المعادن... ورقة رابحة جديدة للجزائر

مخاوف من إعادة إنتاج نموذج الاقتصاد الريعي واستغلال الثروات الوطنية

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
المعادن... ورقة رابحة جديدة للجزائر

المعادن... ورقة رابحة جديدة للجزائر

يتزايد اهتمام الجزائر بقطاع المعادن باعتباره ركيزة واعدة لتنويع الاقتصاد بعد عقود من الاعتماد على النفط والغاز. منذ توليه الحكم، جعل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من هذا القطاع أولوية، وسط آمال بتحويل الجزائر إلى قطب عالمي في الطاقة. لكن هذا التوجه يثير المخاوف من إعادة إنتاج نموذج الاقتصاد الريعي، خصوصا بعد إقرار قانون المعادن الجديد، الذي يثير جدلا بين من يراه محفزا للاستثمار ومن يصفه بتنازل محتمل عن السيادة. وما بين الثروات غير المستكشفة والتحديات الهيكلية، يبقى السؤال مطروحا: كيف ستوفق الجزائر بين الانفتاح الاقتصادي وحماية مقدراتها؟

يوما بعد يوم، يتضح جليا اهتمام الجزائر بقطاع المعادن الذي يُعتبر واحدا من القطاعات "الواعدة" التي تؤهل البلاد لقيادة ثورة الصناعة المنجمية ولأن تصبح لا محالة قطبا عالميا مهما في مجال الطاقة مستقبلا، على الرغم من أن ما يجود به باطن الأرض الجزائرية لم يحدد إلا الجزء اليسير منه.

وضع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون منذ وصوله إلى سدة الحكم سنة 2019، قطاع المعادن على رأس أولوياته وخططه الاقتصادية. وقد أثار هذا التوجه تساؤلات ملحة، أولها، كيف ستستفيد الجزائر من الثروة المنجمية التي تحوزها، وما هي طبيعة التحديات التي تعترض مسار تحفيز القطاعات غير النفطية بما يتيح لها تحقيق إيرادات إضافية إلى جانب النفط والغاز.

ما أبرز المعادن في الجزائر؟

ما أبرز المكامن المنجمية التي تملكها الجزائر والمواد المكتشفة، كم تبلغ احتياطات الجزائر منها وما هي أهميتها واستخداماتها عالميا؟

في عام 2015 اكتشفت مادة السيلينيوم في جهات من مدينة سيق (في الغرب الجزائري)، وهي ثمرة للتعاون الجزائري–الياباني. يكثر الطلب على هذه المادة عالميا، فهي تستخدم في الصناعة الإلكترونية كالألواح الكهرضوئية

في عام 2015 اكتشفت مادة "السيلينيوم" في جهات من مدينة سيق (في الغرب الجزائري)، وهي ثمرة للتعاون الجزائري–الياباني. يكثر الطلب على هذه المادة عالميا، فهي تستخدم في الصناعة الإلكترونية كالألواح الكهروضوئية، وفي مجالات أخرى كالصناعة الصيدلانية وشبه الصيدلانية.

أما المادة الثانية فهي "الليثيوم" الذي بات يشكل عنصرا حيويا لتحقيق تحول الطاقة العالمي. وبحسب تصريحات سابقة لوزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، تمتلك الجزائر إمكانات كبيرة في هذا المجال، "إذ أظهرت الدراسات الأولية وجود "الليثيوم" في مناطق استراتيجية مختلفة في جنوب البلاد وهذه المناطق بها خصائص جيولوجية مثالية لاستخراج المعادن".

وتقدر احتياطات الجزائر من الفوسفات، بنحو 2,2 مليار طن، مما يجعلها من بين أكبر عشر دول في العالم من حيث الاحتياطي. تتركز معظمها في شكل رئيس شمال شرق البلاد، ونذكر على سبيل المثل: منجم بلاد الحدبة (جنوب ولاية تبسة) الذي يعتبر أحد أهم مشروعات تطوير الفوسفات في البلاد وتقدر استثماراته بنحو سبعة مليارات دولار، ومن شأنه أن يجعل البلاد من أهم الدول المنتجة والمصدرة للأسمدة بإنتاج سنوي يفوق 6 ملايين طن من منتجات الفوسفات.

