كما تعرف الحكومة الإيرانية أنه إذا كانت إيران ستغلق المضيق فستحرم نفسها من القدرة على تصدير النفط. ومن دون مبيعات النفط لن تستطيع إيران أن تجد تمويلا وقد ينهار اقتصادها. في إيجاز، سوف يضر غلق المضيق بإيران بصورة أكبر من أي عقوبات يمكن أن تحلم إدارة أوباما بفرضها عليها، فلماذا تخوض إيران هذه المخاطرة؟

بدأت الأزمة في 27 ديسمبر (كانون الأول)، عندما أصدر قائد البحرية الإيرانية أدميرال حبيب الله سياري تحذيرا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنهما إذا استمرا في تهديداتهما بمقاطعة النفط الإيراني أو معاقبة من يشتري النفط الإيراني (كما يقترح التشريع الأميركي)، فسوف تغلق إيران مضيق هرمز، الذي وصفه وزير الخارجية الأميركي الأسبق ذات مرة بأنه «الوريد الوداجي بالنسبة للغرب».

منذ إطلاق التهديد الأول، تخوض الولايات المتحدة وإيران حربا كلامية حول الممر المائي، حيث حذر قائد الجيش الإيراني الجنرال عطاء الله صالحي قوات البحرية الأميركية من عودة مجموعة حاملة طائرات أميركية غادرت المنطقة أخيرا - تقودها الحاملة يو إس إس جون ستينيس – إلى الخليج. وفي بيان له قال صالحي: «لن تكرر إيران تحذيرها.. خرجت حاملة العدو إلى خليج عمان بسبب مناورات (عسكرية). وأنصح وأؤكد على الحاملة الأميركية عدم العودة إلى الخليج الفارسي.. لسنا معتادين على تكرار الإنذار أكثر من مرة واحدة».

وفي مفارقة قدرية، بعد يومين أنقذت الحاملة ستينيس 13 صيادا إيرانيا من القراصنة الصوماليين في تعبير طيب عن حسن النيات. وفي اليوم التالي في تعبير نادر عن الامتنان، شكرت وزارة الخارجية الإيرانية الولايات المتحدة على إنقاذ بحارتها، لتناقضها تصريحات من الحرس الثوري الذي وصفها بعملية دعائية على طريقة هوليوود. وفي واقعة أحدث، في 10 يناير (كانون الثاني)، أنقذت سفينة خفر سواحل أميركية تعمل قبالة السواحل العراقية في شمال الخليج مجموعة أخرى من البحارة الإيرانيين كادت سفينتهم أن تغرق. ولكن على الرغم من بوادر حسن النية من جانب الأميركيين، فإن الحكومة الإيرانية استمرت في موقفها العدائي.

في الوقت الذي تمثل فيه صادرات النفط التي تمر من الخليج عبر مضيق هرمز أهمية بالغة لاقتصاد دول أوروبا وآسيا، يحمل المضيق الأهمية ذاتها للاقتصاد الإيراني الذي يصدر نحو 2.7 مليون برميل يوميا، والذي يتم تحميل غالبه من منصة النفط في جزيرة خارج الواقعة في شمال الخليج وينقل إلى الأسواق العالمية عبر هرمز.في ظل هذه الأوضاع، يبدو تنفيذ إيران لتهديدها بغلق المضيق بعيد الاحتمال، حيث سيؤثر على نحو بالغ الخطورة على قدرة إيران على تصدير النفط وسيضر باقتصادها الضعيف بالفعل والمتعثر في ظل نظام من العقوبات الصارمة.

تكتيك قديم


لا يعد التهديد بغلق مضيق هرمز تكتيكا إيرانيا جديدا، ففي أثناء الحرب الإيرانية العراقية (1980 - 1988) كررت الجمهورية الإسلامية تهديدها بغلق المضيق أمام الملاحة العالمية، كوسيلة للضغط على دول الخليج، وتحديدا الكويت والبحرين وقطر والإمارات، من أجل وقف دعمها للعراق.لم تنفذ إيران تهديدها مطلقا، ببساطة لأنها لا تستطيع تحمل خسارة مصدر مهم للدخل، لا سيما وأن الاقتصاد الإيراني كان أيضا متعثرا بسبب العقوبات الأميركية التي أسفرت عنها أزمة احتجاز رهائن أميركيين في 1979 - 1980.


