مشروع أنبوب الغاز نيجيريا - الجزائر... تحديات ورهانات

صراع المصالح والنفوذ على الطاقة يشمل أوروبا والمغرب وروسيا وتركيا وقطر

Shutterstock
Shutterstock
الغاز الجزائري محور الشراكة مع دول القارة الأفريقية

مشروع أنبوب الغاز نيجيريا - الجزائر... تحديات ورهانات

ما بين التحركات الروسية الهادفة إلى إجهاض مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، والمساعي المستمرة لإحياء مشروع "دولفين" لنقل الغاز القطري إلى أوروبا عبر تركيا، والمحاولات لمزاحمة المشروع، يواجه مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء "تي. أس. جي. بي." الذي يربط نيجيريا بأوروبا عبر الجزائر، تحديات كبيرة على الرغم من أهميته الاقتصادية والاستراتيجية.

تبرز مجموعة من التساؤلات منها: ما الأهمية الاقتصادية لنقل الغاز الطبيعي الجزائري عبر الأنابيب؟ وما التحديات التي تعترض تنفيذ هذا المشروع الضخم؟ وما الدوافع الحقيقية وراء محاولات تحريف مسار المشروع؟

من المؤكد اليوم أن مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، الممتد من الجزائر العاصمة إلى لاغوس النيجيرية، ينطوي على منافع اقتصادية كبيرة للفاعلين الرئيسيين فيه. تتوزع هذه الفوائد بين مصالح مباشرة وأخرى غير مباشرة، إذ تُعدّ نيجيريا، التي تتصدر قائمة الدول الأفريقية من حيث احتياطيات الغاز في أفريقيا والمقدرة بـنحو 5,94 تريليونات متر مكعب وفق بيانات حديثة نشرتها "وحدة أبحاث الطاقة"، من أبرز المستفيدين. فهي ستكون قادرة على ضخ 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا عبر الأنبوب، وهو ما يعزز عائداتها المالية وينعكس إيجابا على اقتصادها المحلي الذي يئن تحت وطأة ارتفاع التضخم وأزمة سعر صرف العملة، وضعف النمو الاقتصادي، فضلا عن تفاقم الديون الداخلية والخارجية لا سيما من البنك الدولي وصندوق التنمية الأفريقي.

يصنف هذا المشروع، بحسب وثيقة صادرة عن "اللجنة الاقتصادية للاتحاد الأفريقي" عام 2016، كأحد المشاريع الأساسية الـ16 المدرجة ضمن برنامج تطوير البنية التحتية للتكامل الأفريقي

أما بالنسبة للجزائر والنيجر، فستحققان مكاسب من مرور الأنبوب عبر أراضيهما بما في ذلك فرض رسوم عبور، والاستفادة من أعمال الصيانة والمراقبة والمتابعة، فضلا عن تنمية المناطق التي يمر بها الأنبوب عبر تحسين البنية التحتية وفك العزلة عنها.

يصنف هذا المشروع، بحسب وثيقة صادرة عن "اللجنة الاقتصادية للاتحاد الأفريقي" عام 2016، كأحد المشاريع الأساسية الـ16 المدرجة ضمن برنامج تطوير البنية التحتية للتكامل الأفريقي، وقد جرى اقتراحه للمرة الأولى أوائل السبعينات وهو ما تكشفه وثيقة رسمية صادرة عام 2019 عن الوزارة الاتحادية للطاقة والأشغال والتوظيف والإسكان لجمهورية نيجيريا الاتحادية.

غيتي
محطة غاز تابعة لشركة "إيني" النيجيرية (NAOC)، في ولاية ريفرز، نيجيريا، 28 سبتمبر 2015

من المتوقع أن يمتد أنبوب الغاز العابر للصحراء من نيجيريا مرورا بالنيجر وصولا إلى الجزائر بطول يبلغ نحو 4 آلاف كيلومتر. تتمثل ميزة الجزائر الاستراتيجية في اتصالها الحالي عبر خط أنابيب نقل الغاز "ميدغاز"، الذي ينطلق من حقول الغاز في حاسي الرمل (جنوب البلاد) إلى مدينة بني صاف في غربها، ثم يمتد عبر البحر الأبيض المتوسط إلى سواحل ألميريا الإسبانية، وهو ما يعني أن الجزء الثاني من مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء (TSGP) جاهز لاستقبال الغاز النيجيري في أي لحظة، مما يعزز التكامل في شبكات الطاقة بالمنطقة.

