نزع سلاح "حزب الله"... من الإطار الداخلي إلى السياق الإقليمي

رهانات إسرائيلية وإيرانية محفوفة بالمخاطر

أ.ف.ب
أ.ف.ب
رُفع علم حزب الله على كورنيش البحر، بينما أبحر أنصاره في قوارب صغيرة حول صخرة الروشة، إحياءً للذكرى السنوية الأولى لاغتيال زعيم الحزب، حسن نصر الله، في بيروت في 25 سبتمبر

نزع سلاح "حزب الله"... من الإطار الداخلي إلى السياق الإقليمي

إذا كانت نظرية وحدة الساحات أكثر النظريات شيوعا وخضوعا وإخضاعا للاختبار خلال حرب السنتين الإقليمية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإنه لا يمكن النظر إلى اتفاقيات وترتيبات ومسارات ما بعد الحرب وبالأخص لناحية نزع سلاح "حماس" و"حزب الله" إلا من حيث إن هناك وحدة ساحات على ضفتي الصراع، على اعتبار أنه لا يمكن فك ساحة عن الأخرى في عقل إسرائيل وفي عقل خصومها أيضا. أولم تغدُ المنطقة كلها ساحة واحدة بساحات كثيرة؟

على هذا النحو لا يمكن النظر إلى مسألة نزع سلاح "حزب الله" بمعزل عما يحصل في المنطقة ككل، ابتداء من غزة وصولا إلى طهران مرورا بالخليج وتركيا ومصر والعراق. فإذا كان يراد لعملية نزع السلاح أن تكون المدخل إلى "السلام والازدهار" وإلى النظام الإقليمي الجديد، فكلما استطالت حالة عدم الاستقرار حتى ولو توقفت الحرب، فإن هذه العملية تزداد تعقيدا وصعوبة خصوصا أن ما يطرح سواء في غزة أو لبنان، من خارج المنظور الإسرائيلي، هو نزع السلاح سياسيا وليس بالقوة العسكرية، وهذه مسألة يشكك فيها الإسرائيليون أكثر فأكثر ويجدون أنفسهم مرة جديدة أمام "عدم اكتمال المهمة"، ولكنهم في الوقت عينه خاضعون لحسابات دقيقة ومعقدة بين علاقاتهم مع واشنطن ومستقبل "اندماجهم" في المنطقة كمكسب استراتيجي.

من هنا يفهم تشدد "حزب الله" في تمسكه بسلاحه بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أكثر مما قبله، وذلك ليس لأنه يخشى أن تنتقل إسرائيل إلى الجبهة الشمالية بعدما أوقفت المعارك في الجبهة الجنوبية، بل إنه يقارب المسألة من الناحية السياسية أيضا وليس الأمنية والعسكرية وحسب، على اعتبار أن الصعوبات والعراقيل التي يواجهها تنفيذ وقت إطلاق النار في غزة، ولاسيما في لحظة الانتقال بين المرحلتين الأولى والثانية، تجعل المشروع الأميركي لنقل المنطقة من حالة الحرب إلى حالة "السلام" محفوفا بالمخاطر. أي إن الهدف الذي يربط به نزع السلاح لا تتوفر كل عناصر نجاحه حتى الآن، وبالتالي يصبح التمسك بهذا السلاح وكأنه جزء من مواجهة هذا المشروع وتعميق أزمته.

رهانات إيران أيضا محفوفة بالمخاطر، فموازين القوى الجديدة التي أفرزتها حرب الأيام الـ12 مع إسرائيل وأميركا في يونيو/حزيران الماضي جعلت خياراتها محدودة

