عام التوازن المدروس في سوق النفط... لا ازدهار ولا انهيار

خفض الفائدة والطلب العالمي يرسمان سوقا مستقرة

Shutterstock
Shutterstock
ترقب عالمي لمسار النفط والدولار

عام التوازن المدروس في سوق النفط... لا ازدهار ولا انهيار

ليست قصة النفط الخام في عام 2025 حكاية ازدهار أو انهيار، بل رواية توازن. ثلاثة عوامل قادت السوق: إدارة منسقة للإمدادات من قبل "أوبك بلس"، تحول مجلس الاحتياطي الفيديرالي الأميركي نحو خفض أسعار الفائدة، وقاعدة طلب عالمي على النفط أثبتت صلابتها. هذه القوى مجتمعة أبقت الأسعار متماسكة، وحصرت المؤشرات الرئيسة في واحد من أضيق نطاقات التداول خلال السنوات الأخيرة، رغم ما واجهته السوق من عقوبات اقتصادية، توترات جيوسياسية، وعناوين متقلبة.

تشكل مسار أسعار الخام هذا العام بتفاعل هذه القوى. أوبك+ ضبطت الإمدادات بخطوات محسوبة ومنضبطة، الاحتياطي الفيديرالي انتقل من التشدد إلى التيسير الحذر، والاستهلاك في الدول الكبرى المستوردة ظل قويا عبر النقل والصناعة والطيران والبتروكيماويات. صحيح أن نمو السيارات الكهربائية بدأ يعيد تشكيل بعض جوانب الطلب، لكنه لم يُعرقل النمو الكلي. النتيجة كانت عاما اتسم بتوازن واسع في السوق النفطية، حيث عكست حركة الأسعار استقرارا لا ضعفا بنيويا، فيما أثبت الطلب على النفط قدرته على الصمود رغم ضغط العقوبات واستمرار الأخطار الجيوسياسية.

حركة الأسعار في 2025: مستويات أدنى ونطاقات أضيق

كانت أسعار النفط في 2025 أدنى مما كانت عليه في سنوات ما بعد الجائحة، لكنها أكثر استقرارا بشكل ملحوظ. وشهد معظم العام تداول خام برنت ضمن نطاق ضيق نسبيا، متأرجحا ببضعة دولارات بين منتصف الستينات وأعلاها، من دون ارتفاعات مستمرة أو انهيارات حادة. سار خام غرب تكساس الوسيط على النهج ذاته، متداولا ببضعة دولارات دون برنت، مع تحركات محتواة سرعان ما يقابلها اهتمام شرائي جديد كلما اقتربت الأسعار من الحد الأدنى للنطاق.

وبالمقارنة مع عام 2024، كان المستوى العام للأسعار أكثر ليونة، لكن المسار أكثر سلاسة. العام الماضي اتسم بتقلبات أوسع واختبارات متكررة لمستويات مرتفعة، وتفاعل الأسواق مع توقعات متغيرة في شأن التضخم والفائدة وأخطار الإمداد. أما في 2025 فقد كان الزخم أكثر انحصارا ضمن نطاقات محدودة، واستمر هذا الاستقرار حتى مع موازنة عاملين رئيسين: من جهة تأثير الزيادات التدريجية في إمدادات أوبك+، ومن جهة أخرى انعكاسات تحول الاحتياطي الفيديرالي من رفع الفائدة إلى خفضها.

التحول النقدي للاحتياطي الفيديرالي: تيسير بلا نشوة

شهدت السياسة النقدية الأميركية تحولا تدريجيا في 2025. ففي سبتمبر/أيلول خفّض البنك سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى نطاق يتراوح بين 4.00 و4.25 في المئة، ثم أتبع ذلك بخفض مماثل في أكتوبر/تشرين الأول، لتنخفض الفائدة إلى 3.75 في المئة. هذا التحول عكس قرارا واعيا بالانتقال من التركيز المنفرد على محاربة التضخم إلى مقاربة أكثر توازنا تراعي علامات تباطؤ النمو وبرود سوق العمل.

