لم تضئ التطورات الأخيرة في لبنان بين التصعيد الإسرائيلي المتمادي وحركة الموفدين عربا وأميركيين والإرباك السياسي الداخلي، على المشكلة الأمنية التي يواجهها لبنان وحسب بل أعادت تظهير المشكلة السياسية التي يقبع فيها البلد منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وتتمثل هذه المشكلة بالدرجة الأولى في أن لبنان كان طيلة الفترة الماضية من دون مظلة خارجية حقيقية، وبالتحديد عربية، بالتزامن مع استفحال الأزمة الداخلية على وقع الانقسام حول مستقبل سلاح "حزب الله"، في وقت كانت إسرائيل تواصل استباحتها للسيادة اللبنانية المنتهكة أصلا من الداخل والخارج.
صحيح أن هذه المشكلة ليست وليدة اللحظة لكنها مع التحديات الجديدة، خصوصا بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، أصبحت أكثر وضوحا وأكثر خطرا وأكثر دلالة على الاختلال العميق في الواقع اللبناني، على اعتبار أن الهجمات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية أصبحت يوما بعد يوم ضد الدولة اللبنانية نفسها وليست ضد "حزب الله" وحسب.
ولعلّ بداية تصحيح هذا الاختلال القائم هي في وعي هذه المسألة، أي في عدم إمكان الاستمرار في الفصل بين الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف لـ"حزب الله" وبين المسارات السياسية والدبلوماسية للدولة اللبنانية. وهذا يحيلنا إلى المشكلة الرئيسة والأعمق والقائمة أساسا في الفصل الذي يقيمه "حزب الله" بينه وبين الدولة، وبالتحديد بينه وبين السلطة الجديدة، وكأنهما في واقعين منفصلين بينما هما في واقع واحد وفي مأزق واحد.
وهذه حالة لبنانية تكاد تكون فريدة، بحيث إن الانقسام السياسي يعطل السياسة الخارجية للدولة، فتنحصر مهامها في إجراءات بروتوكولية وبعض المواقف، بينما طبيعة التحديات تقتضي تفعيل الدبلوماسية اللبنانية، خصوصا بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، لكي لا يظل لبنان كما كان طيلة الأشهر الماضية من دون أي غطاء خارجي وبالأخص عربي، تحت حجة الموقف من سلاح "حزب الله".
 
				             
                    


 
                 
                 
                 
                 
                 
             
                 
             
                 
             
                 
             
                 
             
                 
            