آية الله العظمى حسين فضل الله

آية الله العظمى حسين فضل الله

[escenic_image id="5592429"]

تدلت اللافتات السوداء في شوارع لبنان الأسبوع الماضي أثناء حداد مئات الآلاف من اللبنانيين على وفاة آية الله العظمى محمد حسين فضل الله في الرابع من يوليو (تموز) عن عمر يناهز الخامسة والسبعين.

 كان آية الله حسين فضل الله من كبار رجال الدين الشيعة في لبنان، وكان تأثير تعاليمه يتجاوز مجرد التأثير على التعليم الديني للمسلمين الشيعة. وترجع شعبيته، إلى حد كبير، للمسار النشط الذي اتخذه خلال حياته كرجل دين. فمن حزب الدعوة في العراق إلى تأسيس حزب الله، كانت المنظمات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط تعتمد إلى حد كبير على توجيهاته وفي كثير من الأحوال لتبرير عمليات العنف الذي تمارسه.

وقد أصدر حزب الله - المنظمة التي كان ينسب فضل الله لها دائما رغم أنه لم ينضم إليها رسميا - بيانا يوم وفاته، يقول: «لقد فقدنا اليوم أبا رحيما ومرشدا حكيما»، ذلك ما قاله السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله. وبعد إعلان حزب الله ثلاثة أيام من الحداد، استمرت قناة المنار - القناة الرسمية للحزب - في قطع إرسال البرامج التلفزيونية لبث صورة آية الله فضل الله مصحوبة بآيات من الذكر الحكيم.

وفي نفس الوقت، أرسل رجال الدين والسياسيون من الدول المجاورة تعازيهم، مخاطبين نفوذ فضل الله الذي يمتد من إيران والعراق وسورية إلى دول الخليج.

وعلى الرغم من نفوذه والحزن الحقيقي الذي شعر به معظم اللبنانيين، ألقت وفاة فضل الله الضوء على نوع الانقسامات التي خلفها خلال حياته. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت تنظر إليه باعتباره إرهابيا نظرا لتأييده للعمليات الانتحارية، أدانته بعض الأوساط الإسلامية أيضا نظرا لموقفه الليبرالي فيما يتعلق بحقوق المرأة، كما أدانته بعض الأوساط السياسية نظرا لوسطيته السياسية.

وظهرت آثار الاعتراض حوله في انخفاض مظاهر الحداد على وفاته في مدينة النجف التي ولد بها. فبخلاف لبنان، لم تكن هناك أي مظاهر للحداد في المدينة العراقية. بل إن رجال الدين في النجف قد تحدثوا حول الإرث السلبي الذي خلفه على البلاد، وتحديدا تأييده لمشاركة رجال الدين في السياسة. ويشير رد الفعل العراقي الأقل تعاطفا مع وفاته إلى الخصومة السياسية بين المدارس الدينية المختلفة. حيث إن مقاربة فضل الله النشطة والعملية تختلف إلى حد كبير عن مقاربة النخبة الشيعية العراقية التي تؤيد رسميا الفصل بين الدين والسياسة رغم النفوذ السياسي لرجل الدين آية الله العظمى علي السيستاني. كما خلف نفوذ فضل الله على حزب الدعوة العراقي - بما في ذلك رئيس الوزراء نوري المالكي الذي حضر مراسم تشييع آية الله في بيروت - منافسة مع المدرسة الدينية في النجف. لقد حظي فضل الله بنفوذ واضح في السياسة العراقية منذ سقوط صدام حسين، وربما تستمر تعاليمه في تعزيز نفوذه حتى بعد وفاته.

 وعلى الرغم من أنه كان ينظر إلى فضل الله في العراق باعتباره مؤيدا لمشاركة رجال الدين في السياسة، فإنه كان يدعو إلى تشيع أكثر اعتدالا من الذي يدعو إليه الخميني في إيران. وعلى الرغم من أن فضل الله كان يؤيد الثورة الإسلامية، فإنه رفض مفهوم ولاية الفقيه الذي يمنح القائد الأعلى سلطة مطلقة. بل إن وجوده بين الشيعة يشير إلى حقيقة يتجاهلها كثير من الناس وهي أن الشيعة في الشرق الأوسط ليس طيفا واحدا، وهو ما يؤكده نيكولاس نو رئيس تحرير «ميد إيست واير» في لبنان في حوار لـ«المجلة».

ويضيف نيكولاس: «على المستوى الفلسفي، كان يمارس درجة من النقد الذاتي ويشجعه، وهو ما يوجد بدرجة أقل في الدوائر الراديكالية التابعة للخميني.. فقد كان أكثر تشككا بشأن السلطة المطلقة لرجال الدين في السياسة».

