بعد قرار مجلس الأمن... الترقب سيد الموقف في قضية "الصحراء الغربية"

هل يحصل تفاوض بين الرباط و"البوليساريو"؟

أ.ف.ب
أ.ف.ب
مركبة للجيش المغربي تمر بجانب حطام سيارات في منطقة الكركرات بالصحراء الغربية، في 24 نوفمبر 2020.

بعد قرار مجلس الأمن... الترقب سيد الموقف في قضية "الصحراء الغربية"

بعيدا عن لغة الانتصارات الوهمية والحديث عن الإنجازات الدبلوماسية والسياسية التي تمخضت عن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797/2025 الخاص بقضية الصحراء الغربية، ينبغي الآن فهم الأبعاد الخفية والمعاني الضمنية لهذا القرار وليس فقط ما تم الترويج له إعلاميا. هذا الأمر يتطلب تحليل واستكشاف الخيارات المتاحة لدفع العملية السياسية إلى الأمام والتفكير في المخاطر والتأثيرات المحتملة في حال تجاهل حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، والأهم النظر في الدوافع والأهداف الكامنة وراء محاولة "فرض السلام بالقوة".

القراءة الدقيقة والمتأنية للقرار توحي بأن "القرار لم يأت بالجديد، بل عقد المشهد أكثر مما كان عليه

ردود الفعل المبدئية تسلط الضوء على نقطتين متناقضتين فالقرار جاء بالضد ونقيضه: فقد أشار إلى أن المقترح المغربي يمكن أن يكون "الحل الأكثر جدوى" مقابل الحق في تقرير المصير وتجديد عهدة "المينورسو" لسنة كاملة، بالإضافة إلى ضرورة العودة إلى نصوص الأمم المتحدة، وهو ما أكده وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف  في حوار مع القناة الحكومية "الجزائر الدولية"، قائلا إن "الحال اليوم بعد تبني القرار، أن البعثة الأممية لم تحل ولم تفكك ولم تكن هناك إعادة نظر في عهدتها بل إن مشروع القرار الأولي كان يتحدث عن مهلة الثلاثة أشهر للبعثة، والآن أصبحت المهلة سنة وفق تجديد عادي كما كان سابقا، كما أن المغرب لم ينجح في فرض الحكم الذاتي كحل حصري للقضية الصحراوية بل إن اللائحة النهائية تتحدث عن الحكم الذاتي، لكن مع البدائل الأخرى التي يمكن أن يطرحها الصحراويون وهي تؤكد أيضا على ضرورة استشارة الشعب الصحراوي".

قراءة متأنية حول القرار

القراءة الدقيقة والمتأنية للقرار توحي حسب المحلل السياسي والخبير في القانون الدولي إسماعيل خلف الله بأن "القرار لم يأت بالجديد، بل عقد المشهد أكثر مما كان عليه، فهو يتحدث عما يسمى الحكم الذاتي وهو الأمر المستجد في اللائحة، وفي المقابل يؤكد على الشرعية الدولية وحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، والدليل على ذلك أنه ذهب إلى تمديد بعثة المينورسو الأممية لعام كامل والتي تكمن مهمتها الأساسية في تنظيم استفتاء لتقرير المصير، وينص على الدعم الكامل للأمين العام ومبعوثه الشخصي".

أ.ف.ب
رفع علم الصحراء الغربية خلال انعقاد مؤتمر البوليساريو في مخيم الداخلة للاجئين، الذي يقع على بُعد حوالي 170 كيلومترًا جنوب شرق مدينة تندوف الجزائرية، في 13 يناير 2023

ويستحسن تسليط الضوء على نقطة أخرى وهي أن القرار غير ملزم ضمن الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة مما يجعله غير قابل للتطبيق دون الفصل في الخيار الواقعي والنهائي وهو "الحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية"، وحملت اللائحة أيضا توصيف الشعب الصحراوي والجبهة الشعبية "البوليساريو" وعليه فإن اللبس التاريخي الذي كان يراد به إقحام الجزائر قد انتهى من جهة كما تم الاعتراف رسميا بالجبهة وهو ما يعني عدم التفاعل مع التحركات التي شهدها الكونغرس الأميركي في يونيو/حزيران الماضي من خلال تقديم مشروع قانون يقضي بتصنيف جبهة البوليساريو بوصفها "منظمة إرهابية"، ويقول الدكتور أحمد مونيس، أستاذ الفلسفة السياسية المعاصرة إن "القرار الأممي لم يلزم الجزائر بالدخول في التفاوض، بعدما أرادوا الزج بها في القضية وهي اليوم بيد الطرفين: جبهة البوليساريو والمغرب، أي إن الطرف المغربي سيتفاوض وجها لوجه وبتأطير أممي".