بعبارات أخرى، فإن التصدعات والتباينات والحسابات المتناقضة بين القوى الداعمة لخطة العشرين بندا الأميركية بخصوص غزة، تجعل رهان "حزب الله" على تعثر هذه الخطة أكبر، فكلما اقتربت هذه القوى من التوافق ومن القدرة على تنفيذ الخطة، كلما ضعف رهان "الحزب" على فشلها، وبالتالي أصبح أكثر تحسبا في مواجهة النظام الإقليمي الآخذ بالتشكل بدفع أميركي، انطلاقا في الساحة اللبنانية. وهذا في الأصل موقف إيران، التي تترقب سير التطورات في المنطقة، فلا تواجه "خطة العشرين" مواجهة مفتوحة ولا تستسلم لها استسلاما مطلقا، أي إن حسابات طهران هي أولا حسابات ذاتية، بين الاستعداد لمواجهة جديدة مع أميركا وإسرائيل، وبين إمكان استئناف المفاوضات مع واشنطن، والخياران لا يزالان مبهمين حتى الآن ولا يمكن تقدير أي منهما هو الأكثر أرجحية. مع العلم أن تصويت مجلس الأمن الاثنين في 17 نوفمبر/تشرين الثاني على مشروع القرار الأميركي لإنشاء قوة دولية في غزة يعزز فرص "خطة العشرين" ويعيد تأكيد الإجماع الدولي والإقليمي من حولها، وهو ما يجعل إيران و"حزب الله" أكثر تحسبا في انتهاج خيارات تصعيدية.

رويترز
رئيس الجمهورية جوزيف عون يسير بعد انتخابه رئيسا للبلاد في مبنى البرلمان في بيروت، لبنان، 9 يناير 2025

والحال هذه فإن رهانات إيران أيضا محفوفة بالمخاطر، فموازين القوى الجديدة التي أفرزتها حرب الأيام الـ12 مع إسرائيل وأميركا في يونيو/حزيران الماضي جعلت خياراتها محدودة وقلصت هامش مناورتها فأصبح جلّ سعيها أن تنجو بنظامها بأقل الخسائر الممكنة، وهذا ما ينعكس أيضا على "حزب الله" الذي وإن كان الآن يتصلب في تمسكه بسلاحه، فإن احتمال أن تصعد إسرائيل حربها ضده إلى أيام قتالية، ليس احتمالا هينا بالنسبة إليه بعدما تلقى ضربات قاسية خلال حرب الـ65 يوما بين سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. ولكن "الحزب" في كل ذلك يحاول شراء الوقت ما دام غير قادر على قلب المعطيات لعل نافذة حل تفتح ولاسيما من خلال استئناف المفاوضات الأميركية مع إيران. 

"حزب الله" تصرف من جهته كما لو أنه حقق انتصارا على الحكومة لمجرد الإطاحة بالجدول الزمني لحصر السلاح ومن حيث منعه الحكومة من إقرار خطة الجيش عوض الترحيب بها

والخلاصة أن ملف نزع سلاح "حزب الله" خرج من الدائرة المحلية اللبنانية وأصبح مرتبطا بالتطورات الإقليمية بدءا من غزة. فقرار الحكومة اللبنانية بتبني أهداف ورقة توم باراك مبعوث الرئيس ترمب إلى لبنان، والتي تتضمن "حصرية السلاح وبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها وضمان استدامة وقف الأعمال العدائية وإنهاء الوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيها (حزب الله)، على كامل الأراضي اللبنانية"، هذا القرار الذي وصفه "حزب الله" بالخطيئة الكبرى واجه ولا يزال عراقيل حقيقية، ويمكن القول إنه بقي حبرا على ورق في ظل رفضه من قبل الطرف الرئيس المعني به أي "حزب الله"، وفي ظل تمسك الجيش اللبناني الذي أعد خطة حصر السلاح ("رحبت" بها الحكومة في 5 سبتمبر 2025) بمبدأ عدم الاصطدام عسكريا بـ"حزب الله"، على قاعدة أنه إذا كان تنفيذ الخطة سيدفع نحو مواجهة بين الجيش و"الحزب" فإن الجيش لن ينفذها بالقوة، أي إنه بين عدم تنفيذ خطة حصر السلاح بيد الدولة، وبين "السلم الأهلي"، فإن الجيش يختار "السلم الأهلي". وهذا في النهاية ليس موقف الجيش وحده بل الموقف الضمني لكل من رئيس الجمهورية جوزيف عون القائد السابق للجيش، ورئيس الحكومة نواف سلام، وإن كانا لم يعبرا عنه بوضوح تام، بينما لا يزالان يكرران نهائية قرار حصر السلاح بيد الدولة، والذي ورد في خطاب القسم للرئيس عون، وفي البيان الوزاري لحكومة سلام.

