أنبوب الغاز العملاق "حلم أفريقي" بين المغرب ونيجيريا

5660 كلم بتكلفة تقدر بـ 25 مليار دولار وتستفيد منه 17 دولة

 Diana Estefanía Rubio
Diana Estefanía Rubio

أنبوب الغاز العملاق "حلم أفريقي" بين المغرب ونيجيريا

لماذا أصبح العالم يطلب ود الأسد الأفريقي؟ هل هي مصادفة ظرفية؟ أم هو تحول في المصالح الاستراتيجية؟ وهل تملك القارة السمراء مفتاح الحلول لمشكلات العالم المتقدم، وصعوباته الاقتصادية والتموينية والجيوإقتصادية؟

هذه أسئلة أصبحت تُطرح في القمم المتتالية التي تعقدها الدول الصناعية الكبرى مع أفريقيا، وآخرها قمة عُقدت في واشنطن في 14و 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي وحضرها 49 رئيس دولة وحكومة، وسبق التمهيد لها في مراكش خلال القمة 14 لـ "الأعمال الأميركية الأفريقي" (Corporate Council on Africa) على مستوى وزراء الخارجية بين 19 و22 يوليو/ تموز الماضي. اقترح الرئيس جو بايدن فتح عضوية الاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين، لتشجيع التجارة مع القارة السمراء وزيادة الاستثمارات من جهة، وتقليص النفوذ الصيني والأوروبي فيها من جهة أخرى. وتلك هي أهم الأهداف.

بدا الرئيس الأميركي جو بايدن منشرحا، وهو يشاهد المباراة في نصف نهائي كأس العالم بين فرنسا والمغرب، في حضور الرئيس النيجيري محمادو بوخاري ورئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش في البيت الأبيض، وكأنه يشجع الكرة العربية والشراكة الاقتصادية بين نيجيريا والمغرب، بهدف تقليص التبعية للشركاء التقليديين والجدد اتجاه القارة (فرنسا وبقية دول أوروبا الغربية المستعمرة القديمة لأفريقيا، والجدد يضمون روسيا والصين، وحتى اليابان وتركيا والبرازيل والهند بدرجة اقل).

هذه المرة لغة الاقتصاد تسبق السياسة، فواشنطن تعتزم ضخ 55 مليار دولار مشاريع واستثمارات في القارة.

ترى ماذا تملك أفريقيا لا يملكه الآخرون؟

تمتد القارة على مساحة 30 مليون كلم مربع وسط العالم، بين الشرق والغرب، تمثل نحو 20 في المئة من مساحة الارض القابلة للسكن، وتقع على ضفاف البحار والمحيطات ومداخل التجارة البحرية العالمية بساحل بحري على امتداد 41184 كلم من السواحل الغنية بالأسماك والأحياء المائية، وتملك أكثر من 60 نوعا من المعادن المختلفة، معظمها غير مُستغل، يزيد على ثلث الاحتياط العالمي من المواد الأولية غير المعلنة.

فقد كشف تقرير لصحيفة "لا فان غواردي" (La Vanguardia) الإسبانية، صدر قبل أزمة كوفيد-19، أن أفريقيا تملك 12 في المئة من المخزون العالمي من النفط والغاز، و40 في المئة من الذهب و65 في المئة من إنتاج الألماس، وأكثر من 70 في المئة من الفوسفات، و90 في المئة من البلاتينيوم والكروم، و60 في المئة من الكوبالت، وأكثر من 80 في المئة من الكولتان، إضافة إلى أراض شاسعة خصبة صالحة للزراعة تقدر بعشرات الملايين من الهكتارات غير المستغلة، و10 في المئة من مصادر المياه العذبة المتجددة الداخلية على كوكب الأرض، لا يسكنها سوى 17 في المئة من مجموع سكان العالم المقدر بـ 8 مليارات نسمة، وهم سكان شباب في عالم يتجه نحو الشيخوخة. قارة شبه عذراء في مواجه قارة عجوز، تنخرها التيارات المتطرفة والصراع على التدفئة.

