"المجلة" في السويداء... جثث وفوضى وأسئلة عن الدور الاسرائيلي

المجلة/ تصوير: تشيلي كيتلسون
المجلة/ تصوير: تشيلي كيتلسون
مواطنون امام دبابة مدمرة في السويداء

"المجلة" في السويداء... جثث وفوضى وأسئلة عن الدور الاسرائيلي

كان الفارق صارخا بين زيارتي الأولى إلى السويداء، الواقعة في جنوب البلاد، وذات الأغلبية الدرزية، عندما زرتها في أواخر ديسمبر/كانون الأول، وزيارتي الثانية في أوائل أغسطس/آب، على الرغم من أن الشرارة التي أشعلت أعمال العنف الأخيرة، ربما كانت في طور التشكل طيلة تلك الأشهر.

والرحلة إلى هذه المدينة، التي كانت تستغرق ساعة تقريبا بالسيارة، انطلاقا من إحدى ضواحي دمشق وتمضي عبر أراض صخرية مسطحة رتيبة، باتت بدءا من منتصف يوليو/تموز، طريقا معذبا يتطلب أكثر من أربع ساعات، في حافلة تغادر في الصباح الباكر من ضاحية جرمانا، ذات الأغلبية الدرزية في العاصمة السورية.

لقد شهدت المنطقة، ما بين الزيارتين، شهورا من التوترات المتصاعدة والاتفاقات التي أعلن عنها قبل التراجع عنها. ثم في 12 يوليو/تموز، حلت أيام من الدماء، وامتلأت الشوارع بالجثث، عقب الأنشطة الإجرامية والعنف المتبادل بين الدروز والبدو، وسادت حالة من الذعر المشوش على الإنترنت وخارجه.

وعلى الرغم من الاعتقاد بأن المئات قد قتلوا، فإن قلة عدد الصحافيين المحترفين، الذين سمح لهم بالدخول بعد بدء الصراع، أدت إلى زيادة انعدام الثقة، حيث تنافست منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرون على الآراء والعواطف في جو متوتر بالأصل.

خلال موجة حر شديدة في 6 أغسطس/آب، حملت النساء أطفالهن الرضع إلى الحافلة، بينما تزاحم الشباب على أدراجها، وعندما لم يتبق مقاعد شاغرة، عاد العشرات ممن حاولوا الركوب، على الرغم مما يصفه البعض بـ"حصار" المدينة، وإن كان ذلك غير دقيق تماما، لأن تدفق المساعدات والأفراد استمر على الرغم من صعوبة ذلك التدفق وطول الوقت الذي يستغرقه.

كل عمليات القتل وتدمير الممتلكات، التي وقعت على نطاق واسع في النصف الثاني من يوليو، لم توثق أو يُحقق فيها على نحو مناسب

وفي رحلة العودة إلى العاصمة، ولعدم توفر مقعد شاغر، جلست مراسلة "المجلة" أيضا على درجات مدخل الحافلة، بالقرب من السائق الذي كان ينقع منشفة في الماء مرارا ويبلل وجهه في محاولة للحفاظ على شيء من البرودة تكفيه للتركيز على الطريق.

تجنبت الحافلة المرور عبر المناطق الغربية من محافظة السويداء وابتعدت عنها، سواء في طريقها من وإلى عاصمة المحافظة، التي لا تزال غير مستقرة بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع الاشتباكات العنيفة.

المجلة/ تصوير: تشيلي كيتلسون
مقام "عين زمان" وسط السويداء

بعد أن عبرت الحافلة محافظة درعا، التي تفصل بين السويداء والأراضي الخاضعة لإسرائيل، واقترابها من الحدود الجنوبية لسوريا مع الأردن عبر طريقها الدائري، توجهت بنا إلى نقاط التفتيش الجنوبية قرب بصرى الشام، حيث أجرت قوات الأمن العام السورية تفتيشا سريعا، ولم تجر الميليشيا الدرزية المحلية أي تفتيش تقريبا على نقاط تفتيشها. إلا أن مسلحين دروزا أنزلوا مراسلة "المجلة" من الحافلة في طريق العودة، وأمروها أن تظهر الصور التي التقطتها خلال زيارتها. وبعد أن اطمأنوا إلى أن الصور هي صور لتدمير الممتلكات، طلبوا منها أن "تعمل على نشرها" ثم أخلوا سبيلها.

