أدّى اندلاع موجة العنف الأخيرة في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، إلى هزّ المواقف الإقليمية والدولية ودفع القوى الخارجية إلى التحرك. فقد شهدت هذه المحافظة، التي تتميز بأغلبية سكانية درزية وبقدر من الاستقلالية النسبية طوال سنوات الحرب، تصاعدا في التوترات الطائفية بين الجماعات المسلحة الدرزية والقبائل البدوية والمقاتلين المرتبطين بالإدارة السورية الجديدة، في ظل استمرار انحسار نفوذ نظام الأسد. وباتت معركة تثبيت الاستقرار في السويداء اختبارا حقيقيا للاستراتيجيات الدولية المتباينة.
موجات العنف
على مدى الأشهر الماضية، اجتاحت السويداء موجات متلاحقة من العنف الشديد، زعزعت مشهدها السياسي المحلي الذي طالما اتسم بالعزلة النسبية. وكانت الشرارة الأولى انطلقت بسبب خلافات حول إدارة الحكم المحلي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وصراعات على السيطرة على طرق التجارة غير المشروعة، قبل أن تتصاعد سريعا إلى سلسلة من المواجهات الدامية في المناطق الريفية. وأسهمت إسرائيل في إذكاء هذه التوترات عبر دعم زعامات درزية، أبرزهم الشيخ حكمت الهجري، وشنّ ضربات على القوات الحكومية السورية بدعوى حماية المجتمعات الدرزية.
في خضم ذلك، استغلت جماعات مسلحة– بعضها مرتبط بشبكات تهريب عابرة للحدود– حالة الفوضى، فيما أعادت الاشتباكات المتكررة بين الوحدات الدرزية والقبائل البدوية فتح جراح تاريخية قديمة. وكشف عجز القوى المحلية والإدارة السورية الجديدة عن كبح هذه الاضطرابات مدى هشاشة المشهد الأمني في البلاد.
ويبدو أن تحقيق الاستقرار في السويداء مهمة شديدة التعقيد، إذ يتشابك الصراع الطائفي فيها مع شبكة إجرامية راسخة ترسّخ اقتصادا غير مشروع وشبكات تهريب ترتبط في كثير من الأحيان بالميليشيات والعائلات النافذة. هذا التشابك يغذي التنافس بين المكونات المحلية، ويساعد على تشكيل مناخ مستمر من عمليات الخطف والاغتيالات وأعمال العنف المتقطعة.