تعاني الكثير من الدول الأفريقية ذات الموارد الأولية مثل الطاقة والمعادن، الضعف في الإيرادات، والتخلف في التنمية، بسبب الاعتماد على الصادرات الخام من دون فائض قيمة كبير، وهي المدرسة الاقتصادية التي سطرها المستعمر السابق، فجعلها لا تملك اقتصادات متنوعة

الحرب والغاز

كان الاهتمام بأفريقيا شبه غائب في أجندات القوى الكبرى، حتى بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022. تدل على ذلك أزمة كوفيد- 19 وتجاهل الأوروبيين مساعدة جيرانهم في جنوب البحر الأبيض المتوسط. إلا أن الواقع أصبح عكس ذلك في المدة الأخيرة حيث زاد الاهتمام بموضوع الطاقة والغاز، وتحديات الشتاء البارد وتضخم الأسعار والصعوبات المالية والاجتماعية، في الدول المخاصمة للدب الروسي.

وظهرت فرنسا كمستعمر سابق للقارة، همها الحصول على المواد الأولية بأقل تكلفة، ومنها الطاقة (الغاز الجزائري في مقابل بعض الدعم السياسي الداخلي) وتزود باليورانيوم من النيجر، لاستعماله في تشغيل المحطات النووية لإنتاج الكهرباء حتى لا تنطفئ مصابيح مدينة الأنوار في الأعياد.

Miriam Martincic

المغرب ونيجيريا والخيار الأفريقي

بدأ هذا التحول الأفريقي في مطلع 2017 عقب عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الأفريقي"AFRICAN UNION"  بعد غياب دام 34 سنة بسبب موضوع الصحراء المغربية. وظهر قطب قوي داخل القارة يضم المغرب ونيجيريا وساحل العاج والسنغال ومصر والغابون والكونغو ورواندا، ودولا أخرى تعمل من اجل التعاون الإقتصادي.  يضم هذا القطب اليوم نحو 44 دولة تُسمى محور الاعتدال والحرية الاقتصادية، وهي الدول الموقعة على اتفاق إنشاء منطقة التجارة الأفريقية الحرة   والتي تضم 54 دولة من الاتحاد الأفريقي في ثماني مجموعات اقتصادية إقليمية.

وبعدما كانت نيجيريا والمغرب مختلفتين سياسيا، تعززت علاقاتهما الاقتصادية إثر زيارة الملك محمد السادس  لأبوجا في 2016، والتي شكلت تحولا في تاريخ العلاقات بين البلدين. وكان الرجلان قد اجتمعا في قمة المناخ COP22 في مراكش، وتوافقا على أهمية تنمية القارة اقتصاديا، ودور بلادهما معا في ذلك، باعتبارهما الاقتصادين الأول والخامس على التوالي في القارة.

واقترح الملك محمد السادس على الرئيس محمادو بوهاري تعاونا استراتيجيا في مجال أمن الطاقة والأمن الغذائي: لنيجيريا الغاز وللمغرب الفوسفات. وقضت الخطة ببحث إنشاء أنبوب للغاز الطبيعي يصل إلى المغرب، بإمكانه فك العزلة الجغرافية عن نيجيريا، مما يقوي دورها الإقليمي ويحسن وضعها الاقتصادي والمالي، ويوفر شروط تنمية إقليمية مندمجة. في المقابل قام المغرب عبر "المكتب الشريف للفوسفات" ببناء وحدة صناعية لإنتاج الأسمدة الفوسفاتية لتحسين الإنتاج الزراعي والغذائي في نيجيريا التي يقدر عدد سكانها بـ212 مليون نسمة.

