بعد نصف قرن من النزاع... أي مستقبل للصحراء الغربية؟

أ.ف.ب
أ.ف.ب
لاجئون صحراويون في مخيم أوسرد للاجئين الصحراويين على مشارف تندوف، جنوب غرب الجزائر، في 18 أكتوبر 2017

بعد نصف قرن من النزاع... أي مستقبل للصحراء الغربية؟

مفاجآت كثيرة شهدها ملف الصحراء الغربية الذي يوشك على إتمام نصف قرن، آخرها إعلان بريطانيا دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء الغربية لتصبح بذلك ثاني دولة دائمة العضوية داخل مجلس الأمن، فهي ترى أن "المقترح الذي تقدم به المغرب هو الأساس الأكثر مصداقية وواقعية لحسم الصراع المستمر حاليا منذ نصف قرن تقريبا"، ويعتبر هذا الإعلان تحولا لافتا في موقف المملكة المتحدة، حيث كانت وإلى غاية بداية يونيو/حزيران الماضي تؤيد جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى "حل سياسي يضمن للشعب الصحراوي تقرير المصير".

وأمام هذه المعطيات الجديدة تطفو على السطح أسئلة ملحة يجب الإجابة عليها لتحديد سيناريوهات الحل. السؤال الأول: كيف يُقرأ الموقف الأميركي والبريطاني من أقدم نزاع في القارة السمراء؟

والسؤال المهم الآخر: ما السيناريوهات التي يمكن أن يشهدها واقع المنطقة مستقبلا؟ وأيضا كيف سيتم كسر الجمود الحالي؟

مستشار الرئيس الأميركي: إعلان ديسمبر 2020، منح السيادة للمغرب، غير أنه تضمن كلاما مهماً يتعلق بالحوار والتوصل لحل مرضٍ لجميع الفرقاء، فلم يكن إعلانا مطلقا بشكل مقفل

وفي انتظار أن تبرز عوامل جديدة تضمن للشعب الصحراوي حقه في تقرير مصيره عن طريق استفتاء شعبي، يلوح في الأفق أمل، إذ تدفع عدة قراءات إلى أن الموقف السياسي الأميركي من هذا الصراع ليس نهائيا وهنا يمكن الإشارة إلى تصريحات مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط في أبريل/نيسان الماضي، والتي قدم فيها قراءة ضمنية لإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيادة المغرب على الصحراء الغربية، وقال: "لو رجعنا إلى ذلك الإعلان في ديسمبر/كانون الأول 2020، صحيح أنه منح السيادة للمغرب، غير أنه تضمن كلاما مهماً يتعلق بالحوار والتوصل لحل مرضٍ لجميع الفرقاء، فلم يكن إعلانا مطلقا بشكل مقفل، بل ترك الباب مفتوحا للحوار للتوصل لحل يرضي الطرفين"، ولفت مستشار الرئيس الأميركي إلى أهمية "التوصل إلى حل نهائي يراعي أوضاع اللاجئين الصحراويين"، مشيرا إلى أن "الصحراء الغربية ملف مهم جدا عمره 50 عاما"، وقال بولس الذي كان يتحدث باللغة العربية: "يهمنا الحل النهائي للصحراويين، لا ننسى أن هناك 200 ألف صحراوي لاجئ يعيشون في الجزائر".

أ.ف.ب
الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي يُحيي طلابًا عسكريين قبيل انعقاد مؤتمر للبوليساريو في مخيم الداخلة للاجئين، في 13 يناير 2023

وسوف نجد تقاطعا كبيرا بين تصريحات مسعد بولس وما حملته مقابلة جون بولتون (وهو مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق والسفير السابق في الأمم المتحدة ومساعد جيمس بيكر السابق في بعثة "المينورسو"، ثلاث مرات حول قضية الصحراء الغربية) مع جريدة  "Independiente" (إندبندنتي) الإسبانية، نشرت في موقعها الإلكتروني يوم 6 يوليو/تموز 2025، وفيها مرر رسالتين غاية في الأهمية: الأولى توقع فيها تغيير ترمب لموقفه من المشروع المغربي للحكم الذاتي وإمكانية دعمه لاستفتاء حر لتقرير مصير سكان الصحراء، والثانية يجزم فيها بعدم تمرير مشروع تصنيف البوليساريو كحركة إرهابية في مجلسي الشيوخ والنواب".

