قصة السلاح النووي الهندي والباكستاني

من ابتسامة بوذا إلى صاروخ "نصر"...

Shutterstock
Shutterstock
الصراع الهندي الباكستاني

قصة السلاح النووي الهندي والباكستاني

منذ الانفصال بين الهند وباكستان عام 1947، بقيت العلاقة بينهما مشدودة تتأرجح بين هدنة مؤقتة واشتباك دائم. وكانت قضية كشمير، منذ البداية، شرارة لا تنطفئ، تتسبب في حروب متكررة وأزمات ديبلوماسية حادة. لكن ما يضفي طابعا فريدا وخطيرا على التوتر القائم اليوم، هو اقتران هذا الصراع التاريخي بامتلاك الطرفين أسلحة نووية، ومعه بات السؤال المحوري: إلى أين يمكن أن تصل الأمور إذا خرجت عن السيطرة؟

قبل أكثر من ربع قرن، وتحديدا في مايو/أيار من عام 1998، وفي عمق صحراء ثار، الجافة الشديدة الحرارة بالقرب موقع تجارب بوخران بولاية راجستان، أعلنت الهند دخولها رسميا نادي الدول النووية، تحت الاسم الرمزي "عملية شاكتي" التي تعني "القوة".

فجرت الهند خمس قنابل نووية، في خطوة قلبت موازين الأمن في جنوب آسيا، وأثارت عاصفة من ردود الفعل الدولية.

لكن القصة لم تبدأ في 1998، إذ تعود جذور البرنامج النووي الهندي إلى عام 1945، عندما أسس الفيزيائي الشاب هومي بهابها معهد "تاتا للبحوث الأساسية"، بمساعدة من مجموعة "تاتا" الصناعية. بعد الانفصال، وضعت الحكومة أول لبنة تشريعية للبرنامج النووي عبر "قانون الطاقة الذرية" عام 1948، ثم أسست "هيئة الطاقة الذرية الهندية".

وفي عام 1974، أجرت الهند أول تجربة نووية تحت اسم "بوذا المبتسم". ورغم إعلانها كتجربة "سلمية"، إلا أنها أشعلت قلقا دوليا، وأدت إلى إنشاء مجموعة "مزودي المواد النووية" التي فرضت قيودا على التعاون النووي مع نيودلهي.

ضغوط دولية

خلال العقود التالية، عانى البرنامج النووي الهندي من الضغوط الدولية والعقوبات، خصوصا مع وفاة بهابها، وحالة عدم الاستقرار السياسي الداخلي. رغم ذلك، واصلت الهند بناء بنيتها التحتية النووية، وفي الثمانينات أطلقت برامج موازية لتطوير الصواريخ وتخصيب اليورانيوم، بفضل جهود علماء مثل عبد الكلام وتشيدامبارام.

في التسعينات، كانت الهند تمتلك المواد والمكونات الكافية لصناعة عدد من القنابل النووية، لكنها لم تُجرِ أي تجارب جديدة. في عام 1998، ومع عودة حزب "بهارتيا جاناتا" بقيادة أتال بيهاري فاجبايي إلى الحكم، تغير كل شيء، إذ كان فاجبايي صريحا في نيته تسليح الهند نوويا، معتبرا ذلك "حقا سياديا" و"ضرورة دفاعية".

كانت التسعينيات عقد الحسم. ففي عام 1998، وبعد أن أجرت الهند تجاربها النووية، لم يتأخر الرد الباكستاني

في 11 و13 مايو/أيار 1998، فجرت الهند خمسة أجهزة نووية دفعة واحدة، أحدها كان قنبلة حرارية-نووية (هيدروجينية). أُطلق على الأجهزة اسم "شاكتي-1" إلى "شاكتي-5"، وأجريت العمليات بسرية شديدة لتفادي الاكتشاف من الأقمار الصناعية الأميركية. بعد التجارب، أعلن فاجبايي بفخر أن الهند أصبحت قوة نووية كاملة.

