معادن الطائرات والغواصات بقبضة الصين... وأميركا في مأزق التعريفات

موارد طبيعية نادرة تحتاجها صناعات الهواتف الذكية والرقائق والمركبات والصواريخ تهيمن عليه بكين

Shutterstock
Shutterstock
خام اليورانيوم من منجم في فرنسا

معادن الطائرات والغواصات بقبضة الصين... وأميركا في مأزق التعريفات

تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بوتيرة غير مسبوقة، حيث تتبادل الدولتان فرض الرسوم الجمركية الانتقامية. ففي أبريل/نيسان 2025، فرضت إدارة الرئيس دونالد ترمب رسوما جمركية بنسبة 145في المئة على السلع الصينية، فيما ردت الصين أخيرا بحظر تصدير سبعة من المعادن النادرة الحيوية إلى الولايات المتحدة، مما يهدد الصناعات الأميركية المتقدمة. كشفت هذه الخطوة عن حجم اعتماد الولايات المتحدة الكبير على الصين، التي تهيمن على 70-90 في المئة من إنتاج المعادن النادرة عالميا، و90 في المئة من عمليات تكريرها.

تعريف المعادن واستخداماتها

المعادن الأرضية النادرة (REEs) هي مجموعة من 17 عنصرا كيميائيا، على الرغم من توافرها في القشرة الأرضية وضمن الرواسب الجيولوجية، فإن استخراجها مكلف ومعقد بسبب تشتتها واختلاطها مع معادن أخرى، وهذه المعادن هي:

اللوتيتيوم (Lutetium)، يُستخدم في الصناعات الطبية، والنفطية، والجيولوجية.

التربيوم (Terbium)، يُستخدم في المصابيح، الطائرات، الغواصات، الصواريخ، والمغناطيسات الفائقة.

الإيتربيوم (Ytterbium)، يُستخدم في علاج سرطان الكبد، الليزر الطبي، وتقوية السبائك والفولاذ المقاوم للصدأ.

AL Majalla

الغادولينيوم (Gadolinium)، يُستخدم في التصوير الطبي بالرنين المغناطيسي، الإلكترونيات، تخزين البيانات، الطاقة النووية، وأنابيب أشعة الكاثود.

الديسبروسيوم (Dysprosium)، يُستخدم في توربينات الرياح، المركبات الكهربائية، المفاعلات النووية، المحركات الهجينة، وتحسين أداء المغناطيسات في درجات الحرارة العالية.

السكانديوم (Scandium) يُستخدم في الطائرات، الإطارات، النفط، اكتشاف التسريبات، والإضاءة.

الساماريوم (Samarium)، يُستخدم في السماعات، السيارات، الليزر، المفاعلات، المحركات الكهربائية، الصواريخ، ومغناطيسات الدفاع والطيران.

تدخل 70 المئة من المعادن النادرة في إنتاج الهواتف الذكية وأشباه الموصلات والألياف الضوئية

البراسيوديميوم (Praseodymium) والنيوديميوم (Neodymium)، يُستخدمان في صناعة المغناطيسات القوية للمركبات الكهربائية وتوربينات الرياح، والأصباغ، والليزر.

السيريوم (Cerium) واللنثانيوم (Lanthanum) يُستخدمان في المحفزات، وتكرير النفط، والعدسات والمركبات الفائقة التوصيل.

البروميثيوم (Promethium) يُستخدم في المركبات المضيئة.

اليوروبيوم (Europium) يُستخدم في صناعة المفاعلات النووية، والإضاءة، والكيمياء الجيولوجية.

الهولميوم (Holmium) يُستخدم في الليزر والموصلات الفائقة.

الإربيوم (Erbium) يُستخدم في الطب النووي والبصريات.

AL Majalla

الثوليوم (Thulium) يُستخدم في الأشعة السينية، الليزر، والموصلات الفائقة.

الإيتريوم (Yttrium) يُستخدم في خلايا الوقود، المغناطيس، السبائك، والموصلات الفائقة.

القطاعات: من الرقائق إلى الصواريخ

تُستخدم هذه المعادن النادرة في صناعات أميركية حيوية تشمل:

- الإلكترونيات: تدخل 70 في المئة من المعادن النادرة في إنتاج الهواتف الذكية والرقائق وأشباه الموصلات والألياف الضوئية.

- الدفاع: تُستخدم المعادن النادرة في الأسلحة المتقدمة مثل مقاتلات "F-35" (427 كيلوغراما لكل طائرة)، غواصات "فرجينيا" النووية (4.2 طن لكل غواصة)، وغواصات "كولومبيا"، وصواريخ "توماهوك"، والطائرات المسيّرة من طراز "بريداتور".

