في هذا الحوار، نُلقي نظرة داخل عقل أحد أبرز العقول العسكرية والاستخباراتية في الولايات المتحدة، الجنرال المتقاعد والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، ديفيد بتريوس، الذي يشاركنا رؤيته الصريحة حول ملامح المشهد المتقلب في الشرق الأوسط.
بتريوس، الذي امتدت مسيرته العسكرية لأكثر من سبعة وثلاثين عاما في صفوف الجيش الأميركي، وتولّى خلالها مناصب قيادية بارزة أبرزها قيادة القيادة المركزية الأميركية، يقدم قراءة تجمع بين الخبرة الميدانية والدراية الدبلوماسية العميقة.
في هذا الحوار، يُسلّط بتريوس الضوء على نهج الرئيس ترمب غير التقليدي في إدارة السياسة الخارجية، والذي يمزج بين الخطاب الحاد والواقعية الاستراتيجية، موضحا أن هذه المقاربة تهدف إلى توظيف القوة الأميركية لخدمة السلام في منطقة لا تزال مثقلة بالنزاعات والانقسامات.
ويشرح طبيعة الانخراط الأميركي في عهد ترمب، مشيرا إلى أن "هناك بالفعل قدرا من الخطاب القاسي في بعض الأحيان، لكنه يُجدي نفعا أحيانا"، مؤكدا أن هذا النهج يستند إلى استخدام أدوات القوة الأميركية لتثبيت مسار السلام، لا إلى العدوان أو الاستعراض العسكري.
يتحدث بتريوس عن لقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع في نيويورك خلال سبتمبر/أيلول الماضي، وهو شخصية سبق أن قاتلت القوات الأميركية في العراق عندما كان بترايوس قائدها، موضحا أن اللقاء لم يكن الأول له مع "خصم سابق" في إطار حوار مثمر. ويرى أن الشرع "ربما كان من فئة القابلين للمصالحة حين كان في العراق"، أي أولئك الذين أبدوا استعدادا للحوار والسعي نحو حلول سياسية.
كما يتناول الحوار التحدي المستمر في تحقيق الاستقرار في غزة، حيث يدعو بتريوس إلى استراتيجية شاملة لمكافحة التمرد تقوم على "تقسيم القطاع إلى مجتمعات مسوّرة" وضمان السيطرة الأمنية الميدانية تمهيدا لإعادة الإعمار.
ويُقرّ بتريوس بصعوبة التعامل مع "حماس"، ويُبدي واقعية حيال محدودية التعاون الإقليمي في إرسال قوات حفظ سلام إلى غزة، قائلا: "لا أعتقد أن أي دولة عربية ستوافق على إرسال قوات للقتال ضد (حماس) نيابة عن إسرائيل."
وعند سؤاله عمّا إذا كانت الحرب في غزة تتجه نحو "الخصخصة" عبر الاستعانة بشركات أمن خاصة أو مرتزقة، رفض بتريوس هذا الوصف بشكل قاطع، محذرا من الخلط بين شركات الأمن الخاصة والمرتزقة، ومشددا على أن الأولى يمكن أن تؤدي أدوارا محددة في الحماية والدعم اللوجستي، لكن لا يجوز أن تُكلّف بمهام قتالية أو عسكرية صريحة.
وفيما يلي نص الحوار:
* التقيت الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في سبتمبر الماضي. كان من اللافت حقا أن نشهد ما بدا مستحيلا يتحقق. لقد كنتم في حالة عداء، وجنودك قاتلوه في العراق قبل سنوات طويلة. كيف تستوعب مفارقة جلوس خصمين سابقين وجها لوجه في نيويورك؟
- في الواقع، كانت تجربة سريالية ومذهلة بالنسبة لي أيضا. لقد تابعت مسار حياته إلى حدٍّ ما منذ أن بدأ يبرز على الساحة. وللإنصاف، لم يكن من القيادات البارزة في تنظيم "القاعدة" في العراق، بل كان قائد خلية محلية. وقد اعتُقل قبل عام من عودتي لقيادة حملة التعزيز العسكري في العراق، وظل في الاحتجاز لمدة خمس سنوات بتهمة زرع عبوات ناسفة استهدفت جنودنا، وهذا أمر مؤكد.
وها هو، بعد نحو خمسة عشر أو عشرين عاما، يتولى منصب الرئيس المؤقت لسوريا، بعد أن أنجز ما لم يكن أحد يتوقعه: الإطاحة بالنظام الدموي لبشار الأسد، الذي استمر لعقود طويلة، إذا ما احتُسبت أيضا فترة حكم والده.
لقد جلست من قبل مع خصوم سابقين. ولعل أحد أبرز ملامح حملة التعزيز في العراق كان مبدأ "المصالحة". كنا بحاجة إلى مدّ الجسور مع أكبر عدد ممكن من عناصر التمرد السني والميليشيات الشيعية، مع إدراكنا في الوقت نفسه ضرورة ملاحقة العناصر غير القابلة للمصالحة بحزم أكبر.

ربما كان الشرع، حين كان في العراق، من أولئك الذين يمكن التفاهم معهم. لكنه، بطبيعة الحال، مضى لاحقا لتأسيس "جبهة النصرة" في سوريا، التي كانت في جوهرها فرعا من تنظيم "القاعدة". ثم انفصل عنها وأسس "هيئة تحرير الشام"، وهي حركة أقرب إلى الإسلام السياسي. وأود أن أشير إلى أنني، قبل سنوات، قلت إن هذه الحركة ربما تكون قابلة للمصالحة، لو كنا منخرطين في ذلك السياق تحديدا.
لذا، فإن فكرة الجلوس مع شخص كان يقاتل القوات التي تشرفت بقيادتها ليست جديدة عليّ، وقد تكررت في تجارب سابقة.