غير أن الردود الدولية لم تتأخر. فرضت الولايات المتحدة واليابان ودول أخرى عقوبات اقتصادية فورية. أبدت الصين قلقها من سباق تسلح نووي في المنطقة.

أما باكستان، الجارة والخصم التقليدي للهند، فقد ردت هي الأخرى على الفور بمجموعة من التفحيرات التي دوت في تلال تشاغاي في 28 مايو/أيار 1998، لتعلن هي الأخرى دخولها رسميا نادي القوى النووية، في خطوة لم تكن مجرد استعراض قوة، بل ذروة مسار طويل بدأ عقب واحدة من أكبر الهزائم في تاريخ البلاد بدأت بانفصال بنغلادش عام 1971.

AFP
أحرق متظاهرون دميةً لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال احتجاج مناهض للهند في حيدر آباد، إقليم السند، في 9 مايو/أيار 2025

أما قصة باكستان مع السلاح النووي فتبدأ في 20 يناير/كانون الثاني 1972، حين جمع رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو كبار العلماء والمهندسين في مدينة ملتان، معلنا أن باكستان لا يمكن أن تبقى بدون "توازن الردع" مع الهند. كان حديثه صريحا: "علينا أن نأكل العشب إذا لزم الأمر، لكننا سنصنع القنبلة". وهكذا، وُلد البرنامج النووي الباكستاني رسميا.

كُلّف الفيزيائي النووي منير أحمد خان العائد من عمله في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قيادة هيئة الطاقة الذرية الباكستانية، لكن الهيئة سرعان ما واجهت تحديات تقنية كبيرة، خصوصا في إنتاج المواد الانشطارية اللازمة، وهنا ظهر اسم عبد القدير خان، المهندس الميتالورجي الذي عمل في منشآت التخصيب الهولندية، والذي أعاد إلى بلاده معلومات وتقنيات مهمة في مجال تخصيب اليورانيوم بالطرد المركزي.

وبدعم كامل من الحكومة، أسس خان مشروع "كهوتا" الذي أصبح لاحقا مؤسسة الأبحاث النووية الرئيسة في باكستان، وشكل مع هيئة الطاقة الذرية مسارين متوازيين في تطوير البرنامج. ورغم المراقبة الشديدة والعقوبات الغربية، نجحت باكستان عام 1984 في إنتاج يورانيوم عالي التخصيب، مما مكنها من امتلاك القدرة التفجيرية الكاملة، حسب خطاب أرسله خان إلى الجنرال ضياء الحق آنذاك.

كانت التسعينات عقد الحسم. ففي عام 1998، وبعد أن أجرت الهند تجاربها النووية، لم يتأخر الرد الباكستاني؛ ففي الشهر نفسه، فجرت باكستان خمس قنابل نووية دفعة واحدة في صحراء تشاغاي غرب البلاد. ثم أتبعتها بتجربة سادسة في صحراء خاران بعد يومين. وبذلك، أصبحت باكستان الدولة السابعة عالميا التي تطور وتختبر سلاحا نوويا وهو أمر زاد التوتر الإقليمي وأدى إلى صدور إدانة من مجلس الأمن عبر القرار 1172.

بلوتونيوم الهند ويورانيوم باكستان

منذ أن دخلت الهند وباكستان النادي النووي، لم يتوقف الجدل حول قدراتهما، وأيهما تملك اليد العليا. ورغم أن كلا البلدين أجرى تجاربه النووية في الشهر نفسه من العام نفسه، فإن الفوارق التكنولوجية بين البرنامجين كانت قائمة من البداية، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.

طورت الهند ترسانة واسعة من الصواريخ الباليستية المتوسطة والطويلة المدى، إضافة إلى غواصات قادرة على إطلاق صواريخ نووية، مما يمنحها قدرة ردع ثلاثية الأبعاد، تشمل الأرض والبحر والجو.

