لم تعد المعادن مجرّد موارد تُستخرج من باطن الأرض، في زمن تتسارع فيه التحولات الجيواقتصادية، بل غدت مفاتيح للتفوّق التكنولوجي، وأسلحة تفاوضية في الحروب التجارية، ووقودا لصراعات النفوذ بين القوى الكبرى. فالليثيوم والكوبالت والمعادن النادرة ليست مكونات في الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية فحسب، بل شيفرات تتحكم بالمستقبل الاقتصادي والسياسي والتكنولوجي للعالم.
اليوم، تُعدّ الصين المستفيد الأكبر من ثروات أفريقيا، بينما تخوض الولايات المتحدة معارك تفاوضية واستراتيجية تمتد من أوكرانيا إلى منطقة البحيرات الكبرى في شرق وسط أفريقيا، في سباق محموم لتأمين حاجاتها من الموارد الحيوية.
هكذا تعيد "الجغرافيا المعدنية" رسم خرائط القوة: دولٌ تمتلك عناصر استراتيجية نادرة، تجد نفسها في مرمى الاستقطاب الدولي. فالتوزيع غير المتكافئ للموارد يزيد حدّة التنافس: الصين تسيطر على أكثر من 60 في المئة من إمدادات المعادن النادرة، الكونغو الديمقراطية تمتلك نحو 70 في المئة من احتياطي الكوبالت العالمي، وأوستراليا تهيمن على نصف إنتاج الليثيوم. لم يعد الوصول إلى هذه المواد مجرد خيار اقتصادي، بل مسألة أمن قومي، وسلاح سياسي في يد من يملكه.
تنشر "المجلة"، ضمن "ملف خاص"، سلسلة مقالات ترسم الجغرافيا الاقتصادية والسياسية لـ"الحرب العالمية على المعادن"، وتقدّم، عبر رسوم وبيانات توضيحية، عرضا لأهم أنواعها، وحقول استخدامها، والأسباب الجوهرية التي جعلتها محور التنافس العالمي. إنها اليوم العمود الفقري للصناعات الحديثة، ومن يملك الأرض الغنية بها يجلس بثقة إلى طاولات المفاوضات، أما من يفتقر إليها، فيجد بلاده رهينة لمن يتحكم بها.