ما حدث عمليا أن الجلسة الحكومية في 5 أغسطس/آب 2025 أقرّت أهداف الورقة الأميركية وبموجب هذا الإقرار تم تكليف الجيش اللبناني بإعداد خطة لحصر السلاح بيد الدولة على أن تقدم هذه الخطة بعد شهر وأن تنفذ بحلول نهاية عام 2025 كما كان قد ورد في ورقة باراك. لكن في الجلسة التي انعقدت في 5 سبتمبر 2025 والتي عرض خلالها قائد الجيش رودولف هيكل خطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، لم يرد ذكر لأي جداول زمنية، وقد خضع هذا الأمر لشبه تسوية بين الحكومة و"الحزب"، مفادها أن "حزب الله" لا يصعد في وجه الحكومة بعد أن كان قد دعاها للتراجع عن قراراها، مقابل أن لا تضع الحكومة جداول زمنية لحصر السلاح، وهو ما أدى عمليا إلى تمييع قرار الحكومة وأدخله في روتينيات السياسة اللبنانية. لكن اللافت أن شبه التسوية تلك ما كانت لتحصل لولا الضغوط والتهديدات التي مارسها "حزب الله" وبعضها جاء على شكل رسائل أمنية للحكومة، ولولا غض الطرف الأميركي لاستبعاد الجدول الزمني لتنفيذ الخطة تفاديا لانزلاق الأوضاع إلى تأزيم إضافي قد يطيح بالمكسب الأميركي المتمثل في إقرار الحكومة لأهداف ورقة باراك ولو بقيت من دون تنفيذ، لأن إقرار هذه الأهداف هو بمثابة نقل للدولة اللبنانية من ضفة إلى ضفة من حيث تموضعاتها إقليميا ودوليا.

لكن "حزب الله" تصرف من جهته كما لو أنه حقق انتصارا على الحكومة لمجرد الإطاحة بالجدول الزمني لحصر السلاح ومن حيث منعه الحكومة من إقرار خطة الجيش عوض الترحيب بها كما فعلت، وهذا مخرج لغوي للأزمة السياسية والأمنية التي كانت توشك على الاستفحال في البلد، إلا أن "تراجع" الحكومة جعل "حزب الله" أكثر استعدادا للتصعيد السياسي من خلال رفض تسليم سلاحه وتحدي الحكومة حيث أمكنه ذلك كما فعل عندما أضاء صخرة الروشة في بيروت بصورتي أمينيه العامين السابقين في 27 سبتمبر الماضي متحديا قرار الحكومة بعدم استخدام المرافق العامة لأهداف حزبية خاصة. حتى إن ضباط الأمن والجيش الذين كانوا مكلفين بتطبيق قرار الحكومة اتهموا بالتراخي، ثم كادت هذه الأزمة أن تشعل خلافا بين رئيسي الحكومة والجمهورية بعدما بدا الأخير أكثر استعدادا لاستيعاب تجرؤ "الحزب" على القرار الحكومي ذاك. وهذا كله أشر مبكرا إلى أن تطبيق خطة الجيش لحصر السلاح والتي بقيت طي الكتمان دونها مطبات وعراقيل كثيرة، وأنها ستكون بحكم المجمدة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

هناك اختلاف في أولويات التفاوض بين لبنان وإسرائيل، بعدما فشلت مبادرة الخطوة مقابل خطوة التي كان باراك قد اقترحها سابقا

بيد أن ذلك دفع في المقابل برئيس الجمهورية ليطرح ملف التفاوض مع إسرائيل كخيار لا بديل عنه لحل الأزمة، في ظل استمرار إسرائيل باستهداف الأراضي اللبنانية وامتناع "حزب الله" عن التعاون مع الجيش اللبناني لتسليم سلاحه، إلا أن هذا الطرح الذي يحظى بغطاء من رئيس البرلمان نبيه بري وبموافقة رئيس الحكومة (المستبعد من هذا الملف)، فتح البلد على أزمة جديدة، إذ سرعان ما بدا أن "حزب الله" الذي ينظم حوارا مع رئيس الجمهورية عبر النائب محمد رعد، يرفض مبدأ "التفاوض السياسي" مع إسرائيل ويتمسك باتفاق وقف إطلاق النار المبرم بوساطة أميركية في 27 نوفمبر 2024، وقد بلغت ذروة هذا الرفض في الكتاب الذي وجهه "حزب الله" إلى الرؤساء الثلاثة، والذي حسم "رسميا" موقفه على قاعدة أن "‏لبنان معني ‏راهناً بوقف العدوان بموجب نص إعلان وقف النار والضغط على العدو ‏الصهيوني للالتزام ‏بتنفيذه، وليس معنياً على الإطلاق بالخضوع للابتزاز العدواني ‏والاستدارج نحو تفاوض ‏سياسي مع العدو الصهيوني على الإطلاق، فذلك ما لا مصلحة ‏وطنية فيه وينطوي على ‏مخاطر وجودية تهدد الكيان اللبناني وسيادته".

