شخصيات سياسية درزية غيرت في المشهد السوري

مشاركة رئيسة في النضال الوطني

غيتي
غيتي
الشيخ سلطان الأطرش، زعيم ثورة الدروز في أكتوبر ١٩٢٥، ربما برفقة أحد أعضاء المستعمرة الأميركية

شخصيات سياسية درزية غيرت في المشهد السوري

عند دخوله دمشق إثر تحريرها من الحكم العثماني عام 1918، أعلن الأمير فيصل بن الحسين أنه سيعين المسؤولين بناء على الكفاءة، وليس على الانتماء العائلي والقبلي، أو الحزبي أو الطائفي. جاء بفارس الخوري مثلا كأول وزير للمالية، وبيوسف الحكيم وزير النافعة، أو وزير الدولة كما يُعرف اليوم، وكلاهما من أعيان المسيحيين، وعيّن رستم حيدر، وهو شيعي من بعبلك، مستشارا له، وأوكل إلى رشيد طليع– من أبناء الطائفة الدرزية– مديرية الداخلية، وعيّن الأمير عادل أرسلان، وهو درزي أيضا، نائبا للحاكم العسكري.

منذ ذلك اليوم، ظهر الكثير من الشخصيات الدرزية على مسرح الأحداث في سوريا، منهم من كان في مقدمة النضال الوطني، مثل سلطان باشا الأطرش، ومنهم من شارك في الانقلاب العسكري، مثل فضل الله أبو منصور وأمين أبو عساف، اللذين قاما بإعدام الرئيس حسني الزعيم عام 1949، أو سليم حاطوم، الذي اعتقل الرئيس أمين الحافظ عام 1955.

أول وزير درزي عرفته سوريا كان عبد الغفار باشا الأطرش، الذي سمّي وزيرا للدفاع عام 1941، بينما وصل شوكت شقير، وبعده عبد الكريم زهر الدين إلى مناصب عسكرية رفيعة، الأول رئيسا للأركان في مرحلة الخمسينات، والثاني قائدا للجيش في مرحلة الانفصال (1961-1963). وفيما يلي، تستعرض "المجلة" لمحة مختصرة عن بعض هؤلاء الدروز، الذين ارتبط اسمهم بتاريخ سوريا المعاصر:

سلطان باشا الأطرش (1891-1982)، القائد العام للثورة السورية الكبرى والشخصية الدرزية الأبرز في تاريخ سوريا الحديث. ولد في قرية القريا وخدم في الجيش العثماني، كما شارك في الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين من الشريف حسين عام 1916، ودخل دمشق مع الأمير فيصل عند تحريرها عام 1918. بعد تقسيم سوريا إلى دويلات في مطلع عهد الانتداب الفرنسي، عُرضت عليه حاكمية جبل الدروز لكنه رفض ونادى بوحدة سوريا. جاءه الثائر أدهم خنجر إلى الجبل طالبا الأمان، بعد محاولة اغتيال فاشلة قام بها ضد المندوب السامي الفرنسي هنري غورو، فأمرت فرنسا باعتقاله وقتله، كما دمرت منزل الأطرش الذي لجأ إليه في أغسطس/آب 1922.

سلطان باشا الأطرش، القائد العام للثورة السورية الكبرى والشخصية الدرزية الأبرز في تاريخ سوريا الحديث

في صيف عام 1925، أطلق سلطان باشا "الثورة السورية الكبرى" ضد الفرنسيين، التي استمرت حتى عام 1927 وشارك فيها عدد كبير من الزعماء الوطنيين، مثل عبد الرحمن الشهبندر ونسيب البكري وغيرهم. ردت فرنسا بقصف جبل الدروز مرارا وأحرقته، كما قصف دمشق في 18 أكتوبر/تشرين الأول 1925 وحكمت على الأطرش بالإعدام. لجأ إلى منطقة الأزرق إمارة شرق الأردن، ثم إلى قريات الملح في السعودية، بدعوة من الملك عبد العزيز آل سعود. صدر عفو عنه عام 1937، بعد أشهر من انتخاب هاشم الأتاسي رئيسا للجمهورية، وكاد الأطرش أن يعلن ثورة جديدة ضد الفرنسيين عندما قاموا بقصف دمشق مرة ثانية في 29 مايو/أيار 1945، لولا توصل بريطانيا إلى وقف إطلاق نار في 1 يونيو/حزيران. في عهد الاستقلال، عارض حكم أديب الشيشكلي (1953-1954)، ورفض الاعتراف بالانتخابات التي أوصلته إلى الرئاسة. بسبب مقامه الوطني الرفيع، لم يتمكن الشيشكلي من اعتقاله، لكنه ألقى القبض على نجله منصور، أحد قادة حزب "البعث". وعندما عرض على الباشا إطلاق سراح نجله مقابل تأييده للحكم، قال كلمته الشهيرة: "أنا أناضل من أجل حرية بلدي، وليس من أجل إطلاق سراح ولدي"، اعتبر رمزا جامعا لكل السوريين، بكل طوائفهم وخلفياتهم السياسية، وأحد أبطال الحركة الوطنية السورية في وجه الاستعمار الفرنسي.

