لندن- مارتن غريفيث، خبير بريطاني لامع في شؤون الشرق الأوسط والعالم، عمل مبعوثا للأمم المتحدة في اليمن، واشتغل سرا على ملفات كثيرة، كما تسلم منصب الأمين العام المساعد للشؤون الإنسانية، ما جعله يلعب دورا مهماً في الأزمات الكبرى في العالم، ولم يتوقف عن العمل في الدبلوماسية الخلفية، قبل تسلمه المناصب الأممية أو بعد استقالته في منتصف العام الماضي.
أجرت "المجلة" حوارا موسعا مع غريفيث عن الشرق الأوسط وأزماته، بعد حرب الـ12 يوما بين إسرائيل وإيران، مع التوقف عند الملفات الرئيسة في غزة وسوريا ولبنان واليمن والعراق.
تحدث غريفيث عن فكرة "الشرق الأوسط الجديد" بعد النكسات، التي تعرضت لها إيران ووكلاؤها. وقال إن "موازين القوى تغيرت. وتوزيع النفوذ تبدّل. وإيران ووكلاءها والمجموعات المسلحة التابعة لها فقدت الكثير من قوتها ونفوذها وأصولها، بسبب الحروب التي شُنّت ضدها، وكذلك تلك التي شاركت هي في إشعالها".
وكان حديثه عن الإبادة في قطاع غزة قد أثار جدلا كبيرا، لكنه جدد- ردا على سؤال- القول: "إنها إبادة جماعية لأنها ببساطة إبادة جماعية. ما أعنيه هو أننا نشهد تدمير شعب بأكمله، وتدمير قدرته على التكاثر والاستمرار في الوجود، وتدمير وطنه وتهجيره منه، لا أعتقد أن هناك مجالا للشك في ذلك، ولهذا قلت ما قلته، هذه هي الحقيقة".
وتوغلت دبابات إسرائيلية يوم الاثنين، في الأحياء الجنوبية والشرقية من مدينة دير البلح بقطاع غزة لأول مرة منذ بدء الحرب بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في وقت أشار مسؤولو الصحة في غزة إلى احتمال حدوث "وفيات جماعية" بسبب الجوع الذي أودى بحياة 19 شخصا على الأقل منذ يوم السبت. ودعت بريطانيا وأكثر من 20 دولة أخرى، أميركا ليست بينها، إلى وقف فوري للحرب، وانتقدت نهج الحكومة الإسرائيلية في إيصال المساعدات بعد مقتل مئات الفلسطينيين بالقرب من مواقع توزيع الغذاء.
وهنا نص الحوار الذي جرى عبر تطبيق "زووم" في 10 يوليو/تموز 2025:
* بعد الحرب التي استمرت 12 يوما بين إسرائيل وإيران، كيف ترى الوضع في الشرق الأوسط الآن؟
- لست واثقا من أن المنطقة أصبحت أكثر أمنا مما كانت عليه سابقا، رغم كل الادعاءات التي سمعناها، ولا أعتقد أننا نعرف الحقيقة كاملة، إذ إن هناك مزاعم متضاربة، بشأن ما إذا كان المشروع النووي الإيراني قد تعرض لانتكاسة، أو إلى أي مدى حدث ذلك، أرى أن هناك تقاربا محتملا في المصالح لإبقاء هذا الملف غامضا وفي الظل، لأن ذلك يخدم فكرة تحقيق نصر. الولايات المتحدة وإسرائيل تميلان إلى تبني رواية الانتصار، وربما تفضل إيران بدورها الإبقاء على الغموض، لأنها لا ترغب في أن تتعرض لهجوم جديد، في حال لم تكن الضربات السابقة قد نجحت، خاصة أن البنتاغون نفسه أقر بأنها لم تحقق أهدافها، فضلا عن موقف "الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
أعتقد أننا نتعامل مع خطاب عام يتسم بالغموض الشديد، وإذا صح هذا التقدير، وأنا واثق من صحته بأشكال متعددة، فإننا أمام مشكلة حقيقية، كما تعلم جيدا، فالسياق أوسع بكثير من إيران وحدها، بل يتعلق بالمنطقة ككل، وبصراع المصالح المتضاربة بشكل عميق. بطبيعة الحال، أنا سعيد جدا بوقف الحرب، فهذا أمر محمود، لكن بالنسبة لي، ما زال الحكم معلقا.