تفاقم الاتهامات لـ "حزب الله" بتهريب الأموال... هل ينجو لبنان من العقوبات؟

"فايننشال تايمز" تتهم جمعيات تستخدم منصّات "OMT" و"Whish " في لبنان لجمع التبرعات

لينا جرادات
لينا جرادات

تفاقم الاتهامات لـ "حزب الله" بتهريب الأموال... هل ينجو لبنان من العقوبات؟

يواجه لبنان وضعا دقيقا، يتمثل في تكثيف المساءلة الأميركية المالية حول وضعه المالي والمصرفي من جهة، والمعطيات الأميركية المتصلة بقدرة "حزب الله" على القيام تهريب الأموال لصالحه مخترقا الإجراءات المعمول بها دوليا. هذا الموضوع الحساس كان محور الزيارة التي قام بها إلى بيروت الأحد والاثنين الماضيين، وفد أميركي رفيع المستوى. ويضم مسؤول ملف الإرهاب في مجلس الأمن القومي، سيباستيان غوركا، ووكيل وزارة الخزانة جون هيرلي، ورودولف عطالله المتخصص بمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأميركي، ومسؤولين آخرين.

وقال هيرلي لـ"رويترز" من اسطنبول قبل وصوله إلى بيروت، إن بلاده تسعى للاستفادة من "فرصة سانحة" في لبنان تستطيع فيها قطع التمويل الإيراني عن "حزب الله" والضغط عليه لإلقاء سلاحه.

وكشف هيرلي أن إيران تمكنت من تحويل "نحو مليار دولار" إلى "حزب الله" خلال سنة 2025 الحالية على الرغم من مجموعة من العقوبات التي أضرت باقتصادها. وزار هيرلي الإمارات وتركيا ولبنان وإسرائيل، بهدف الضغط للتخلص من النفوذ والسيطرة الإيرانية من خلال "حزب الله" وحلفائها الآخرين.

وإذ تستمر واشنطن في ممارسة أقصى الضغوط لمراقبة تمويل الارهاب وحركة الاموال، ويعمل هيرلي في المنطقة لتنسيق الجهود الرامية الى حرمان طهران ووكلائها من الوصول الى الموارد المالية، يستمر "حزب الله" في جهوده لاستدامة "اقتصاد الكاش" في لبنان.

جمعيات وشركات "حزب الله" تحت المراقبة المشددة

وقالت مصادر ديبلوماسية لـ"المجلة"، إن الوفد الأميركي المختص بالشؤون المالية شدد على نزع سلاح "حزب الله" بالتزامن مع الإصلاحات المالية. وأنه غير راضٍ عن تعامل لبنان مع ملف "القرض الحسن" التابع للحزب، ولفت الوفد، إلى ان استمرار لبنان على هذا النحو قد يؤدي إلى تركه يواجه مصيره بنفسه.

الوفد الأميركي المختص بالشؤون المالية والارهاب شدد على نزع سلاح "حزب الله" بالتزامن مع الإصلاحات المالية. وأنه غير راضٍ عن تعامل لبنان مع ملف "القرض الحسن"

ما يتم التداول به حول استخدام شركات تحويل الأموال من جانب "حزب الله" لتأمين الأموال إلى جمعياته وبيئته، يطرح أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كان المجتمع الدولي والإدارة الأميركية سيلجآن إلى التشدد أكثر في مراقبة أعمال هذه الشركات، أو فرض عقوبات دولية عليها في حال ثبت لهما أنه فعلا، يتم استخدامها لأغراض من هذا النوع. ومن الممكن أن يكون ذلك بغير علم الشركات، لا سيما أن الأشخاص الذين يتم استخدامهم في العملية لا توجد عقوبات دولية في حقهم، وليسوا من المطلوبين في جرائم مالية إرهابية.

تتصاعد رغبة واشنطن يوما بعد يوم لتضييق الخناق أكثر على "حزب الله"، ليس فقط سياسيا وأمنيا، بل أيضا ماليا، كون الإمدادات المالية تعتبر الشريان الأساس والحيوي لتعزيز قدراته وقدرات البيئة الحاضنة له.