كل عمليات القتل وتدمير الممتلكات، التي وقعت على نطاق واسع في النصف الثاني من يوليو/تموز، لم توثق أو يُحقق فيها على نحو مناسب، إلا أنها أثرت على صورة الحكومة الجديدة في نظر الغرب إلى حد كبير. كما أن السوريين منقسمون، ويجدون أنفسهم في الغالب بلا وسائل إعلام مهنية موثوقة يلجأون إليها، حيث أصبحت وسائل الإعلام التي يعدونها مستقلة، نادرة للغاية.

 في حافلة العودة من السويداء، صعد صحافي سوري وسأل هل يرغب أحد في إجراء مقابلة. بعد أن أخبر أحد الركاب بأنه مراسل "تلفزيون سوريا"، ساد الصمت حتى بين الراغبين في التحدث إلى مراسلة "المجلة" غير السورية.

وعلى الرغم من أن الأقلية الدرزية تشكل 3 في المئة أو أقل من عدد السكان، فقد حظيت طيلة فترة طويلة بتغطية إعلامية كبيرة من وسائل الإعلام الغربية، بسبب قلق هذا الإعلام من التداعيات المحتملة على الأقليات في البلاد بعد سقوط الأسد.

ادعت إسرائيل أنها تحمي الطائفة الدرزية، على الرغم من أن الكثير من أفراد الطائفة يرفضون بشدة الحاجة إلى مثل هذه "الحماية" الأجنبية أو فائدتها

في الأيام الأولى للمعارك بين الميليشيات الدرزية وفصائل البدو المحلية، وبينما كانت القوات الحكومية تتقدم نحو السويداء، قصفت إسرائيل، في ساعة مبكرة من صباح 16 يوليو، وسط دمشق، بما في ذلك مباني وزارة الدفاع المتاخمة لساحة الأمويين الشهيرة، التي تقع بالتحديد بين اثنين من أشهر الفنادق الفاخرة في البلاد.

وقد ادعت إسرائيل أنها تحمي الطائفة الدرزية، على الرغم من أن الكثير من أفراد الطائفة يرفضون بشدة الحاجة إلى مثل هذه "الحماية" الأجنبية أو فائدتها.

يواجه حطام أحد المباني المطلة على الساحة الآن، الحشود السورية التي تمر به يوميا، كتذكير دائم بأن البلاد يمكن أن يدمرها بسهولة جار قريب إلى حد الإزعاج، جار ينظر إليه أيضا على أنه الداعم الرئيس للقوات التي يقودها حكمت الهجري، أحد كبار شيوخ الدروز في السويداء.

التضليل وتشكيل لجنة للتحقيق في الوفيات

لا يزال الجدل الحاد يدور حول ما حدث في 16 يوليو في السويداء، عندما دخلت القوات الحكومية لفترة وجيزة هذه المدينة، التي كانت خارج سيطرة الحكومة منذ الإطاحة بنظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول، كما لا يزال الجدل الحاد يدور أيضا حول ما حدث بالضبط في أحد مستشفياتها. فقد نشر مقطع فيديو في 10 أغسطس/آب، تظهر فيه القوات الحكومية كما يبدو وهي تعدم رجلا، بين الساعة الثالثة والرابعة عصرا، حسبما ورد.

وفي 10 أغسطس، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بيانا قال فيه إنه "يدين بشدة العنف المرتكب ضد المدنيين (...) ويدعو جميع الأطراف إلى الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار وضمان حماية السكان المدنيين".

وكان موقع "زمان الوصل" الإخباري السوري المستقل، قد شكك في تقرير هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في يوليو بشأن عمليات القتل في هذا المستشفى نفسه، قائلا إن "المستشفى كان قد وقع من قبل تحت سيطرة الفصائل الدرزية المسلحة قبل ساعات من وقوع المذبحة".

المجلة/ تصوير: تشيلي كيتلسون
مواطنون امام دبابة مدمرة في السويداء

إذا كان الضحايا، كما زعمت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، من سكان السويداء (مدنيين دروزا)، فلماذا دفنوا سرا في مقابر جماعية، دون جنازات أو تعازي أو حتى أسماء منشورة؟ (...) والحقيقة هي أن الضحايا كانوا مجهولي الهوية، وكثير منهم على الأرجح هم من البدو أو عناصر الأمن الذين أعدموا أثناء الحصار، وحسب تحقيق أجرته صحيفة "زمان الوصل" بتاريخ 24 يوليو، "لقد دُفن ما لا يقل عن 134 جثة في تلال متعددة، باستخدام أساليب مماثلة على نحو مقلق لعمليات الدفن الجماعي التي اتبعها نظام [الأسد] السابق، في كل من نجها والقطيفة: دفن متعدد الطبقات، دون أسماء، دون توثيق، دون إشراف طبي أو قانوني".

