عندما قرأت تقرير "رويترز" أول ما خطر في بالي هو سؤال: لماذا يصر نظام الأسد أو من بقي منه على الزج بشباب الطائفة العلوية في حالة عداء مع جميع السوريين، بل لوضع من بقي من شباب الطائفة العلوية في مواجهة مع السلطة ومع باقي السوريين؟
من منفاهما، كمال الحسن ورامي مخلوف، وبعدما سرقا البلاد على مدى عقود وشاركا في قتل مئات آلاف السوريين، لم يكتفيا بكل ما ارتكبا، وها هما كل على حدة يحاولان بشتى الطرق زعزعة استقرار سوريا وخلق فتنة، انطلاقا من حملة خبيثة تحمل اسم "ماهر راجع"، في إشارة إلى سيئ الصيت شقيق الدكتاتور المخلوع.
يتحدث التقرير عن الأموال التي ينفقانها وغرف العمليات التي يديرانها للقيام بتمرد مسلح، وكأن تمرد مارس/آذار الماضي لم يضع حداً لطموحات الفلول، وكأن ما سقط من ضحايا من المدنيين العلويين لم يشبع جوعهما الدائم للدماء، بل أكثر من ذلك هم يرون أن هذه الدماء تفيد مشروعهما الفتنوي.
يحتفل السوريون بالذكرى الأولى لانتصار الثورة والتحرر من نظام الأسدين، وهم يحتفلون يكتشفون مقابر جماعية جديدة وصوراً لأجساد معذبة حتى الموت في سجون الأسد، يحتفلون وهم يحاولون لملمة جراح عمرها عقود، ومع ذلك يصر القتلة على المحاولة مرة جديدة للعودة إلى مسرح الجريمة لارتكاب المزيد من الجرائم بحق سوريا الوطن والشعب.
يتحدث التقرير عن الأموال التي ينفقانها وغرف العمليات التي يديرانها للقيام بتمرد مسلح، وكأن تمرد مارس الماضي لم يضع حداً لطموحات الفلول
أسئلة كثيرة تخطر على بال كل من يقرأ التقرير، معلومات من دمشق وبيروت تقول إن غرفة العمليات التي يعمل كمال الحسن من خلالها تضم شخصية لبنانية مدعومة من إسرائيل، وصار لها جيوش إلكترونية ومواقع "إعلامية" على صفحات التواصل الاجتماعي، ولكن ما لا تقوله المصادر هو لماذا لا تتم ملاحقة هؤلاء في لبنان، ألم تكن الحدود اللبنانية السورية جزءا من مخطط التمرد الذي حصل في مارس الماضي؟ كيف لشخصيات مثل هذه أن تتحرك بهذه السهولة داخل دولة تسعى جاهدة لحل مشاكلها الداخلية ومشاكلها مع المجتمع العربي والدولي بسبب سلاح "حزب الله"، فكيف لدولة تعمل على سحب سلاح ميليشيا أن تسمح لميليشيات جديدة بالتشكل والعمل من أراضيها؟
من يحاول التخلص من حقبة سيطرة سلاح "حزب الله" على الجمعيات والأموال وطرق تحويلها غير الشرعية و"القرض الحسن"، كيف لشخصيات مثل كمال الحسن أو رامي مخلوف وآخرين أن ينتهكوا كل القوانين اللبنانية ويضربون عرض الحائط بكل محاولات لبنان لإعادة بناء الدولة على حساب مفهوم الدويلة؟ ولماذا لم نسمع بتحرك ضد الجمعيات التي تعمل لصالح هذا المشروع الفتنوي التخريبي، بينما لو وضع ناشط سياسي منشوراً على وسائل التواصل لا يعجب بعض السلطات لتحركت الأجهزة الأمنية بعد دقائق من النشر؟
التقرير يجب أن يكون بمثابة ناقوس خطر، إسرائيل ليست معنية بعودة نظام الأسد أو مخلوف أو الحسن، إسرائيل معنية فقط بالتخريب وتكريس الانقسام كما فعلت في السويداء
التقرير يجب أن يكون بمثابة ناقوس خطر، إسرائيل ليست معنية بعودة نظام الأسد أو مخلوف أو الحسن، إسرائيل معنية فقط بالتخريب وتكريس الانقسام كما فعلت في السويداء وكما فعلت في لبنان قبل ذلك، اليوم لديها هذا الملف لتستغله لتحسين شروطها في التفاوض على الاتفاق الأمني مع دمشق، ولكن لبنان اليوم معني بأمنه وضبط حدوده وبحسن العلاقة مع سوريا، وليس الحسن ومخلوف وحدهما من يعملان من الفلول من داخل لبنان.
ولكن الأمر ليس فقط مسؤولية الدولة اللبنانية، هناك تقصير أيضاً من السلطات السورية، تقصير في ملاحقة هذه الشخصيات وغيرها، تقصير وتأخير بملف العدالة الانتقالية، وتقصير أيضاً في الخطاب الموجه إلى السوريين وتحديداً أبناء الطائفة العلوية.
نعم هناك فقر في سوريا وأزمة اقتصادية ازدادت في سنوات الحرب التي شنها بشار الأسد على السوريين، البطالة ليست محصورة بطائفة واحدة، والفقر ليس صفة تلازم منطقة دون غيرها، انظروا فقط إلى المخيمات لتروا معاناة السوريين.
التقرير ليس مبالغة بل ناقوس دق ليسمعه الجميع، ماهر لن يعود، وثقة السلطة في دمشق بأن موسكو لن تدعم أي تمرد بعد الآن لحسابات تتعلق بالمصالح مع دمشق ومع الدول العربية والغربية قد يكون صحيحاً، لكنه غير كاف، أي عمل مسلح ستقوم به الفلول لن يعيد سوريا إلى ما قبل الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، ولن يقسم سوريا كما يرغبون، لكنه سيسيل المزيد من الدماء، وقد اكتفى السوريون من الدم، جميع السوريين.
وحدها العدالة ستكون الضامن للسلم الأهلي.