هذا البيان الذي قيل إنه صدر بقرار من الأمين العام لـ"الحزب" نعيم قاسم من دون معرفة عدد من نواب "الحزب" فضلا عن وزيريه الاثنين، قيل أيضا إنه فاجأ الرئيس نبيه بري الذي كان مكلفا من قبل "حزب الله" بقيادة المفاوضات مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين للتوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال حرب الـ65 يوما، في وقت كان رئيس البرلمان قد أوحى بموافقته على تطعيم الوفد العسكري اللبناني الذي يحضر اجتماعات لجنة "الميكانيزم" المولجة مراقبة وقف إطلاق النار، بخبراء تقنيين كما كان قد حصل أثناء المفاوضات للتوصل إلى اتفاق الترسيم البحري في نوفمبر 2022. كما أن رئيس الجمهورية أوحى، خلال زيارته إلى بلغاريا الاثنين 10 أكتوبر، بأن التفاوض هو في الشكل على طريقة ما رافق إنجاز اتفاق الترسيم البحري مع إسرائيل واتفاق وقف النار (27 نوفمبر)، مع إشارة بارزة ربطت ضمناً بين وقف النار وحصر السلاح.

كل ذلك يؤشر إلى أن ملف المفاوضات مع إسرائيل يواجه طبقات متعددة من التعقيدات، فإضافة إلى أنه موضع نزاع داخلي بين "حزب الله" ورئيس الجمهورية (بشكل أساسي)، فهو يعكس بحسب التسريبات المتداولة بشأن كتاب "حزب الله" المذكور، موقفا إيرانيا سلبيا من "توسيع" المفاوضات مفاده أنه لا يوافق التوقيت الإيراني راهنا. كذلك فإن إسرائيل لم تردّ حتى الآن على عرض التفاوض المقدم من الرئيس عون، بما يوحي بأنها غير مستعجلة للتفاوض الآن، بينما تستمر في استهداف عناصر "حزب الله" وتتوغل جنوبا وتقضم أراضي لبنانية في إطار خطتها لإقامة منطقة عازلة في الجنوب اللبناني حيث تحتفظ بخمس نقاط يتمركز فيها جنودها ويرفضون الانسحاب بموجب قرار وقف إطلاق النار. واللافت أن إسرائيل عمدت أخيرا إلى توجيه إنذارات إلى قرى بعينها عبر لجنة "الميكانيزم" ومن دون أن تحدد الهدف الذي تنوي قصفه، وذلك بخلاف أسلوبها السابق وبما يظهر نيتها لدحرجة التصعيد إلى الأمام.

أ.ف.ب
أحد مناصري حزب الله يلوح بعلم الحزب أمام عناصر الجيش اللبناني، بينما يحرق المتظاهرون الإطارات لإغلاق الطريق المؤدي إلى مطار بيروت الدولي، عقب زيارة نائبة المبعوثة الأميركية الخاصة للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، في 7 فبراير 2025

وفي السياق، هناك اختلاف في أولويات التفاوض بين لبنان وإسرائيل، بعدما فشلت مبادرة الخطوة مقابل خطوة التي كان باراك قد اقترحها سابقا، فالسيناتور الجمهوري اللصيق بالرئيس ترمب ليندسي غراهام صرح في 10 أكتوبر بأن "إسرائيل لن تقبل ببقاء (حزب الله) مسلحاً. توصياتي لأصدقائي في لبنان هي أن ينزعوا سلاح (حزب الله)، وعندها يمكن الجلوس لمناقشة أمن الحدود مع إسرائيل وفتح طريق لدمج لبنان في المنطقة"، بينما يحاول الرئيس اللبناني أن تسير المفاوضات بالتوازي مع معالجة قضية سلاح "حزب الله"، إذ قال من بلغاريا أيضا: "إنّ مهمةَ جيشِنا مصيرية في هذه الظروف (...) أن يبسطَ سلطةَ دولتِنا على كامل أراضيها وحدودِها، وأن يفرضَ سيادتَها الكاملة، بحيث تتوقفُ الاعتداءاتُ الإسرائيلية على أرضِنا، وتنسحبُ إسرائيلُ من النقاط التي تحتلُها داخلَ لبنان. وهذا ما يجبُ أن يترافقَ مع مسارٍ تفاوضي، نعتبرُه السبيلَ الوحيدَ لتحقيقِ أهدافِنا الوطنية ومصلحةِ لبنان العليا".