القرار 2797 يمثل دفعة جديدة من الطاقة الدولية والإرادة السياسية لحل النزاع المستمر منذ خمسين عاما، وهو يقدم إطارا واضحا للمفاوضات لكنه لا يفرض نتيجة مسبقة

ويمكن اعتبار تصريحات كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية مسعد بولس وستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية على أنها إشارة سياسية بالغة الدلالة في مسار النزاع، فكلاهما أكدا على أن "حل النزاع في الصحراء الغربية يجب أن يستند إلى حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره". وتوحي هذه التصريحات حسب مولود مبارك فلوتي، عضو مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري) بوجود "قراءة جديدة داخل الأوساط الأميركية وربما تحول تدريجي عن الموقف الأحادي الذي طبع نهاية ولاية دونالد ترمب الأولى بعد اعترافه بسيادة المغرب على الإقليم، كما أن حديث بولس عن أن مقترح الحكم الذاتي ما هو إلا مقترح تفاوضي يعيد النقاش إلى طاولة الأمم المتحدة، ويمنح المبعوث الشخصي دي ميستورا هامشا أوسع لإحياء المفاوضات بما يتماشى  والشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة".

وفي ظل محاولة التوفيق بين "الواقعية السياسية" و"الشرعية الدولية" ودون الحسم في الخيار النهائي والوحيد تثار الكثير من التساؤلات المحورية حول السيناريوهات المرتقبة والآفاق المستقبلية للمنطقة. 

سيناريوهات ما بعد قرار مجلس الأمن

"المجلة" نقلت هذه التساؤلات إلى الأساتذة والباحثين الجزائريين في المجالات القانونية والسياسية، فجاءت تصريحاتهم على النحو التالي:

رويترز
طفل لاجئ صحراوي ينتظر والدته للذهاب إلى المدرسة، في مخيم السمارة للاجئين الصحراويين، في تندوف، الجزائر، 4 ديسمبر 2023.

يقول المحلل السياسي أحسن خلاص إن "المنطقة تتجه نحو سيناريوهين لا ثالث لهما، الأول الاستقلال، لا سيما وأن حق تقرير المصير هو حق مقدس وثابت للشعب الصحراوي ولا يقبل إطلاقا المساومة. والثاني تحديد دقيق لمفهوم الحكم الذاتي والذي لا يمكن أن يتأتى إلا عن طريق الاستفتاء وهو ما أكده ستيفان دي ميستورا، في الإحاطة الافتراضية القصيرة التي قدمها للصحافيين من بروكسل. حيث قال إن "القرار 2797 يمثل دفعة جديدة من الطاقة الدولية والإرادة السياسية لحل النزاع المستمر منذ خمسين عاما، وهو يقدم إطارا واضحا للمفاوضات لكنه لا يفرض نتيجة مسبقة". ويشرح المتحدث تصوره للسيناريو الثاني قائلا إن "الفرضية المتوقعة أن يطرح السؤال التالي في الاستفتاء: هل تقبل بالحكم الذاتي أم الاستقلال التام؟ لأن الحكم الذاتي فقد الحصرية في القرار خاصة أنه تم تجديد ولاية بعثة المينورسو وفق قرارات الأمم المتحدة".

اللافت للنظر أن المفاوضات تكتسب إيجابيات عديدة، منها استعادة القضية الصحراوية حضورها وألقها وزخمها بعد محاولات عديدة لجعلها طي النسيان

ويحاول أستاذ الفلسفة السياسية الدكتور أحمد مونيس تأطير ما سيحدث بالقول إنه "بحسب التطبيق الميداني لقرار مجلس الأمن 2797 الصادر يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول فإن المغرب ملزم بالتفاوض مع جبهة البوليساريو بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول لطرفي النزاع، لكن هذا السيناريو يتطلب وقتا طويلا وجهدا دبلوماسيا معقدا بسبب طبيعة المواقف المختلفة والتحديات الكبيرة في التوصل إلى اتفاق، لكن اللافت للنظر أن هذه المفاوضات تكتسب إيجابيات عديدة، منها استعادة القضية الصحراوية حضورها وألقها وزخمها بعد محاولات عديدة لجعلها طي النسيان".

ووفق عبد الرفيق كشوط، أستاذ محاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة محمد الصديق بن يحيى (جيجل) فهناك أربعة سيناريوهات ترسم الأفق اليوم.

السيناريو الأول: مباشرة مفاوضات جادة بين الطرفين في أسرع وقت ممكن وهو ما تراهن عليه الأمم المتحدة كراعٍ لعملية السلام.

السيناريو الثاني: أن تتمكن بعثة المينورسو من التحضير الجيد لعملية الاستفتاء حول تقرير المصير وهو المأمول اليوم.

السيناريو الثالث، أن تبقى الأوضاع على حالها أي لن يتم تنظيم الاستفتاء وسيتم التمديد لبعثة المينورسو مجددا وهو السيناريو المرجح حاليا. أما السيناريو الرابع وهو التوجه نحو العمل المسلح، وهو الخيار المستبعد حاليا بالنظر إلى الظروف التي تمر بها المنطقة وعزم جميع الأطراف على الإبقاء على الأوضاع مستقرة وعدم الزج بالمنطقة في حالة الفوضى وهو ما لا تريده كثير من الدول المجاورة ومنها الجزائر.

المؤكد اليوم أنه وفي ظل اختلاف المواقف الإقليمية والدولية من قضية الصحراء الغربية حسب المصالح والأهداف سيبقى الوضع مفتوحا على عدة احتمالات وسيناريوهات بينما سيبقى الترقب سيد الموقف.

font change