ما كاد السوريون ينهون احتفالاتهم بمناسبة ذكرى مرور عام على تحرير سوريا من نظام الأسدين وهروب بشار الأسد، وتصويت مجلس النواب الأميركي على رفع "قانون قيصر"، حتى أطل الإرهاب برأسه مجددا، ليقوم مسلح هذه المرة بإطلاق النار بينما كان ضباط سوريون وأميركيون يجتمعون داخل مقر تابع للأمن السوري في مدينة تدمر.
أسفرت العملية عن مقتل 3 أميركيين، اثنين من أفراد الخدمة العسكرية الأميركية ومدني أميركي واحد يعمل كمترجم، وإصابة ثلاثة عسكريين، وعدد من عناصر الأمن السوري.
دمشق التي انضمت رسمياً إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، خلال زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لواشنطن الشهر الماضي، صدر عن مسؤوليها استنكارات وإدانات واضحة، وإن بدا بعض التخبط الإعلامي في التعامل مع الأمر.
الشرع أبرق للرئيس الأميركي معزياً ومستنكراً. ترمب بدوره توعد بالرد على الهجوم، وأشار إلى أن الرئيس السوري "غاضب جداً" بسبب الهجوم، أي إنه لم يحمّل الدولة السورية أي مسؤولية مباشرة.
منذ سقوط نظام الأسد كان خطر "داعش" موجوداً، وإن كان منفذ العملية "ذئبا منفردا" أو يعمل بالتنسيق ويأتمر بأوامر قيادات "داعشية" عليا، فالأمر جرس إنذار لا يجوز أن يمر بالقضاء على المنفذ.
بعض الأصوات المقربة حديثاً من السلطة حاولت مراراً التقليل من خطر "داعش"، حتى خلقت وهماً لدى البعض بأن "داعش" اندثر، لكن الحقيقة أن "داعش" بنسخه المتعددة لا زال خطراً محدقاً في سوريا، كما خارجها. و"داعش" ليس تنظيماً فحسب بل فكر متطرف ينمو بسبب الخطاب المتطرف والتحريض المستمر، وزادت من حدته المجازر في غزة وقبلها في سوريا.
بعد دور الأجهزة الأمنية هناك دور كبير يجب أن تقوم به وزارة الإعلام كما وزارة الثقافة، بالتعاون مع كافة الوزارات لوقف كل ما من شأنه أن يتسبب أو يساهم في انتشار التطرف
اليوم سوريا أمام مفترق خطير، الدولة الوليدة التي تحاول تثبيت تحالفاتها مع العالم وبناء دولة مواطنة (كما ذكر الشرع أكثر من مرة(، يجب أن تكون محاربة التطرف وبناء الأجهزة الأمنية بشكل احترافي على قائمة الأولويات. ولكن محاربة التطرف لا تتم فقط أمنياً، يجب أن تكون هناك استراتيجية واضحة لدى الحكومة السورية، ولتشارك جميع الإدارات والوزارات في هذا العمل.
لقد انتهت الاحتفالات، وعلينا ان نبتعد قليلاً عن الإصغاء إلى فئة لا تعرف في العمل السياسي سوى التصفيق والمديح، آن الأوان لأن يشارك كل السوريين في بناء سوريا دولةً لجميع مواطنيها، دولة تنعم بالأمن والأمان بعد عقود من الرعب والقتل.
بعد وقوع هجوم تدمر الإرهابي، نشر مقطع لأحد منظري "حزب التحرير" يتهم الحكومة السورية ورئيسها بالخروج عن الإسلام إرضاء للغرب، هذا الخطاب التحريضي يجب أن يتوقف، إلغاء حفل مالك جندلي ما كان يجب أن يحصل، قضينا على الإرهابي الذي قام بالعملية لكن هناك من احتفل بها.
بعد دور الأجهزة الأمنية هناك دور كبير يجب أن تقوم به وزارة الإعلام كما وزارة الثقافة، بالتعاون مع كافة الوزارات لوقف كل ما من شأنه أن يتسبب أو يساهم في انتشار التطرف. التطرف ليس وجهة نظر والتحريض ليس حرية تعبير. ورشة إعادة كتابة مناهج التعليم يجب أن تبدأ، نحن أمام جيل لم يعرف سوى الحرب والفقر، وإعادة بنائه بحاجة لتكاتف الجميع.
الحلول الأمنية عبر عقود لم تكن كافية لمعالجة مشكلة التطرف، ونحن نبني سوريا الجديدة علينا الاستفادة من كل التجارب التي سبقتنا، وبناء دولة القانون والعدالة، وبناء دولة المواطنة، دولة لا يتفق فيها سوري على آخر بسبب عرقه أو دينه، دولة لا يُظلم فيها سوري بسبب عرقه أو دينه، دولة يقف فيها الجميع تحت سقف القانون، القانون نفسه، دولة يتم فيها ترسيخ مفهوم المواطنة بالممارسة وليس فقط بالكلام، هذه الدولة هي وحدها القادرة على اجتياز هذه المرحلة الحساسة.