السياسة النقدية الأسهل تؤثر في النفط عبر قنوات عدة. انخفاض الفائدة يقلل تكلفة الاقتراض على الأسر والشركات، فيدعم الاستهلاك والاستثمار والسفر، وكلها محركات للطلب على الوقود

خلال النصف الثاني من العام بقي كلا المؤشرين في نطاق ضيق. برنت مال إلى التمركز قرب منتصف نطاقه المرسوم، فيما تداول خام غرب تكساس قرب الجزء الأدنى من نطاقه الخاص. التحركات اليومية كانت متواضعة، وغياب الطفرات أو الانهيارات الواضحة دل على سوق تعمل في حالة توازن نسبي، لا تواجه فائضا صريحا ولا نقصا حادا.

وكانت انعكاسات هذه الخطوات على النفط واقعية ودقيقة. فقد ضعف الدولار قبل خفض الفائدة، إذ استبقت الأسواق التحول. وبعد صدور القرارات تعزز الدولار قليلا لكنه بقي أدنى من ذروته في منتصف العام، ما أبقى الأوضاع المالية أكثر دعما لسوق النفط مما كانت عليه مطلع 2025.

رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترمب بجانب جيروم باول رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، واشنطن 24 يوليو 2025

تؤثر السياسة النقدية في النفط عبر قنوات عدة. انخفاض الفائدة يقلل تكلفة الاقتراض على الأسر والشركات، فيدعم الاستهلاك والاستثمار والسفر، وكلها محركات للطلب على الوقود. كما يشجع التيسير على المستثمرين على زيادة تعرضهم للأصول العالية المخاطر ومنها السلع، مما يعزز السيولة في أسواق العقود النفطية. أما ضعف الدولار مقارنة ببداية العام فيُحسن القدرة الشرائية للمستوردين غير الأميركيين للنفط والمنتجات المسعرة بالدولار.

هذه القنوات ساعدت في تثبيت الطلب العالمي في وقت كانت الأسواق تترقب مؤشرات تباطؤ في مناطق الاستهلاك الكبرى. ومع ذلك، لم تنطلق الأسعار صعودا. ظل برنت وغرب تكساس الوسيط يتداولان في نطاقات ضيقة. هذه الاستجابة المحدودة تؤكد حقيقة أساسية: التحفيز النقدي وحده لا يضمن صعود الأسعار. السوق ما زالت مزودة جيدا، ونمو الطلب وإن كان إيجابيا أكثر اعتدالا من سنوات التعافي المباشر بعد الجائحة. خفض الفائدة عمل بمثابة ماص للصدمات أكثر منه محركا للاندفاع، إذ امتص الأخطار من دون أن يطلق موجة مضاربة.

التحول النقدي في 2025 لم يربك سوق النفط، بل ثبته. الانتقال من التشدد إلى التيسير دعم الاستهلاك العالمي عبر دولار أضعف وظروف ائتمانية أسهل، وجاء مكملا لإدارة أوبك+ للإمدادات

الأثر الكامل لخفض الفائدة في 2025 يخضع أيضا لفترات إبطاء. فالدعم لأسواق الائتمان وثقة المستهلك يترجم إلى زيادات في السفر والشحن والنشاط الصناعي واستخدام الوقود على مدى فصول لا أسابيع. ومن المرجح أن يظهر الأثر الاستهلاكي بشكل أوضح في نهاية 2025 ويمتد إلى 2026. باختصار، التحول النقدي في 2025 لم يربك سوق النفط، بل ثبته. الانتقال من التشدد إلى التيسير دعم الاستهلاك العالمي عبر دولار أضعف وظروف ائتمانية أسهل، وجاء مكملا لإدارة أوبك+ للإمدادات.

