السفير الأميركي الجديد في لبنان ميشال عيسى... من الاقتصاد إلى الدبلوماسية

لن يكون دبلوماسيا كلاسيكيا؟

"المجلة"
"المجلة"

السفير الأميركي الجديد في لبنان ميشال عيسى... من الاقتصاد إلى الدبلوماسية

ينتظر لبنان وصول السفير الأميركي لدى بيروت ميشال عيسى، بعد أن اكتملت الموافقة على تعيينه في مجلس الشيوخ الأميركي، وجرى تثبيته نهائيا.

وسيصل السفير عيسى إلى بيروت في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي لتسلم مهمته رسميا، كما تبلّغ لبنان من الإدارة الأميركية، وستعاونه في متابعة ملف تنفيذ اتفاق وقف النار الموقع بتاريخ السابع والعشرين من نوفمبر 2024، الموفدة الأميركية إلى لبنان مورغان أورتاغوس.

في حين أن الموفد الرئاسي الأميركي لسوريا ولبنان، السفير في تركيا توماس باراك أو من سيُعَيَّن خلفا له، سيتفرّغ أكثر للملف السوري. وسيبقى يتابع ما له علاقة بهذا الملف لبنانيا، حيث توجد قضايا مشتركة سورية-لبنانية يدخل حلها في نطاق مهمته مثل، ملف الحدود البحرية والبرية، وملف النازحين السوريين إلى لبنان، والتنسيق بين البلدين لإرساء استقرار دائم في علاقتهما.

سوشال ميديا
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والسفير الأميركي الجديد في لبنان ميشال عيسى

والسفير عيسى هو أول سفير للدولة العظمى في لبنان، من أصول لبنانية. ومثل هذا الأمر، لم يكن ليحصل من جانب رؤساء سابقين في الولايات المتحدة. إنها سابقة قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي عيّن موفدين له، وسفراء أميركيين من أصل لبناني، ومن خارج وزارة الخارجية الأميركية، ويعود الأمر إلى العلاقة الوطيدة والوثيقة بين ترمب وهؤلاء الشخصيات، إلا أن ولاءهم سيبقى أولا وأخيرا للولايات المتحدة، وهم سينفذون سياساتها في مناصبهم الجديدة.

السبب وراء اختيار ترمب مبعوثين له، وسفراء من المقربين منه، يعود إلى أن ترمب يهمه أن يكون لديه أشخاص يثق بهم ثقة عمياء، لينفذوا ما يريده

وفي مقدمة هؤلاء، السفير توم باراك السفير الأميركي في تركيا، والمبعوث الرئاسي الأميركي إلى كل من سوريا ولبنان، والموفد الرئاسي الأميركي للشؤون العربية والأفريقية مسعد بولس، والسفير الأميركي في تونس بيل بَزّي، الذي وافق مجلس الشيوخ أخيرا على تعيينه في هذا المنصب، وهؤلاء جميعا من خارج السلك الدبلوماسي في الخارجية الأميركية، وهم من نادي رجال الأعمال، فقط السفير بَزّي كان قد شغل أخيرًا منصب عمدة ديربورن هايتس.

ويعتبر باحثون في الشأن الأميركي، أن السبب وراء اختيار ترمب مبعوثين له، وسفراء من المقربين منه شخصيا، يعود إلى عاملين أساسيين هما أن ترمب يهمه أن يكون لديه أشخاص يثق بهم ثقة عمياء، لينفذوا ما يريده في سياسته الخارجية، وأن تكون هذه الثقة قد بُنيت من خلال العلاقات الشخصية معهم، على مدى سنوات. وهؤلاء لن يعرقلوا توجيهات الرئيس، لا بل إنهم سينفذونها بحذافيرها، هذا أولا. وثانيا أن الطابع الاقتصادي والخلفية لهؤلاء الموفدين والسفراء، باعتبارهم من رواد الأعمال و"البزنس"، يقدمون أولوية المنفعة المالية للولايات المتحدة من خلال الأفكار الاقتصادية التي يحملونها، بحيث تتلاءم ونظرة ترمب الاقتصادية في تعامله مع سياسته الداخلية، وتعامله مع ملفات لبنان والمنطقة.

