المعادن الأفريقية... ساحة مركزية في صراع النفوذhttps://www.majalla.com/node/326158/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D9%88%D8%B0
في قلب الساحل الأفريقي وبلدان جنوب الصحراء، تتقاطع خيوط توتر إقليمي ودولي، وتحولات سياسية متنقلة بين دول الغرب، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا، وانضواء في معسكر دول المحور الشرقي من الصين وروسيا، وصولا إلى طهران، يربطها جميعا خيط واحد، هو "حمّى" السيطرة على المعادن.
احتياطات المعادن في الدول الأفريقية مختلفة، فكبرى مناجم الذهب تقع في مناطق الصراعات في السودان ومالي والنيجر، وكذلك في غانا. أما النحاس والكوبالت، فيتركزان في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، بينما تتوفر احتياطيات من الماس في بوتسوانا وأنغولا، والبلاتين في زيمبابوي وجنوب أفريقيا. كما توجد احتياطات من اليورانيوم في النيجر وناميبيا، وفي الغابون وغانا يتوفر الحديد والمانغنيز. أما البوكسيت فيوجد في غينيا، والليثيوم في زيمبابوي، والفحم في جنوب أفريقيا وموزمبيق. وفي ما يتعلق بالغاز الطبيعي، توجد احتياطات في نيجيريا، بينما يُستخرج النفط من نيجيريا وأنغولا.
تعتمد الدول الأفريقية المصدرة للمعادن جنوب الصحراء سياسة توازن بين العملاقين الأميركي والصيني، بهدف تحقيق أقصى قدر من المكاسب الاقتصادية. فالصراع بين "الجبارين" لم يعد فقط على الموارد المعدنية الثمينة لاستخدامها في المرحلة الحالية، بل بات يدور حول من يمتلك القدرات الكبرى ليسيطر على مستقبل التكنولوجيا والطاقة في العالم.
تُظهر الأرقام أن الصين، وبسبب "حمّى" المعادن الأفريقية، استثمرت خلال الأعوام الأخيرة أكثر من تريليون دولار لضمان إمدادات المعادن النادرة
وتكمن في دول أفريقية عدة ثروات طبيعية هائلة من المعادن الاستراتيجية، التي باتت تحتل موقعا محوريا في الاقتصاد العالمي المتجه نحو التحول الطاقي والصناعات النظيفة، لتجعل من أفريقيا ساحة تنافس محتدمة بين القوى العظمى، تتفجر في الميدان انقلابات وحروب وعمليات تهريب وسيطرة.
وتُظهر الأرقام أن الصين، وبسبب "حُمّى" المعادن الأفريقية، استثمرت خلال الأعوام الأخيرة أكثر من تريليون دولار لضمان إمدادات المعادن النادرة، ما جعلها اللاعب الأبرز في سوق الموارد الأفريقية. لكن المبادرة الصينية تواجه تحديات بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي وتنامي أعباء الديون على دول أفريقية عدة، ما خفّف من اندفاعها في بعض الدول، وحوّل بحثها إلى مناطق وطرق أخرى. هذه التحولات دفعت بعض الحكومات، مثل أنغولا وزامبيا، إلى مراجعة علاقاتها مع الصين والانفتاح على شراكات غربية جديدة، رغم أنها كانت قبل سنوات "تحارب" الانضواء تحت سلطة الغرب، وتتهمه باستعمارها.
على الرغم من الفرص الواعدة، تواجه مشاريع استغلال المعادن في أفريقيا عقبات كبيرة، أبرزها ضعف البنية التحتية، ونقص الكوادر المحلية المدربة، وقرارات بعض الحكومات بحظر تصدير الخامات غير المعالجة، ما يعقّد جهود تطوير الصناعات التحويلية. إضافة إلى ذلك، تعاني مبادرات مثل "ممر لوبيتو" من صراع دولي للسيطرة على أجزاء منه، كما تعاني من منافسة مشاريع أخرى، وتحديات أمنية، وتضارب في أولويات الاستثمار.
