أساطير علاج السرطان بالطرق البديلة

أمل يتبعه ندم...

shutterstock
shutterstock
أساطير علاج السرطان بالطرق البديلة

أساطير علاج السرطان بالطرق البديلة

في صراع مرير بين العلم واليأس، تنتظر سيدة عشرينية في القاهرة قرارا قد يغير مجرى حياتها. تجلس على كرسي متحرك أمام البوابة الضخمة لمعهد الأورام في القاهرة، عيناها تحدقان في الفراغ. بجانبها، يقف زوجها محمد، الذي تحمل عيناه بريق الأمل الأخير. منذ عامين، كانت أحلامهما تتعلق بتربية أطفالهم ورؤية ابنتهما تتخرج من الجامعة، لكن السرطان خطف كل شيء.

تحرك الزوجان منذ الصباح الباكر من قرية صغيرة تابعة لمحافظة الدقهلية التي تقع في قلب الدلتا المصرية. تعاني الزوجة من سرطان ثدي انتشر إلى عظامها وأعضائها منذ أكثر من عام؛ إلا أن تلك هي المرة الأولى التي تذهب فيها الى المعهد الشهير.

تبدأ القصة قبل نحو عامين، حين اكتشفت الزوجة وجود كتلة صلبة في ثديها الأيمن. في البداية؛ أهملت تلك الكتلة، ثم توجهت الى طبيب بعد أن استفحل الحجم وصارت الكتلة كبيرة وواضحة للعيان.

بالفحص السريري، وبعد إجراء فحوص بالأشعة، تبين أن الكتلة عبارة عن ورم سرطاني انتشر إلى الغدد الليمفاوية. كان الخيار الوحيد أمام الزوجة هو البدء على الفور في علاج السرطان كيميائيا، ثم إجراء الجراحة اللازمةوتلقي علاج إشعاعي وهرموني.

يعمل الزوج معلما في مدرسة حكومية، وتعمل زوجته أيضا في وزارة التربية والتعليم. وكلاهما حاصل على شهادة جامعية عليا. توجهت الزوجة للتأمين الحكومي، الذي بادر اطباؤه بوضع خطة العلاج القياسية.

في ذلك الوقت، صُنفت حالة السيدة بالدرجة الثالثة من السرطان مما تطلب علاجا كيميائيا عنيفا، تسبب في آثار جانبية مؤلمة ومحطمة للحالة النفسية.

بعد تلقي جلستين بالعلاج الكيميائي، بدأ الورم في الانكماش وبدأ معه تساقط الشعر واضمحلال الصحة العامة وصعوبة في التنفس مما اضطر السيدة الى المكوث في منزلها واستقبال الزيارات العائلية المواسية.

في مساء حزين، اقترحت إحدى السيدات على المريضة البدء في العلاج بالأعشاب. قالت لها تلك السيدة إن أحد أقربائها تعافى بالكامل من المرض بعد أن تناول "خلطة" يصنعها أحد المعالجين بالطب البديل و"دون أي أثار جانبية".

مع الألم الذي يتصاعد في طبيعة الحال وقت تلقي جرعة العلاج الكيميائي، وافقت السيدة على زيارة المعالج في "عيادة" تقع على بعد نحو 100 كيلومتر من منزلها. طلب منها المعالج "التوقف فورا" عن تلقي جرعات العلاج، وأعطاها "خلطة علاجية" مكونة من عسل نحل مخلوط مع أعشاب لا تعرف عنها المريضة شيئا، وطلب منها تناولها بانتظام والامتناع عن تناول اللحوم والسكريات.

على مدار الأسابيع التالية، لم تتناول المريضة شيئا سوى تلك الخلطة المجهولة. تحسنت حالتها وعاد شعرها الى النمو، وفي الوقت نفسه لاحظت أن الورم ينكمش.

وبعد ستة أشهر، توجهت مرة أخرى الى المعالج الذي أعطاها "خلطة أخرى" وطلب منها الاستمرار في تناول تلك الخلطة وطمأنها بـ"الشفاء" وطلب منها عدم التوجه إلى الأطباء مرة أخرى.

اختفى الورم تماما، وعادت للسيدة العشرينية نضارتها؛ وصحتها. ثم حدثت الكارثة.

يقول محمد إن الأمر بدأ بمجرد ألم خفيف في أسفل ظهر زوجته. اعتقدوا في البداية إنع لا يتعدى كونه "بردا في العظام". تصاعد الألم وأصبح غير محتمل. توجهت السيدة الى طبيب عظام طلب منها إجراء مجموعة من الفحوص ليتبين أن الألم ناجم عن مجموعة من البؤر السرطانية التي انتشرت على طول العمود الفقري. لاحقا تبين لهما وجود أورام أخرى في الرئة والكبد.