رويترز
نائب المبعوث الرئاسي الخاص للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس وسفيرة الولايات المتحدة في لبنان ليزا أ. جونسون يستمعان إلى السفير الأمريكي في تركيا توماس باراك، بيروت في 18 أغسطس

وسيتسلم السفير عيسى مهمته قريباً، على وقع ضغوط أميركية على "حزب الله" لتسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية، وللتفاوض اللبناني-الإسرائيلي المباشر، وضغوط من بلاده لإنجاز لبنان العملية الإصلاحية الاقتصادية، على أن تحض واشنطن المجتمع الدولي في ضوء ذلك، على عقد مؤتمرين لدعم لبنان. الأول، اقتصادي-إعماري، والثاني لدعم الجيش اللبناني.

كذلك سيتسلم السفير عيسى مهمته، وهناك موفد رئاسي أميركي لشؤون المثلث "التركي-السوري-اللبناني". والمقصود، وجود السفير باراك، الذي يهتم ويتابع ملفات حساسة ودقيقة لها علاقة بالوضع اللبناني. فالسفير عيسى سيقوم بمهمته الطبيعية في إطار دوره، أما السفير باراك فسيقوم بدور أوسع نطاقا في القضايا نفسها التي يتابعها السفير عيسى، أي ما يحتاج إلى وساطات بين لبنان وجارتيه، كل من سوريا وإسرائيل. ثم يتولى التنسيق مع أكثر من دولة، ذات شؤون مشتركة مع لبنان، وذلك باسم الرئيس دونالد ترمب.

 ويتسلم أيضا السفير عيسى مهمته، ومن ضمنها متابعة عمل اللجنة الدولية المشرفة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وهذه اللجنة باتت تابعة للقيادة الأميركية العسكرية الوسطى في المنطقة، والتي يرأسها الأدميرال براد كوبر، والذي زار لبنان في الخامس والسادس والسابع من سبتمبر/أيلول الماضي. وهو يزوره بشكل دوري. وآخر القرارات تغيير رئيس اللجنة الجنرال الأميركي مايكل ليني، الذي خلف بدوره الجنرال كاسبر جيفرز.

دور أكبر  في الاقتصاد

وسينفذ عيسى سياسة بلاده، على أن يكون الدور الأكبر له في الاقتصاد، ونقل الرسائل السياسية والدبلوماسية، على أن يكون للموفد الرئاسي باراك دور محوري من وجهة النظر الإقليمية، انطلاقا من الدبلوماسية المباشرة بين الرئاسات في كلا البلدين، والتي تُعتمد في موازاة عمل السفير، ما يشكل استمرارا للنهج الأميركي المعتمد.

عمل عيسى في مجالات إعادة هيكلة الشركات، وإدارة الأزمات المالية، وأصبح خبيرا في هذا المجال، وشارك في عرض استراتيجيات مالية مهمة

السفير ميشال عيسى هو لبناني-أميركي ولد في بلدة بسوس في قضاء "عالية"، وعاش انطلاقته في بيروت قبل أن ينتقل إلى فرنسا للدراسة، وما لبث أن استقر في الولايات المتحدة الأميركية، بحسب "The National"، ودرس الاقتصاد في جامعات باريس، وفقا لـ"L'Orient Today". وعمل في الولايات المتحدة في عدد من المصارف الكبيرة مثل:

Union of Arab and French Banks

Chase Manhattan Bank

Bank Indosuez

Credit Agricole

وذلك كما أوردت "Arab American News"، وفي عام 1999، قرر عيسى ترك مجال المصارف ليدخل عالم السيارات. فاستثمر في امتلاك وتوسيع وكالات سيارات فاخرة، مثل "بورش"، و"أودي"، و"فولكسفاغن". وبلغت أرباح وكالاته نحو 35 مليون دولار سنويا. ثم بنى هذه الوكالات في ثلاثة كيانات مستقلة، وباعها في عام 2010. وذلك وفقا للمصدر نفسه.

وعمل عيسى في مجالات إعادة هيكلة الشركات، وإدارة الأزمات المالية، وأصبح خبيرا في هذا المجال، وشارك في عرض استراتيجيات مالية مهمة. وكما عرضت عنه قناة "MTV" اللبنانية، فقد شغل منصب محاسب عام معتمد، ووصي إفلاس، وعمل كعضو تنفيذي، وأستاذ في الجامعات.

العلاقة بين الرئيس دونالد ترمب والسفير عيسى، هي علاقة شخصية، حيث أصبحا أصدقاء من نادي الغولف. ومن هنا بدأت صداقة عميقة بين الرجلين، إلى درجة أن وصفه ترمب بـ"رجل أعمال بارز، وخبير مالي، وقائد ذي مسيرة لافتة في البنوك وريادة الأعمال والتجارة الدولية"، وفق ما كتبت "The National". وتوطدت العلاقة بينهما، إلى أن تم الإعلان عن ترشيحه من قبل الرئيس ترمب لمنصب السفير في لبنان عبر منصة "تروث سوشيال" التابعة لترمب في 7 مارس/آذار 2025. وفي الفترة التي كان منصبه لا يزال يتطلب تصديقا من مجلس الشيوخ الأميركي ليصبح رسميا، كان الديمقراطيون يقاومون هذا التعيين.