ممر لوبيتو
يمثل ممر لوبيتو مشروعا استراتيجيا لخط سكة حديد يمتد عبر أنغولاوالكونغو الديمقراطية وزامبيا، ليشكل حلقة وصل رئيسة بين ثروات وسط أفريقيا المعدنية وسواحل المحيط الأطلسي، مع خطط مستقبلية لربطه بالمحيط الهندي عبر تنزانيا. ويمتد الخط الأساس لمسافة 1300 كيلومتر من ميناء لوبيتو على الساحل الأنغولي إلى مدينة لوآو قرب الحدود مع الكونغو، ويتصل بخط آخر طوله 400 كيلومتر يصل إلى مدينة كولويزي الغنية بالمعادن داخل الكونغو، وهي من أبرز مناطق إنتاج الكوبالت والنحاس.
يأتي المشروع في قلب التنافس الأميركي– الصيني، فمناطق التعدين بالكونغو الديمقراطية وزامبيا كانت تسيطر عليها شركات صينية وأوروبية، مما يشير إلى حاجة واشنطن إلى استراتيجيا لخوض المنافسة، متمثلة في مواجهة الصين بطريقة غير مباشرة، والتعاون مع الاتحاد الأوروبي والشركات الأوروبية.
خط سكة حديد تازارا
يُعد مشروع خط سكة حديد تازارا (Tazara)، الذي دشنته الصين قبل نحو خمسين عاما بين تنزانيا وزامبيا بغرض تسهيل حركة نقل البضائع والمعادن من دول الجنوب الأفريقي غير الساحلية إلى البحر، أحد أكبر مشاريع البنية التحتية في أفريقيا، وتعتبره بكين رمزا لعلاقاتها التاريخية والدائمة مع القارة الأفريقية، وهي ترغب اليوم في تحديث هذا المشروع، وضخ ميزانية جديدة لتطويره بعد اتجاه واشنطن إلى تجديد ممر لوبيتو.
المحيط الأطلسي ومبادرة المغرب
ارتفاع الطلب على المعادن دفع الدول الحبيسة التي لا تملك منافذ على البحر، أي بوركينا فاسو والنيجر ومالي، إلى تنظيم علاقات أمنية واقتصادية مع أطراف أخرى تمكنها من الوصول إلى مياه المحيط الأطلسي، عبر فك الحصار الطبيعي، لفتح أسواق جديدة عبر الحلفاء الجدد.
سياق الممر المذكور بدأ يأخذ منحى جديدا مع إعلان المغرب مبادرة تهدف إلى ربط الدول الثلاث بالمحيط الأطلسي عبر ممرات تجارية ولوجستية تمر من أراضيه. المبادرة لقيت ترحيبا من تلك الدول، التي وصفتها بـ"المنفذ الاستراتيجي لكسر الحصار السياسي والاقتصادي".
يبدو أن القارة الافريقية ولا سيما منطقة الساحل وبلدان جنوب الصحراء تتحول تدريجيا الى ساحة مركزية في صراع النفوذ العالمي على الثروات
لكن المبادرة أثارت حفيظة الجزائر، التي تعتبر النفوذ المغربي في الساحل تهديدا إضافيا لدورها في المنطقة، خصوصا أن هذه الطرق تمر عبر الصحراء الغربية، المنطقة المتنازع عليها بين الرباط وجبهة البوليساريو.
رغم وفرة الموارد، لا تزال إمكانات أفريقيا غير مستغلة على النحو الأمثل، ويرجع ذلك إلى ضعف الاستكشاف الجيولوجي. ففي عام 2021، سجلت منطقة جنوب الصحراء ثاني أدنى ميزانية للاستكشاف المعدني عالميا، مقارنة بمناطق أصغر، مثل كندا وأوستراليا، مما يبرز فجوة واضحة بين الإمكانات والجهود المبذولة لتوظيفها اقتصاديا. هذه الفجوة تقوض قدرة القارة على الاستفادة من الطلب العالمي المتزايد على المعادن الحيوية.