أ.ف.ب
الرئيس السوري هاشم الأتاسي وزعيم الطائفة الدرزية السورية سلطان الأطرش في دمشق عام 1946

عبد الغفار باشا الأطرش (1879-1942): من زعماء الثورة السورية الكبرى، نُفي إلى فلسطين عام 1928، وبعد عودته إلى سوريا، اختاره رئيس الحكومة حسن الحكيم ليكون أول وزير درزي في سوريا، حيث تم تعيينه وزيرا للدفاع الوطني في 20 سبتمبر/أيلول 1941، عقب ضم جبل الدروز إلى الوطن الأم بشكل نهائي في منتصف الحرب العالمية الثانية. توفي الأطرش في منصبه يوم 9 مارس/آذار 1942، وخلفه الأمير حسن الأطرش.

فليكر
أمل وحسن الأطرش في صورة زفافهما

الأمير حسن الأطرش (1905-1977): من أبرز زعماء الدروز، وزوج المطربة الدرزية أسمهان، عُين محافظا على جبل الدروز في عهد الرئيس هاشم الأتاسي عام 1938، ثم وزيرا للدفاع عام 1942، خلفا لعبد الغفار الأطرش. لم يعترض القوات البريطانية التي دخلت سوريا لتحريرها من حكم فيشي الموالي لهتلر عام 1941، وقال البعض إنه مهّد الطريق أمامها وسهل مهمتها. اعتبر البعض أن تعيينه في وزارة الدفاع كان مكافأة على دعمه للمجهود الحربي البريطاني في الحرب العالمية الثانية، وأعيدت تسميته محافظا للجبل عام 1944، وكان من المعارضين للنفوذ السوفياتي في سوريا في مرحلة الاستقلال. عُين وزيرا للزراعة في حكومة صبري العسلي في 1 مارس 1954، ثم وزيرا للدولة في حكومة سعيد الغزي في 13 سبتمبر 1955.

أول وزير درزي عرفته سوريا كان عبد الغفار باشا الأطرش، الذي سمّي وزيرا للدفاع عام 1941

عادل أرسلان (1887-1954)، زعيم درزي لبناني وشقيق المفكر القومي الأمير شكيب أرسلان. كان عضوا في "مجلس المبعوثان" العثماني، عمل في نظارة الداخلية في إسطنبول، ثم انتسب إلى "جمعية العربية الفتاة" المعارضة للعثمانيين قبل الحرب العالمية الأولى. أصبح نائبا للحاكم العسكري في سوريا بعد تحريرها من الحكم التركي عام 1918، ونُفي إلى سويسرا أولا في زمن الانتداب الفرنسي، ثم إلى مصر، وبعدها إلى إمارة شرق الأردن، حيث أصبح رئيسا لديوان الأمير عبد الله بن الحسين، قبل أن يكون ملكا. التحق بالثورة السورية الكبرى فحُكم عليه بالإعدام وهرب خارج سوريا ولم يعد إليها حتى عام 1937. عُين وزيرا مفوضا في أنقرة، وكان مقربا من شكري القوتلي الذي انتُخب رئيسا عام 1943. وفي عهد القوتلي، أصبح أرسلان وزيرا للمعارف في 28 ديسمبر/كانون الأول 1946، ورئيسا بالوكالة للجامعة السورية، ونائبا لرئيس وفد سوريا الدائم إلى الأمم المتحدة. في 22  أغسطس 1948، عينه رئيس الحكومة جميل مردم بك وزيرا للصحة، قبل تسميته وزيرا للخارجية في حكومة حسني الزعيم عام 1949.

غيتي
مؤتمر فلسطين في لانكستر هاوس، سانت جيمس، لندن، وحضره الوفد البريطاني ومندوبون من سبع دول عربية، باستثناء فلسطين، بينهم عادل إرسلان.

