المعادن من الألف إلى الياءhttps://www.majalla.com/node/326802/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D9%81-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%A1
منذ فجر التاريخ، ارتبطت المعادن بمسيرة الإنسان، من أدوات العصر الحجري إلى مصانع الثورة الصناعية. لكن هذه الموارد تحولت في القرن الحادي والعشرين، إلى وقود لصراع جيوسياسي واقتصادي محموم. المعادن النادرة والاستراتيجية، من الليثيوم إلى الكوبالت، ومن اليورانيوم إلى التيتانيوم، لم تعد مجرد مواد خام، بل أصبحت مفاتيح للسيطرة على التكنولوجيا، الطاقة النظيفة، والأمن القومي.
في هذا المقال، نغوص في قلب هذا الصراع العالمي، نكشف أسبابه، ونستعرض استخدامات هذه المعادن، وأهميتها، التي تعيد تشكيل موازين القوى العالمية.
المعادن: شريان الحياة لعالم التكنولوجيا
صارت المعادن النادرة، العمود الفقري للصناعات الحديثة، وهي مجموعة من 17 عنصرا كيميائيا مثل النيوديميوم والديسبروسيوم. تُستخدم في كل شيء، من الهواتف الذكية إلى السيارات الكهربائية، ومن توربينات الرياح إلى الأسلحة المتطورة. وعلى الرغم من توافرها في القشرة الأرضية وضمن الرواسب الجيولوجية، فإن استخراجها ليس بالأمر السهل، فهو مكلف، ومعقد، بسبب تشتتها واختلاطها مع معادن أخرى. كما يمثل استخراج المعادن النادرة تحديا بيئيا كبيرا، إذ يخلّف نفايات سامة تلوث المياه والتربة وتهدد البيئة.
الصراع على المعادن هو تنافس جيوسياسي واقتصادي متزايد على الموارد المعدنية الاستراتيجية، وأسبابه الأساسية تعود إلى الندرة والتوزيع، التسليح الجيوسياسي، والأمن القومي
على الجانب الآخر، تظل المعادن التقليدية مثل الحديد والنحاس والفوسفات والرصاص أساسية للبنية التحتية والصناعات الثقيلة.
لماذا تشتعل الصراعات؟
الصراع على المعادن هو تنافس جيوسياسي واقتصادي متزايد على الموارد المعدنية الاستراتيجية، وأسبابه الأساسية تعود إلى:
- الندرة والتوزيع غير المتكافئ، إذ تتركز المعادن الاستراتيجية في بقاع محددة من العالم. تسيطر الصين على 60 في المئة من إنتاج المعادن النادرة، بينما تملك الكونغو الديمقراطية 70 في المئة من الكوبالت العالمي، وأوستراليا 50 في المئة من الليثيوم. هذا التوزيع يجعل الدول الكبرى تتسابق لتأمين إمداداتها.
عمال يعملون بداخل منجم في موفوليرا، في زامبيا 6 مايو 2022
- الطلب المتزايد، فمع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، ارتفع الطلب على المعادن المستخدمة في البطاريات بنسبة 400 في المئة خلال العقد الماضي، وفقا لتقارير وكالة الطاقة الدولية.
- التسليح الجيوسياسي، حيث تستخدم دول مثل الصين المعادن كأداة ضغط سياسي، كما حدث عام 2010 عندما قيّدت صادراتها إلى اليابان خلال نزاع ديبلوماسي حول جزر سينكاكو/دياويو في بحر الصين الشرقي.
- الأمن القومي، إذ تدخل المعادن في تصنيع الأسلحة المتقدمة، مثل الطائرات المقاتلة والصواريخ الموجهة، مما يجعل الوصول إليها مسألة حيوية.
- ضعف الحكم الرشيد والفساد، ففي بعض المناطق، يؤدي ضعف الحكومات والفساد إلى تسهيل استغلال الموارد المعدنية بطرق غير قانونية، مما يزيد حدة الصراعات.
ساحات الصراع من أفريقيا إلى القطب الشمالي
الصراع على المعادن ليس مجرد تنافس اقتصادي، بل حرب جيوسياسية تمتد من مناجم الكونغو إلى جليد القطب الشمالي. هذه الصراعات الحالية هي صراع عالمي بأبعاد محلية.