أي حملة جوية جديدة مصحوبة باجتياح بري أوسع لاحتواء أسلوب العمل السري الذي يعتقد أن "حزب الله" قد عاد إليه لن تكون من دون أكلاف على إسرائيل

ومن الجدير ذكره أن المبعوث الأميركي توم باراك كان قد اعتبر، خلال مؤتمر حوار المنامة (بين 31 أكتوبر و2 نوفمبر 2025) أن الدولة اللبنانية دولة فاشلة، كما أقر بعدم قدرة الجيش اللبناني على نزع سلاح "حزب الله" من دون التسبب في حرب أهلية جديدة. وهذا  يعيد ملف سلاح "حزب الله" بوصفه جزءا من سياق إقليمي بالدرجة الأولى، على قاعدة ترابط الملفات الإقليمية ووحدة الساحات من منظور إسرائيلي، وليس أدل على ذلك من الأصوات الإسرائيلية القائلة بأنه لا يمكن نزع سلاح "حماس" في حال الفشل في نزع سلاح "حزب الله".

وهو ما يحيل إلى الغموض بشأن مستقبل تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة ولاسيما في ما يخص نشر القوات الدولية في القطاع وشروط إسرائيل على هذه القوات، ومن سينزع سلاح "حماس"، وكيف سينزع هذا السلاح؟ ففي أقل تقدير هذا طريق طويل ومسار معقد أمام تل أبيب. لكن إذا كان الضغط الإسرائيلي في قطاع غزة صعبا إلى حد ما بالنظر إلى التوافق العربي الأميركي الإقليمي على أولوية وقف الحرب هناك على الرغم من التباين بشأن ترتيبات اتفاق وقف إطلاق النار، فإن هذا الوضع لا ينسحب على لبنان. أي إن إسرائيل التي تربط بين نزع سلاح "حزب الله" ونزع سلاح "حماس"، والتي لم تتخل حكومتها عن خيار الضغط العسكري، قد تذهب باتجاه التصعيد العسكري ضد "حزب الله" لدفعه إلى القبول بإعادة التفاوض بشروط أقسى، فيكون نزع سلاح "الحزب" "بندا ذهبيا" في أي اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، بدلا من أن يكون من ضمن مسار شامل وتراتبي بحسب النقاط الـ13 الواردة في اتفاق 27 نوفمبر.

أ.ف.ب
رجال يستقلون حافلة صغيرة تسير على الطريق الساحلي، خلال إخلاء مدينة غزة في 2 سبتمبر 2025

وهذا رهان إسرائيلي محفوف بالمخاطر لأن أي حملة جوية جديدة مصحوبة باجتياح بري أوسع لاحتواء أسلوب العمل السري الذي يعتقد أن "حزب الله" قد عاد إليه لن تكون من دون أكلاف على إسرائيل، ولكن واقع الحال أن الحكومة الإسرائيلية لا تزال تراودها فكرة توجيه ضربات عسكرية مؤلمة لخصومها في مقدمتهم إيران و"حزب الله"، على الرغم  من القيود الأميركية عليها في غزة وربما بنية الإفلات جزئيا من هذه القيود. وهو ما يبقي احتمال شن تل أبيب حملة جديدة ضد "حزب الله" وإيران قائما، وحملة كهذه ليس هدفها الأول تدمير بقية ترسانة الأسلحة التي بحوزة "حزب الله" كما لو أنها لا تزال تشكل خطرا على إسرائيل، بل إن هدفها الرئيس إبقاء "حزب الله" تحت الضغط بغية إضعافه أكثر ومنعه من إعادة بناء نفسه. كذلك فإن أي حملة إسرائيلية جديدة ضد إيران قد تزيد في ضعف طهران واختلال موازين القوى بينها وبين تل أبيب، بما يجعل موقف "حزب الله" أضعف بحسب مآلات تلك الحملة التي لن تحصل دون غطاء أميركي واضح. لكن في الوقت نفسه فإن تسريبات إسرائيلية تتحدث عن تواصل أميركي–إيراني، وهو ما يعني أن طريق المفاوضات غير مسدود أيضا.