رويترز
لبناني يستبدل الليرة مقابل الدولار في متجر صرافة، في بيروت 20 أبريل 2020

 وفي وقت يواجه الحزب الآلة العسكرية الإسرائيلية والضغوط الداخلية والدولية لحصر السلاح بيد الدولة، "يواصل ابتكار الأساليب المالية التي تمكنه من الحصول على التمويل. فمن الالتفاف على الإجراءات الداخلية والدولية ضد "القرض الحسن"، إلى استخدام شركات تحويل الأموال بصورة مموهة لتوفير الأموال.  وهذا ما كشفته صحيفة "فايننشال تايمز" في عددها في الثاني من نوڤمبر/تشرين الثاني الحالي، أن "حزب الله" أوعز إلى جمعياته الخيرية بطلب التبرعات، عبر تحويلات مالية رقمية للتهرب من العقوبات الأميركية المفروضة على مؤسساته. كما اقترحت صحيفة "وول ستريت جورنال" زيادة الرقابة المالية من لبنان واليه

جمعيات "حزب الله" تستخدم منصات الدفع الرقمية؟

وكان تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" أورد في مقال لافت أن "الجمعيات الخاضعة للعقوبات والمرتبطة بـ"حزب الله" بدأت باستخدام منصات الدفع الرقمية اللبنانية لجمع التبرعات مما أثار قلق المسؤولين الغربيين من احتمال أن يكون الحزب يتجاوز العقوبات بهذه الطريقة". وقال: "الملصقات والمواقع الإلكترونية التابعة لمؤسسة الشهداء وجمعيات الإمداد، تشجع المؤيدين على إرسال الأموال عبر Whish Money  أو OMT، أو من خلال محافظ رقمية مسجلة بأسماء أفراد".

وأشار التقرير إلى أنه من خلال تمرير التحويلات عبر محافظ شخصية بدل الحسابات المرتبطة مباشرة بالجمعيات، يمكن المتبرعين تجنب تفعيل أنظمة المراقبة الألية الخاصة بالامتثال.

الملصقات والمواقع الإلكترونية التابعة لمؤسسة الشهداء وجمعيات الإمداد، تشجع المؤيدين على إرسال الأموال عبر Whish Money أو OMT

صحيفة "فايننشال تايمز"

 وأوردت الصحيفة في تقريرها أيضا، "أن ممثلي شركتي Whish وOMT ، قالوا لـ"فايننشال تايمز"  إنهم يطبقون إجراءات صارمة لمكافحة تبييض الأموال، وينفون بشكل قاطع، علمهم بمعالجة أية مدفوعات تخص جهات خاضعة للعقوبات".

وتبين للصحيفة، وفق ما جاء فيها، "ان تبرعا واحدا، ارسل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وتم تمريره عبر شركة Ria، وهي شريك دولي لمنصة Whish لتحويل الاموال، قبل ان يصل الى محفظة رقمية مسجلة في لبنان باسم شخص خاص مرتبط بإحدى الجمعيات الخاضعة للعقوبات".

ورد مصرف لبنان بحسب الصحيفة، أنه "على علم بالمخاوف الدولية. وقد وجه شركات تحويل الأموال المرخص لها إلى تعزيز اجراءات المراقبة، والإمتثال. وأكد المسؤولون أن هيئة الرقابة المالية لم تتبلغ أي دليل على ارتكاب شركتي OMT  أو Whish  مخالفة".

رويترز
متجر Wish لأعمال الصرافة وتحويل الأموال، في بيروت 11 يونيو 2025

وأقرّ "مسؤول لبناني" لم تكشف الصحيفة عن اسمه، أن "التوسع في استخدام المحافظ الرقمية يطرح تحديات تنظيمية جديدة، خصوصا في ظل الأزمة المالية المستمرة في البلاد".

لبنان على اللوائح الرمادية والسوداء

ويؤكد مصدر مالي ان لبنان كان أُدرِج على اللائحة السوداء الاوروبية قبل نحو شهرين، وهو مهدد الآن بإدراجه على اللائحة الاميركية الرمادية. وهذا يرتب صعوبات وتعقيدات على حركة تحويل الاموال من لبنان واليه.

قدرت مصادر مصرف لبنان لـ"المجلة" عدد الفروع لإحدى الشركات وحدها نحو 1800. وقالت ان البنك المركزي لن يلتزم الصمت، بل سيشدد رقابته على شركات تحويل الاموال عبر اجراءات جديدة، لتوفير امتثال كامل لمعايير مكافحة تبييض الاموال . في حين أكدت مصادر قريبة من شركة "OMT"، الامتثال الكامل لكافة الاجراءات من جانب الشركة، وانها لا تعتبر نفسها معنية بتهريب الاموال وان مقال ال"فايننشال تايمز" لم يستهدفها. لذلك لن تقوم بأي رد.