من أجل تجنب أي شبهة في تضارب المصالح، كشف عيسى أنه تنحى عن جنسيته اللبنانية، مؤكدا أن التزامه بخدمة الولايات المتحدة هو كامل

علّق ترمب على ترشيح عيسى لمنصبه أثناء منتدى الاستثمار السعودي-الأميركي، ووصفه بـ"المحارب"، مشددا على ارتباطه القوي بلبنان وفق ما نقلته "The New Arab"، وعلّق عليه أيضا: "لم أكن أعرف أنه لبناني"، ونقل عنه قوله: "ولدت هناك، أحبه وأحب شعبه" أي لبنان.

قدّم السفير عيسى نفسه بشكل قوي أمام لجنة العلاقات الخارجية ومجلس الشيوخ، وركز على بعض النقاط الأساسية وهي: وصفه لسلاح "حزب الله" بأن تفكيكه ليس خيارًا بل ضرورة. وقال عن هذا "الحزب" إنه "دب جريح لا يزال قادرًا على إحداث الأذى"، متسائلاً عن دوافع "الحزب" للبقاء مسلحا. وشدد على انتقاده لعلاقة "الحزب" بإيران قائلا: "إن هذا التحالف لم يكن يوما لمصلحة لبنان بل لمصلحة إيران". وأشار إلى أن "الحزب" يدرك تماما أنه "إذا نُزع سلاحه لا بد أن شيئًا ما سيحدث".

ومن أجل تجنب أي شبهة في تضارب المصالح، كشف عيسى أنه تنحى عن جنسيته اللبنانية، مؤكدا أن التزامه بخدمة الولايات المتحدة كامل، وتصريحاته هذه أعطت انطباعا عن تصميمه العميق لإحداث تغيير جذري في لبنان، من خلال مهمته، وبهدف استعادة سياد لبنان بالكامل.

ولدى حصوله على موافقة مجلس الشيوخ على اعتماده خلال الفترة القريبة المقبلة، سيكون للسفير عيسى دور كبير في العلاقات الأميركية-اللبنانية. وبصفته السفير الأميركي الجديد، هناك الكثير من المسارات من بينها الدور السياسي والدبلوماسي، والدور الاقتصادي، والدور الأمني، والدور الإنساني والاجتماعي، فضلاً عن الدور الاستراتيجي، فالسفير الأميركي في لبنان ليس مجرد دبلوماسي عادي، بل ينظر إليه كشخصية محورية في رسم اتجاهات السياسة الأميركية تجاه لبنان، وله وزن في الملفات المطروحة بين البلدين، والحوار القائم بينهما.

وكونه رجل أعمال من أصول لبنانية، وأميركي المواطنة، من المتوقع أن يُكرّس بعدا اقتصاديا واستثماريا أوسع لدوره، سيحاول أن يظهر كجسر عبور بين واشنطن وبيروت، بحكم خلفيته اللبنانية. على الصعيد السياسي سيتابع بحزم ملف سلاح "حزب الله" ونفوذه والحد منهما، فضلا عن دعم الجيش والضغط للإصلاحات، وسيكون أكثر اهتماما بملف تشجيع الاستثمارات الأميركية في لبنان، إذا تحسن الوضع الأمني اللبناني، فالسفير عيسى مقرب من دوائر رجال الأعمال المقربين من ترمب. وبالتالي، من المرجح أن يكون أداء عيسى ضاغطا في المجال السياسي-الأمني، لمصلحة سياسة بلاده، وسيعمل بجهود كبيرة في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية. ولن يكون، بالتالي، دبلوماسيا كلاسيكيا.

وفي مقارنة مع أداء أسلافه مثل دوروثي شيا، وديفيد هايل، فإن شيا تزامنت ولايتها مع أشد مراحل الانهيار الاقتصادي بعد 2019. واشتهرت بخطاب مباشر وصريح ضد الفساد والنخب السياسية اللبنانية المتورطة. وركزت على العقوبات الأميركية ضد شخصيات ومؤسسات مرتبطة بـ"حزب الله"، ودعمت دور الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. أما هايل، فقد ركز على الملفات السياسية الكبرى، وخصوصًا على الحوار اللبناني-الأميركي. كما أدى دورا مباشرا في الضغط لإجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان بعد شغور، لا سيما وأنه كان في منصبه بين عامي 2013 و2015. وأسس لمرحلة انخراط أميركي أعمق بملف المساعدات العسكرية للجيش اللبناني.