البحث عن المعادن
سعي الصين وروسيا وتركيا وإيران إلى تعزيز أدوارها في دول الداخل الأفريقي يعكس أهدافا متشابكة تجمع بين الطموحات الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية، وتستفيد من الفراغ الذي خلّفه تراجع الحضور الغربي، الفرنسي خصوصا.
كذلك تحاول تلك الدول التموضع داخل ما تعتبرها دولا ذات موقع جغرافي حيوي، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، التي تُعد منطقة استراتيجية تصل بين شمال وغرب أفريقيا، وتُعد ممرا مهما للهجرة والتهريب والتجارة. والنيجر تُعتبر عقدة طرق بين ليبيا وتشاد من جهة، في الطريق إلى المحيط الأطلسي من جهة أخرى، وتملك مخزونا ضخما من اليورانيوم. بالإضافة إلى احتواء دول المنطقة على موارد معدنية هائلة، مثل الذهب والفوسفات والنحاس. وتسعى الصين وروسيا للحصول على عقود تعدين، بينما تبحث تركيا عن فرص في البنية التحتية، وتعرض إيران خبراتها في قطاع الطاقة بأسعار تنافسية.
وتقدّم هذه القوى دعما غير مشروط سياسيا، على عكس الغرب، الذي يربط المساعدة بالمعايير الديمقراطية. كما أن السعي التركي - الإيراني لتمديد النفوذ الأيديولوجي والديني يدفعهما إلى فتح نوافذ عبر مراكز ثقافية، ومؤسسات طبية وتعليمية، خصوصا في مناطق ذات هشاشة مذهبية وضعف في الدولة المركزية.
وتسعى هذه الدول إلى اختبار النفوذ في بيئة منخفضة التكلفة، بالمقارنة مع أوروبا أو شرق آسيا، ويوفّر الساحل الأفريقي مجالا لاختبار أدوات النفوذ بتكلفة أقل وأخطار سياسية محدودة.
المتطرفون... بقاء وتمدد
في موازاة هذه التحولات، تشهد مناطق جنوب الصحراء الأفريقية انتشارا لمنظمات إسلامية متطرفة عدة، منها "ولاية الساحل الإسلامية" التابعة لتنظيم "داعش"، و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة"، و"حركة الشباب"، حيث تحاول السيطرة على المناجم وطرق نقل المعادن، لتأمين ثروات تسمح لها بالاستمرار رغم العمليات الحربية التي تلاحق عناصرها من إثيوبيا وتشاد إلى مالي والنيجر ونيجيريا.
ورصد معهد تمبكتو، وهو مركز أبحاث مقره العاصمة السنغالية دكار، تصاعدا في أنشطة جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، في جنوب غرب مالي. وتحولت المنطقة الحدودية مع السنغال وموريتانيا إلى قاعدة خلفية للتنظيم، الذي كثّف هجماته سبعة أضعاف بين 2021 و2024، وفق المعهد.
ينتشر عناصر شركة "فاغنر" الروسية حاليا في عشر دول أفريقية على الأقل، منها: جمهورية أفريقيا الوسطى، زيمبابوي، أنغولا، مدغشقر، غينيا، غينيا بيساو، موزمبيق، مالي، بوركينا فاسو، والنيجر
وفي هذه المنطقة العابرة للحدود، زادت "الجماعة" هجماتها ضد قوات الأمن، ومراكز الجمارك، والقوافل على الطرق المؤدية إلى باماكو وموريتانيا والسنغال، بهدف قطع طرق الإمداد إلى باماكو، بمنطق مزدوج يتمثل في نزع شرعية سلطات مالي، وإنشاء شبكات اقتصادية تمكنها من تمويل أنشطتها في المنطقة، عبر استخدام سبل عدة، بما في ذلك تهريب السلع والسيطرة على المعابر الحدودية.
كما تسعى لاستخدام منطقة كايس (جنوب غرب مالي) للتمدد في اتجاه موريتانيا والسنغال، مستغلة ضعف التنسيق الأمني ونقص الموارد في تلك الدول.
