سياسة أوغلو التي غيرت توجهات أنقره

سياسة أوغلو التي غيرت توجهات أنقره


تسعى تركيا جاهدة لكي تصبح عضوًا كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي منذ توقيع معاهدة أنقرة في عام 1963. ومن وجهة النظر التركية فإن الأسباب الكامنة وراء هذا المسعى تبدو واضحة تمامًا. فمنذ اليوم الأول لتأسس تركيا في عام 1923، كان مشروعها الأكبر للحداثة هو أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من الغرب، وبالرغم من أن عضوية حلف شمال الأطلسي خطوة مهمة على هذا الطريق، فإن عضوية الاتحاد الأوروبي كانت هي الهدف النهائي المراد الوصول إليه، وتعتقد تركيا اعتقادًا راسخًا بأن الاندماج الكامل مع أوروبا هو الطريق الوحيد لتحويلها إلى دولة أوروبية وترسيخ مكانتها في الغرب.


وهذه هي الحقيقة بالفعل، طالما أن الديمقراطية، التي تعد أهم أركان مشروع الحداثة، مطبقة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفوائد الاقتصادية التي من المحتمل أن تجلبها عضوية الاتحاد الأوروبي أصبحت تشكل حافزًا قويًا للغاية في هذه العملية.


ومن وجهة النظر الأوروبية، يبدو من الواضح مدى حاجة الاتحاد الأوروبي إلى تركيا إذا أراد أن يكون لاعبًا دوليًا بدلًا من كونه قوة أوروبية داخلية لا يتجاوز نفوذها القارة الأوروبية. كما ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يأخذ في الاعتبار أيضًا اقتصاد تركيا المتنامي وموقعها الجغرافي المتميز. فإذا ما تم تحديث تركيا بحيث تتماشى سياستها مع سياسات الاتحاد الأوروبي، فإنها يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في مواجهة العديد من القضايا، بدءًا من الإتجار غير المشروع بالبشر، وانتهاء بالإرهاب. وأخيرًا وليس آخرًا، فإن إدراج دولة ذات أغلبية مسلمة إلى اتحاد من البلدان المسيحية سيوصل رسالة قوية مفادها أن الغرب ليس في حرب مع الإسلام.


ومع ذلك، فإن هناك الكثير من الجدل حول ما إذا كان هناك تغيير جذري قد حدث بالفعل في سياسات الحكومة التركية الحالية وطريقة تفكيرها. فالأضواء أصبحت مسلطة الآن على تركيا التي انفتحت على الشرق، بدلًا من اندماجها في الغرب، في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، وتبعًا لذلك، يسود الاعتقاد على نطاق واسع، سواء في الداخل أو في الخارج، بأن اتباع سياسة "صفر من المشاكل" مع البلدان المجاورة، وهى السياسة التي ابتكرها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، قد حولت تركيز الدبلوماسية التركية بعيدًا عن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كما أسهمت محاولة تركيا تعميق علاقاتها مع دول مثل سوريا، وجهودها المتزايدة للوصول إلى دول الخليج وبناء علاقات معهم، في ترسيخ هذا الاعتقاد.


ورغم أن الاعتقاد بأن تغييرًا جذريًا قد حدث في سياسة الحكومة التركية، هو اعتقاد لا يخلو من الصحة، فإنه يغفل جانبًا مهمًا من السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، فحزب العدالة والتنمية يرغب في إظهار وضع تركيا الفريد وقيمتها الإستراتيجية بالنسبة للغرب، من خلال القوة الناعمة والمهارات الدبلوماسية التي تهدف لجعل تركيا مركز قوة واستقرار وسط منطقة أوراسيا المضطربة.


وقد حققت تركيا تقدمًا ملموسًا على هذا الطريق. فقد لعبت دورًا مهمًا في كوسوفو والعراق وأفغانستان. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن تركيا مستعدة للتوسط في مشكلة الخلاف النووي بين إيران والغرب، وعملية السلام بين إسرائيل وفلسطين. وتركيا بذلك يمكنها أن تساعد على التئام الجروح الناتجة عن الانقسام بين الإسلام والغرب.


وهكذا، فإن السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية لا تختلف كثيرًا عن السياسة الخارجية التركية التقليدية التي تهدف إلى جعل تركيا بمثابة جسر متين بين الشرق والغرب، والفرق الوحيد يكمن في عزم وإصرار حزب العدالة والتنمية على تحقيق هذا الهدف، فعلى عكس الحكومات السابقة، لم تكتف الحكومة الحالية بالتشدق والكلام عن الأهداف، وإنما أظهرت التزامًا واضحًا بتنفيذ هذا الهدف. ومن الأمور الأخرى التي تميز حزب العدالة والتنمية الحاكم عن الحكومات التي سبقته أنه يستخدم الجذور الإسلامية لتركيا من أجل تحسين علاقاتها مع العالم الإسلامي.


ومن المؤكد أن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ستبقى على رأس الأولويات بالنسبة للسياسة الخارجية التركية في السنوات المقبلة. ولكن مع ذلك فإن هناك اثنتين من العقبات التي لا يزال يتعين على تركيا التغلب عليهما من أجل تحقيق هذا الهدف؛ العقبة الأولى هي عن تطبيق الديمقراطية بشكل كامل في البلاد: في حين أن تركيا قد قطعت شوطًا طويلًا في هذا الصدد، لكي تصبح دولة ديمقراطية حقيقية، إلا أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين عليها القيام به في مجال حقوق الإنسان، وقضايا الأقليات وسيادة القانون، والعقبة الثانية هي الخلافات مع السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، بدءًا من مشكلة قبرص، وانتهاء بعلاقة تركيا بالرئيس السوداني عمر البشير. والتغلب على هذه العقبات هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يعطي تركيا الحق في أن تطلب من الاتحاد الأوروبي النظر في عضويتها.



أردال جوفين - مدير التحرير وكاتب عمود في صحيفة راديكال

font change