استحسن النيجيريون الفكرة، وتم في 10 يونيو/حزيران 2018 توقيع اتفاق في الرباط لمد أنبوب للغار الطبيعي يربط بين نيجيريا والمغرب بطول 5660 كلم بتكلفة تقدر بـ25 مليار دولار، وتستفيد منه نحو 17 دولة في غرب أفريقيا وشمالها على المحيط الأطلسي، ويصل إلى أوروبا عبر إسبانيا، بحجم اقتصادي يمثل ناتجاً إجمالياً داخلياً يقدر بنحو 900 مليار دولار  منها 726 مليار دولار الناتج الاجمالي للدول الـ 15 المنضوية تحت "المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا" يضاف إليها  الناتج الإجمالي المغربي 133 مليار دولار، وموريتانيا  نحو 8 مليارات دولار بحسب قاعدة بيانات البنك الدولي لعام 2022.

في المقابل فشل تجمع اتحاد المغرب العربي الذي أُنشىء عام 1989 في مراكش في استكمال مسيرته، وهو يضم دول شمال أفريقيا العربية الخمسة وهي المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا. وفي حين قارب الإقتصاد بين دول أفريقيا جنوب الصحراء، باعدت السياسة بين دول المغرب العربي الكبير الذي يقع على مساحة  تقدر بنحو 6 ملايين كلم مربع، أي ما يفوق مساحة الاتحاد الأوروبي، ويسكنه ما يقارب 100 مليون نسمة وسط العالم بين البحر الأبيض المتوسط والصحراء الكبرى.

Diana Estefanía Rubio

 

كان الاهتمام بأفريقيا شبه غائب في أجندات القوى الكبرى، حتى بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.


إمتياز الجغرافيا الاستراتيجي

كثيرا ما يقال إن الجغرافيا مُحدد مهم للاستثمار، وقد تنطبق هذه الحكمة على مشروع أنبوب الغاز بين أبوجا والرباط في أكثر من مجال. جغرافيا، تقع نيجيريا على المحيط الأطلسي على خليج غينيا. وعلى الرغم من احتياطاتها الكبيرة من الغاز، فإن مجالات التصدير تظل محدودة، وغير متاحة إلا عبر نقلها على بواخر إلى الأسواق البعيدة، وهو أمر يحد من إمكانات التوسع في الإنتاج والتصدير والتنمية الاقتصادية، إضافة إلى أن الجزء الضائع من تقادم الأنابيب وضعف الصيانة والحوكمة لا يسمح بزيادة العائدات.

تعاني الكثير من الدول الأفريقية ذات الموارد الأولية مثل الطاقة والمعادن، الضعف في الإيرادات، والتخلف في التنمية، بسبب الاعتماد على الصادرات الخام من دون فائض قيمة كبير، وهي المدرسة الاقتصادية التي سطرها المستعمر السابق، فجعلها لا تملك اقتصادات متنوعة، كمثيلتها الأوروبية ذات الموارد الطبيعية الضعيفة مثلا، بسبب غياب التصنيع. وهذا ما يُفسر تركيزها على مصدر وحيد للدخل القومي، وهذا من أسباب التخلف الاجتماعي وضعف الحوكمة الاقتصادية، التي تزيد التبعية الخارجية، إضافة إلى تسخير جزء من عائدات الطاقة لشراء الأسلحة، في حروب حدودية خلفها الاستعمار.

وكانت شركات بريطانية وأميركية منها شل وشيفرون، مدّت قبل سنوات أنبوبا للغاز من نيجيريا إلى دول قريبة مثل بنين وتوغو وغانا، أطلق عليه اسم "West African Gas Pipeline"  في محاولة لإقامة سوق إقليمي للغاز. لكن غياب البنى التحتية المطلوبة للتعامل التجاري الدولي مثل الموانئ، وضعف اقتصادات المنطقة، حال دون تطوير المشروع الذي انضمت إليه أربع دول.