"أوبك بلس" في 2025: ضبط الإيقاع لا ملاحقة السوق

فيما يخص العرض، اتبعت "أوبك بلس" نهجا حذرا يقوم على تطبيع تدريجي للإنتاج بدل الانفتاح الواسع الذي قد يربك السوق. وقد تولت مجموعة الدول الثماني – الجزائر، العراق، كازاخستان، الكويت، عُمان، روسيا، السعودية، والإمارات – قيادة هذا المسار عبر التراجع المنظم عن الخفوضات الطوعية التي كانت قد اعتمدتها منذ عام 2023.

رويترز
علم مجموعة "أوبك بلس" خارج الاجتماعات في المقر وسط فينا، النمسا 7 ديسمبر 2018

في سبتمبر/أيلول 2025 استعيد نحو 2.2 مليون برميل يوميا من الإنتاج. ومع نهاية العام بدأت زيادة إضافية قدرها 160 ألف برميل يوميا وفق خريطة الطريق المعلنة مسبقا. هذه الخطوات لم تكن فتحا عشوائيا للصنابير، بل إعادة معايرة للإمدادات بما يتناسب مع نمو الطلب الأبطأ لكنه لا يزال إيجابيا.

هذا النهج تميز بسمات عدة. التغييرات يعلن عنها مسبقا لتقليل عدم اليقين وتفادي المفاجآت. الزيادات الشهرية محدودة لتجنب تراكم مفاجئ في المخزونات. كما تراعي التعديلات تحولات الطلب المحلي على الكهرباء والقدرة التصديرية، خصوصا لدى المنتجين الرئيسين، بحيث تعكس الصادرات الإضافية في الغالب إعادة توزيع موسمية لا طاقة جديدة.

تظل الصين محور التوازن النفطي العالمي. فهي أكبر مستورد للخام في العالم، وقد واصلت في 2025 امتصاص حصة كبيرة من إمدادات أوبك+، وبقيت مستويات الاستيراد مرتفعة

النتيجة كانت إبقاء أساسيات السوق مستقرة. الإضافات بقيت معتدلة، المخزونات تحت السيطرة، والتوازنات المادية في مناطق الاستهلاك الكبرى مشدودة لكن منظمة. بدلا من رد الفعل على تحركات الأسعار، فرضت أوبك+ إيقاعها الخاص عبر مواءمة الإمدادات التدريجية مع الطلب الفعلي لا مع العناوين المتقلبة.

الإشارات المادية: التراجع، الهوامش، والتدفقات

واصلت المؤشرات في السوق الفعلية تأكيد صورة التوازن من دون فائض واضح. ففي الربع الثالث وبداية الرابع من 2025، بقيت الفوارق الزمنية بين عقود برنت ودبي في حالة تراجع، أي أن البراميل الفورية تباع بسعر أعلى من العقود الآجلة. هذا النمط يعاكس ما يتوقع في حالة فائض، ويشير إلى أن الإمدادات القريبة لا تزال مشدودة وأن المشترين مستعدون لدفع المزيد لتأمين الخام اليوم بدلا من الانتظار. استمرار هذا الوضع لأشهر يوضح أنه ليس مجرد ضغط عابر بل انعكاس لطلب متين ومستويات مخزون مضبوطة.

أ.ف.ب.
مصفاة الأحمدي للنفط، جنوب مدينة الكويت، 10 مارس 2022.

تراجعت هوامش التكرير في المراكز الآسيوية الكبرى عن ذروتها منتصف العام، لكنها بقيت إيجابية ومريحة بما يكفي لدعم تشغيل المصافي بمعدلات عالية. المصافي المعقدة والبسيطة على حد سواء حافظت على مستويات تشغيل جيدة، مدعومة بطلب قوي على وقود النقل ولقيم البتروكيماويات ووقود الطائرات. الفوارق السعرية بين المنتجات المكررة كالديزل والبنزين ضاقت على مستوياتها القصوى السابقة لكنها لا تزال تمنح المصافي عائدا مجزيا. في الوقت نفسه ظل النشاط التجاري الفعلي نشطا عبر درجات متنوعة من الخام، من النفوط الثقيلة الشرق أوسطية إلى الخفيفة في الأطلسي.