ما الذي تعنيه وفاة ذلك القائد بالنسبة للشيعة في الشرق الأوسط؟ باعتباره صوت الفصيل المعتدل، ينظر إلى وفاته باعتبارها بداية حالة من الافتقاد للزعامة بالنسبة لذلك الفصيل من الشيعة. ومع ذلك، كما يقول نيكولاس، لا تعني وفاته أفول ذلك الفصيل من الشيعة، ولكنه سيكون له آثار سلبية بلا شك عليه.

وربما كان من الممكن أن ينظر الغرب إلى رجل دين معتدل مثل فضل الله مقارنة بالشيعة في الجمهورية الإسلامية باعتباره نشطا ليبراليا ولكن ذلك لم يحدث، بل إن الولايات المتحدة تنظر إليه باعتباره شخصية متطرفة كما اتضح من طرد اوكتافيا نصر، المراسلة السابقة لشبكة «سي إن إن» للشرق الأوسط، بعدما قالت في تعليق لها على موقع «تويتر» يتكون من 140 كلمة، إنها «حزينة لسماعها بوفاة السيد محمد حسين فضل الله، أحد زعماء حزب الله الذين أكن لهم احتراما بالغا» وهو ما أدى إلى القضاء على تاريخها المهني الذي استمر لعشرين عاما مع شبكة «سي إن إن».

وبالطبع كانت معتقدات فضل الله تتعارض مع نطاق واسع من السياسات الخارجية الأميركية في المنطقة، وذلك رغم صوبة تصنيف سياسة فضل الله؛ فعلى سبيل المثال، كانت علاقته بحزب الله دائما علاقة معقدة. فعلى الرغم من أن الحزب يشاركه الرأي في كثير من الأشياء، فإنه لم يكن، رسميا، جزءا من هيكله التنظيمي أبدا. ومع ذلك، تشير تقارير الهيئات الاستخبارية إلى أن آية الله فضل الله كان مسؤولا عن كثير من العمليات التي استهدفت الغربيين وتعد تفجيرات بيروت عام 1983 أكثرها أهمية حيث أسفرت عن مقتل 241 أميركيا و58 فرنسيا.

وبعيدا عن حزب الله، ساهم موقف فضل الله من إسرائيل في زيادة مشاعر العداء الأميركية تجاهه، كما أنه كان طوال حياته يقول إنه يجب على المسلمين الشيعة أن يتخذوا موقفا من الدول السلبية وأن يزيدوا من مشاركتهم السياسية وينظموا ميليشيات للدفاع عن مصالحهم. وبالنسبة لإسرائيل، كان يقول إنه نظرا لاستخدامها أسلحة متطورة، يعد اللجوء إلى تكتيكات الحرب غير النظامية طريقة مشروعة للانتقام. كما أنه لم يضيع أي فرصة للانتقام من إسرائيل، وتقول «نيويورك تايمز» إنه قال وهو على سرير الموت عندما سئل إذا ما كان يرغب في أي شيء، إنه «يرغب في أن يختفي الكيان الصهيوني».

ومثل ذلك الخطاب هو ما أدى إلى تعرض فضل الله لمحاولات اغتيال عدة، كان أولها عام 1985 عندما انفجرت سيارة يزعم أن الاستخبارات الأميركية هي التي وضعتها بالقرب من منزله، مما أسفر عن مقتل 80 شخصا. وفي عام 1995، جمدت إدارة كلينتون أصوله هناك بزعم وجود صلات بينه وبين المنظمات الإرهابية وبعد ذلك بنحو 11 عاما وخلال الصراع بين إسرائيل وحزب الله، أسقطت الطائرات الحربية القنابل على منزله. ومع ذلك رحب فضل الله بانتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة في 2008. إلا أنه، على غرار كثيرين في الشرق الأوسط، أعرب عن خيبة أمله نظرا لعدم قدرة أوباما على إحداث تقدم في عملية السلام. وعلى الرغم من أن إرث آية الله فضل الله محل شك على المستوى الدولي، فإنه محل توقير بالغ داخل لبنان. ويرجع ذلك في جانب منه إلى شبكة المؤسسات الخيرية التي أسسها عبر «المبرة» التي ما زالت مسؤولة عن إدارة عدد من الملاجئ والمكتبات والمستشفيات. بالإضافة إلى تأثير «المبرة» على المجتمع اللبناني. كما أن مؤلفاته الكثيرة تعد من أسباب استمرار ذكراه الطيبة أيضا. وربما يكون أفضل من عبر عن رأي لبنان في فضل الله هو رئيس الوزراء السني سعد الحريري الذي وصفه بأنه «صوت الاعتدال والمدافع عن الوحدة».

font change