نسبة كبيرة من المرضى (بين 20% و70%) يترددون في الكشف عن استخدام الأعشاب للأطباء التقليديين، بسبب توقعهم ردود فعل سلبية، مثل الرفض أو عدم الاهتمام.

توجه الزوجان الى طبيب التأمين الحكومي. قال لهما إن الأوان قد فات ولم يعد هنالك حل سوى العلاج التلطيفي. لم يستسلم الزوج، وأخبرها بضرورة التوجه إلى معهد الأورام في القاهرة -حيث يعمل أفضل الأطباء- إلا أن النتيجة كانت واحدة. لم يعد العلاج ممكنا.

أخبر الطبيب محمد أن "الخلطة" التي تناولتها زوجته تحتوي على نوع من المخدرات المسكنة للألم، وأن انكماش الورم جاء كنتيجة مباشرة لجلستي العلاج الكيميائي، وأن زوجته في الطور الأخير من حياتها، وأن الحلول لم تعد متاحة.

أدوية عشبية

حالة تلك الزوجة ليست الأولى من نوعها، فبحسب العديد من الدراسات العلمية أصبح استخدام الأدوية العشبية بين مرضى السرطان ممارسة واسعة الانتشار، مما قد يؤثر سلبا على فعالية وسلامة العلاجات التقليدية المضادة. في الولايات المتحدة، يفيد أكثر من 35% من مرضى السرطان بأنهم يستخدمون الأدوية العشبية أثناء تلقي العلاج الكيميائي، بينما تتجاوز هذه النسبة 50% في الدول النامية.

وعلى الرغم من انتشار هذه الممارسة، فإن نسبة كبيرة من المرضى (بين 20% و70%) يترددون في الكشف عن استخدامها للأطباء التقليديين، بسبب توقعهم ردود فعل سلبية، مثل الرفض أو عدم الاهتمام.

shutterstock
أساطير علاج السرطان بالطرق البديلة

وفي ضوء الاستخدام المتزايد للطب التقليدي والتكميلي (CTM) من قبل مرضى السرطان، بدأ العديد من مراكز السرطان الرائدة في تقديم استشارات وعلاجات مبنية على الأدلة، بما في ذلك الأدوية العشبية.

ويشير العديد من المتخصصين في الرعاية الصحية إلى أنهم لا يشعرون بأنهم على دراية كافية بالأدوية العشبية ولا يمتلكون الكفاءة اللازمة في هذا المجال ضمن ممارستهم اليومية. ونتيجة لذلك، يلجأ العديد من المرضى إلى استشارة أفراد العائلة أو الأصدقاء أو ممارسي الطب غير التقليدي، فيما يتوقع العديد من المرضى أن يقدم الأطباء معلومات محدثة وإرشادات حول العلاجات التقليدية والتكميلية، بما في ذلك الأدوية العشبية، كجزء من الاستشارة الطبية.

وتشير التقارير إلى أن أكثر من 85% من المرضى سيوقفون استخدام العلاجات العشبية إذا كان يُشتبه في حدوث تفاعل ضار بين الأعشاب والأدوية.

تنتشر مجموعات أخرى لدعم مرضى السرطان يزعم البعض فيها شفائهم من أورام يستعصي علاجها بواسطة منتجات طبيعية تباع بأسعار باهظة.

وركز الكثير من الدراسات حول التفاعلات المحتملة بين المنتجات العشبية والأدوية التقليدية، وخاصة في مجال الأورام، كما درس تأثيرات مكونات الأعشاب على فعالية الأدوية الكيميائية، لكن معظم هذه الأبحاث كانت في المراحل قبل السريرية، حيث تعرضت خطوط الخلايا السرطانية ونماذج الحيوانات لمزيج من المنتجات العشبية والعوامل الكيميائية.

وقد جاءت النتائج حول هذه التفاعلات متضاربة، فبعض الدراسات أظهر تأثيرات تعارضية، بينما أظهرت دراسات أخرى تأثيرات إضافية أو تآزرية، وفي حالات أخرى لم تلاحظ أي تفاعل.

موقف اجتماعي

هذه التناقضات جعلت من الصعب وضع إرشادات موحدة للتعامل مع هذه التفاعلات. نتيجة لذلك، يوصي بعض المتخصصين بالابتعاد عن استخدام جميع المنتجات العشبية خلال فترة العلاج النشط للسرطان، رغم أن هذا قد يكون حذرا، إلا أنه حل غير واقعي في المجتمعات التي يُعتبر فيها الطب العشبي جزءا من التقاليد المجتمعية.