حاليا، وجدت دول "المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا" (Economic Community of West Africa) في خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب فرصة هائلة لتطوير مشروع أنبوب غاز أفريقيا القديم، وإدماجهما معا في أنبوب ضخم، بإمكانه نقل 5000 مليار متر مكعب من الغاز المخزنة في هذه المناطق في أدغال أفريقيا.

وعلى الرغم من أن لكل طرف حساباته الاقتصادية والجيوستراتيجية، فإن الفوائد والمنفعة التجارية والتنموية تبدو كبيرة لمجموع منطقة غرب أفريقيا الأطلسية، التي تعاني نقصا حادا في الكهرباء، مما يعوق التطور الاقتصادي لهذه الدول، على الرغم من الإمكانات الطبيعية والمواد الأولية التي تزخر بها.

مشروع من أجل المستقبل

وتعاقدت حتى الآن 13 دولة من شمال وغرب أفريقيا الأطلسية على مد هذا الأنبوب الذي سيكون أكبر ناقل للغاز تحت البحر بعمق مئات الأمتار في المحيط الأطلسي، وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط وإسبانيا.

وحرص الملك محمد السادس على الحديث عن أهمية أنبوب الغاز خلال خطاب المسيرة الخضراء، لإعادة تأكيد الأهمية التي توليها الرباط لهذا المشروع، فقال: "اعتبارا لما نوليه من أهمية خاصة للشراكة مع دول غرب القارة، فإننا نعتبر أنبوب الغاز، نيجيريا - المغرب، أكثر من مشروع ثنائي، بين بلدين شقيقين، وإنما نريده مشروعا استراتيجيا، لفائدة منطقة غرب أفريقيا كلها، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 440 مليون نسمة، لما يوفره من فرص وضمانات، في مجال أمن الطاقة، والتنمية الاقتصادية والصناعية والاجتماعية، بالنسبة للدول الخمس عشرة، للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، إضافة إلى موريتانيا والمغرب"، لافتا إلى أن أنبوب الغاز نيجيريا - المغرب، هو مشروع مهيكل، يربط بين أفريقيا وأوروبا، من أجل الحاضر وأجيال المستقبل.

وهي المرة الأولى يتم فيها الحديث عن أنبوب الغاز النيجيري - المغربي في خطاب ملكي في مناسبة وطنية (المسيرة الخضراء)، وهي إشارة إلى المشككين أو المترددين الذين كانوا يتحدثون عن صعوبات تقنية أو تمويلية أو حتى سياسية قد تعطل المشروع أو تؤجله.

Miriam Martincic

خلافات شمال أفريقيا

في مقابل الانخراط الأفريقي في المشروع المغربي - النيجيري، لا تخفي الجزائر مناوءتها ومعارضتها والتشويش محليا وإقليميا حتى لا يحقق البرنامج أغراضه، في دمج شمال أفريقيا وغربها في تجمع اقتصادي مشترك تتجاوز قيمته 1,2 تريليون دولار، ويتجاوز عدد سكانه  650 مليون نسمة.

وكانت الجزائر اقترحت بناء أنبوب آخر منافس، يمر عبر صحراء النيجر، ودول الساحل شرقا، في منطقة شديدة الأخطار وشبه خالية من السكان في صحراء تمتد دون حدود.

الحقيقة أن الجزائر تُعارض المشروع النيجيري - المغربي ليس لأسباب اقتصادية بل لأسباب جيوسياسية. فالأنبوب في نظرها هو نوع من الاستقطاب الاقليمي والقاري والدولي، يؤدي إلى انبثاق نهضة اقتصادية قد تعزز موقع المغرب الاقتصادي والسياسي، باعتباره بين أكبر الاستثمارات في أفريقيا، وفي إمكانه جلب استثمارات مشتركة من دول الخليج والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وحتى من إسرائيل التي ترشّحت لعضوية مراقب في الاتحاد الأفريقي.

