"الحرب العالمية على المعادن"... السباق على الثروات والنفوذ

كنوز باطن الأرض تحكم الميدان السياسي والعسكري فوقها

إدواردو رومان
إدواردو رومان

"الحرب العالمية على المعادن"... السباق على الثروات والنفوذ

لم تعد المعادن مجرّد موارد تُستخرج من باطن الأرض، في زمن تتسارع فيه التحولات الجيواقتصادية، بل غدت مفاتيح للتفوّق التكنولوجي، وأسلحة تفاوضية في الحروب التجارية، ووقودا لصراعات النفوذ بين القوى الكبرى. فالليثيوم والكوبالت والمعادن النادرة ليست مكونات في الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية فحسب، بل شيفرات تتحكم بالمستقبل الاقتصادي والسياسي والتكنولوجي للعالم.

اليوم، تُعدّ الصين المستفيد الأكبر من ثروات أفريقيا، بينما تخوض الولايات المتحدة معارك تفاوضية واستراتيجية تمتد من أوكرانيا إلى منطقة البحيرات الكبرى في شرق وسط أفريقيا، في سباق محموم لتأمين حاجاتها من الموارد الحيوية.

هكذا تعيد "الجغرافيا المعدنية" رسم خرائط القوة: دولٌ تمتلك عناصر استراتيجية نادرة، تجد نفسها في مرمى الاستقطاب الدولي. فالتوزيع غير المتكافئ للموارد يزيد حدّة التنافس: الصين تسيطر على أكثر من 60 في المئة من إمدادات المعادن النادرة، الكونغو الديمقراطية تمتلك نحو 70 في المئة من احتياطي الكوبالت العالمي، وأوستراليا تهيمن على نصف إنتاج الليثيوم. لم يعد الوصول إلى هذه المواد مجرد خيار اقتصادي، بل مسألة أمن قومي، وسلاح سياسي في يد من يملكه.

تنشر "المجلة"، ضمن "ملف خاص"، سلسلة مقالات ترسم الجغرافيا الاقتصادية والسياسية لـ"الحرب العالمية على المعادن"، وتقدّم، عبر رسوم وبيانات توضيحية، عرضا لأهم أنواعها، وحقول استخدامها، والأسباب الجوهرية التي جعلتها محور التنافس العالمي. إنها اليوم العمود الفقري للصناعات الحديثة، ومن يملك الأرض الغنية بها يجلس بثقة إلى طاولات المفاوضات، أما من يفتقر إليها، فيجد بلاده رهينة لمن يتحكم بها.

تتعمق "المجلة" في قلب هذا الصراع العالمي على المعادن، وتستعرض استخداماته وأسباب التنافس عليه من مختلف الزوايا السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، مع تسليط الضوء على نماذج متداخلة بين الجيولوجيا والسياسة، بين الاقتصاد والطموحات النووية، لنفهم كيف أصبحت المعادن لغة العالم الحديثة

يستعرض هذا الملف، من خلال دراسات حالات متعددة، كيف تحوّلت المعادن إلى قضية أمن قومي في واشنطن، وورقة ضغط في يد بكين، ومحركا لاستراتيجيات اقتصادية ناشئة في دول مثل الجزائر ومصر، كما يسلّط الضوء على استخدام الولايات المتحدة استثماراتها في معادن أوكرانيا لمحاصرة النفوذ الروسي، في خطوة تعبّر عن وعي استراتيجي بأن معركة الموارد قد تحدّد مسار الحرب والسلم معا.

في المقابل، تواصل الصين بهدوء وفعالية تشييد إمبراطوريتها المعدنية، عبر شبكة معقّدة من الاستثمارات والبنى التحتية تمتد من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية، مما يمكّنها من توجيه سلاسل التوريد العالمية لصالحها. وها هي اليوم توظف معادنها كسلاح جيوسياسي في وجه واشنطن وبروكسيل، وسط مفاوضات محمومة لا تقلّ أهمية عن خطوط النار.

ومن قلب أفريقيا، تطلّ الكونغو الديمقراطية كمأساة جيولوجية وسياسية: تمتلك أكبر احتياطيات الكوبالت في العالم، لكنها تغرق في الفقر والفساد والنزاعات، فيما تتهافت شركات من أميركا والصين وأوروبا على مناجمها. نموذج صارخ لفجوة تتسع بين الثروة تحت الأرض والبؤس فوقها.

أما الجزائر، فاختارت إعادة هندسة علاقتها بثرواتها من خلال قانون تعدين جديد، يمنح الأمل بتحديث القطاع وتحقيق تنويع اقتصادي، وسط مخاوف مشروعة من الوقوع مجددا في فخ الاقتصاد الريعي. وفي مصر، يفتح اكتشاف الثوريوم بابا نحو استقلال طاقي محتمل، لكن التحدي الأكبر يبقى في غياب بنية تحتية كافية وإطار قانوني يتيح تحويله إلى مكسب استراتيجي فعلي.

هذا السباق كله لا يجري في فراغ، بل في بيئة دولية تشوبها اختلالات حوكمة، وفساد منتشر في دول غنية بالموارد، كما في الكونغو، حيث تتحوّل الثروة المعدنية إلى لعنة تدفع بالبلاد نحو الفوضى والتبعية. في مثل هذا المشهد، تصبح الشركات العابرة القارات أدوات سيطرة بقدر ما هي أدوات استثمار.

في هذا الملف، الذي تنشره "المجلة" تحت عنوان "الحرب العالمية على المعادن"، تتعمّق في قلب هذا الصراع العالمي، وتستعرض استخداماته وأسباب التنافس عليه من مختلف الزوايا السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، مع تسليط الضوء على نماذج متداخلة بين الجيولوجيا والسياسة، بين الاقتصاد والطموحات النووية، لنفهم كيف أصبحت المعادن لغة العالم الحديثة، ووقود صراعاته المقبلة.

وهنا عناوين المقالات التي ستنشر ابتداءً من اليوم وعلى مدى الأسبوع المقبل:

1- إنها الحرب العالمية على المعادن، بقلم خالد القصار

2- المعادن من الألف إلى الياء... جغرافيا الصراع عليها من أفريقيا إلى القطب الشمالي، بقلم عبد الفتاح خطاب

3- "سلام ترمب" القائم على "ديبلوماسية الصفقات" في الكونغو، بقلم سيرغي إليدينوف

4- المعادن... ورقة رابحة جديدة للجزائر، بقلم ربيعة عبد السلام

5- التعريفات والمعادن ترسم خرائط النفوذ الاقتصادي، بقلم محمد الشرقي

6- "الثوريوم"... كنز مصر المخفي في الرمال السوداء، بقلم مارسيل نصر

font change