الجزائر المصدّر الثاني للغاز الى أوروبا

وفقا لأحدث الإحصاءات حافظت الجزائر على مكانتها كثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي عبر الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي بعد النروج، حيث ارتفعت صادراتها بنسبة 1,9 في المئة خلال شهر فبراير/ شباط الماضي لتصل إلى حدود 92,6 مليون متر مكعب يوميا، في مقابل 90,9 مليون متر مكعب يوميا في الشهر السابق. من بين هذه الكميات صدرت الجزائر 62,6 مليون متر مكعب يوميا إلى إيطاليا، بزيادة 3,5 في المئة على أساس شهري، بينما استقرت الإمدادات إلى إسبانيا عند 30 مليون متر مكعب يوميا.

لا تخفي روسيا نيتها في تمويل المشروع عبر المغرب، حتى تكون دائما عينا ساهرة على كل طرق الغاز باعتبارها لاعبا رئيسا في هذا الميدان، وهو ما ترفضه أوروبا رفضا قاطعا

بلمكي محمد المكي، خبير في قطاع الطاقة

يواجه هذا المشروع القاري ذو الأبعاد الدولية تحديات كثيرة، فالعديد من الدول تنظر إلى نقل الغاز الطبيعي من نيجيريا إلى أوروبا عبر النيجر والجزائر تهديدا مباشرا وصريحا لطموحاتها في قطاع الطاقة لأنه سيجعل الدول الثلاث المورد الرئيس للغاز الطبيعي إلى أسواق الطاقة الأوروبية. وبالإضافة إلى المنافسة الاستراتيجية بين بعض دول المنطقة لنقل الغاز إلى أوروبا، يرى بعض الخبراء أن روسيا قد تسعى إلى تمويل المشروع عبر المغرب لتعزيز نفوذها في سوق الغاز الأوروبية.

في هذا السياق، يشير خبير الطاقة الجزائري بلمكي محمد المكي إلى أن "روسيا التي لا تخفي نيتها في تمويل المشروع، أو بالأحرى تمويله عبر المغرب، حتى تكون دائما عينا ساهرة على كل طرق الغاز باعتبارها لاعبا رئيسا في هذا الميدان، وهو ما ترفضه أوروبا رفضا قاطعا، وتسعى لإعاقته بشتى الطرق لأنها تدرك جيدا حجم الخطر المحدق بها نظرا لما وصلت إليه العلاقات الأوروروسية منذ الإعلان في الثامن عشر من مارس/آذار 2014 عن ضم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، واندلاع الصراع المسلح في إقليم دونباس،  وصولا إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في فبراير/شباط 2022". 

وفي يونيو/ حزيران 2022، صرح وزير الدولة النيجيري للموارد النفطية، تيميبري سيلفا، بأن روسيا أبدت اهتماما كبيرا بمشروع أنبوب الغاز الذي يربط نيجيريا بالمغرب. وقال بلغة صريحة وواضحة: "كان الروسي معي في المكتب، وهم يرغبون بشدة في الاستثمار في هذا المشروع، وهناك كثر غيرهم يرغبون أيضا في الاستثمار فيه". فموسكو متيقنة من أن المشروع الذي يطمح إليه المغرب لا يمثل أي خطر عليها، فيما أشار سيلفا إلى أن موسكو ترى في هذا المشروع فرصة استراتيجية تتماشى مع مصالحها على المدى الطويل، حيث يتوقع أن يستغرق تنفيذ المشروع ما بين 5 و10 سنوات.

المشروع المغربي... تحديات التمويل

في ديسمبر/ كانون الأول 2016، وخلال زيارة العاهل المغربي محمد السادس إلى نيجيريا، تم إعلان مشروع أنبوب الغاز الذي يربط بين نيجيريا والمغرب، ويمتد لمسافة 5660 كيلومترا عبر 11 دولة أفريقية قبل الوصول إلى الأراضي المغربية. لكن هناك تحديات كبيرة تواجه هذا المشروع، يذكر من بينها خبير الطاقة بلمكي محمد المكي "صعوبة الحصول على التمويل، فمن الصعب جدا إيجاد ممول جاد لمثل هذا المشروع الذي قد تصل تكلفته بحسب بعض التقديرات إلى حدود 50 مليار دولار، لا سيما أن العالم حاليا يشهد أزمة اقتصادية حالكة، وها هي تزداد شدة مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي أطلق حربا تجارية عالمية وهو ما قد يعمق أزمات الاقتصاد العالمي".