إننا نعتبر أنبوب الغاز، نيجيريا - المغرب، أكثر من مشروع ثنائي، بين بلدين شقيقين، وإنما نريده مشروعا استراتيجيا، لفائدة منطقة غرب أفريقيا كلها، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 440 مليون نسمة.

الملك محمد السادس

أفريقيا جزء من النظام العالمي الجديد

الحرب الروسية على أوكرانيا، ومقاطعة الاتحاد الأوروبي للغاز الروسي (صادرات بلغت نحو 155 مليار متر مكعب عام 2021 بحسب احصائيات المفوضية في بروكسيل)، دفعتا بمشروع أنبوب الغاز الى الواجهة. وسعى الاتحاد الأوروبي الى البحث عن الطاقات البديلة خارج أوروبا. وهذا ما ساعد بشكل غير مباشر لظهور مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب على الساحة الاعلامية الدولية، وانتزاع الاهتمام الدولي، وتسابق الشركات الغربية على معرفة تفاصيله، وإبداء الرغبة في المشاركة في التنفيذ والتمويل.

ويبدو أن الإجماع الذي عبرت عنه المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، أقنع النظام الدولي الاقتصادي بجدوى المشروع، لانه يغطي مساحة إجمالية تقدر بـ11 مليون كيلومتر مربع من أصل 30 مليونا تشكل مساحة أفريقيا، ويسكنه نحو 527 مليون نسمة من أصل 1426 مليون نسمة سكان القارة (باحتساب مجموع دول شمال وغرب أفريقيا).

ويعتقد أيضا أن دعم منظمة أوبك "OPEC" للأنبوب المغربي - النيجيري هو إشارة إلى وجود دعم وضمان خليجي على الاقل. وكان المشروع حصل في أبريل / نيسان الماضي على تمويل من صندوق التنمية الدولية التابع لمنظمة أوبك بلغ 14 مليون دولار، لتمويل الجزء الثاني من الدراسات الهندسية قبل النهائية التي حددت خريطة ومسار خط مرور الأنبوب برا وبحرا أوفشور(offshore)، ودراسة الانعكاسات البيئية والطبيعة والاجتماعية والاقتصادية المحتملة على السكان والأحياء المائية. وكان المشروع حصل سابقا على تمويلات من البنك الاسلامي للتنمية في جدة.

يقول البعض إن المشروع قد تأخر بعض الوقت بسبب أزمة كوفيد-19، وتوالي الدراسات التقنية والجيوفزيائية، وعدد الشركات المتدخلة، والصحيح أيضا أن مد أنبوب طوله النهائي قد يصل إلى 7000 كلم جزء كبير منه تحت المحيط الاطلسي، هو أمر غير مسبوق في صناعة الطاقة في العالم، وقد يكون بداية لعهد جديد من الأنابيب تحت البحر باعتماد تكنولوجيا أكثر تطورا، وهذا ما يحرص المهندسون على تفسيره للسياسيين. بمعنى آخر، إن حل أزمة الطاقة في الحرب الروسية - الأوكرانية يتطلب بعض الوقت، والكثير من الذكاء، حتى لا يتم تكرار الأخطاء نفسها.

الغاز في مقابل التنمية في أفريقيا

وعلى عكس ما كان سائدا قبل أزمة أوكرانيا، فإن الاتحاد الأوروبي غير متناغم في موضع الطاقة، ذلك أن كل دولة تبحث عن حل فردي لمشاكلها. وبرزت إسبانيا ضمن أول المهتمين الأوروبيين بالمشروع، لأن الأنبوب سيصل الى سواحلها في كل الحالات، وسيمنحها تفوقا أوروبيا، على غرار ما هو حاصل في مجال الغاز المُسال، الذي يتم شحنه من الولايات المتحدة ودول الخليج ونيجيريا ثم يعاد ضخه في الأنبوب الأوروبي، أو أنبوب الغاز المغرب العربي – أوروبا(Maghreb–Europe Gas   Pipeline) نحو المغرب.

