بعزم أكيد على الحيلولة دون تكرار الكارثة الاقتصادية التي وقعت في القرن الماضي، اجتمع قادة أغنى 20 اقتصاداً في العالم بلندن وذلك في الثاني من أبريل 2009 من أجل وضع خطة عملية متكاملة ومنسقة. وبالرغم من أنه تم اتخاذ إجراءات مشجعة للتعامل مع الأزمة، لا يزال هناك الكثير الذي ينبغي القيام به.
ومما لا شك فيه أن الموقف الاقتصادي العالمي الحالي يعد الأسوأ منذ الثلاثينيات، حيث تشير توقعات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي إلى أن معدلات نمو اقتصاديات أعضائها الثلاثين تبلغ 4,3% بالنسبة لعام 2009، كما تتوقع أن يصل عدد العاطلين عن العمل إلى 36 مليون شخص في وقت لاحق من هذا العام. وقد خفض البنك الدولي توقعاته بالنسبة لنمو الدول النامية إلى النصف من 4,4% إلى 2,1%. والآن يبدو معدل الهبوط في التجارة الدولية المتوقع من قبل منظمة التجارة الدولية والبالغ 9% بمثابة رقم مبالغ في التفاؤل مقارنة بالهبوط المتوقع من قبل منظمة التنمية والتعاون الدولي والذي نسبته 13,9%.
وتعد الحلول التي تم تسليط الضوء عليها في بيان قمة العشرين بمثابة خطوة إيجابية نحو إنعاش الاقتصاد العالمي. وتواجه المعايير التخفيفية لاستعادة الثقة والنمو والوظائف بشكل ملائم مشكلات حساسة مثل استعادة الإقراض بين البنوك وإصلاح النظام المالي عن طريق التغلب على جوانب القصور الرقابية وتقوية فعالية المنظمات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وإصلاح الرقابة المالية والهياكل التنظيمية وترويج التجارة العالمية والإستثمار من خلال الرفض الفعال للحمائية. ويتضمن ملحق بيان القمة صياغة "خريطة طريق" لتحقيق معظم أهدافها.
ومع هذا، فإن الوضع ليس كذلك بالنسبة للتجارة. فبالرغم من أن بيان قمة العشرين وصف التجارة والإستثمار بأنهما محرك النمو الاقتصادي، ومن ثم فهما بمثابة ركن أساسي في تحقيق الإنعاش الاقتصادي، فإن الإجراء الوحيد ذا المغزى والمرتبط بالتجارة في البيان يتمثل في إقرار صندوق يقدر بـ 250 مليار دولار من أجل التمويل التجاري.
وفي حين أن ذلك سيكون بمثابة دعم هام للاقتصاديات الناشئة والنامية (والتي هي في حد ذاتها بمثابة ركن هام لإنعاش النظام التجاري)، يظل التعهد بمكافحة الحمائية من قبيل "المساعي الحميدة" ومن ثم فإنه يعجز عن تحقيق أي نتائج ملموسة. في الواقع، يتناقض ضعف المعايير المتصلة بالتجارة تناقضاً صارخاً مع التحذيرات القوية التي أصدرتها منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بشان النتائج السلبية لزيادة الحمائية. إن الحمائية في حالة ازدياد في الوقت الراهن، وبينما تواجه الحكومات هبوطاً في النمو الاقتصادي والبطالة وتراجع الصادرات، فقد تحولت إلى سياسات تعطي الأولوية للمنتجين المحليين على حساب الكفاءة في الإنتاج.
إن نزعات القومية الاقتصادية، مثلما نجد في البند الوارد في خطة التحفيز الأمريكية والذي يعرف بـ "اشتر المنتج الأمريكي" أو مجرد الزيادة في حواجز ونسب التعريفات كما هو الحال بالنسبة لأندونيسيا أو الهند أو الأكوادور أو الأرجنتين، سرعان ما انتشرت في أرجاء العالم. كما أن الحمائية المالية تنمو بقوة، ويتزايد عجز بنوك الإنقاذ المالي، كتلك الموجودة في ألمانيا أو فرنسا أو المملكة المتحدة، عن منح القروض للشركات أو الأسر نتيجة للقيود الحكومية المفروضة.
وبالنسبة لبيانات قمة العشرين، نستشف منها أنه فيما يخص التجارة، لا تكفي المساعي الحميدة لوقف الحمائية أو التقليل منها. في الواقع، وطبقاً لدراسة حالية للبنك الدولي، تقاوم 3 من ال 20 الأعضاء في قمة العشرين التحول إلى سياسات الحمائية عقب التئام قمة العشرين في نيويورك عام 2008 (والتي ضمت المملكة العربية السعودية بين أعضائها).