الصراع على المعادن ليس مجرد تنافس اقتصادي، بل حرب جيوسياسية تمتد من مناجم الكونغو إلى جليد القطب الشمالي. صراعات عالمية بأبعاد محلية، تشمل أفريقيا وبحر الصين الجنوبي، وأوكرانيا وأميركا الجنوبية
- أفريقيا: تمتلك القارة السمراء احتياطيات هائلة من الكوبالت، الليثيوم، واليورانيوم، وتتنافس الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي على الوصول إلى هذه المعادن. تشهد الكونغو الديمقراطية، على سبيل المثل، نزاعات داخلية مدعومة خارجيا للسيطرة على مناجم الكوبالت، حيث تستحوذ الصين على حصة كبيرة من الإنتاج.
وتعد منطقة حزام الحجر الأخضر البريمي "Birimian Greenstone Belt" في غرب أفريقيا، الغنية بالذهب والمعادن الأخرى مثل البوكسيت والليثيوم والمنغنيز والنيكل والفوسفات والزنك، نقطة صراع رئيسة.
بطارية ضخمة للشحن السريع تم تصنيعها من معادن نادرة، في معرض شنغهاي للسيارات، 21 أبريل 2025
- غرينلاند: تُعدّ كنزا للمعادن النادرة مثل النيوديميوم. تصنيف المفوضية الأوروبية لـ25 من أصل 34 "مادة خام أساسية" في غرينلاند يفسر محاولات الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها هناك.
- بحر الصين الجنوبي: تحتوي الجزر المتنازع عليها على رواسب معادن نادرة، مما يجعلها ساحة صراع بين الصين ودول الجوار.
- القطب الشمالي: روسيا، كندا، والولايات المتحدة، تتنافس على الموارد المعدنية تحت الجليد، في ظل ذوبان الأنهار الجليدية بسبب التغير المناخي.
- أوكرانيا: الصراع على المعادن في أوكرانيا هو جانب مهم من الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، حيث تمتلك أوكرانيا احتياطيات كبيرة من المعادن النادرة والحيوية مثل الليثيوم والتيتانيوم، التي تدخل في العديد من الصناعات المتقدمة. تتركز هذه المعادن في مناطق النزاع في شرق أوكرانيا، وهي المناطق التي تشهد صراعا عنيفا بين الأطراف المتحاربة.
المعادن النادرة والاستراتيجية تُعدّ بمثابة "الدم" الذي يغذي الصناعات الحديثة، وأبرز استخداماتها في الالكترونيات والسلاح والبطاريات والطاقة النظيفة
- أميركا الجنوبية: تشهد كولومبيا صراعات مسلحة بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة غير الحكومية، مثل القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) للسيطرة على مناجم الذهب، والفحم، واليورانيوم، وغيرها من المعادن.
كما تشهد مناطق أخرى في أميركا الجنوبية مثل بيرو والإكوادور أيضا صراعات مسلحة مرتبطة بالمعادن، حيث تتنافس الجماعات المسلحة والشركات للسيطرة على الذهب والفضة والنحاس وغيرها من المعادن.
المعادن الاستراتيجية: أبطال الثورة الصناعية الجديدة
المعادن النادرة والاستراتيجية تُعدّ بمثابة "الدم" الذي يغذي الصناعات الحديثة، وأبرز استخداماتها، على سبيل المثل لا الحصر:
- الإلكترونيات: تدخل 70 في المئة من المعادن النادرة مثل الغادولينيوم في إنتاج الهواتف الذكية والرقائق وأشباه الموصلات والألياف الضوئية.
- الدفاع: تُستخدم المعادن النادرة مثل الساماريوم والجادولينيوم والأنتيمون والسكانديوم، في الأسلحة المتقدمة مثل مقاتلات "F-35" (نحو 427 كيلوغراما لكل طائرة)، غواصات "فرجينيا" النووية (4,2 أطنان لكل غواصة)، وغواصات "كولومبيا"، وصواريخ "توماهوك"، والطائرات المسيّرة من طراز "بريداتور".
-المركبات الكهربائية: النيوديميوم والديسبروسيوم، معدنان ضروريان لمحركات المركبات الكهربائية، حيث يُتوقع أن ينمو الطلب عليها بنسبة 40 في المئة في حلول عام 2030.
- البطاريات: الليثيوم والكوبالت من المكونات الأساسية في بطاريات السيارات الكهربائية والهواتف الذكية. على سبيل المثل، تحتاج سيارة "تسلا" إلى نحو 10 كيلوغرامات من الليثيوم و15 كيلوغراما من الكوبالت. ويُستخدم الغرافيت في بطاريات الليثيوم أيون وفي الصناعات النووية.