بين عامي 2020 و2023، اعتمدت الولايات المتحدة على الصين في تلبية 70-80 في المئة من وارداتها من هذه المعادن، في حين بلغت نسبة الاعتماد على الإيتريوم وحده 93 في المئة

- المركبات الكهربائية: النيوديميوم والديسبروسيوم، معدنان ضروريان لمحركات المركبات الكهربائية، حيث يُتوقع أن ينمو الطلب عليها بنسبة 40 في المئة في حلول عام 2030.

- الطاقة النظيفة: تُستخدم المعادن النادرة في توربينات الرياح والألواح الشمسية. (يتطلب كل توربين رياح 200 كيلوغرام من المعادن النادرة).

الضربة الصينية... تشديد قيود التصدير

في أبريل/نيسان 2025، فرضت الصين قيودا على تصدير سبعة معادن نادرة إلى الولايات المتحدة، وهي: الساماريوم، الجادولينيوم، التيربيوم، الديسبروسيوم، اللوتيتيوم، السكانديوم، والإيتريوم. تتطلب هذه القيود الحصول على تراخيص تصدير صارمة، مما يمنح الصين تحكما كاملا بالإمدادات. بين عامي 2020 و2023، اعتمدت الولايات المتحدة على الصين في تلبية 70-80 في المئة من وارداتها من هذه المعادن، في حين بلغت نسبة الاعتماد على الإيتريوم وحده 93 في المئة.

أ.ف.ب.
بطارية ضخمة للشحن السريع تم تصنيعها من معادن نادرة، في معرض شنغهاي للسيارات، 21 أبريل 2025

وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، وسعت الصين القيود لتشمل معادن الجاليوم، الجرمانيوم، والأنتيمون، التي تُستخدم في صناعة أشباه الموصلات، والدفاع، وتصنيع الأسلحة، والذخيرة. تسيطر الصين على 56 في المئة من إمدادات الأنتيمون العالمية، وهو معدن حيوي للصناعات، مثل الطائرات المقاتلة والغواصات والصواريخ. تهدد هذه القيود بتوقف إنتاج المركبات الكهربائية خلال 3-6 أشهر إذا استمر الحظر، حيث لا تمتلك شركات المركبات سوى مخزونات تكفي لشهرين أو ثلاثة فقط.

 مفاتيح الأرض في قبضة بكين

تهيمن الصين على الانتاج العالمي للمعادن النادرة، حيث تنتج 70-90 في المئة من هذه المعادن و90 في المئة من المعادن المكررة. تستورد الولايات المتحدة معظم احتياجاتها من الصين، بما في ذلك المعادن المستخرجة من دول أخرى مثل ميانمار (مورد رئيس للديسبروسيوم والتيربيوم)، وتُشرف الصين جزئيا على هذا الإنتاج.

تشكل القيود الصينية على تصدير المعادن النادرة تهديدا مباشرا لعدد من الصناعات الحيوية الأميركية وخاصة صناعة المركبات الكهربائية، وإنتاج الطائرات المقاتلة والغواصات والصواريخ

أما بالنسبة الى المصادر البديلة، فتنتج أوستراليا، عبر شركة "Lynas" التي تمتلك منجما في أوستراليا ومصنعا جديدا في تكساس، كميات متزايدة مع خطط لتغطية 25 في المئة من الإمدادات العالمية في حلول 2027 بدعم مالي أميركي قدره 300 مليون دولار. توفر إستونيا، فرنسا، واليابان كميات محدودة، لكنها غالبا ما تعتمد على المعالجة الصينية. كما تستثمر الولايات المتحدة في مناجم في كندا والأرجنتين، لكن الإنتاج لا يزال محدودا ومكلفا بسبب المعايير البيئية الصارمة.

محليا، تنتج الولايات المتحدة 45,000 طن سنويا من المعادن الخام، لكنها تكرر 1,300 طن فقط، مما يضطرها لاستيراد 6,600 طن إضافية (80 في المئة من احتياجاتها). يُعتبر منجم ماونتن باس في كاليفورنيا المصدر المحلي الوحيد، ولكنه يعتمد على الصين للتكرير بسبب التحديات البيئية. في المقابل، يحتوي احتياطي جبل بير لودج في وايومنغ على 18 مليون طن، وهو مورد واعد لتقليل الاعتماد على الاستيراد.

 تهديد للصناعات الحيوية والدفاعية والتكنولوجية

 تشكل القيود الصينية على تصدير المعادن النادرة تهديدا مباشرا لعدد من الصناعات الحيوية الأميركية وخاصة صناعة المركبات الكهربائية، مع التوقعات بنفاد مخزونات المغناطيسات خلال 3-6 أشهر، مما دفع شركة "تسلا" وشركات أخرى إلى وصف القيود بأنها "7-8 من 10" من حيث الشدة، فيما حذر أحد المسؤولين من "عواقب وخيمة". كما يهدد النقص في معدنَي الساماريوم والجادولينيوم إنتاج الطائرات المقاتلة والغواصات والصواريخ، مما يثير مخاوف تتعلق بالأمن القومي.