وليست قليلة الدلالة في هذا السياق التحذيرات الإسرائيلية المتكررة للفصائل العراقية من طريق وزير الدفاع العراقي، وهذه تحذيرات مرتبطة أولا باحتمال اندلاع مواجهة جديدة بين إسرائيل وإيران إذ تريد واشنطن تحييد هذه الفصائل، كما لو أن المعلومات الاستخبارية الأميركية تتحسب لإمكان انضمام هذه الفصائل وكذلك "حزب الله" لأي مواجهة بين تل أبيب وطهران، وهو ما يعني في المقابل إمكان أن تشمل أي مواجهة من هذا النوع العراق ولبنان.

"حزب الله" كان قد رفض المبادرة المصرية التي قيل إنها سعت إلى تجميد موضوع سلاحه، أي الحصول على تعهد بعدم استخدامه ضد إسرائيل، فهل يسعى "الحزب" إلى التفاوض مع الأميركيين من دون وسطاء؟

وفي المحصلة فإن موضوع سلاح "حزب الله" قد خرج من إطاره الداخلي إلى السياق الإقليمي في ظل ترابط الساحات من المنظور الإسرائيلي، وفي وقت يعود الحديث عن وحدة الساحات من جانب "محور المقاومة" أقله بين الساحتين اللبنانية والعراقية في أي حرب جديدة بين إيران وإسرائيل. كذلك فإن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها في ساحة معينة، وتحديدا في غزة، يدفع "حزب الله" مدعوما من إيران للتصلب أكثر في ساحته، في ظل الستاتيكو الإقليمي القائم بين اللاسلم واللاحرب، وهو ما عبر عنه موقف الأمين العام لـ"الحزب" نعيم قاسم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 بالقول إن الهجمات الإسرائيلية داخل لبنان لا يمكن أن تستمر وسيوضع لها حد، أي إنه لوّح بالتخلي عن موقف الامتناع عن الرد على هذه الهجمات مع تقديره أنه ليس في مصلحة إسرائيل شن حرب واسعة ضد لبنان. لكن في الوقت نفسه فإن قاسم تعهد بعدم شن هجمات على شمال إسرائيل، وهذه رسالة للأميركيين بالدرجة الأولى ومفادها أن "الحزب" مستعد للتفاوض والالتزام بشروط أميركية "معقولة"، بخلاف ما يوحي موقفه المعلن عن رفض "التفاوض السياسي".

واللافت أن "حزب الله" كان قد رفض المبادرة المصرية تجاهه والتي قيل إنها سعت إلى تجميد موضوع سلاحه، أي الحصول على تعهد بعدم استخدامه ضد إسرائيل مستقبلا، فهل يسعى "الحزب" إلى التفاوض مع الأميركيين حصرا وبصورة مباشرة من دون وسطاء؟ الأرجح أن هذا ما يريده وما يراهن عليه، خصوصا أن ضم لبنان إلى "اتفاق شرم الشيخ" كما يطمح الرئيس عون دونه عقبات كثيرة، أي إن تشكيل مظلة عربية للبنان لا يزال مستعصيا، في ظل مشكلات "حزب الله" التاريخية مع الدول العربية، والتي لم تشملها الاتفاقات بين الدول العربية وإيران، وهو ما يجعل لبنان مكشوفا أكثر أمام التصعيد الإسرائيلي، كما أنه لا يمكن استبعاد تأثير الاتفاق الأميركي-السوري بشأن انضمام دمشق إلى التحالف الدولي لمحاربة "داعش" على وضعية "حزب الله"، إذ يكرس هذا الاتفاق سوريا كلاعب رئيس في الاستراتيجية السياسية والعسكرية الأميركية في المنطقة، وهو ما يشكل عنصر ضغط إضافيا على "حزب الله"، ويجعله أكثر حماسة واستعدادا للتفاوض مع الأميركيين، بنفسه من خلال الرئيس نبيه بري، والذي أرسل موفدا له إلى طهران أخيرا، بغية تبديد "التباينات" ومحاولة الاتفاق على عناوين المرحلة المقبلة!

font change

مقالات ذات صلة