إذا كانت نظرية وحدة الساحات أكثر النظريات شيوعا وخضوعا وإخضاعا للاختبار خلال حرب السنتين الإقليمية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإنه لا يمكن النظر إلى اتفاقيات وترتيبات ومسارات ما بعد الحرب وبالأخص لناحية نزع سلاح "حماس" و"حزب الله" إلا من حيث إن هناك وحدة ساحات على ضفتي الصراع، على اعتبار أنه لا يمكن فك ساحة عن الأخرى في عقل إسرائيل وفي عقل خصومها أيضا. أولم تغدُ المنطقة كلها ساحة واحدة بساحات كثيرة؟
على هذا النحو لا يمكن النظر إلى مسألة نزع سلاح "حزب الله" بمعزل عما يحصل في المنطقة ككل، ابتداء من غزة وصولا إلى طهران مرورا بالخليج وتركيا ومصر والعراق. فإذا كان يراد لعملية نزع السلاح أن تكون المدخل إلى "السلام والازدهار" وإلى النظام الإقليمي الجديد، فكلما استطالت حالة عدم الاستقرار حتى ولو توقفت الحرب، فإن هذه العملية تزداد تعقيدا وصعوبة خصوصا أن ما يطرح سواء في غزة أو لبنان، من خارج المنظور الإسرائيلي، هو نزع السلاح سياسيا وليس بالقوة العسكرية، وهذه مسألة يشكك فيها الإسرائيليون أكثر فأكثر ويجدون أنفسهم مرة جديدة أمام "عدم اكتمال المهمة"، ولكنهم في الوقت عينه خاضعون لحسابات دقيقة ومعقدة بين علاقاتهم مع واشنطن ومستقبل "اندماجهم" في المنطقة كمكسب استراتيجي.
من هنا يفهم تشدد "حزب الله" في تمسكه بسلاحه بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أكثر مما قبله، وذلك ليس لأنه يخشى أن تنتقل إسرائيل إلى الجبهة الشمالية بعدما أوقفت المعارك في الجبهة الجنوبية، بل إنه يقارب المسألة من الناحية السياسية أيضا وليس الأمنية والعسكرية وحسب، على اعتبار أن الصعوبات والعراقيل التي يواجهها تنفيذ وقت إطلاق النار في غزة، ولاسيما في لحظة الانتقال بين المرحلتين الأولى والثانية، تجعل المشروع الأميركي لنقل المنطقة من حالة الحرب إلى حالة "السلام" محفوفا بالمخاطر. أي إن الهدف الذي يربط به نزع السلاح لا تتوفر كل عناصر نجاحه حتى الآن، وبالتالي يصبح التمسك بهذا السلاح وكأنه جزء من مواجهة هذا المشروع وتعميق أزمته.