Shutterstock
أحجار ومعادن نادرة تستخدم في صناعات الأجهزة والمعدات المختلفة

أما توقف إمدادات معدنَي الجاليوم والجرمانيوم، فيهدد صناعات التكنولوجيا ويعرقل إنتاج الرقائق، ويُتوقع أن يرفع تكاليف إنتاج الإلكترونيات بنسبة 20-30 في المئة. وفي مجال الطاقة المتجددة، يُعيق الاعتماد على الصين في توريد معدنَي النيوديميوم والبراسيوديميوم التوسع إنتاج توربينات الرياح والألواح الشمسية، مما قد يؤخر أهداف الطاقة الخضراء بنسبة 15-20 في المئة في حلول عام 2030.

الخيارات الأميركية محدودة

ردا على ذلك، أصدر الرئيس ترمب أوامر تنفيذية تهدف إلى إيجاد حلول مبتكرة، تدعم الإنتاج الأميركي من المعادن النادرة وتقلص الاعتماد على الواردات. تستثمر الولايات المتحدة في مناجم بكندا والأرجنتين، لكن بدء عمليات التعدين يستغرق سبع سنوات بسبب القيود البيئية. ويهدف مشروع Lynas في تكساس إلى تقليل الاعتماد على الصين، لكن انخفاض الأسعار العالمية (بسبب زيادة المعروض الصيني) يهدد جدواه الاقتصادية.

 يمثل استخراج المعادن النادرة تحديا بيئيا كبيرا، إذ يُخلف نفايات سامة تلوث المياه والتربة. في الصين تسببت عمليات التعدين في أضرار بيئية غير قابلة للإصلاح خاصة في مناطق مثل منغوليا الداخلية

وتُعد إعادة التدوير خيارا واعدا إذ  تغطي حاليا 1في المئة فقط من الاحتياجات الأميركية، لكنها قد تصل إلى 20-40 في المئة في حلول عام 2035، إذا ما تم الاستثمار فيها.

تحديات بيئية واقتصادية

 يمثل استخراج المعادن النادرة تحديا بيئيا كبيرا، إذ يُخلف نفايات سامة تلوث المياه والتربة. في الصين تسببت عمليات التعدين في أضرار بيئية غير قابلة للإصلاح، خاصة في مناطق مثل منغوليا الداخلية. أما في الولايات المتحدة، فإن المعايير البيئية الصارمة ترفع تكاليف التكرير بنسبة 50 في المئة مقارنة بالصين.

أ.ف.ب.
نموذج لمخلفات أجهزة إلكترونية لاستخراج المعادن النادرة منها، وإعادة تدويرها في منتجات أخرى، في أورليان، وسط فرنسا، 22 يونيو 2021

من الناحية الاقتصادية، قد تخسر الصين بعض الأسواق بسبب القيود التي تفرضها تعريفات ترمب، لكن التأثير الأكبر سيكون على الولايات المتحدة التي تفتقر إلى بدائل فورية، فهي تعتمد على الصين لتأمين 70-80 في المئة من احتياجاتها من المعادن النادرة، مما يجعلها عرضة لاضطرابات كبيرة في سلاسل التوريد.

إقرأ ايضا: حروب التعريفات تشتعل... والأمن الاقتصادي العالمي في خطر

وتشمل أبرز القطاعات المتأثرة، الدفاع حيث إن 90 في المئة من المغناطيسات المستخدمة في الأسلحة تعتمد على الإمدادات الصينية، والمركبات الكهربائية لا سيما أن 70 في المئة من المحركات تعتمد على معادن نادرة مصدرها الصين، بالإضافة إلى التكنولوجيا، إذ إن 80 في المئة من إنتاج الرقائق الإلكترونية يتأثر بالقيود.

حرب المعادن الى مواجهة جيوسياسة

الجهود الأميركية لتنويع المصادر وتعزيز الإنتاج المحلي تواجه تحديات متعددة منها بيئية واقتصادية مع ارتفاع تكاليف التكرير بنسبة 50 في المئة وانخفاض الأسعار عالميا بنسبة 20 في المئة نتيجة زيادة العرض الصيني، مكا يحد من جدوى الاستثمار في هذه الصناعة محليا.

رويترز

في المحصلة، لم تعد الحرب التجارية على المعادن النادرة مجرد نزاع اقتصادي، بل باتت مرآة لصراع جيوسياسي يعيد تشكيل موازين القوى العالمية. فبينما تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على تفوقها الصناعي والتكنولوجي، تمسك الصين بورقة نادرة تمنحها قدرة استثنائية على التأثير في قرارات خصومها. كما يكشف هذا الصراع أخطار الاعتماد الاستراتيجي على خصم يزداد جرأة ونفوذاً يوما بعد يوم، فيما تتسارع معه وتيرة التنافس نحو حافة المواجهة.

font change

مقالات ذات صلة