استغرب كثيرون قبول الأمير عادل منصبا حكوميا في عهد الزعيم، بعد انقلابه على القوتلي واعتقاله. لكنه برر موقفه بالقول إنه عمل مع الزعيم لكبح جماحه، والمحافظة على مؤسسات الدولة، وحماية صديقه القوتلي من الأذى والسعي لخروجه من السجن. عارض قرار الزعيم الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، ورفض مقابلة أي مندوب إسرائيلي، فتم الاستغناء عن خدماته في 26 يونيو 1949. ترك مذكرات قيمة عن تجربته مع حسني الزعيم، نشرت في جريدة "الحياة" البيروتية، مع يوميات سياسية جُمعت وصدرت في مطلع ثمانينات القرن العشرين بعنوان "مذكرات الأمير عادل أرسلان".

الأمير حسن الأطرش من أبرز زعماء الدروز، وزوج المطربة الدرزية أسمهان، عُين محافظا على جبل الدروز في عهد الرئيس هاشم الأتاسي عام 1938

فريد زين الدين (1909-1973)، سياسي ودبلوماسي عروبي من أصول لبنانية ومتزوج من آل العظم الذين حكموا دمشق في القرن الثامن عشر. درس في الجامعة الأميركية في بيروت ونال شهادة الدكتوراه في الحقوق من جامعة السوربون، وشهادة في الاقتصاد من جامعة برلين. كان محاضرا في الجامعة الأميركية، وأحد مؤسسي "جمعية التحرير العربي" مع الأمير شكيب أرسلان، ثم من مؤسسي "عصبة العمل القومي" التي رفعت شعار "العروبة أولا" عام 1933. مثله مثل عادل أرسلان، كان قريبا من الرئيس شكري القوتلي وقد عمل في الثلاثينات سكرتيرا له، وبعد انتخاب القوتلي رئيسا سمّي عام 1945 عضوا في وفد سوريا في مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة بمدينة سان فرانسيسكو الأميركية، ثم وزيرا مفوضا في موسكو حتى عام 1951. عُين بعدها سفيرا معتمدا في الأمم المتحدة، وسفيرا في واشنطن في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور. لكنه طرد من واشنطن بسبب تأزم العلاقة بين البلدين عام 1957، وكان مؤيدا للوحدة السورية المصرية عند قيامها عام 1958 ومعارضا للانقلاب العسكري الذي أطاح بها عام 1961. وقد بقي مؤيدا لجمال عبد الناصر، وانتقل إلى لبنان بعد وصول حزب "البعث" إلى السلطة عام 1963.

ويكيبيديا
شوكت شقير – 1954

شوكت شقير (1912-1982)، ضابط درزي لبناني خدم في الجيش اللبناني أيام الانتداب الفرنسي، وفي مطلع عام 1946 عُيّن مندوبا عن هذا الجيش في اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية، ثم رئيسا لهيئة أركان جيش الإنقاذ في فلسطين عام 1948. أثناء حرب فلسطين، تعرف على رئيس أركان الجيش السوري حسني الزعيم، الذي دعاه إلى دمشق بعد تسلمه الحكم عام 1949 وعرض عليه رئاسة المكتب العسكري في القصر الجمهوري. استقال قبل شقير من الجيش اللبناني والتحق بالجيش السوري، بعد أن منحه الزعيم الجنسية السورية. عينه الرئيس أديب الشيشكلي رئيسا للأركان عام 1953، في وقت كانت الصدامات العسكرية في أوجها مع جبل الدروز، علما أن العرف السائد منذ عام 1945 كان أن يكون هذا المنصب الحساس من حصة المسلمين السنة حصرا. استفاد الشيشكلي من وجود شقير في قيادة الجيش، وكان يقول لمنتقديه إن ضابطا درزيا يشرف على العمليات العسكرية في جبل الدروز، لكي لا يقال إن مسلما سنيا من حماة (أي الشيشكلي) يقوم بقصف القرى والبلدات الدرزية.

تمرد الضباط ضد أديب الشيشكلي وشوكت شقير، ومنهم قائد المنطقة الشرقية العميد أمين أبو عسّاف، وهو ضابط درزي أيضا