- الطاقة النظيفة: تُستخدم المعادن النادرة مثل الديسبروسيوم والبراسيوديميوم والنيوديميوم في توربينات الرياح والألواح الشمسية (يتطلب كل توربين رياح 200 كيلوغرام من المعادن النادرة). بينما النيكل والنحاس ضروريان للأسلاك الكهربائية والبنية التحتية للطاقة المتجددة، مثل الألواح الشمسية.
- الطاقة النووية: اليورانيوم والثوريوم هما من المصادر الأساسية للطاقة النووية، التي تُعتبر بديلا استراتيجيا للوقود الأحفوري.
- المغناطيسات: تُستخدم المعادن النادرة مثل التربيوم والساماريوم والإيتريوم في المغناطيسات القوية لتوربينات الرياح، محركات الطائرات النفاثة، وأنظمة التوجيه بالليزر.
تحديات بيئية وأخلاقية، وحروب
يتسبب استخراج المعادن النادرة بتلوث بيئي خطير، حيث تنتج نفايات سامة تهدد المياه والتربة. في الكونغو، مثلا، تثير ظروف العمل في المناجم مخاوف أخلاقية، بما في ذلك استغلال العمالة الرخيصة وعمالة الأطفال. هذه التحديات تتطلب حلولا عالمية لضمان استدامة الصناعات.
الاعتماد على دول أخرى للحصول على المعادن يعرض الاقتصادات لأخطار كبيرة ويقوض أمنها الاقتصادي، خصوصا في أوقات الأزمات. والحل يكمن في التعاون الدولي وإنشاء اتفاقيات لإدارة الموارد بشكل عادل، وإعادة التدوير
أدت الصراعات على المعادن إلى اندلاع حروب أهلية ونزاعات مسلحة في مناطق مختلفة، مثل أوكرانيا، ودارفور في السودان وشرق الكونغو. وأدت الصراعات إلى مقتل وتهجير الملايين من السكان، كما حدث في الكونغو حيث قتل 6,4 ملايين شخص بين عامي 1998 و2021.
نحو مستقبل مستدام أم صراع لا نهائي؟
المعادن الاستراتيجية ليست مجرد موارد، بل هي أساس التقدم التكنولوجي والاقتصادي. بدونها، لن تكون هناك سيارات كهربائية، ولا طاقة متجددة، ولا أسلحة متطورة. الدول التي تسيطر على هذه الموارد ستتصدر سباق الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية، والاتصالات الفائقة السرعة، وتطوير التقنيات الجديدة.
نموذج لمخلفات أجهزة إلكترونية لاستخراج المعادن النادرة منها، وإعادة تدويرها في منتجات أخرى، في أورليان، وسط فرنسا، 22 يونيو 2021
لكن الاعتماد على دول أخرى للحصول على هذه المعادن يعرض الاقتصادات لأخطار كبيرة ويقوض أمنها الاقتصادي، خاصة في أوقات الأزمات. والحل يكمن في التعاون الدولي وإنشاء اتفاقيات لإدارة الموارد بشكل عادل، وتقليل الاعتماد على الاستخراج عبر التدوير وإعادة استخدام المعادن، كذلك اللجوء الى البدائل التكنولوجية وتطوير مواد جديدة.
أبرز المعادن الاستراتيجية وحقول استخدامها
- الليثيوم: وقود الطاقة النظيفة
الليثيوم هو العنصر الأساس في بطاريات السيارات الكهربائية والهواتف الذكية، مذ اكتشف العالم أن البطاريات المصنعة من الليثيوم يمكنها تخزين الطاقة بكثافة عالية. سيارة "تسلا" الواحدة تحتاج إلى نحو 10 كيلوغرامات من الليثيوم. مع توقعات بارتفاع الطلب بنسبة 40 في المئة في حلول 2030، أصبح الليثيوم ساحة صراع بين القوى الاقتصادية.
- الكوبالت:"الذهب الأزرق"
يُستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية والهواتف الذكية، ويتميز بصلابته واستقراره ومقاومته للتآكل، فضلا عن خصائصه المقاومة لدرجات الحرارة المرتفعة. سيطرة الصين على مناجم الكوبالت في الكونغو الديمقراطية منذ عام 2016، أثارت قلق الولايات المتحدة، التي ترى في ذلك تهديدا لمصالحها.