وابلغ رئيس لجنة متابعة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بلبنان توني نيسّي، لـ"المجلة" أن "هناك من يتحدث في موضوع الالتفاف على الإجراءات الدولية والأميركية من جانب "حزب الله" في الحركة المالية، واستلام الأموال. في الواقع أن شركتي "OMT" و "Whish Money"، تمتلكان رخصة من مصرف لبنان، وهذه الرخصة تسمح لهما، أن يقوما بتحويل الأموال بالدولار الأميركي، وبالليرة اللبنانية. وهما يُعتَبران كالمصرف، لكنهما مسؤولتان في اقتصاد الكاش. و"حزب الله" يفضل اقتصاد الكاش لتمرير كل المعاملات من دون رقابة، ومن دون إجراءات مصرفية شديدة، كشركات نقل الأموال، لا تطبق القوانين نفسها التي تطبقها المصارف. ولولا امتلاكهم الترخيص، والبنوك المراسلة في الخارج لما كانوا يستطيعون القيام بالحوالات التي تمر في الولايات المتحدة".

شركات تحويل الأموال ستكون حتما تحت مراقبة مالية شديدة. واذا تعطلت هذه الشركات قبل اعادة ترتيب الواقع المالي في البلد، اي القطاع المصرفي، فسيتعطل الاقتصاد برمته في لبنان

توني نيسّي، رئيس لجنة متابعة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بلبنان

وقال، "ان الخطر الحقيقي في انهم يستعملون هذه الشركات بعلمها او من دون علمها، لتحل محل المصارف ومن خلال اتباع اقتصاد الكاش. وهذه الشركات مراقَبة من اجهزة دولية تهتم بمراقبة ومكافحة الاموال، ومن السهل استخدام شركات كهذه. كما انه من السهل استخدام اسماء نظيفة من العقوبات. ذلك ان طريقة تكوينها يساعد في القيام بهذه العمليات دون علمها. الموضوع ليس جديدا. الشركات المالية هذه ستكون حتما تحت مراقبة مالية شديدة. واذا تعطلت هذه الشركات قبل اعادة ترتيب الواقع المالي في البلد، اي القطاع المصرفي، فسيتعطل الاقتصاد برمته في لبنان. فالمصارف هي تحت اللائحة الرمادية، وأوروبيا تحت اللائحة السوداء، منذ ثلاثة أشهر. لكنها تحت اللائحة الرمادية في الولايات المتحدة، وبقية دول العالم. وعندما يصبح لبنان تحت اللائحة السوداء الاميركية، فسيتعذر عليه ارسال "سويفت"، اي تحويل عبر البنوك المراسلة، فيتعطل الاستيراد الى لبنان، وسيتعطل أي تحويل لمختلف الاغراض التجارية والاقتصادية. والسؤال، هل لدى الشركات التي تتعاطى تحويل الأموال رخصة نقل للأموال بالطائرات؟ لكن في كل الأحوال، لا شيء سيمرّ هكذا، وستتم مراقبة الوضع الذي لا يبدو أنه سهل".

 وأوضح نيسّي: "ان الوضع سيصبح كارثيا في النواحي الإنسانية والخدماتية والاقتصادية، حيث أن لبنان يحتاج لفتح اعتمادات مالية مع الخارج لإستيراد المشتقات النفطية والغذاء والدواء وغيرها من مستلزمات البلاد للحياة". وأضاف: "في هذه الحالة سيتوقف التعامل مع البطاقات المصرفية، أي بطاقات السحب والإيداع. وعندها يكون لبنان قد دخل في مشكلة كبيرة. ويصبح اللبنانيون مسجونين داخل لبنان بلا أموال وبلا مستلزمات أساسية للحياة". وقال: "من المؤكد أن الشركات المالية ستخضع لمراقبة خارجية دقيقة في ضوء ما يحكى عن استخدامها ولو من غير معرفتها أو قصدها".