تؤكد هذه الإشارات مجتمعة أن السوق لم تعد ضيقة كما كانت الحال في أزمات سابقة، لكنها بعيدة عن حالة الفائض، فالمخزونات تدار ولا تكدس أو تفرغ، وسعر النفط للتسليم الفوري أعلى من سعره للتسليم المستقبلي، أما المصافي فتحافظ على وتيرة تشغيل مرتفعة بفضل استمرار قوة الطلب النهائي. بكلمات أخرى، انتقل التوازن من ضيق هش إلى استقرار مدار، حيث تؤكد المؤشرات المادية ما تقوله حركة الأسعار والسياسات طوال 2025.

الصين والسيارات الكهربائية وقصة الطلب

تظل الصين محور التوازن النفطي العالمي. فهي أكبر مستورد للخام في العالم، وقد واصلت في 2025 امتصاص حصة كبيرة من إمدادات أوبك+، وبقيت مستويات الاستيراد مرتفعة، مدعومة بتشغيل قوي للمصافي ونشاط صناعي متماسك وزيادة صادرات المنتجات الطويلة المسافة من بنزين وديزل ولقيم بتروكيماوي. في المقابل، حافظت المصافي الكبرى، سواء المملوكة للدولة أو الخاصة، على معدلات تشغيل عالية، مستخدمة الخام المستورد لتلبية الطلب المحلي وتغذية الأسواق الخارجية.

النتيجة ليست قصة سيارات كهربائية تقضي على الطلب النفطي، بل إعادة تركيب للطلب. بعض القطاعات مثل استهلاك البنزين الحضري بدأت تتباطأ أو تستقر، فيما قطاعات أخرى مثل الطيران والبتروكيماويات تواصل التوسع

في الوقت نفسه، أصبحت الصين المنتج والمستهلك الأول عالميا للسيارات الكهربائية، مع توسع سريع في مبيعات السيارات الكهربائية والهجينة وبناء قدرات تصنيع وشبكات شحن واسعة. هذا التوسع بدأ يبطئ نمو الطلب على البنزين في قطاع سيارات الركاب. ففي مدن رئيسة، يظهر أثر أساطيل السيارات الكهربائية ومعايير الكفاءة المشددة في استقرار استهلاك البنزين مقارنة بالسنوات السابقة.

لكن الصورة الأوسع أكثر تعقيدا من مجرد استبدال السيارات، لأن استهلاك وقود السيارات الخاصة لا يشكل سوى جزء من الطلب الصيني على النفط. نمو النقل البري الثقيل، والخدمات اللوجستية المرتبطة بالتجارة الإلكترونية، والطيران، والبتروكيماويات، كلها تدعم استهلاكا كبيرا للديزل ووقود الطائرات والنافثا. وبالتالي لا يزال النشاط الصناعي والإنشائي، رغم تفاوت قطاعاته، يرسخ الطلب على المقطرات الوسطى. وحتى مع تباطؤ وتيرة التخزين الاستراتيجي والتجاري مقارنة بسنوات الشراء المكثف، يبقى استيراد الخام مرتفعا لأن المصافي تعمل لتلبية الطلب المحلي والفرص التصديرية.

رويترز
صورة جماعية لقادة الدول والوزراء في قمة مستقبل الطاقة، لندن 24 أبريل 2025

النتيجة ليست قصة سيارات كهربائية تقضي على الطلب النفطي، بل إعادة تركيب للطلب. بعض القطاعات مثل استهلاك البنزين الحضري بدأت تتباطأ أو تستقر، فيما قطاعات أخرى مثل الطيران والبتروكيماويات تواصل التوسع. وبفضل حجم الصين، بنيتها الصناعية، ودورها كمركز تكرير وتصدير رئيس، ستظل ركنا أساسيا في الطلب العالمي على الخام ودعامة للتوازنات السوقية لسنوات طويلة.