"فاغنر"... المنقذ والعبء
منذ دخولها إلى أفريقيا، تحوّلت مجموعة "فاغنر" الروسية من شريك عسكري إلى قوة مهيمنة ميدانيا واقتصاديا، وفرضت نفوذها في مناطق التعدين، وساهمت في شن عمليات ضد مجموعات انفصالية، مثل "الأزواديين" في مالي، أو واجهت متطرفين إسلاميين.
وينتشر عناصر شركة "فاغنر" الروسية حاليا في عشر دول أفريقية على الأقل، منها: جمهورية أفريقيا الوسطى، زيمبابوي، أنغولا، مدغشقر، غينيا، غينيا بيساو، موزمبيق، مالي، بوركينا فاسو، والنيجر. والهدف المعلن من انتشارها هو تدريب الجيوش المحلية، ومكافحة الجماعات المتمردة أو الإرهابية، وحراسة مناجم الذهب والماس واليورانيوم في المناطق الساخنة.
في المقابل، تحصل الشركات التابعة لها على امتيازات وتراخيص لاستغلال هذه المعادن والثروات، وتوريد أسلحة وتقنيات وخدمات عسكرية. غير أن علاقتها في دول وجودها لم تخلُ من التوتر، مثلما حصل بعد الخسائر الميدانية خلال المعركة ضد "الأزواد"، التي مُنيت بها "فاغنر" والجيش المالي في تينزواتن قرب الحدود الجزائرية، في يوليو/تموز 2024، والتي اعتُبرت صفعة للماليين وحلفائهم الروس.
موسكو... الفيلق الأفريقي والعلاقات مع الجوار
بعد تمرد مرتزقة "فاغنر" عام 2023 في روسيا، ومقتل زعيمهم يفغيني بريغوجين، أعادت موسكو هيكلة وجود القوى المرتبطة بها في أفريقيا تحت اسم "الفيلق الأفريقي"، وأصبح أقرب إلى الذراع الرسمية لوزارة الدفاع الروسية.
لكن عدم اندفاع "فاغنر" على الأرض لمواجهة "الأزواديين" في مالي، بسبب طلب الجزائر، الشريك القديم لموسكو، دفع باماكو إلى الانفتاح على التعاون مع أطراف غير تقليدية، في قضايا الأمن والتنمية والبنية التحتية.
على خلاف الصين، التي تعتمد على الاستثمارات التجارية للسيطرة ومد طرقها في أفريقيا، اتخذت تركيا من علاقتها مع مالي وحلفائها بعدا مختلفا، يجمع بين التسليح والاقتصاد والدين
في ظل هذا التعقيد، تبدو منطقة الساحل كأنها تعيد صوغ توازناتها الداخلية والخارجية. فانهيار الثقة مع فرنسا والغرب، وتصاعد دور روسيا، وتدخل "فاغنر"، والتوتر مع الجزائر، وتمدد المتطرفين، والانفتاح على دول جديدة، كلها عناصر تنتج خريطة مختلفة من التحالفات والصراعات.
تحالفات جديدة: الصين، تركيا، إيران
في مواجهة محدودية دعم "فاغنر"، بدأت مالي بحثها عن بدائل، فوقّعت اتفاقيات عسكرية مع الصين، شملت تسليحا وتدريبا. كما تسلمت طائرات مسيّرة من تركيا، وأبدت إيران استعدادها لتقديم دعم في بناء قوات شبه نظامية.
وعملت باماكو على توثيق علاقاتها الدفاعية مع بكين، ففي سبتمبر/أيلول 2024، وعلى هامش منتدى التعاون الصيني–الأفريقي، وُقّعت اتفاقية عسكرية شاملة مع الصين، تتضمن توريد أسلحة وتدريب الكوادر ونقل التكنولوجيا. وتسلّمت معدات عسكرية قبل سداد ثمنها، في إطار كسر عقوبات "الإيكواس" المفروضة على باماكو. واعتُبر دعم بكين العاجل طوق نجاة للجيش المالي، الذي يخوض حربا على جبهات متعددة.