تمرد الضباط ضد أديب الشيشكلي وشوكت شقير، ومنهم قائد المنطقة الشرقية العميد أمين أبو عسّاف، وهو ضابط درزي أيضا. فور إذاعة نبأ استقالة الشيشكلي في 25 فبراير/شباط 1954، أصدر شقير بيانا موجها إلى الشعب السوري، يدعو فيه إلى تجنب إثارة الفتن، وقام بدعوة رئيس البرلمان مأمون الكزبري لتسلم مقاليد الحكم، خلفا للشيشكلي. وحصل عصيان ضده، إلا أنه بقي في منصبه بعد عودة الرئيس هاشم الأتاسي إلى الحكم في 1 مارس 1954. أحيل شقير إلى التقاعد المبكر في 7 يوليو 1956، فعاد إلى لبنان ومارس العمل السياسي مع الزعيم كمال جنبلاط في "الحزب التقدمي الاشتراكي". وتعاون مع جنبلاط في الثورة ضد رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون عام 1958 وأيد الوحدة السورية المصرية وعارض انقلاب الانفصال عام 1961. تعاون مع رفاقه القدامى في سوريا على تهريب عبد الحميد سراج (مدير المخابرات السابق) من سجن المزة عام 1962، وعاد إلى سوريا مع جنبلاط لمقابلة حافظ الأسد، قبل مقتل جنبلاط عام 1977 ووفاة شوكت شقير عام 1982.

ويكيبيديا
عبد الكريم زهر الدين، عميد في الجيش السوري

عبد الكريم زهر الدين (1924-2009)، ضابط درزي من ريف السويداء، كان أحد مؤسسي الجيش السوري خاض حرب فلسطين عام 1948 ولم يشارك في الانقلابات العسكرية التي عصفت بسوريا بعد عام 1949. اختارته قيادة انقلاب الانفصال عام 1961 ليكون قائدا للجيش السوري، وفي عهده، قام قائد هذه المجموعة المقدم عبد الكريم النحلاوي بانقلاب على رئيس الجمهورية ناظم القدسي في 28 مارس 1962. رفض زهر الدين الاعتراف بهذا الانقلاب وعده تطاولا على الشرعية الدستورية. دعا إلى مؤتمر في حمص يوم 1 أبريل/نيسان، تقرر فيه عودة القدسي إلى الرئاسة وتسريح النحلاوي وأعوانه من الجيش. وفي 16 أبريل 1962 أصبح عبد الكريم زهر الدين وزيرا للدفاع في حكومة بشير العظمة، ثم في حكومة خالد العظم الأخيرة في شهر سبتمبر من العام نفسه. سرح من الجيش واعتقل عقب انقلاب "البعث" في 8 مارس 1962، وأفرج عنه في 15 ديسمبر من العام نفسه.

ويكيبيديا
النائبان البعثيان صلاح البيطار ومنصور الأطرش يصوتان في البرلمان – 1955

منصور الأطرش (1925-2006)، ابن سلطان باشا الأطرش وأحد مؤسسي حزب "البعث" مع ميشيل عفلق وصلاح البيطار عام 1947. درس في الجامعة الأميركية في بيروت وعارض حكم أديب الشيشكلي الذي قام بسجنه، انتقاما منه ومن أبيه– ومن الدروز– الذين وقفوا ضد النظام الحاكم آنذاك. بعد وصول "البعث" إلى الحكم عام 1963، أصبح عضوا في المجلس الرئاسي مع أمين الحافظ، ثم وزيرا للشؤون الاجتماعية في حكومة صلاح البيطار. أنتخب عضوا في القيادة القومية، وفي 1 سبتمبر 1965، رئيسا لمجلس قيادة الثورة في سوريا. اعتقل في أعقاب انقلاب 23 فبراير 1966، ثم أفرج عنه أثناء حرب عام 1967 وكان معارضا لحكم حافظ الأسد.

سليم حاطوم (1928-1967) ضابط بعثي، شارك في انقلاب 8 مارس 1963 وتولّى قيادة كتيبة مغاوير مسؤولة عن حماية القصر الجمهوري ومبنى التلفزيون في ساحة الأمويين، المقر الأول للاستهداف في أي انقلاب عسكري. عرف بتجاوزاته وبطشه وحبه للمطربة لودي شامية، وشارك في انقلاب 23 فبراير 1966 الذي قاده صلاح جديد ضد رئيس الدولة أمين الحافظ والآباء المؤسسين لحزب "البعث". قاد بنفسه الحملة العسكرية التي داهمت منزل أمين الحافظ واعتقلته، بعد معركة دامية، ثم بدأ بالتخطيط لانقلاب عسكري، يطيح باللواء صلاح جديد، إثر تسريح الأخير لعدد من الضباط الدروز. ذهب جديد برفقة رئيس الدولة نور الدين الأتاسي إلى مقر "البعث" في مدينة السويداء، لمعالجة الغليان في صفوف الطائفة، فدخل عليهم حاطوم بسلاحه وأمر باعتقالهم. تدخل وزير الدفاع حافظ الأسد، وهرب حاطوم إلى الأردن، ليعود بعد نكسة يونيو 1967. اعتُقل على الفور وبعد تعذيبه بالسجن، أعدم رميا بالرصاص في 24 يونيو 1967.

font change