عندما تتداول الأسواق العناوين لا الأساسيات

إذا كانت البيانات الاقتصادية والفيزيائية تشير إلى التوازن، فلماذا بدت الأسعار في بعض الأحيان مثقلة، خصوصا حين هبط برنت إلى مستويات أوائل الستينات للبرميل؟ الجواب يكمن في الفجوة بين السرد والواقع.

في الأشهر الأخيرة غمرت الأسواق عناوين عن احتمالات أطر سلام في الحرب الروسية الأوكرانية، وحزم عقوبات جديدة ضد كيانات روسية، وحديث متكرر عن فائض وشيك إذا استمرت تدفقات النفط الروسي بالتزامن مع زيادات أوبك+. كل من هذه المواضيع غذّى رواية مفادها أن الأخطار تتراجع وأن السوق تتجه نحو فائض، حتى وإن لم تؤكد البيانات الصلبة ذلك.

صارت سياسات العرض والنقد تدار بوعي أكبر بعضها تجاه بعض، فيما اعتمدت أوبك+ زيادات تدريجية معلنة مسبقا لمواءمة الإمدادات مع الطلب الفعلي

أنباء المساعي السياسية لإنهاء القتال، مع إشارات إلى تعديل أنظمة العقوبات، دفعت كثيرين إلى الاعتقاد بأن أخطار انقطاع الإمدادات الروسية باتت أقل مما كان يظن. في الوقت نفسه، غالبا ما أعادت العقوبات توجيه التدفقات بدلا من قطعها، إذ جرى تحويل الخام عبر مشترين بدلاء ووسطاء وترتيبات شحن جديدة. البراميل التي كانت تباع علنا، باتت تسلك مسارات أكثر تعقيدا، لكنها لا تزال تصل إلى النظام العالمي.

رويترز
حقل نفطي في صحراء ولاية ألبراتا، كندا 26 نوفمبر 2025

هذا المزيج من خطاب السلام وضجيج العقوبات، شجع المتعاملين على تقليص علاوة الأخطار الجيوسياسية التي كانت مدمجة في الأسعار. ومع تراجع احتمال حدوث انقطاع حاد في الصادرات الروسية، أصبحت السوق أكثر استعدادا لبيع الارتفاعات وقبول برنت عند مستويات أدنى، بما في ذلك أوائل الستينات، فيما تتبدل مراكز المتداولين في السوق بسرعة مع كل تغير في العناوين، حتى عندما تبقى التدفقات الحقيقية مستقرة.

لكن الأسواق المادية تروي قصة مختلفة. في مناطق عدة، ارتفعت هوامش المقطرات الوسطى إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، مما يعكس شحا في إمدادات الديزل ووقود الطائرات تراجعا في الطلب. ولا تزال المصافي ترى طلبا قويا على وقود النقل ولقيم البتروكيماويات. الاستهلاك مدعوم بخفض الفائدة من الاحتياطي الفيديرالي وبنمو متواصل في الأسواق الناشئة حيث ترتفع الدخول وتتوسع شبكات الخدمات اللوجستية.

في الوقت نفسه، ظلت سياسة أوبك+ موجهة نحو التوازن وتفادي تقلبات مفرطة، وأضافت المجموعة إمدادات بخطوات محسوبة وأعلنت نياتها مسبقا، ما ساعد في تجنب الانهيارات الفوضوية التي ترافق عادة الأسواق الهابطة. المخزونات لا تتضخم، الفوارق الزمنية في المؤشرات الرئيسة لا تزال تُظهر التراجع لا التقدم، والشحنات تباع من دون حسوم عميقة تشير إلى فائض ممتد. في عبارة أخرى، كان ضعف الأسعار أخيرا مدفوعا أكثر بالعاطفة وسيناريوهات التداول لا بانهيار فعلي في التوازنات. السوق تتفاعل مع ما قد يحدث لا مع ما يحدث فعلا في التدفقات المادية. حتى الآن، تبدو مستويات برنت المنخفضة أقرب إلى تصحيح تقوده المعنويات لا إلى انهيار في قوة السوق الأساسية.

