من السذاجة أن لا يقرأ البعض سقوط بشار الأسد ونظامه بوصفه حدثا سوريا فقط، ومن السذاجة أيضا أن لا يرى البعض أن سقوط نظام الأسدين غيّر وجه المنطقة إلى أجل غير مسمى.
في الواقع فإن سقوط بشار الأسد هو إعلان نهاية محور لطالما استخدم القضية الفلسطينية والعداء لإسرائيل أداة لتمرير مشروع تخريبي في المنطقة، هو قطع شريان الحياة لمحور امتد من طهران إلى بيروت وكانت سوريا نقطة الوصل في هذا المشروع.
تغير الواقع في المنطقة كثيرا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتبدل تبدلا جوهريا بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، ومع ذلك يصر بعض لبنان على تجاهل ما حصل وكأنهم ينتظرون عودة عقارب الساعة إلى الوراء.
يتعاطى "حزب الله" مع ملف السلاح وكأنه مطلب أميركي وإسرائيلي فقط، بينما هو ومنذ سنوات طويلة مطلب لفئة كبيرة من اللبنانيين وللدول العربية، فلا يمكن أن تقوم دولة وهناك فريق مسلح يضع مسدسه برأس كل من يعارضه إن كان بأصغر الأمور أو أكبرها.
بعد نحو عام على وقف الحرب الإسرائيلية على "حزب الله"، و10 شهور على سقوط نظام الأسد وتغير وجه المنطقة، تطل الحرب مجددا برأسها على لبنان. رئيس مجلس النواب اللبناني أعلن سقوط مسار التفاوض مع إسرائيل، وحمّل تل أبيب مسؤولية إفشاله بعد رفضها المقترح الأميركي.
أمين عام "حزب الله" في الوقت بدل الضائع نعيم قاسم اعتبر أن قرار الحكومة بنزع سلاح حزبه هو "خطيئة" يجب التراجع عنها، لا يتوقف قاسم عن إطلاق تهديداته بكل الاتجاهات، ولا عن الاستفادة من خبرات حزبه الطويلة بتخوين كل من يطالب ببسط سلطة الدولة اللبنانية على كافة أراضيها، لكن لبنان اليوم لا يملك ترف الوقت الذي كان يملكه سابقا، ولا ترف المماطلة وتدوير الزوايا، المنطقة كلها تتغير وكلمة السر هي "الدولة" وحصرية السلاح بيد الدولة من البديهيات، لا كما يرغب بقايا المحور الإيحاء بأن الالتحاق بالمشروع الإسرائيلي هو أساس هذا التبدل.
سقوط بشار الأسد هو إعلان نهاية محور لطالما استخدم القضية الفلسطينية والعداء لإسرائيل أداة لتمرير مشروع تخريبي في المنطقة
نزع سلاح "حزب الله" ليس ضرورة أمنية فقط لإسرائيل كما يحاول قاسم وجوقته الإيحاء، بل هو ضرورة لبنانية أولا كي يتمكن لبنان من أن ينهض مجددا بعد سنوات طويلة من التعثر والفشل بسبب هذا السلاح، وضرورة سورية لتتمكن سوريا من التركيز على إعادة الإعمار وإصلاح ما أفسده ودمره الأسد في سوريا بالشراكة والتعاون مع "حزب الله" والمحور، وضرورة إقليمية وعربية لطالما شكل "حزب الله" عاملا مزعزعا لاستقرارها من خلال سلاحه وتجارة المخدرات التي يمتهنها.
ولكن إن لم يتمكن لبنان من القيام بخطوات عملية وجدية وبجدول زمني واضح من نزع سلاح ميليشيا "حزب الله"، فلبنان لن يخسر فقط فرصة الدعم العربي والدولي والاستفادة من المشروع الكبير في سوريا، من إعادة إعمار إلى انفتاح دولي وعربي سياسي واقتصادي على دمشق، ولكنه أيضا سيكون عرضةً لحرب جديدة تشنها إسرائيل على أراضيها، حرب لا أحد يريدها ويرغب بها بقدر رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وافق على إنهاء الحرب على غزة مجبرا لا بطلا بعد إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب على وقفها.
ولكن إن فشل لبنان في المضي بتعداته بموضوع السلاح، وبقيت معظم أحزابه وسياسييه يدورون بحلقات مفرغة ويلتهون بالقشور والأمور الجانبية جدا، فإن عقارب الساعة لن تتوقف في المنطقة، والعجلة ستدور في سوريا وغيرها، ووحده لبنان سيبقى متروكا لمصيره الذي فرضه عليه سلاح "حزب الله".