ديانا استيفانيا روبيو

تحوز الجزائر أيضا نحو 3,6 مليارات طن من الحديد، ويحوي منجم غار جبيلات (الواقع على بعد 130 كيلومترا جنوب شرق ولاية تندوف جنوب غرب الجزائر)، واحدا من أكبر احتياطات الحديد الخام في العالم، وقد شرع رسميا في استغلاله في يوليو/ تموز 2022، ويتوقع أن تبلغ إيراداته السنوية نحو 10 مليارات دولار.

تخوف من "سياسة الريع" والاستغلال الأجنبي

وأمام الجهود المبذولة للاستفادة من المكامن الجزائرية، تسود مخاوف لدى شريحة كبيرة من الأكاديميين والباحثين في الشأن الاقتصادي، وحتى السياسي، من أن يشكل قطاع المعادن مجالا جديدا للاقتصاد الريعي، مثلما حدث مع  النفط خلال العقدين الماضيين، إذ عانى اقتصاد الجزائر من تبعية مفرطة للمحروقات باعتبار البلاد من أكبر الدول المصدرة للمشتقات النفطية.

المعادن قريبة من النفط والغاز، وما نخشاه اليوم هو تكرار سياسة الريع، وما نتمناه هو التخلص من قيد الريع وتنويع الاقتصاد من خلال تطوير الزراعة والصناعة

سليمان ناصر، خبير اقتصادي

ويوضح الخبير الاقتصادي سليمان ناصر لـ"المجلة" أن "التحدي السائد حاليا مرتبط بالتحديات المعنوية"، قائلا إن "المعادن قريبة من النفط والغاز، وما نخشاه اليوم هو تكرار سياسة الريع، فما نتمناه هو التخلص من قيد الريع وتنويع الاقتصاد من خلال الاعتماد على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الناشئة وتطوير الزراعة والصناعة".

ومما يؤجج الجدال المتزايد، التشريع الجديد الذي صادق عليه البرلمان الجزائري أخيرا بسبب طابعه التحفيزي لاستقطاب المستثمرين الأجانب، وهو ما أثار مخاوف سياسيين من أن يكون بداية لـ"تنازل عن الثروات الوطنية"، في وقت تدافع الحكومة عن طرحها بأن "القانون يعزز السيادة الوطنية على الثروات الطبيعية". وقد تنوعت آراء الخبراء الاقتصاديين ونواب البرلمان على اختلاف توجهاتهم حول صيغة المشروع الحالية.

رويترز
وزير الطاقة والمعادن الجزائري محمد عرقاب، خلال فعالية لوزراء الطاقة في تكساس، الولايات المتحدة الأميركية، 7 مارس 2023

ويدور الجدال حول المادة 102 من القانون التي تحد من سقف مساهمة الشريك الوطني في المشاريع الاستثمارية في المعادن، وتنص على ما يلي: "تساهم المؤسسة الوطنية في حدود 20 في المئة في رأس مال الشخص المعنوي الخاضع للقانون الجزائري، المملوك جزئيا أو كليا من طرف أجنبي، في حال طلب هذا الشخص المعنوي منحه ترخيص استغلال المعادن".

نقاش سياسي عن المعادن

وفي مداخلة له في مناسبة عرض المشروع داخل البرلمان، بدأ النائب الجزائري عن ولاية تيارت (شمال غرب البلاد) حديثه بطرح مجموعة من الأسئلة، أولها يتعلق بأخطار التنافس الجيو-اقتصادي قائلا: "أليس من الخطر أن نسلم مفاتيح ثرواتنا المعدنية لشركات عالمية في وقت ترتفع فيه وتيرة التنافس الجيو-اقتصادي على المعادن الحيوية؟"، مضيفا: "لو جاء هذا القانون في حقبة أخرى غير هذه الحقبة التي تشهد صراعا دوليا متصاعدا (أميركا، الصين، أوكرانيا، وغرينلاند) لحظي التشريع بإشادة كبيرة"، متسائلا عن "دور الكفاءات العليا في البلاد وحجم الدعم المقدم للمؤسسات المنجمية ومهندسي المعادن حتى نقول إن هناك عدم جدوى محلية ونفتح البلاد على اقتصاد عالمي يشتد فيه التنافس على المعادن الثمينة كالذهب والليثيوم".