[caption id="attachment_55231362" align="alignright" width="300" caption="البحرية الإيرانية.. إمكانات محدودة"]البحرية الإيرانية.. إمكانات محدودة[/caption]

وفي حادثة محددة في أغسطس (آب) عام 1983، عندما أعلن العراق أنه يعتزم توسعة نطاق الحرب لتشمل منطقة الخليج، رد النظام الإيراني بالتهديد بغلق الممر الاستراتيجي، مناقضا وعودا أطلقها في بداية الصراع بترك المضيق مفتوحا.وفقا لإدغار أوبالانس، الصحافي والأكاديمي، كانت إيران تملك أكثر من وسيلة تغلق بها المضيق. أولا كان في إمكانها إقامة ما يطلق عليه جدار ناري، تهدد من خلاله بفتح النار على أي سفينة غير مرخص لها بالمرور عبر الجزر في المضيق. من الممكن أن تطلق النار على السفن العابرة للمضيق من خلال قواعد مدفعية على الجزر أو من الجو. فيما يتعلق باستمرار هذا الخيار، لم يتغير الوضع كثيرا عن عام 1983، إن لم تكن القدرات العسكرية الإيرانية قد تحسنت، لا سيما في ظل توسعة قدراتها على إطلاق الصواريخ البالستية وصواريخ كروز في الأعوام الأخيرة.

من دون شك ما زال الجدار الناري أفضل وسيلة تغلق بها إيران المضيق أمام السفن. سيسمح هذا الخيار لإيران بالاستمرار في تصدير النفط عبر المضيق، في حين أنه سيمنع دول الخليج (والعراق) من تصديره. ولكن إذا بدا هذا أفضل لإيران، ستكون البحرية الأميركية أكثر قدرة على إعاقة المنشآت العسكرية الإيرانية حول المضيق.
يعود الخيار الثاني إلى فترة الثمانينيات من القرن الماضي، حيث كان في إمكان إيران وقتها وضع ألغام في المضيق. وعلى الرغم من أن هذا سيؤدي بالتأكيد إلى بطء الملاحة الدولية المارة عبر المضيق فإنه لن يوقفها كليا. ويمكن أن تجري الولايات المتحدة (تماما كما فعلت أثناء عامي 1987 – 1988) عمليات كسح ألغام ونظام قوافل، من أجل الحد من فاعلية الألغام الموضوعة. وفي الوقت ذاته، تخاطر إيران بإصابة سفنها الخاصة، التي ستكون معرضة للألغام تماما مثل السفن الأخرى. وبذلك ستشل قدرتها على تصدير النفط.

وأخيرا أشار أوبالانس إلى أن إيران قد تغرق ناقلة نفط ضخمة في وسط المضيق، مما سيمنع أي سفن أخرى من المرور. ظاهريا يعد هذا أحد الخيارات التي تستطيع إيران من خلالها أن تغلق المضيق لفترة طويلة، ولكن مع دراسة متأنية، يبدو أن ممر النقل الرئيسي في المضيق عميق للغاية من أجل تنفيذ هذا التكتيك، على الرغم من إمكانية تأثيره الرادع.

يأتي خيار أكثر قابلية للتنفيذ أمام إيران، كما يقول الأكاديمي الأميركي غاري سيك، باستخدام صواريخ كروز من أجل الهجوم على منصات تحميل النفط في الدول الخليجية داخل الخليج. في حين سيحقق هذا الأسلوب تأثيرا مؤكدا على إمدادات النفط الغربية - ناهيك عن إثارة الذعر في أسواق النفط العالمية المهتزة بالفعل - فإن هذا التصرف من المرجح أن يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية مع احتمالية كبيرة للتدخل الأجنبي (من الولايات المتحدة).

تناولت «الإيكونومست» أخيرا إمكانية اعتماد إيران على قدراتها الحربية غير المتناظرة، وأبرزها استخدام القوارب السريعة المزودة بصواريخ كروز المضادة للسفن، بالإضافة إلى أسطولها المتنامي من الغواصات الصغيرة والطائرات بلا طيار المزودة بالأسلحة. وكما تشير «الإيكونومست»: «يعتقد الإيرانيون أنه من خلال تكتيكات (السرب) في المياه الضيقة، ربما يستطيعون التغلب على وسائل الدفاع المعقدة في مجموعة حاملة الطائرات الأميركية». ويعد هذا نهجا جديدا لخيار الجدار الناري وقد يجعل المرور عبر المضيق عملية خطرة، ولكن لن تتمكن هذه التكتيكات من ردع السفن تماما. وعلى أية حال، في ذروة الحرب بين إيران والعراق، عندما كان كل من إيران والعراق يستهدفان الملاحة الدولية، استمرت السفن في الدخول إلى الخليج واستمر تحميلها بالنفط رغم تعرضها لخطورة كبيرة».