كما أن الإشارة إلى ارتباط الميليشيات الدرزية بالنظام السابق، باتت أكثر تواترا في الأسابيع الأخيرة، وعلى الأخص بعد أن عيّن الهجري عددا من الضباط من ذوي الرتب العالية في قوات الأسد، في مناصب رئيسة ضمن قواته المحلية.

في هذه الأثناء، أشار موقع للتأكد من الحقائق (آي أكد فاكتس) في 26 يوليو، إلى أنه بحلول نهاية اليوم السابق للإعدام المفترض، الذي ظهر في فيديو 16 يوليو، "بدا أن الفصائل الدرزية قد فرضت سيطرتها الكاملة على شارع المستشفى الوطني"، وأنه "في الكثير من مقاطع الفيديو التي سجلوها بأنفسهم، تحدث المقاتلون علانية عن تطويق قوات الأمن العام داخل المستشفى وأطلقوا تهديدات صريحة بالقضاء عليهم".

وقد عينت وزارة العدل السورية في 31 يوليو، لجنة مكونة من سبعة أعضاء، بينهم الكثير من الخبراء القانونيين ذوي الخبرة العالية، للتحقيق في أعمال العنف في السويداء، مع تحديد مهلة ثلاثة أشهر لتقديم تقريرها إلى الحكومة عن نتائج التحقيق.

   خلال رحلة مراسلة "المجلة" إلى المدينة، شاهدت عشرات الشاحنات المحملة بالمساعدات تنتظر التفتيش على طول الطريق

أدلة على الحرق والنهب

خلال رحلة مراسلة "المجلة" إلى المدينة، شاهدت عشرات الشاحنات المحملة بالمساعدات تنتظر التفتيش على طول الطريق. بعضها يحمل شعار برنامج الغذاء العالمي، بينما حمل بعضها الآخر شعار الهلال الأحمر.

عند دخولها إلى المدينة، كان شطر المدينة القريب من محطة الحافلات، يعج بالحركة على الرغم من أن المحلات التجارية في معظم الشوارع كانت مغلقة.

في جزء واحد على الأقل من غرب المدينة، احترقت منازل كثيرة بوضوح. وبينما كانت مراسلة "المجلة" تتجول في هذه المنطقة، أخبرها رجل مسن أنه طبيب أسنان، وقال إن "رجالا قدموا إلى باب بيتي، ففتحته ظنا مني أنهم من قوات الأمن. ظننت أنهم هنا لحمايتي. لكنهم كانوا عصابات تكفيرية، كما زعم. "أخذ الرجال المال والذهب من زوجتي وزوجة ابني. قالوا لي إنهم سيقتلونني أو يقتلون ابني. لكنهم وافقوا في النهاية على أخذ سيارتي وتركونا وشأننا".

وأضاف: "حدث هذا في مئات المنازل. نهبوا المنازل وأضرموا فيها النار. اختطفوا بعض العائلات وقتلوا أفرادها في الساحات، ثم قطعوا رؤوسهم".

تفيد تقارير متعددة أن عمليات إعدام نفذها كل من المسلحين الدروز والقوات العشائرية أو الحكومية، سواء في المدينة أو في القرى المحيطة بها.

المجلة/ تصوير: تشيلي كيتلسون
دروز في منزل قرب صورة جدارية

التقت مراسلة "المجلة" في أثناء تفقدها المباني المحترقة في الجزء الغربي من المدينة في 6 أغسطس، التقت بأسعد ناصر (55 عاما) وهو مدرب على قيادة السيارات، أرانا منزله والأضرار التي لحقت به على يد من ادعى أنهم "من القوات الحكومية أو أشخاص يرتدون ملابس مشابهة للقوات الحكومية".

"جاءوا إلى منزلنا، وحطموا أثاثنا. في اليوم التالي عدنا إليه ونظفنا المكان، لكن وقع هجوم فغادرنا الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. في اليوم التالي عدنا، فوجدنا المنزل محترقا بكامله". قال ذلك وهو يرافق مراسلة "المجلة" في جولة في منزله الفخم المكون من ثلاثة طوابق، وقد أمسى متفحما وشظايا الزجاج في كل مكان.