الدورة الجديدة الناشئة

ترسم مجمل تطورات 2025 ملامح دورة نفطية جديدة تختلف جذريا عن أنماط الطفرة والانهيار التي طبعت العقد الماضي. ثمة سمات بارزة: نطاقات التداول باتت أضيق بكثير، مع عدد أقل من القفزات الحادة أو الانهيارات العميقة. معظم العام شهد تحركات برنت وغرب تكساس الوسيط ضمن نطاقات محدودة، غالبا في إطار بضعة دولارات، لا عشرات كما في أزمات سابقة، بينما المؤشرات المادية مثل الفوارق الزمنية وهوامش التكرير تؤكد التوازن لا الضغط الحاد، وتبرهن أن السوق ليست محرومة من الإمدادات ولا غارقة في فائض.

صارت سياسات العرض والنقد تدار بوعي أكبر بعضها تجاه بعض، فيما اعتمدت أوبك+ زيادات تدريجية معلنة مسبقا لمواءمة الإمدادات مع الطلب الفعلي، وانتقلت البنوك المركزية من التشدد إلى مواقف أكثر حيادية أو داعمة باعتدال. هذا التلاقي قلل أخطار الصدمات المفاجئة التي كانت تزعزع الأسعار. في الوقت نفسه، أصبح الطلب أكثر نضجا: النمو أبطأ من سنوات التعافي بعد الجائحة، لكنه أكثر تنوعا عبر مناطق وقطاعات، حيث تعوض الاقتصادات الناشئة والطيران والبتروكيماويات عن فتور بعض وقود الطرق.

أحد أبرز دروس 2025 كان محدودية الأثر المستدام للصدمات الجيوسياسية والعقوبات على التوازنات الفعلية. العناوين حول النزاعات والحظر والأخطار البحرية حركت الأسعار مؤقتا، لكن التدفقات تكيفت بسرعة عبر مسارات جديدة

السوق ليست جامدة، فما زالت التكنولوجيا والسياسات والجغرافيا السياسية تتغير. لكن مركز الثقل في 2025 انزاح بوضوح نحو استقرار مدار لا أزمة دائمة. في النهاية، البراميل أثقل من العناوين. أساسيات السوق تشير إلى توازن نسبي لا اضطراب، تشكله أهداف أوبك+، صمود الاستهلاك في الدول الكبرى، وخلفية نقدية باتت تميل إلى دعم النمو أكثر من كبحه.

التطلعات إلى 2026

تبرز محاور عدة يرجح أن تحدد سلوك أسعار النفط وتقلباتها في العام الجديد. في السيناريو المركزي، يستمر الطلب العالمي في النمو بوتيرة معتدلة لكنها إيجابية. الاقتصادات الناشئة، تعافي قطاع الطيران، والتوسع المستمر في البتروكيماويات يقود هذا النمو، حتى مع تباطؤ زيادة الطلب على وقود الطرق في بعض المناطق بفعل الكفاءة وانتشار السيارات الكهربائية. أوبك+ تحافظ على دورها كمدير عملي للتوازن، وتضبط الإمدادات بخطوات محسوبة لتفادي انهيار الأسعار أو انفجارها بفعل التضخم. أما الاحتياطي الفيديرالي وغيره من البنوك المركزية الكبرى فتبقى على سياسة أكثر حيادية أو داعمة باعتدال، أقل تشددا من 2023 و2024، لكن من دون إفراط في التيسير.

في ظل هذه الظروف، يرجح أن تبقى الأسعار ضمن نطاقات تحت السيطرة نسبيا. فترات القوة ستظهر حين تتقلص المخزونات أو يفاجئ الطلب بالارتفاع، وفترات الضعف ستبرز حين تخيب البيانات الاقتصادية أو يدخل عرض جديد إلى السوق. لن يختفي التقلب، لكنه سيكون أصغر وأقصر من موجات الأزمات السابقة، بفضل نظام بات أكثر رسوخا في السياسات والتوازنات المادية.