هناك حاجة للتغيير. ينبغي أن يكف الساسة عن التشدق بالكلمات وأن يبدءوا في اتخاذ خطوات عملية لإختتام جولة الدوحة لمفاوضات التجارة الدولية. ومما يزيد من صعوبة الاعتماد على النصوص الحالية لمنظمة التجارة العالمية لمواجهة الحمائية تلك الفجوة بين التعريفات المطبقة والسقوف الجمركية (أي الفارق بين النسبة المنطبقة والحد الأقصى المسموح به في نسبة التعريفات).
وبالنسبة للدول النامية مثل البرازيل والأرجنتين، يبلغ متوسط نسبة التعريفات حوالي 30% في حين أن متوسط النسبة المطبقة 13%. وهذا معناه أن الدول النامية يمكن أن تزيد بشكل ملحوظ من تعريفاتها دون مخالفة أي قوانين للتجارة الدولية، ومن ثم تنشأ مشكلات كبيرة بالنسبة للمنتجين الذين تنتشر شبكاتهم الإنتاجية في العديد من دول العالم. ومن المحتمل أن تؤدي أي زيادة في التعريفات إلى اضطراب الإنتاج في العديد من الدول الأخرى والذي يمكن بدوره أن يسبب تصدعاً في نظام الإنتاج ككل.
والطريقة الناجحة الوحيدة لمواجهة هذه المشكلات تتمثل في إحياء واختتام جولة الدوحة للمفاوضات التي كانت على حافة التصدع وكانت تتجه نحو طريق مسدود على مدى الثمانية أعوام الماضية. وعلاوة على ذلك، فإن الكثير والكثير على أرض الواقع مهدد بالخطر. فعلى سبيل المثال، بالنسبة للمفاوضات بشأن الخدمات، فإن عروض يوليو 2008 المشجعة تواجه خطر فقدها إذا لم يتم عقد الصفقة. وينبغي أن تنتهز الحكومة حقيقة أن الأزمة المالية قد أدت إلى تقويض المصالح المستفيدة من تكريس الوضع الراهن.
ووفقاً للنظرية الاقتصادية، تحفز الأزمات الاقتصادية على إحداث تغيير في السياسة حيث يتم إفساح المجال السياسي لتجديد السياسة. وربما يستفيد الجمود الحالي في المفاوضات الخاصة بمنظمة الوصول إلى الاسواق غيرالزراعيةNAMA من مثل هذا التجديد في السياسات.
ويحتاج الساسة والمفاوضون إلى الاستفادة من الماضي. وربما تصبح المفاوضات أكثر سلاسة بالفعل إذا استطاعت مجموعة من الدول المتطلعة (مثل تحالف كافيه أوليه الذي شهد جولة أورجواي) أن تخطو خطوة للأمام وتعقد صفقة من شأنها أن تزيل الانقسام الحاد بين الشمال والجنوب.
وبوضع التكاليف السياسية المرتفعة لتحرير التجارة في الاعتبار، فإن بيانات المساعي الحميدة محكوم عليها بالفشل فيما يتصل بخفض معدل الحمائية. وقمة العشرين بأسلوبها الذي يتسم بمرونة المعايير في وضع السياسات ليست مهيأة بشكل تام للتعامل مع أحد أهم أركان تحقيق الإنعاش الاقتصادي العالمي والمتمثل في التجارة الدولية. وتشير دراسات حديثة إلى أنه إذا تم تطبيق التجارة الحرة في مجال الخدمات والزراعة والتصنيع اليوم، فمن الممكن أن يتزايد إجمالي الناتج المحلي بمعدل 1,661 تريليون دولار و53 مليار دولار و700 مليار دولار في هذه المجالات على الترتيب.
وبالرغم من أنه من المنطقي ألا يعتقد المرء أن جولة الدوحة يمكن أن تحقق مكاسب من هذا النوع (تقديرات البنك الدولي للمكاسب مجتمعة تبلغ 287 مليار دولار أمريكي بمرور الوقت)، فإن إتمام الجولة بنجاح سوف يسهم على أسوأ الظروف في استعادة الثقة في الاقتصاد العالمي والتي هناك حاجة ملحة إليها.
دانيال كاباريلي - باحث إقتصادي من مدرسة لندن للإقتصاد والسياسة