سقوط بشار الأسد أعاد إلى الواجهة مشروع خط الغاز الطبيعي بين قطر وتركيا الذي عارضه بشدة عام 2009 لأسباب عدة أهمها اعتقاده بأنه استهداف مباشر لمصالح حليفته روسيا، التي كانت آنذاك المورد الرئيس للغاز إلى أوروبا

كما يضيف المسار الطويل للمشروع الذي يتجاوز 5500 كيلومتر، تحديات لوجستية وإدارية وتقنية، تفوق تلك التي يواجها المشروع الذي يمر عبر الجزائر ويبلغ طوله 4200 كيلومتر. يشمل المسار الطويل مسافة بحرية كبيرة، مما قد يزيد التحديات التقنية وصعوبة عمليات النقل والإمداد. علاوة على ذلك، يمر الأنبوب عبر العديد من الدول، مما يثير تساؤلات حول تخصيص جزء من الغاز المنقول للاستخدام المحلي في تلك الدول، الأمر الذي قد يؤثر على الكميات المخصصة لأوروبا، والتي تقدرها نيجيريا بنحو 30 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي، لكن هذه الإمدادات قد تتأثر بالعوامل المذكورة. بالإضافة إلى ذلك، تواجه بعض الدول التي يمر عبرها الأنبوب تحديات أمنية، مما قد يؤثر على سير المشروع ويزيد تعقيد تنفيذه. 

مصالح قطر وتركيا في مواجهة المشروع

يبدو أن موسكو والمغرب ليستا الوحيدتين اللتين لا تريدان لمشروع نيجيريا - الجزائر لنقل الغاز إلى أوروبا أن يرى النور، بل هناك أيضا قطر، فبعد إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، تعمل هذه الأخيرة بالتنسيق مع تركيا على تنفيذ مشروع "دولفين" لنقل الغاز القطري إلى أوروبا عبر تركيا، التي أصبحت، بعد فبراير/شباط 2022 (بداية الحرب الروسية – الأوكرانية) الخيار المنطقي الوحيد لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خطي غاز السيل التركي، والسيل الأزرق، وكلاهما يعبران قاع البحر الأسود. في منتصف كانون الأول الماضي، نقلت وكالة "الأناضول" الرسمية تصريحات لخبيرة تركية قالت فيها إن "سقوط بشار الأسد أعاد إلى الواجهة مشروع خط الغاز الطبيعي بين قطر وتركيا الذي عارضه بشدة عام 2009 لأسباب عدة أهمها اعتقاده بأنه استهداف مباشر لمصالح حليفته روسيا، التي كانت آنذاك المورد الرئيس للغاز إلى أوروبا".

بلبلة واحتمال انسحاب النيجر من المشروع

ومن المنغصات الأخرى التي تعترض مسار المشروع "الأزمة بين الجزائر ودول الساحل الأفريقي (مالي، النيجر، بوركينا فاسو)" التي تصاعدت حدتها بعد حادثة إسقاط الطائرة المسيرة، مما أدى إلى إغلاق متبادل للأجواء وسحب السفراء.

أ.ف.ب.
من اليمين، وزير الطاقة النيجيري صحابي عمرو، بجانب وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، ووزير النفط النيجيري ماهامان محمدو، خلال الاجتماع الرابع للجنة التوجيهية لإنشاء مشروع خط أنابيب الغاز عبر صحراء الدول الثلاث، الجزائر11 فبراير 2025

وخلال الأيام الأخيرة تزايدت الأنباء عن احتمال انسحاب النيجر من المشروع، وأنها لم تعد متحمسة لاستكمال الدراسات المتعلقة به. وفي هذا السياق، يقول الخبير المكي إن "التطورات الديبلوماسية الأخيرة تسببت بحالة من البلبلة وعدم الاستقرار"، وهو ما يفسر اليوم التحركات المغربية في كل الاتجاهات لتعزيز علاقاته مع مالي. يبدو أن الهدف من هذه التحركات هو إثارة توترات في المنطقة قد تدفع النيجر ونيجيريا إلى عدم المضي قدما في المشروع بحجة أن الأوضاع غير مستقرة وغير آمنة. 

الفوائد الاقتصادية لثلاث دول

ولكن على الرغم من الضغوط السياسية والأمنية، تبقى احتمالات انسحاب نيجيريا والنيجر من مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء ضئيلة جدا. يعود ذلك إلى الفوائد الاقتصادية التي ستجنيها الدولتان، حيث سيمر الأنبوب عبر ثلاث دول فقط، مما يقلل التكاليف ويسهل تأمين عقد شراء الغاز.    

في 11 فبراير/شباط 2025، استضافت الجزائر مسؤولين من نيجيريا والنيجر ضمن أعمال الاجتماع الوزاري الرابع للجنة التوجيهية لمشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء. وقد أسفر الاجتماع عن توقيع اتفاقات تهدف إلى تسريع تنفيذ المشروع، بعد تقييم التقدم المحقق في تنفيذ خريطة الطريق الخاصة به، مما يعكس التزام الدول الثلاث تحويل المشروع إلى واقع ملموس يخدم مصالحها المشتركة، ويساهم في تعزيز مكانة القارة الأفريقية كمصدر رئيس للغاز الطبيعي إلى السوق الأوروبية.

font change

مقالات ذات صلة