رويترز
ألسنة اللهب تتصاعد من مدخنة في حقل غرب القرنة النفطي، في البصرة في العراق،1 يناير 2024.

أحد أبرز دروس 2025 كان محدودية الأثر المستدام للصدمات الجيوسياسية والعقوبات على التوازنات الفعلية. العناوين حول النزاعات والحظر والأخطار البحرية حركت الأسعار مؤقتا، لكن التدفقات تكيفت بسرعة عبر مسارات جديدة وحسوم ومشترين بدائل. إذا خفت التوترات نسبيا في 2026، سواء عبر تقدم تدريجي في النزاعات، أو أنظمة عقوبات أكثر قابلية للتوقع، أو تراجع في التصعيد، فإن أثرها الصافي على الأسعار قد يتضاءل أكثر. ستظل الجغرافيا السياسية مهمة، لكن السوق قد تتعامل معها كمصدر لعلاوات مؤقتة لا كمحدد بنيوي للأسعار طويلة الأمد. وفي الوقت نفسه، أثبت عام 2025 أن حتى مع بقاء التوترات مرتفعة، فإن إدارة الإمدادات وصمود الطلب قادران على امتصاص معظم الأضرار، وهذا الدرس سيستمر في 2026.

الأخطار قائمة على جانبي المشهد. في الاتجاه السلبي، قد يؤدي تباطؤ عالمي أشد أو ضغوط مالية متجددة إلى إضعاف الطلب أكثر من المتوقع. مكاسب الكفاءة الأسرع أو دفع سياسات أقوى نحو الكهرباء قد يبطئان الاستهلاك في أسواق رئيسة أسرع من الافتراضات الحالية. في الاتجاه الإيجابي، قد يقود طلب أقوى من الطيران أو البتروكيماويات أو الاقتصادات الناشئة الكبرى، أو اضطرابات كبيرة في العرض بفعل الطقس أو الأعطال أو الحوادث، إلى تشديد التوازنات بما يفوق السيناريو المركزي. ومع ذلك، فإن وجود أوبك+ أكثر انضباطا، واحتياطي فيديرالي أكثر حذرا، وقاعدة طلب أكثر تنوعا، يوحي بأن النتائج السعرية القصوى ستكون أقل تكرارا من الماضي، وإن لم تستبعد تماما.

الاستقرار كاستراتيجيا

لم يكن عام 2025 قصة انهيارات دراماتيكية أو ارتفاعات صاخبة، بل كان عاما جعل من الاستقرار نفسه استراتيجيا. أوبك+ استخدمت إدارة الإمدادات لتفادي تراكم فوائض مدمرة. الاحتياطي الفيديرالي انتقل من تشدد قاس إلى تيسير حذر، فأزال عقبة اقتصادية كبرى من دون أن يطلق موجة مضاربة جامحة. كبار المستوردين، من أكبر مشتر للخام إلى بقية المناطق الاستهلاكية الرئيسة، واصلوا الاعتماد على النفط حتى وهم يستثمرون بكثافة في الكفاءة والكهرباء والتقنيات الجديدة.

ومع اقتراب 2026، تتضح صورة سوق نفطية تتعلم التعايش مع نمو أبطأ، انضباط أعلى، ونطاقات تداول أضيق. الأسعار ستظل تتحرك، الصدمات ستظل تقع، والسرديات ستظل تتأرجح بين الخوف والتفاؤل. لكن القصة الأعمق هي عن نظام أصبح أكثر نضجا، أكثر إدارة، وأكثر قدرة على الصمود. بالنسبة للمحللين وصناع القرار والمشاركين في السوق، الرسالة واضحة: في هذه المرحلة الجديدة، الأساسيات والتنسيق أهم من أي وقت مضى. العناوين ستبقى صاخبة، لكن البراميل ستظل هي التي تحدد الاتجاه الحقيقي للسوق.

font change

مقالات ذات صلة