كما أنه يأتي بعد السفيرة ليزا جونسون، التي عملت على نقل الرسائل بين الإدارتين الأميركية واللبنانية، وتعاونت مع باراك في مهمته. وفي كل الأحوال، فإن دور الموفد الرئاسي الأميركي بشكل عام حيال ملف لبنان، من شأنه أن يسجل أقصى درجة من درجات الاهتمام الأميركي بمواضيع لبنان، على أن السفير الأميركي يساعده ويواكب أداءه، ويعاونه في نقل الرسائل.

لا يُعرف عن السفير عيسى أي نشاط حزبي، أو توليه لمناصب سياسية سابقة. هو في الأساس رجل أعمال ومستثمر، وليس دبلوماسيا محترفا أو سياسيا سابقا

الدور الأبرز الذي سيؤديه السفير عيسى في لبنان، بحسب خبراء في السياسة الأميركية، سينقسم إلى ثلاثة أهداف هي: التأثير على التوازنات السياسية الداخلية في لبنان عبر علاقاته مع مختلف القوى، بالشكل الذي يخدم مصلحة بلاده، هذا أولاً. وثانياً: العمل على الحد من نفوذ خصوم واشنطن، مثل إيران و"حزب الله" على الساحة اللبنانية، وثالثًا: التنسيق مع كل من فرنسا والمملكة العربية السعودية، ودول إقليمية أخرى مؤثرة في الملف اللبناني، لإبقاء لبنان ضمن أولويات الاهتمام الدولي. وكل ذلك، ينطلق من الدور الاستراتيجي للسفير، إضافة إلى أدواره السياسية والاقتصادية والإنسانية والثقافية.

رويترز
يحمل المشيعون الأعلام خلال جنازة القياديين في "حزب الله" إبراهيم القبيسي وحسين عز الدين، اللذين قُتلا في الغارة الإسرائيلية يوم الثلاثاء على الضاحية الجنوبية لبيروت، لبنان 25 سبتمبر 2024

لا يُعرف عن السفير عيسى أي نشاط حزبي، أو توليه لمناصب سياسية سابقة. هو في الأساس رجل أعمال ومستثمر، وليس دبلوماسيا محترفا أو سياسيا سابقا، بحسب "Dearborn.org"، وقناة "MTV" اللبنانية. جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ لشهادة السفير عيسى، كانت قد انعقدت يوم الثلاثاء 29 يوليو/تموز الماضي، ضمن سلسلة جلسات استماع، للنظر في ترشيحات دبلوماسية عدة، وفقا لـ"Foreign.senate.gov".

وكان ترمب قد اختاره سفيرا لدى لبنان يوم الجمعة 7 مارس 2025. والسفير عيسى عبّر عن فهمه العميق لتركيبة المجتمع اللبناني، وأكد أن هذا الفهم سيكون أساس جهوده لدعم وحدة لبنان ومؤسساته الديمقراطية. كما رأى أن الفرصة الحالية للتقدم، تتبلور مع تشكيل حكومة إصلاح بعد الحرب الأخيرة، واعتبر أن الولايات المتحدة يجب أن تقود الجهود في ملف ترسيم الحدود اللبنانية، والتطبيع مع إسرائيل، ونقل عنه بحسب "L'orient Today" موقفه من "حزب الله"، وتفانيه للعمل مع الجيش اللبناني، وأكد دعمه لهذا الجيش في الجنوب، وضرورة تعزيز قدراته باستعادة السلطة والنفوذ على الأراضي اللبنانية كاملة.

أبرز المداخلات التي أدلى بها أعضاء في مجلس الشيوخ أثناء جلسة الاستماع إليه في لجنة العلاقات الخارجية، ما قاله السيناتور ستيف داينز، وهو جمهوري، حول تعزيز دور الجيش في استعادة سيادة الدولة اللبنانية، مشيرًا إلى أن لبنان يجب أن يفرض سيطرته جنوبا حيث يعمل "حزب الله" خارج نطاق الحكومة، أما السيناتور فان هولين الديمقراطي، فقد تساءل عن دور "اليونيفيل" في الجنوب. كما استكشف وجهة نظر عيسى حول التنسيق بين الأمم المتحدة والجيش اللبناني.

font change

مقالات ذات صلة