بدأت الحرب الأهلية اللبنانية من لحظة انقسام وطني، وفقدان هوية وطنية جامعة، وانحسار أي دور لجيش وطني لا علاقة له بالسياسة، وفصل حالة الانتماء، وضعف العقد الاجتماعي في "سويسرا الشرق". لكن، بإمكان اللحظات التاريخية أن تحول الأعداء والخصوم إلى شركاء في حكم دولة واحدة في مثال "اتفاق الطائف" 1989 الذي أسدل الستار على الفصل الأخير من حرب أهلية مدمرة أرجعت لبنان للخلف عشرات السنين.
ولأن الحلول لا تتأتى نتائجها الكاملة إلا في حال تطابق كامل وتكامل متطابق بين الذات والموضوع، لذلك لم تنته المخاصمات والشراكة من وسمها بـ"المحاصصة". حلت الأزمة اللبنانية من خلال "رباعية الطائف" الذي أُقِرَ مبادئ عامة وإصلاحات سياسية محورية وقتئذ، وسيادة الدولة اللبنانية على كامل ترابه بعد إنهاء الحالة الميليشياوية والفصائلية اللبنانية وغير اللبنانية، وحل مشكلة المهجرين وتأكيد حق العودة الآمنة، وعلاقات طبيعية بين لبنان وسوريا من خلال عدة أمور منها ضمان انسحاب سوري تدريجي خلال سنتين، الانسحاب الذي صار قسريا متأخرا عن المدة الموسومة نحو خمسة عشر عاما من تاريخ الاتفاق.
ولعل الأبرز في الطائف اللبناني جاء متعلقا ببعده المعرفي من خلال نموذج حوكمة في إنضاج مصطلح "اللامركزية الإدارية الموسعة" الذي ظهر أول مرة في الفقه السياسي وتاريخ العلاقات الدولية وشكل الحكم. رغم أن لإطلالة المصطلح قصة تشبه سردية المنزلة بين المنزلتين، والسردية الجديدة المختلفة هنا ربما ستأتي بأنها نُزلت بين منزلتين: لامركزية سياسية، ولامركزية إدارية.