تعد السمنة من أبرز التحديات الصحية العالمية في القرن الحادي والعشرين، إذ يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من زيادة مفرطة في الوزن أو السمنة، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية. والسمنة ليست مجرد مسألة جمالية أو مظهر خارجي، بل هي حالة طبية معقدة تؤثر في وظائف الجسم المختلفة، وتزيد بشكل كبير خطر الإصابة بأمراض مزمنة تهدد الحياة، وأبرزها الأمراض القلبية والوعائية.
تشير الدراسات إلى أن تراكم الدهون في الجسم، وخاصة الدهون البطنية الداخلية المحيطة بالأعضاء الحيوية، يرتبط ارتباطا وثيقا بارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستويات الكوليسترول الضار، وزيادة مقاومة الجسم للأنسولين. وتشكل هذه العوامل مجتمعة بيئة محفزة لتطوير أمراض القلب التاجية، والسكتات الدماغية، والفشل القلبي، فضلا عن تأثيراتها على الكبد والكلى والجهاز التنفسي.
بالإضافة إلى الأخطار الجسدية، ترتبط السمنة أيضا بتأثيرات نفسية واجتماعية كبيرة، بما في ذلك انخفاض جودة الحياة، وزيادة معدلات الاكتئاب والقلق، والوصمة الاجتماعية التي قد تعيق التوجه نحو الرعاية الصحية الفعالة. ومع استمرار ارتفاع معدلات السمنة على مستوى العالم، أصبحت الحاجة إلى تدخلات علاجية فعالة وواسعة الانتشار مسألة عاجلة تتجاوز الحدود الفردية لتصبح قضية صحة عامة.
آليات السمنة
في السنوات الأخيرة، شهد المجال الطبي تقدما ملموسا في فهم آليات السمنة على المستوى الجزيئي والهرموني، مما أدى إلى تطوير أدوية جديدة تستهدف مسارات محددة في الجسم للتحكم في الشهية، وزيادة معدل حرق الدهون، وتحسين الأداء الأيضي. من بين هذه الابتكارات، برزت فئة أدوية جديدة تعرف باسم GLP-1 أظهرت قدرة كبيرة على خفض الوزن وتحسين عوامل الخطر القلبي لدى مرضى السمنة.
GLP-1 اختصار لمصطلح Glucagon-Like Peptide-1 "الببتيد الشبيه بالغلوكاغون-1 وهو هرمون طبيعي يفرز في الأمعاء بعد تناول الطعام. يقوم هذا الهرمون بوظائف مهمة إذ يحفز البنكرياس لإفراز الأنسولين، ويقلل إفراز الغلوكاغون وهو الهرمون المسؤول عن رفع السكر في الدم، ويبطئ إفراغ المعدة، ويزيد الشعور بالشبع. هذه الوظائف تجعل من تلك الأدوية مفتاحا أساسيا في التحكم بالشهية ومستويات السكر في الدم، مما يفسر اهتمام العلماء بتحويله إلى علاج دوائي فعال.
وقد تم تطويرها لتقليد تأثيرات هذا الهرمون بشكل أقوى وأكثر ثباتا في الجسم، ومن أشهر هذه الأدوية "سيماغلوتايد" الذي أظهر قدرة كبيرة على خفض الوزن بشكل ملحوظ وتحسين التحكم بالسكر في الدم، خصوصا لدى مرضى السمنة ومرضى السكري من النوع الثاني.
ما يميز هذه الأدوية عن طرق فقدان الوزن التقليدية، مثل الحمية الغذائية أو التمارين الرياضية وحدها، هو تأثيرها المزدوج على الشهية وعمليات الأيض. فهي تقلل الرغبة في تناول الطعام وتحفز الجسم على استخدام الدهون المخزنة كمصدر للطاقة، مما يؤدي إلى فقدان وزن مستدام. إضافة الى ذلك، أظهرت دراسة جديدة أن هذه الأدوية قد تقلل أخطار الأمراض القلبية الوعائية، وهو ما جعل العلماء يركزون على تقييم فوائدها للقلب بشكل مستقل عن فقدان الوزن وحده.