- التيتانيوم: العملاق الصلب
خفيف، قوي، ومقاوم للتآكل والصدأ، ولديه قدرة كبيرة على تحمل درجات حرارة تفوق 600 درجة مئوية. يُستخدم التيتانيوم في الطيران، الطب، الصناعات العسكرية، الصناعات الكيميائية الهندسية والنفطية، وتركيب المنشآت الصناعية، مثل المبادلات الحرارية والحاويات والخزّانات والصمّامات، ويعدّ مجال الطلاء والدهانات هو الأكثر استخداما لهذا المعدن. من هياكل الطائرات إلى زراعة العظام والمفاصل الاصطناعية وزراعة الأسنان، وحتى في صناعة الحليّ والمجوهرات، أصبح التيتانيوم عنصرا لا غنى عنه.
- اليورانيوم: عصب الطاقة النووية
تمتلك أفريقيا 60 في المئة من احتياطيات اليورانيوم العالمية، مما يجعلها مركز صراع بين القوى الكبرى. يُستخدم في الطاقة النووية، الدبابات، صناعة الزجاج، وبعض المجالات الطبية. حتى المخلفات الناجمة عن استخدامات اليورانيوم، يمكن إعادة تدويرها وإدخالها لصنع خلايا شمسية.
- النحاس: بوابة الطاقة الخضراء
مع توقعات بارتفاع الطلب بنسبة 50 في المئة في حلول 2040، يُعد النحاس أساسا في السيارات الكهربائية، مزارع الطاقة الشمسية، وشبكات نقل الكهرباء.
منذ العملات الذهبية في مملكة ليديا عام 550 ق.م، يظل الذهب رمزا للاستقرار الاقتصادي. روسيا، على سبيل المثل، خزّنت كميات كبيرة لمواجهة العقوبات الغربية.
الملياردير الأميركي الشهير، وارن بافيت، كانت له مقولة معروفة تعكس حجم كراهيته للذهب في العموم، حين قال إن "الذهب يستخرَج من الأرض، ثم نقوم بصهره، ونحفر مكانا جديدا في الأرض لنضعه فيه، وندفع أموالا لأشخاص من أجل حراسته، إنه لا يمثل أي منفعة".
النيكل أساسي في الرقائق الإلكترونية والصلب المقاوم للصدأ، وتحول إلى أحد أبرز المعادن الإستراتيجية التي وضعتها القوى العظمى ضمن قائمة "معادن الأمن القومي" التي بات توفيرها ضرورة قصوى من أجل مستقبل آمن
مع ذلك، تحوّل بافيت إلى الاستثمار في مجال التنقيب، حيث استثمرت شركته "بيركشاير هاثاواي" قرابة 565 مليون دولار في ثاني أكبر شركة تعدين للذهب في العالم، شركة "باريك غولد كوربوريشن" الكندية، اعترافا منه بقيمة المعدن الأصفر كأحد الملاذات الآمنة للاستثمارات ورؤوس الأموال في مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية.
- النيكل... عصب صناعة الرقائق والصناعات الدفاعية
النيكل أساسي في الرقائق الإلكترونية والصلب المقاوم للصدأ، وتحول إلى أحد أبرز المعادن الإستراتيجية التي وضعتها القوى العظمى ضمن قائمة "معادن الأمن القومي" التي بات توفيرها ضرورة قصوى من أجل مستقبل آمن.
منجم ليثيوم في منطقة باكيتا في زيمبابوي، 19 نوفمبر 2024
إلى ذلك، يدخل في صناعة براميل نقل المواد الكيميائية وصناعة الأجهزة الإلكترونية، علاوة على استخدامه الحيوي في صناعة مكونات الصواريخ والمركبات الفضائية وصناعة المصابيح القلوية والمبادلات والعوازل الحرارية، إضافة إلى صناعة العملات المعدنية وصناعة الخزف والفخار وأطقم خلاطات المياه.
- المنغنيز: نجم الطفرة الهائلة في مشروعات البنية التحتية
يدعم المنغنيز صناعة بطاريات السيارات القابلة لإعادة الشحن، إلى جانب استخداماته التقليدية المعروفة في صناعات الصلب والفولاذ والسبائك.
- السيليكون: جوهر التكنولوجيا
يُعد السيليكون العنصر الأساس في أشباه الموصلات، وهو مكون رئيس في الإلكترونيات، البناء، والزجاج.