فالابتعاد عن استخدام الأدوية العشبية قد لا يكون مقبولا لدى المرضى وأفراد عائلاتهم أو حتى مجتمعاتهم. كما أن هذا النهج قد يعوق التواصل بين الأطباء والمرضى، ويعتبر غير أخلاقي وغير محترم لحرية المريض. في منطقة الشرق الأوسط، يتزايد الاعتماد على الطب التقليدي والتكميلي، بما في ذلك الأدوية العشبية، حيث أُفيد بأن أكثر من 60% من المرضى الذين يتلقون رعاية مساعدة أو تلطيفية يستخدمون هذه الأدوية.

وتشير نتائج دراسة علمية الى أن المتخصصين في الرعاية الصحية في الشرق الأوسط يتبنون عموما موقفا إيجابيا تجاه دمج الطب التقليدي والتكميلي في رعاية السرطان الداعمة.

لكن حالة الزوجة الضحية تختلف تماما عن كل ما جاء في الدراسات التي فحصت تأثيرات العلاجات العشبية على العلاج القياسي للسرطان. فالزوجة توقفت أصلا عن تناول العلاج الكيميائي وهو ما أدى الى تدهور الحالة، حسبما يقول الدكتور جاد محمد، أستاذ مساعد الجراحة في كلية الطب بعين شمس، الذي يؤكد أن معظم "المعالجين بالأعشاب" في مصر يطلبون من المرضى التوقف عن تلقي جرعات العلاجات الكيميائية.

طبيب الخلطات

على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، تنتشر مجموعات مخصصة لعلاج الأورام بالطب البديل. تحفل تلك الصفحات بحكايات نجاح طب الأعشاب في مداواة المرضى. في إحدى المقابلات الذائعة الصيت، تحكي سيدة لـ"طبيب" عن نجاح تجربته في علاجها بعد أن أعطاها "خلطة" قضت على سرطان الرئة.

بالتواصل مع ذلك الطبيب، قال إنه يستطيع القضاء على جميع السرطانات باستخدام "خلطة سرية" تكلف المريض نحو 1500 دولار أميركي.

تمتلئ صفحة الطبيب على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وهو سوري الجنسية ومتخصص أساسا في الأنف والأذن والحنجرة، بإنجازات ونجاحات وصور لأشعة لمرضى يقول إنهم تعافوا من إصابات سرطانية قاتلة من طريق استخدام الأعشاب فقط. كما يفخر بعيادته التي يتوجه إليها المرضى من جميع أنحاء الوطن العربي للعلاج.

بعرض صور الأشعة التي يشاركها الطبيب على مجموعة من أطباء الأورام المعتمدين، تبين أن صور الإصابات هي لمرضى يعانون من إصابات سرطانية متنوعة وخطيرة، ويستحيل علاجها.

وبعرض نتائج العلاج على الأطباء أنفسهم، أقروا جميعا أن تلك الصور تختلف بشكل تشريحي عن صور المرضى الذين زعم الطبيب علاجهم.

على جانب آخر، تنتشر مجموعات أخرى لدعم مرضى السرطان يزعم البعض فيها شفاءهم من أورام يستعصي علاجها بواسطة منتجات طبيعية تباع بأسعار باهظة.

فيما تنتشر في مجموعات أخرى مجموعة من "الخرائط الجسدية" يزعم أصحابها قدرتهم على استخدمها لعلاج السرطان من طريق ممارسات تقليدية، كالأبر الصينية، والحجامة.

لكن.. كيف يمكن أن يقتنع المرضى بتلك الممارسات؟

يتحدث أحد المرضى المصابين بسرطان الكبد الذي يخضع حاليا للعلاج بـ"النباتات الإسلامية" عن تجربته التي بدأت قبل نحو شهر. يقول المريض -الحاصل على شهادة جامعية- إنه أطلع على دراسة علمية تؤكد أن العلاج بالأعشاب ممارسة تحدث في كل العالم.

تؤكد مجموعات كبيرة من الدراسات أن أحد أكبر الأخطار المرتبطة بالاعتماد الكامل على الأعشاب في علاج السرطان هو عدم فعاليتها

تقول تلك الدراسة التي حصلت "المجلة" على نسخة منها، إن استخدام الأدوية العشبية من الوسائل العلاجية الرئيسة المتبعة في مناطق متعددة حول العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، أوروبا، وبعض الدول المتقدمة الأخرى، لعلاج مرضى السرطان.