وعلى بعد كيلومترات قليلة، رصدت المراسلة أعمدة الدخان تتصاعد على مسافة جهة الغرب، خارج حدود المدينة. فقال رجل يقف في الجوار، وهو يشير إلى حيث يتصاعد الدخان الرمادي: "هذا الجزء من الريف خارج سيطرتنا".

"ربما يحرقون المنازل أو المحاصيل"، قال ملمحا إلى قوات العشائر. "جثث كثيرة لا تزال تتعفن تحت أشعة الشمس هنا وهناك في ذلك المكان. ولكن الذهاب إليه خطير للغاية".

وفي منطقة قريبة أخرى، تحدثت المراسلة إلى أشخاص داخل مكان كان مستودعا للمساعدات الإنسانية، كما قال سكان المدينة.

"كما ترون، توجد هنا مركبات الهلال الأحمر. قصفوا هذا الجدار، فانتشرت النيران وتسببت في الدمار الذي ترونه. وضعنا سيارة محترقة هناك لتغطية الثقب في الجدار"، قال أحدهم، وأضاف بوضوح ردا على سؤال عمن أطلق الصاروخ: "لا صواريخ لدينا نحن".

"نريد الرحيل فحسب"

التقت "المجلة" بأخصائي طبي يبلغ من العمر 55 عاماً من السويداء، بعد أن أحضر عائلته إلى العاصمة.

كان في حالة توتر شديد للغاية، وأصر على عدم ذكر اسمه خلال المقابلة، رغم تطمينه بأن أخلاقيات العمل الصحافي تضمن ذلك.

قال: "بالطبع، وقعت جرائم قتل بحق أبرياء، لقد شاهدنا مقاطع الفيديو حتى لو لم نرها بأعيننا"، لكنه أوضح أن سبب مغادرته يعود إلى انعدام الماء والطعام، مضيفاً: "هناك الآن الكثير من النازحين من القرى إلى المدينة. في جميع القرى غرب السويداء، لا توجد حياة تُذكر".

وأضاف: "لا مستقبل هناك"، وكان يجيب مراراً نيابة عن زوجته حين وُجهت إليها الأسئلة، قائلاً: "ولا علاقة لنا بالسياسة. لا نعرف عنها شيئاً. نريد فقط مغادرة سوريا".

وأشار إلى أنه يشعر حالياً بأمان أكبر في دمشق مقارنة بالسويداء، لكنه ما زال متوجساً من أن بطاقة هويته التي تُظهر أنه من السويداء وأنه درزي قد تتسبب له بمشكلات في المستقبل، ولهذا يسعى لإيجاد وسيلة لمغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن.

تفيد تقارير عدة أن عمليات إعدام نفذها كل من المسلحين الدروز والقوات العشائرية أو الحكومية، سواء في المدينة أو في القرى المحيطة بها

صراعات السلطة والخطط والألم

في أواخر ديسمبر، وبعد أسابيع قليلة من سقوط نظام الأسد، رافقت "المجلة" وفداً من شيوخ العرب السنّة وشخصيات مجتمعية من شرق سوريا للقاء الشيخ حكمت الهجري في دار ضيافته الواقعة على قمة تل في قنوات شمال غرب مدينة السويداء، والشيخ الدرزي الأصغر سناً ليث البلعوس في دار ضيافته المتواضعة في كرامة.

كان واضحاً حينها أن التوترات مرشحة للتصاعد بين القبائل وبعض الفصائل الدرزية، إذ كان الطرف الأخير على تواصل ملحوظ مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي "تحتل" الأراضي الأصلية للكثير من الشخصيات القبلية الحاضرة.

وكان بانتظار الوفد، إلى جانب الهجري، باحث أجنبي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره مقرباً من "قسد"، الأمر الذي أثار قلق بعض أعضاء الوفد عند وصول القافلة. فقد طلب هؤلاء، قبل مغادرتهم دمشق، من الصحافية الوحيدة المصرح لها بمرافقتهم– وهي من "المجلة"– عدم تصوير بعض الأفراد الذين قدموا سراً من مناطق تسيطر عليها "قسد"، خشية تعرضهم للاعتقال عند عودتهم إلى شرق الفرات.

ومنذ الثامن من ديسمبر، سُجلت عشرات الاعتقالات بحق عرب محليين أعربوا عن دعمهم لحكومة دمشق، في ظل إحكام "قسد" سيطرتها على الإعلام ومنع التغطية الميدانية الكافية للمناطق الخاضعة لها.