أ.ف.ب.
الرئيس اللبناني جوزيف عون، في اجتماع مع الوفد الأميركي في القصر ببعبدا 9 نومبر 2025

 وأكد نيسّي، "أن زيارة هيرلي بيروت ضمن جولته الشرق أوسطية لها أبعاد كثيرة. وكونه مسؤولا على هذا المستوى الرفيع، ستكون مهمته تنبيهية، وتحذيرية شديدة اللهجة، وان شكل ومضمون هذه المهمة يأتيان عادة، قبل مرحلة من صدور عقوبات".

هل يمكن لشركات تحويل الاموال أداء دور المصرف؟

وتحدث مدير أحد فروع "بنك الاعتماد اللبناني" نقولا معلوف لـ"المجلة"، عن " تخوف من عقوبات على هذه الشركات في حال ثبت ما يتم التداول به. المصارف تعتمد إجراءات معينة، يتم التحقق من خلالها من كل إسم إذا كان موجودا على لائحة العقوبات. وتطلب المصارف المعلومات الشخصية كافة حول الزبون، وهناك جنسيات محددة لم تكن تستطيع فتح حساب لها. والمصرف يريد أن يعرف هوية الشخص وأوضاعه العائلية، ومدخوله الشهري والسنوي، وعدد أبنائه، وماذا يتوقع من حوالات وقيمتها".

يوجد في السفارة الاميركية في بيروت، فريق قضائي، وآخر تابع لوزارة الخزانة، لديهما معطيات يتم تبادلها مع هيرلي. كما ان الفريقين هما دائما على أهبة الاستعدادات للمشاركة في لقاءات الموفدين الاميركيين المعنيين بالتمويل مع الجانب اللبناني

وأوضح أن هناك "KYC" (إعرف عميلك)، يوقعها الزبون ضمن فتح الحساب، وهو مسؤول عن تعديلها، ويفترض دوريا أن نجعل الزبون يوقعها. فإذا تخطت قيمة الحوالات السنوية، ما كان قد صرح لنا به حول قيمتها، فهذا يظهر لنا بوضوح وأمام UML - Unti Money Laundrin. ولفت معلوف إلى "ان المصارف تستطيع أن تراقب أكثر. هذه المراقبة قد لا تكون متوافرة لدى الشركات، التي تفتقر إلى المقومات المطلوبة لذلك".

رفع معايير المراقبة والتدقيق والملاحقة

أما أستاذ العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية في جامعات باريس، الدكتور محيي الدين الحشيمي، فأوضح لـ"المجلة" أن "الموضوع مطروح منذ فترة، وليست المرة الأولى التي يتم تداوله، لكن بطريقة متشددة أكثر. كل ذلك، يرفع من معايير المراقبة والتدقيق والملاحقة، والكشف عن أية محاولات للتهريب المالي من جانب "حزب الله"، أو فريق ما يسمى الممانعة".

أ.ف.ب.
أنصار " حزب الله" خلال تشيع جنازة حسن نصر الله، عقب الغارات الجوية الإسرائيلية

وفي اطار متابعتها الدقيقة لمسار احتمالات وجود مخارج لدى الحزب لتأمين التمويل، فرضت الخزانة الاميركية في السادس من شهر نوڤمبر/تشرين الثاني الجاري، بحسب بيان لها، عقوبات على ثلاثة اشخاص متهمين بغسل اموال مستخدمة لتمويل نشاطات "حزب الله". وجاء في بيانها ان هؤلاء الاشخاص تتهمهم واشنطن بـ"تسهيل نقل عشرات ملايين الدولارات من إيران الى "حزب الله" في العام 2025  عبر مكاتب صيرفة". هنا يعني ان الملاحقة تتناول الاشخاص بحسب مراقبين ولم تتعدَّ هذا الامر لتصل الى الشركات التي تنقل الاموال.

وأشارت مصادر ديبلوماسية لـ"المجلة"، الى انه يوجد في السفارة الاميركية في بيروت، فريق قضائي، وآخر تابع لوزارة الخزانة، لديهما معطيات يتم تبادلها مع هيرلي. كما ان الفريقين هما دائما على أهبة الاستعدادات للمشاركة في لقاءات الموفدين الاميركيين المعنيين بالتمويل مع الجانب اللبناني. وهذا الفريق بكامله يتشارك معلوماته حول واقع المصارف اللبنانية، مع وزارة الخزانة في واشنطن. واذا تبيّن له ان هناك حسابات مشبوهة، يطلب من المعنيين في المصارف أو غير المصارف إقفالها.

font change

مقالات ذات صلة