فقد طورت الهند برنامجها اعتمادا على البلوتونيوم المستخرج من مفاعلاتها النووية للأبحاث، وهو خيار يعكس قدرة تقنية أعلى ودقة في تصميم الأسلحة. في المقابل، استخدمت باكستان اليورانيوم العالي التخصيب الذي أنتجته عبر منشأة "كهوتا"، بتقنية الطرد المركزي. تقنيا، البلوتونيوم أكثر كفاءة من حيث الحجم والوزن في صناعة الرؤوس الحربية، لكنه أصعب في التعامل من الناحية الفنية.

تشير الدلائل إلى أن الهند ركزت على تصميم القنابل الحرارية الهيدروجينية، وهو ما أعلنته في اختبار عام 1998 رغم وجود تشكيك في نجاح التجربة الكاملة. وتعتمد القنبلة الحرارية على اندماج نووي بعد الانشطار، مما يتيح طاقة تفجيرية هائلة، أما باكستان، فقد اكتفت بتجارب لقنابل انشطارية وبعض "القنابل المحسنة" لكنها لم تعلن امتلاك سلاح حراري حتى الآن.

ويكمن الفرق بين قنابل البلوتونيوم وقنابل اليورانيوم في نوع المادة الانشطارية وطريقة التفجير المستخدمة. فـقنابل اليورانيوم، مثل التي ألقيت على هيروشيما، تعتمد على اليورانيوم-235 وتتسم بتصميم أبسط نسبيا يُعرف باسم "المدفع" حيث يتم دفع كتلتين دون الكتلة الحرجة إلى بعضهما بسرعة لتوليد الانفجار، وهي تقنية يسهل تنفيذها نسبيا ولكن تتطلب كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب النقي.

في المقابل، فإن قنابل البلوتونيوم، مثل قنبلة "الرجل البدين" التي أُسقطت على ناغازاكي، تستخدم البلوتونيوم-239 وتتطلب تصميما أكثر تعقيدا يُعرف بـ"الانفجار الداخلي" حيث يتم ضغط البلوتونيوم إلى الكتلة الحرجة باستخدام متفجرات شديدة التناسق، مما يسمح بإنتاج قنابل أكثر قوة وكفاءة بحجم أصغر، لكنه يتطلب تكنولوجيا هندسية متقدمة للغاية. كما أن البلوتونيوم أكثر نشاطا إشعاعيا وأصعب في التشكيل والتخزين، مما يجعل التعامل معه تحديا فيزيائيا وأمنيا، لكنه مفضل في التصاميم الحديثة للأسلحة بسبب كثافته العالية وقدرته على إنتاج انفجارات أكبر بأحجام أصغر.

تتمسك باكستان بخيار الضربة النووية المبكرة، إذ ترى إسلام أباد أن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، مثل صاروخ "نصر" القصير المدى، قد يكون الوسيلة الوحيدة لوقف زحف هندي محتمل في حال اندلاع حرب تقليدية، خاصة في ظل عدم قدرتها على مواكبة التفوق العددي واللوجستي للهند.

طورت الهند ترسانة واسعة من الصواريخ الباليستية المتوسطة والطويلة المدى، إضافة إلى غواصات قادرة على إطلاق صواريخ نووية، مما يمنحها قدرة ردع ثلاثية الأبعاد، تشمل الأرض والبحر والجو. في المقابل، لدى باكستان منظومة صاروخية فعالة لكنها أقصر مدى، وأقل تنوعا، مثل "شاهين" و"غوري"، مع تركيز على السرعة والرد الفوري بدل الردع البعيد المدى.

تفوق هندي

بحسب جمعية الحد من التسلح تملك الهند نحو 172 رأسا نوويا، بينما تملك باكستان نحو 170. وعلى الرغم من هذا التقارب العددي، فإن العقيدة النووية والتكنولوجيا المستخدمة والتوجهات الاستراتيجية لكل طرف تختلف بشكل كبير، وهو ما يمنح هذا التوازن طابعا هشا.