الطرح ذاته استقر عنده حزب العمال ذو التوجه اليساري، إذ اعتبرت زعيمته لويزة حنون الديناميكية الجديدة "خطوة نحو إلغاء تأميم المعادن وفتح الباب على مصراعيه أمام سيطرة الشركات الأجنبية على ثروات البلاد الباطنية".

مبدأ سيطرة الدولة على قطاع المعادن الذي كان وراء عملية التأميم لا يزال قائما، على الرغم من أن السياق مختلف، وتلعب الإرادة السياسية للدولة دورا محوريا في مسار إعادة إطلاق القطاع برؤية اقتصادية أكثر استدامة وواقعية

أرزقي زروقي، خبير جزائري في الموارد المعدنية والجيولوجيا

وتسود قناعة لدى الحزب بأن "القانون الجديد يُعتبر تراجعا واضحا عن المكتسبات التي تحققت بفضل نضالات الحركة الوطنية وعمّال القطاع، بدءا من تأميم المعادن سنة 1966، الذي جاء في إطار استكمال السيادة الوطنية، حتى إعادة تأميمها في 2014 بعد تجربة مريرة من الخصخصة والاستغلال الأجنبي"، مؤكدة أن "مناجم الجزائر، منذ فترة الاستعمار، كانت هدفا لأطماع خارجية لما تحويه من ثروات حيوية مثل الحديد والذهب والفوسفات والرصاص والزنك والمعادن النادرة".

مراجعة المعادلات الاستثمارية

على النقيض من ذلك، تستند الآراء المؤيدة لتوجهات الحكومة إلى أسباب عدة، منها ضآلة شركات المناجم المتحكمة في التنقيب والاستخراج، كما أن الاستثمار في هذا القطاع يتطلب عقودا طويلة الأمد، فبعض المعادن يتطلب استكشافها والتنقيب عنها مدة زمنية طويلة وتقنيات عالية.

غيتي
عامل جزائري يعمل في ورشة في منطقة القصبة شمال الجزائر، 25 ديسمبر 2022

كذلك، هناك آراء ترى أن قاعدة الأفضلية الوطنية (51-49 في المئة) المعتمدة في قانون المالية التكميلي لسنة 2009 (أي عدم تجاوز نسبة مساهمة الأجانب 49 في المئة في المشروع) قد عفا عليها الزمن ولا يمكن أن تجذب أي استثمار أجنبي للبلاد. ويؤكد وزير الطاقة والمعادن والطاقات المتجددة، محمد عرقاب، في هذا الإطار أن "الهدف من هذه المراجعة هو إيجاد توازن بين جذب الاستثمار وحماية المصالح الوطنية من خلال آليات أكثر مرونة وفاعلية، مثل حق الشفعة والرقابة الصارمة"، مؤكدا في السياق ذاته "احتفاظ الدولة الجزائرية بحق تنظيم ومراقبة النشاطات المنجمية من خلال القوانين ودفاتر الأعباء التي تفرض التزامات صارمة على المستثمرين في ما يتعلق بالبيئة والتنمية المحلية".

سيطرة الدولة والتأميم

ومن مؤيدي هذا الطرح، الخبير الجزائري في مجال الموارد المعدنية والجيولوجيا أرزقي زروقي الذي يرى أن "هذا القطاع يتطلب استثمارات ضخمة ويتضمن أخطارا عالية مع الحفاظ على أدوات حماية المصالح الوطنية"، مستدلا بـ"حق الشفعة"، وهو إجراء يحكم الاستثمار الأجنبي في مرحلة التصفية ويتيح للدولة منع بيع أصول شركات أجنبية أو محلية لجهات أخرى أجنبية أو محلية خاصة ويمنح الدولة الجزائرية حق شرائها.

وينبه زروقي إلى أن "مبدأ سيطرة الدولة على قطاع المعادن الذي كان وراء عملية التأميم لا يزال قائما، على الرغم من أن السياق مختلف"، لافتا إلى أهمية "الإرادة السياسية للدولة" من أجل إعادة إطلاق القطاع برؤية اقتصادية أكثر استدامة وواقعية، من خلال تشجيع المحتوى المحلي والتحويل المباشر للموارد بغرض تحقيق قيمة مضافة، ومنع شبه كامل لتصدير المواد الخام المتوفرة، معتبرا أنها المبادئ التي أعدّ على أساسها مشروع قانون الأنشطة المنجمية، قيد المناقشة. 

font change