من مصلحة الاتحاد الأوروبي ضم تركيا إلى عضويته

من مصلحة الاتحاد الأوروبي ضم تركيا إلى عضويته


 منذ بدء المفاوضات بشأن حصول تركيا على عضوية الاتحاد الأوروبي في 3 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2005، لم تحقق رحلة تركيا الطويلة نحو الانضمام إلى الاتحاد النتائج المتوقعة. بيد أن ثمة جوانب تشابه مهمة بين تحديث أوروبا وإضفاء الطابع الغربي على تركيا. ولعل ذلك يفسر تمسك تركيا حتي الآن بفكرة اعتبار انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي بمثابة سياسة دولة، كما أوضح ذلك أخيرًا وزير الخارجية التركي داود أوغلو خلال الاجتماع الثاني للسفراء في أنقرة. 


والآن مضى عام على تعيين تركيا لكبير مفاوضين بدرجة مساعد وزير يختص بشئون الاتحاد الأوروبي. وهذا يلقي الضوء على مدى اهتمام تركيا بالحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، كما يبرز عملية الإصلاح في البلاد، كي يصبح المجتمع التركي أكثر ديمقراطية. وهذا يجعل من تركيا مرشحًا فريدًا لعضوية الاتحاد الأوروبي. وكما يقول البروفسير لودجر كوهنهارد فإن الاتحاد الأوروبي يمر الآن بمرحلة "التأسيس الثانية"، والسؤال المطروح الآن هو: بعد أن أخفقت تركيا في اللحاق بركب الاتحاد الأوروبي في مرحلة تأسيسه الأولى، هل ستتمكن من الفوز بعضوية الاتحاد في المستقبل؟". ينبغي على تركيا أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي ليس من أجل المصالح التركية وحدها، ولكن أيضًا من أجل مصلحة الاتحاد الأوروبي في سبيل دعم استقرار وقوة القارة العجوز ودعم أدائها على الصعيد الدولي. 


وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 1999، استطاعت تركيا أن تحصل على أهلية الترشح لعضوية الاتحاد التي كانت قد حُرمت منها في عام 1989. وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 2004، تسلمت تركيا تاريخًا محددًا لبدء المفاوضات في هذا الشأن وهو أكتوبر/تشرين أول 2005. وقد مرت خمس سنوات، ولم يتحقق أي تقدم. ومن خلال إعطاء تركيا هذا التاريخ المحدد، أراد الاتحاد الأوروبي أن يعطي للعالم فكرة مفادها أن الاتحاد الأوروبي ليس ناديًا مسيحيًا، كما خاض في ذلك الكثير من الناس وقتها، وحتى معاهدة لشبونة رفضت هذا، بالرغم من إصرار بعض دول الاتحاد الأوروبي على أن تكون هناك إشارة في مقدمة دستور الاتحاد إلى قيمة المسيحية. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، تعد تركيا هي البلد الذي يمكن أن ينظر إليه العالم الإسلامي بحثًا عن مزيد من التعاطف.


وقد أراد الاتحاد الأوروبي أن يُظهر للولايات المتحدة أنه ينمو ولم يعد تحت تأثير نفوذها. بل إن بعض المفكرين زعموا أن تركيا كانت بمثابة "حصان طروادة" بالنسبة للولايات المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي؛ وهي فكرة تم تفنيدها في أعقاب التدخل الأمريكي في العراق عام 2003، عندما منعت تركيا القوات الأمريكية من الدخول إلى أراضيها للتجهيز لعمليات ضد العراق. ومنذ ذلك الحين، والكل يتحدث عن إضفاء الطابع الأوروبي على السياسة الخارجية التركية. وتبدو مفاهيم الدفاع التركية وسياستها العملية ذات طابع أوروبي أكثر مما هو متوقع. 


ثمة عامل آخر يؤثر على وصول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وهو روسيا. فالعلاقات الاقتصادية والسياسية الجيدة بين تركيا وروسيا كانت لها أهميتها. وفي ظل حكم الرئيس بوتين، بعثت روسيا بإشارات إلى الاتحاد الأوروبي تفيد بأن التفاوض بشأن انضمام تركيا يمكن أن يعزز العلاقات الروسية مع الاتحاد الأوروبي. وقد رأى البعض أنه بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، تصبح تركيا أكثر موثوقية ومسئولية كما يمكن أن يتعزز توجهها السلمي. وتلقت بروكسيل إشارات مماثلة أيضًا من إسرائيل والعالم الإسلامي، واليوم تعد تركيا هي المرشح الأكثر قيمة وأهمية بالنسبة للاتحاد الأوروبي بفضل تأثيرها السياسي والاقتصادي والثقافي الذي يمتد من منطقة البلقان إلى وسط آسيا. 


كما أن تركيا يمكن أن تصبح ركنًا ركينًا في الاتحاد الأوروبي خلال العقود القادمة بفضل قدراتها الاقتصادية والسكانية. فوفقًا للإحصاءات، يبلغ عدد السكان نحو 90 مليون نسمة، ومن المتوقع أن تصبح ثاني أكبر دولة في أوروبا من حيث عدد السكان بحلول عام 2025 بعد روسيا التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة. ومسألة أن تركيا هائلة في كل من مساحتها الجغرافية وعدد سكانها أمر لا يعكس الحقيقة الكائنة على أرض الواقع. فوفقًا للبروفسير كوهنهارد: "يمثل الاتحاد الأوروبي 0.86% من مساحة العالم: (4.323.783 كيلومترًا مربعًا) و7% تقريبًا من سكان العالم (491 مليونًا). وحتى مع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فإن هذه الأرقام سوف تزداد فقط بمقدار غير ملحوظ لتصبح 1.01% من مساحة العالم و9% من سكان العالم". إذن بوجه عام، تعد تركيا بمثابة إضافة جيدة بالنسبة للاتحاد الأوروبي من حيث المساحة والسكان. 


وأخيرًا وليس آخرًا، أشار جونذر فيرهيوجن، المفوض الأسبق لتوسيع عضوية الاتحاد، إلى أنه إذا كان من المفترض أن تصبح تركيا لاعبًا عالميًا وأن تتخذ اتجاهًا إستراتيجيًا في التفكير، فإنه من الأفضل بالنسبة للاتحاد الأوروبي أن يضم تركيا إلى حظيرته. ومما لاشك فيه أن تركيا ستحقق انتعاشًا فكريًا في العقلية الأوروبية، وتصبح بمثابة إضافة فعالة لأوروبا. فتركيا تتطلع إلى الانفتاح واحترام حقوق الإنسان ومنح المرأة حقوقها وتريد أن تصبح مجتمعًا ديمقراطيًا تسوده قيم المجتمع الحديث. بعبارة أخرى، ينبغي أن تنضم تركيا للاتحاد الأوروبي.


 



حسين باجسي: أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الشرق الأوسط التقنية بأنقرة وزميل سابق في مركز دراسات التكامل الأوروبي في بون. ويقوم باجسي بالتدريس حاليًا في جامعة هامبولد في برلين بصفته أستاذًا زائرًا.

font change