بعد حادث جهيمان.. ريبة وشك تجاه كل التنظيمات والأحزاب الإسلامية

بعد حادث جهيمان.. ريبة وشك تجاه كل التنظيمات والأحزاب الإسلامية

[caption id="attachment_55227614" align="aligncenter" width="600" caption="بيت الله الحرام الذي انتهك حرمته جهيمان وعصابته"]بيت الله الحرام الذي انتهك حرمته جهيمان وعصابته[/caption]

حادثة جهيمان أو حادثة الحرم، كما هي مشتهرة لدى المجتمع السعودي، والتي انطلقت شرارتها في بداية القرن الهجري الحالي، أي قبل ثلاثين عاما من اليوم، ليست من الحوادث التي يمكن أن يطويها النسيان من الذاكرة السعودية التي لم تعرف أحداثا ضخمة قبل ذلك التاريخ وبعد إعلان الدولة السعودية الحديثة عام 1351هـ، هذه الحادثة ربما تكون في وقتها حادثا مفصليا في التاريخ ومحورا مهما في التغُّير الثقافي لدى المجتمع في ذلك اليوم، حيث ظهرت حركة جهيمان العتيبي التي اتخذت من الحرم المكي منطلقا لبث بيان المهدي المنتظر! وما صحبها من انتهاك لحرمة البيت العتيق الذي يشكل أقدس مقدسات المسلمين، وتم انتهاك هذه الحرمة في الشهر الحرام، ومن فكرة دينية مغرقة في الخيال والرؤى والتفسيرات الحرفية للنصوص، لكن هل بالفعل غيَّرت هذه الحادثة وأثرت في المجتمع السعودي؟

يمكن أن أجيب بنعم إذا أردنا بالتغير الموقف من التنظيمات والأحزاب الإسلامية التي كانت إلى ما قبل هذه الحادثة تعمل بحرية تامة ومطلقة وبدون أي رقابة وأي تحفظات من قبل المجتمع المتدين في أصله وبنيته الثقافية والاجتماعية، لكن بعد هذه الحادثة اجتاحت كثيرا من السعوديين، لاسيما الأوساط الأمنية منها، صنوف من الشك والريبة تجاه هذه التنظيمات وهو شك في محله لاسيما بعد حادثة بهذا الحجم، إلا أنه وللأمانة لم تغير هذه الحادثة شيئا من التدين الفطري السعودي المحافظ ولا حتى من الموقف الرسمي تجاهه.

حادثة جهيمان هزت الوجدان الديني كونها انتهكت الحرمات الثلاث؛ حرمة الزمان وحرمة المكان وحرمة الدم! وهو ما خلق أيضا اتفاقا عارما لدى جميع شرائح المجتمع على نبذ هذه الحادثة، كما أن هناك حوادث تلت حادثة الحرم وغيَّرت في المجتمع أكثر من غيرها، فحرب الخليج الثانية واجتياح صدام حسين للكويت ودخوله في حرب مع السعودية غيَّرت الكثير في المجتمع فشهدنا حراكا ثقافيا وصل إلى حد الصراع!

من خلال نخب ثقافية ودينية تجاذبت مواقفها تجاه الانفتاح والمحافظة، أنتجت تغيُّرا في ذهنية المواطن البسيط تجاه العالم المحيط به وأنه عالم يموج بالآراء والأفكار التي لابد وأن يتعامل معها، لاسيما أنها شهدت انطلاق القنوات الفضائية فخلقت جوا من الانفتاح غير المعهود في مجتمع محافظ كما أن حادثة بحجم 11 سبتمبر (أيلول) وضرب برجي التجارة العالمي وتورط غالبية المنفذين من المجتمع السعودي غيَّرت أكثر من كل الأحداث السابقة في المجتمع السعودي، لاسيما فيما يتعلق بالانفتاح الفكري والتعددية وقبول الرأي الآخر، والأهم من ذلك أن هذه الأحداث جعلت السعوديين يعيدون قراءة واقعهم من زاوية أخرى سواء السياسي أو الاجتماعي أو الديني، ومحاولة الخروج من هذه الأزمة مع الحفاظ على الثوابت الأساسية للدولة والمجتمع وسد الثغرات التي يمكن أن تستغلها الجماعات المتطرفة في الترويج لأفكارها منطلقة من الخطاب الديني المتشدد، لذلك رأينا شخصيات دينية رسمية وغير رسمية تدعو إلى مراجعة الخطاب الديني، كما شاهدنا انفتاحا اجتماعيا كبيرا وحراكا ثقافيا غير معتاد، فأحداث 11 سبتمبر يمكن أن نقول إنّها غيَّرت في المجتمع السعودي أكثر من أي حادثة أخرى، لكن في الوقت نفسه يجب القول إن حادثة جهيمان والاستيلاء على الحرم صدمت المجتمع السعودي أكثر من أي حادثة أخرى ونقلته إلى آفاق متغيرة لم يعتد على الخوض فيها.

خالد المشوح
font change