ولكن في الحقيقة على الرغم من قدرة إيران على غلق مضيق هرمز لفترة محدودة، فإن ذلك أيضا سيضر إيران وحلفاءها بقدر ما سيؤثر على أعدائها. وهناك سببان لذلك. أولا، إذا كانت إيران ستغلق المضيق بالقوة، فستحرم ذاتها من الممر المائي الرئيسي لصادراتها من النفط. وسيكون الاحتمال الوحيد المتاح أمام إيران هو نقل النفط عبر شاحنات إلى ميناء يقع جنوب المضيق، في خليج عمان، ولكن ستكون التكلفة باهظة للغاية وصعبة لوجيستيا. جدير بالذكر أن إيران لم تقم خط أنابيب للطوارئ يمر بالمضيق، بعد ملاحظة هذا القصور الاستراتيجي أثناء الحرب مع العراق.

عمل تخريبي


ثانيا، لن تتحمل الولايات المتحدة ودول أوروبية وآسيوية - وبخاصة الصين، حليفة إيران التي تعتمد بكثافة أيضا على صادرات النفط الإيرانية - مثل تلك الخطوة. إذا كانت إيران ستغلق المضيق، سترد الصين بصورة سلبية للغاية، وفقا لما ذكرته «رويترز»، حيث تشتري نحو 550.000 برميل يوميا من إيران، ناهيك عن وارداتها من السعودية، التي يجب أيضا أن تمر عبر المضيق. ومن الصعب أن نتخيل أن إيران تريد إغضاب حليفتها الصين.في الوقت ذاته، تعرف إيران أن في غلق المضيق انتهاكا للقانون الدولي ومن الممكن أن يعتبره البعض (مثل الولايات المتحدة) عملا حربيا.


[caption id="attachment_55231363" align="alignleft" width="300" caption="هو جينتاو وأحمدي نجاد.. هل تنقذ الصين إيران من أزمتها"]هو جينتاو وأحمدي نجاد.. هل تنقذ الصين إيران من أزمتها[/caption]


أمام هذه العوامل الدولية، يبدو من غير المرجح أن تنفذ الحكومة الإيرانية تهديدها فعليا، لمجرد أنها لا تستطيع تحمل نتيجته. ورغم كل شيء حتى أثناء ذروة الحرب العراقية الإيرانية عندما كان العراق يقصف السفن الإيرانية بانتظام وكانت الولايات المتحدة تجري نظام قوافل هائلا عبر الممر المائي، لم تلجأ إيران مطلقا إلى غلق المضيق، ولكن لماذا؟

تتلخص الإجابة على هذا السؤال في الاعتبارات الداخلية. وفقا لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الرسمية في إيران، في عام 2006 كانت نسبة 90 في المائة من صادراتها النفطية تخرج من جزيرة خارج. وفي عام 2009، أعلن عن تصدير جزيرة خارج 950 ألف برميل سنويا، ليصل حجم التصدير اليومي إلى 2.6 مليون برميل يوميا وهو يماثل صادراتها النفطية اليومية المعروفة. لذلك يعتمد الإيرانيون على تصدير النفط الذي يمر عبر مضيق هرمز تماما مثل بقية دول الخليج.

من المستبعد أن تغلق إيران مضيق هرمز ردا على المقاطعة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث إن غلق المضيق سوف يؤثر على الاقتصاد الإيراني بصورة أسوأ من أي عقوبات أجنبية. في الواقع، ستكون الحكومة الإيرانية بذلك وكأنها تعاقب ذاتها. وفي ظل تلك العوامل يعد تهديد إيران بغلق المضيق أجوف. كما أن نظاما ملتزما بالمحافظة على ذاته مثل ذلك في إيران لن يقدم على الانتحار عمدا وغلق المضيق لن يؤدي إلا إلى هذه النتيجة. باختصار يمارس الإيرانيون خدعة والجميع يعرف ذلك.

برايان غيبسون
font change