وتعرض تلك الدراسة احصائيات قالت إنها صادرة عن منظمة الصحة العالمية. تقول تلك الاحصائيات إن "الدول المتقدمة تبنت نظام العلاج التقليدي باستخدام الأعشاب، حيث تصل نسبة اعتماد هذا النظام إلى 31% في بلجيكا، 48% في أوستراليا، 49% في فرنسا، 70% في كندا، و77% في ألمانيا. وخلال العقود الأخيرة، تم استخلاص نحو 25% من العقاقير المستخدمة من النباتات، ورغم ذلك، لم يُبحث سوى 5-15% منها لاكتشاف المركبات النشطة بيولوجيا. كشفت دراسات حديثة أن المواد الكيميائية النباتية تُستخدم في علاج السرطان نظرا لخصائصها المضادة للأورام وقلة سميتها، مع قلة الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات القياسية التي غالبا ما تفشل في تحقيق النتائج المطلوبة".

لكن، وفي العودة الى المصدر الذي أشارت اليه الدراسة، لم تكن هناك ثمة احصائيات مشابهة للواردة في الدراسة.

shutterstock
أساطير علاج السرطان بالطرق البديلة

تدعم الدراسة بقوة حقيقة الرأي القائل إن النباتات التقليدية التي تستخدم تحت مُسمى الطب العربي والإسلامي ظهرت كمصدر جيد للطب التكميلي والبديل في علاج السرطان، وتقول إن الأدوية التقليدية القائمة على الأعشاب العربية والإسلامية قد تكون واعدة لعلاجات السرطان الجديدة ذات السمية المنخفضة والآثار الجانبية البسيطة، لكن مع الإشارة إلى أن النباتات المستخدمة في الغالب في شكل خام ولا تزال بحاجة إلى بحث متقدم لعزل المواد الكيميائية النباتية وتحديد دورها الخلوي والجزيئي في علاج السرطان.

وحين قرأ المريض تلك العبارة، وتأكد من أن النباتات في شكلها الخام لا تزال تحتاج إلى دراسة، لم يتغير رأيه. يقول المريض إنه يشعر بتحسن هائل في صحته بعد أن أصابته الأدوية الكيميائية "بالمرض والضعف". توقف ذلك المريض هو الآخر عن العلاجات القياسية، ويقول إنه سيمضي في العلاج العشبي ولن يذهب مرة أخرى إلى طبيب.

أخطار مؤكدة

تؤكد مجموعات كبيرة من الدراسات أن أحد أكبر الأخطار المرتبطة بالاعتماد الكامل على الأعشاب في علاج السرطان هو عدم فعاليتها، فرغم أن بعض الأعشاب قد تحتوي على مكونات نشطة تحمل خصائص مضادة للسرطان، إلا أنه لا توجد أدلة علمية موثوق بها تؤكد قدرتها على علاج السرطان بمفردها. بدلا من ذلك، قد يتسبب تأجيل العلاج التقليدي في تقدم المرض، مما يؤثر سلبا على صحة المريض.

فيما تؤكد دراسات أخرى أن بعض الأعشاب تتفاعل مع الأدوية الكيميائية المستخدمة في العلاج التقليدي، مما قد يقلل فعالية هذه الأدوية أو يزيد آثارها الجانبية، وهذه التفاعلات قد تؤدي إلى نتائج عكسية، مما يتسبب بتفاقم الحالة الصحية للمريض أو تقليل فرص نجاح العلاج. وتقول أيضا الدراسات العلمية المحكمة إن الاعتماد على الأعشاب قد يؤخر التشخيص الصحيح والعلاج الفوري، حيث يمكن أن يضيع الوقت الثمين في تجربة علاجات غير مثبتة. وهذا التأخير قد يجعل السرطان يتطور إلى مراحل أكثر خطورة، مما يقلل فرص الشفاء.

ويرى الأطباء أن تناول الأعشاب يمكن أن يشعر المرضى الذين يعتمدون على الأعشاب وحدها أنهم في أمان وأن المرض تحت السيطرة، مما يؤدي إلى تجاهل العلاجات التقليدية الضرورية. وهذا الشعور الزائف بالأمان يمكن أن يؤخر التوجه إلى الرعاية الطبية المناسبة ويعزز السلوكيات الخطرة.

في الوقت الراهن، يجلس محمد بجانب زوجته التي تفاقمت حالتها متمنيا حدوث "معجزة" وعودة زوجته الى حياتها الطبيعية. معجزة يؤكد الطب أنها لن تحدث.

font change