فالهند تتبنى علنا سياسة "عدم الاستخدام الأول"، مما يعني أنها تتعهد بعدم استخدام الأسلحة النووية إلا ردا على هجوم نووي. لكن أخيرا، أطلقت بعض الشخصيات البارزة في الحكومة الهندية إشارات تفيد بإمكان مراجعة هذه العقيدة. على النقيض من ذلك، ترفض باكستان نهائيا اعتماد تلك السياسة، وتؤكد حقها في استخدام السلاح النووي استباقيا إذا شعرت بتهديد وجودي.

وتتمسك باكستان بخيار الضربة النووية المبكرة، إذ ترى إسلام أباد أن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، مثل صاروخ "نصر" القصير المدى، قد يكون الوسيلة الوحيدة لوقف زحف هندي محتمل في حال اندلاع حرب تقليدية، خاصة في ظل عدم قدرتها على مواكبة التفوق العددي واللوجستي للهند.

على الصعيد غير النووي، يبرز التفوق العسكري الهندي في القدرات التقليدية بوضوح، حيث تمتلك أكثر من 1.24 مليون جندي في الجيش مقابل 560 ألفا فقط في باكستان.

AFP
جنود الجيش الباكستاني يؤدون التحية العسكرية من أعلى المركبات العسكرية التي تحمل الصواريخ نصر (يمين) وبابور (يسار) خلال عرض يوم باكستان في إسلام آباد في 23 مارس 2022.

وخصصت الهند ميزانية دفاعية هائلة تقدر بـ415.9 مليار دولار للفترة 2025-2029، مع تركيز على التحديث وتقليل الاعتماد على الواردات. في المقابل، تقف باكستان عند سقف أكثر تواضعا، مع توقعات ببلوغ ميزانيتها الدفاعية 10 مليارات دولار فقط في 2028، مدفوعة بضرورات داخلية وأمن الحدود.

وتتفوق الهند عدديا ونوعيا، حيث تمتلك أكثر من 220 مقاتلة من نوع "سوخاي 30 أم كيه آي" الروسية إلى جانب 36 مقاتلة "رافال" الفرنسية المتطورة. أما باكستان، فتعتمد على مقاتلات صينية مثل JF-17 وJ-10C، وبعض طائرات F-16 الأميركية الأقدم، في محاولة لتحقيق توازن مع التفوق الهندي عبر الشراكة مع بكين.

وتحتفظ الهند بأسطول متنوع من الدبابات، أبرزها T-90 الروسية ودبابة "أرجون" المحلية الصنع، إلى جانب مدفعية ذاتية الحركة حديثة مثل K9A1. أما باكستان، فتعتمد بالكامل تقريبا على الدبابات الصينية، مثل "الخالد" وVT-4، وتستعين بمدافع أميركية من طراز M109؛ كما تتمتع الهند بمظلة دفاع جوي مزدوجة المصدر، تضم نظام S-400 الروسي وBarak-8 الإسرائيلي. في المقابل، تملك باكستان منظومات صينية مثل HQ-9 الطويلة المدى، وLY-80 المتوسطة، في محاولة لتقليص الفجوة التكنولوجية.

وتمتلك الهند ذراعا بحرية قوية، تشمل حاملتي طائرات وغواصات نووية وهجومية، فضلا عن مدمرات وفرقاطات متعددة. أما باكستان، فبحريتها محدودة ولا تضم أي حاملة طائرات، وتعتمد على غواصات "أغوستا" الفرنسية القديمة وبعض الفرقاطات الصينية.

 بالإضافة إلى تفوقها في سلاحي الجو والبحرية، وامتلاكها شبكة أوسع من القواعد والمنشآت العسكرية، إلا أن هذا التفوق يشكل – بمفارقة مثيرة للقلق – أحد الأسباب الرئيسة وراء تمسك باكستان بخيار الضربة النووية المبكرة، إذ ترى إسلام أباد أن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، مثل صاروخ "نصر" القصير المدى، قد يكون الوسيلة الوحيدة لوقف زحف هندي محتمل في حال اندلاع حرب تقليدية، خاصة في ظل عدم قدرتها على مواكبة التفوق العددي واللوجستي للهند.

font change