وأصبحت مدريد منذ اندلاع الحرب أكثر حضورا في موضوع تزويد أوروبا بالغاز لمواجهة برد الشتاء، وهذا جزء من خلافاتها مع الجزائر، التي فضلت الاتجاه شرقا والتعاون مع شركة "إني" (Eni) الإيطالية، بينما فضلت إسبانيا دعم موقف المغرب سياسيا في الصحراء، واقتصاديا في ترجيح كفة الأنبوب الذي يمر عبر جنوب المحيط الأطلسي.

واعربت شركة ريبسول "Repsol" الإسبانية العاملة في اكتشاف الطاقة وإنتاجها، عن إمكان المشاركة في بناء الجزء من الأنبوب الذي سيمر في المغرب، وهو ما يمثل تقريبا نصف الطريق أي نصف المسافة.

واستفادت إسبانيا نسبيا من أزمة الغاز في أوروبا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وتحولت الى مورد للغاز المسال المستود من الولايات المتحدة الاميركية أساسا، وهو الغاز نفسه الذي يتم تصديره الى المغرب، منذ أوقفت الجزائر تزويد المملكة بالغاز عبر أنبوب المغرب العربي-أوروبا. ولا تكشف مدريد عن  كل اوراقها في موضوع لعبة الغاز بين ضفتي البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، لكنها  ترغب في الاستفادة من مشاريع الآخرين، وحتى أخطائهم، أو حاجتهم الى بديل موقت مثل الحال في الخلاف بين الجزائر والمغرب، والذي تتوسط فيه أكثر من بلد عربي.

وانضمت ألمانيا الى المشروع أيضا عبر شركاتها المتخصصة، خلال زيارة المستشار أولاف شولتس دكار مطلع الصيف الماضي، حين أبدى النية في تمويل الشق السنغالي للأنبوب، ضمن تعاون يشمل مجال الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر. وكان تفكير المستشار الالماني منصبا على كيفية تجاوز التبعية للغاز الروسي، بتنويع الشركاء ومصادر الطاقة.

وتراهن الرباط على استكمال بناء أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب في السنوات القليلة المقبلة أي في أفق العام 2030، لتحقيق مكاسب سياسية داخل أوروبا، حيث تحظى بعضوية الشريك المتميز، أي بكونها أكثر من أي شريك تجاري خارجي، وأقل من عضو كامل العضوية.

يبقى التحدي الأكبر، هو كيف يمكن لدول الجنوب أن تستفيد من النظام العالمي الجديد، كشريك كامل، وقطب مستقل عن صراع الشرق والغرب، في ندية شاملة مع الغرب الأوروبي والدب الروسي والتنين الصيني والراعي الأميركي، في عالم يحكمه الاقتصاد وتحدده التكنولوجيا؟

Miriam Martincic

وحدها وحدة مصير شعوب  شمال افريقيا والشرق الاوسط قادرة على تحقيق التغيير المنشود في النظام العالمي الجديد، وانبثاق تكامل عربي افريقي قادر على أن يكون ندية اقتصادية وسياسية وثقافية، وهو ما يجب العمل عليه لتحويل الثروات الى فرص للتنمية والازدهار وتعزيز الأمن والاستقرار لنصف سكان جنوب الكرة الارضية.

لذلك تبقى مــــــــشاريع الــــــــقارة الأفــــريقــــية، ومن ضــــمنها مــــشــــروع أنبوب الغاز، موحدة للقدرات الاقتصادية الاقليمية، وورقة مفاوضات مستقبلية، في مواجهة نظام عالمي قديم يتمثل بمجموعة العشرين وطريق الحرير الصيني، وبوابة أوروبا الشاملة، لا يسمح الكبار في التفريط فيه من اجل مشاريع المستقبل.

font change

مقالات ذات صلة