تركيا... الاقتصاد والدين
على خلاف الصين، التي تعتمد على الاستثمارات التجارية للسيطرة ومد طرقها في أفريقيا، اتخذت تركيا من علاقتها مع مالي وحلفائها بعدا مختلفا، يجمع بين التسليح والاقتصاد والدين. وشهدت العلاقات تصاعدا خلال السنوات الماضية، ضمن استراتيجيا تركية أوسع لتعزيز الحضور في أفريقيا. ويتجاوز هذا التقارب الطابع الثنائي، ليشمل التعاون العسكري والتأثير الديني، والتقاطعات الجيوسياسية، لا سيما في ظل النفوذ المتنامي لتركيا في ليبيا القريبة، واهتمامها بإعادة رسم خريطة التحالفات في منطقة الساحل.
مؤيد للوجود الروسي في جمهورية افريقيا الوسطى
وتستخدم تركيا ليبيا كممر ومنصة لوجستية لإمدادات تُستخدم في الساحل، خصوصا في ظل تعقيد خطوط الإمداد التقليدية عبر البحر المتوسط. وتمثل مالي جزءا من استراتيجيا أنقرة لبناء "طوق نفوذ عسكري–أمني" يمتد من القرن الأفريقي في إثيوبيا إلى الساحل في ليبيا ودول غرب أفريقيا.
واستثمرت تركيا نحو 3 مليارات دولار في مشاريع بنية تحتية استراتيجية، أهمها مشروع "سكك حديد يابي مركزي"، بطول 400 كيلومتر، يربط شمال ووسط وشرق إثيوبيا بميناء جيبوتي في الصومال، وتبلغ قيمته نحو 1.7 مليار دولار.
إيران... اقتصاد وتوريد مسيّرات
دفعت محاولات طهران للتمدد العسكري والاقتصادي خلال حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي إلى فتح خطوط جديدة في مالي، في ظل اشتراك البلدين في سياسة "مواجهة القوى الغربية" ورفع العقوبات، والحاجة إلى توسيع دائرة الحلفاء. لكن الدور الإيراني في دول جنوب الصحراء لا يزال غير أساسي، حيث لا تمتلك طهران نفوذا اقتصاديا واسعا، مقارنة بالصين والولايات المتحدة، كما أن نفوذها الأمني لا يزال ناشئا مقارنة بالوجود العميق للولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والاتحاد الأوروبي.
ولإيران مؤسسات اقتصادية وثقافية وطبية وتعليمية، منها مراكز طبية تابعة للهلال الأحمر الإيراني، وجامعة المصطفى العالمية (المدرجة على لوائح العقوبات الأميركية بتهم استخدامها كمصدر جمع معلومات لـ"الحرس الثوري" الإيراني، وتجنيد عناصر لميليشيات تابعة لـ"فيلق القدس"). كما ينشط المركز الثقافي الإيراني في مالي ونيجيريا، التي ما زالت السيطرة على نفطها في يد الشركات الفرنسية.
وأثمرت زيارة وزير الدفاع المالي إلى إيران عام 2023 اتفاقيات لتوريد أسلحة خفيفة ومسيّرات هجومية واستطلاعية، مشابهة لتلك المستخدمة لدى الحوثيين في اليمن والجيش الروسي في أوكرانيا، إضافة إلى اتفاق على تدريب القوات الخاصة المالية في منشآت لـ"الحرس الثوري" قرب أصفهان.
مشهد معقد ومتداخل
يبدو أن القارة الأفريقية، ولا سيما منطقة الساحل وبلدان جنوب الصحراء، تتحول تدريجيا إلى ساحة مركزية في صراع النفوذ العالمي على الثروات الاستراتيجية. فالمعادن النادرة لم تعد مجرد موارد اقتصادية، بل أضحت أوراق ضغط جيوسياسي تعيد رسم خرائط التحالفات الدولية. وبينما تسعى القوى الكبرى إلى تثبيت مواقعها عبر المشاريع التنموية أو التحالفات الأمنية، تجد هذه الدول الأفريقية نفسها كتابع في موقع جديد، يمكّنها من تعزيز قدراتها العسكرية، في نظام عالمي حاد الاستقطاب.