كما ازدادت القيود الإعلامية في دمشق خلال الأشهر الأخيرة. ففي الأسبوع الأول من أغسطس، أصبح الحصول على تصريح صحافي مدته يومان لمحافظتي درعا والسويداء يتطلب أياما من الانتظار. وأعرب أعضاء من المجتمع الإغاثي الدولي، ممن كانوا في سوريا قبل سقوط نظام الأسد، عن أسفهم لتفاقم "ثقافة التصاريح" وتعقيد الإجراءات البيروقراطية في عهد الحكومة الجديدة، لأسباب غير واضحة لهم.

وفي السابع من أغسطس، أصدر الهلال الأحمر العربي السوري بياناً أعلن فيه سحب قافلة مساعدات قدمتها منظمة "ميزوبوتاميا للإغاثة والتنمية" المسجلة لدى "قسد"، بعد أن رفضت الأخيرة تفريغ المساعدات من شاحناتها لإعادة تحميلها على شاحنات الهلال الأحمر، فعادت القافلة إلى الحسكة.

وفي اليوم التالي، قال الهلال الأحمر إنه "تعرض مباشرة لإطلاق نار" خلال "استجابته الإنسانية في المنطقة الجنوبية"، مضيفاً أن "عدداً من المركبات تعرض لأضرار".

المجلة/ تصوير: تشيلي كيتلسون
مبنى محترق نتيجة الاشتباكات العنيفة في المدينة

كما شهد الثامن من أغسطس مؤتمراً في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) حضره عدد من شيوخ القبائل ورجال دين دروز وعلويون، وأثار انتقادات واسعة. فقد وجّه أحد رجال الدين الدروز الشكر لإسرائيل، فيما غادر زعيم قبلي في الصف الأمامي بعدما بدأ الهجري– الذي وصفه بـ"العميل الإسرائيلي الخائن"– بإلقاء كلمته. ولاحظ مراقبون أن "قسد"، رغم علمانيتها المعلنة، اختارت رجالا دينيين مسنين لتمثيل مجتمعاتهم.

ويتساءل البعض ما إذا كانت أعمال العنف في السويداء قد جرى التخطيط لها لإبقاء هذه المحافظة الجنوبية خارج سيطرة حكومة دمشق وضمان شعور الدروز بالخوف والحاجة إلى "حامٍ".

وقال مسؤول عراقي لـ"المجلة" مؤخراً إنه يعتقد أن إسرائيل تسعى إلى "السيطرة على الحدود السورية مع العراق" عبر "قسد" في شمال شرقي سوريا والقوات الدرزية في جنوب البلاد.

  يشعر كثير من السوريين بأن السويداء تُستخدم كأداة في لعبة نفوذ بين رجال أقوياء مرتبطين بدول أجنبية، وهو شعور يقترن بخوف الكثير من عائلات المحافظة

كما يشير آخرون إلى أن تهريب المخدرات أمر شائع في المحافظة، وأن استعادة الحكومة المركزية السيطرة عليها قد تلحق خسائر مالية كبيرة ببعض النافذين. ولا يوجد للسويداء معبر حدودي رسمي مع الأردن، لكن في 31 يوليو أعلنت السلطات الأردنية إحباط ما لا يقل عن ثلاث محاولات تهريب مخدرات من المحافظة، اثنتان منها باستخدام بالونات حمولة ثقيلة، والثالثة عبر طائرة مسيّرة.

ويشعر كثير من السوريين بأن السويداء تُستخدم كأداة في لعبة نفوذ بين رجال أقوياء مرتبطين بدول أجنبية، وهو شعور يقترن بخوف الكثير من عائلات المحافظة. ففي السادس من أغسطس، وصلت إلى جنوب دمشق حافلة تقل عائلة متعددة الأجيال تضم عدة أطفال. وما إن هرعت طفلة صغيرة لمعانقة رجل كان في انتظارهم، حتى انهمرت دموعه. النساء عانقن مراسلة "المجلة" وقبّلنها وسط دموعهن أيضاً.

كان الشعور بالارتياح واضحاً، كما عبّرت عنه عائلات أخرى تحدثت إليها "المجلة" بعد وصولها إلى دمشق: أوضاع أفضل بكثير مما كانت عليه، وإن لم تكن آمنة تماماً.

ومع ذلك، إذا فشلت دمشق في إقناع الدول الغربية بقدرتها على بسط الاستقرار على كامل الأراضي السورية والتحقيق في الانتهاكات المزعومة لقواتها، فقد تكون الأوقات العصيبة بانتظار معظم مناطق البلاد.

font change

مقالات ذات صلة