وحول سؤال: "يوشك نزاع الصحراء الغربية على إتمام نصف قرن، ما هي وصفتك لحله؟"، عاد بولتون للحديث عن الحلول التي جربت سابقا والسياق الإقليمي المتغير، واستحضر "اتفاقيات هيوستن التي وقعت عام 1997، والتي التزم فيها المغرب بإجراء استفتاء، غير أنه لم ينظم رغم أنه كان من الممكن جدا تنظيم الاستفتاء بسهولة بعد أن اتفق الجميع على أن الأساس هو الإحصاء الإسباني لعام 1975 الذي شمل ما بين 75 و80 ألف شخص فقط، ولم يكن الأمر صعبا".

تأييد مقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء الغربية يضع الدول المعترفة في حرج قانوني وسياسي

وفي رده على سؤال آخر حول اعتراف الرئيس ترمب في ولايته الرئاسية الأولى بسيادة "المغرب على الأقليم"، يجزم الدبلوماسي السابق وأحد صقور الحزب الجمهوري في جوابه أن "الحل الوحيد هو إجراء استفتاء"، ويتابع قائلا: "صحيح أن السياق الإقليمي أصبح أكثر تعقيدا لا سيما في ظل التوترات بين المغرب والجزائر لكن اللاجئين الصحراويين لا زالوا في مخيمات تندوف ويأملون في العودة إلى ديارهم ولا أحد يخالف هذا الحق"، وينتهي المتحدث في إجابته بطرح السؤال التالي: "لكن تحت سيادة من؟ ويتولى الإجابة بنفسه بشكل قطعي: لا أظن أن هذا سؤال صعب".

أ.ف.ب
مخيم الداخلة للاجئين الصحراويين، على بُعد 170 كيلومترًا جنوب شرق مدينة تندوف الجزائرية، في إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه، في 8 يوليو 2016

قراءة متوافقة أخرى يقدمها لنا جدو فؤاد أستاذ وباحث بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة محمد خيضر (بسكرة) المتخصص في السياسة الخارجية والدراسات الأمنية، ويقول في حديث لـ"المجلة" إن "تأييد مقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء الغربية يضع الدول المعترفة في حرج قانوني وسياسي لا سيما وأن نظر اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار في مسألة الصحراء الغربية لا زال مستمرا  وفقا لقرار الجمعية العامة التي تحمل رقم 1514 الصادر بتاريخ 1960".

تساؤلات حول مصير الاستفتاء

يضاف إلى ذلك وفق المتحدث "استمرار وجود بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية والتي تعرف اختصارا باسم (مينورسو) وأيضا إقرار المبعوثين الأمميين بفشل مسار الاستفتاء بسبب صعوبة الفصل في هوية أصحاب الأرض"، وينتهي المتحدث بطرح السؤال التالي: "ما مصير الاستفتاء المطروح لتقرير مصير سكان الصحراء الغربية؟ وما هو مصير البعثة الأممية الموجودة في المنطقة؟".

بصفة عامة يتمثل الهدف الأساسي للاستراتيجية في ضمان عدم وجود تكتلات فاعلة في المناطق ذات الأهمية. لأن "هذه التكتلات تشكل تهديدا للهيمنة الأميركية"

في مقابل ذلك، يرى طرف ثانٍ من المتتبعين، أن موقف الإدارة الأميركية والدول الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي لا يخرج عن الاستراتيجية العامة الغربية عموما والأميركية المسماة "low intensity conflict" ومن روادها- بحسب محمد زناسني، وهو باحث جزائري متخصص في الدراسات الاستراتيجية والأمنية- هنري كيسنجر السياسي والدبلوماسي الأميركي، وزبيغنيو بريجينسكي (المفكر الاستراتيجي ومستشار للأمن القومي لدى الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر بين عامي 1977 و1981)، وهناك أيضا من رواد الاستشراف جورج فريدمان (الكاتب والمؤلف الجيوسياسي في العلاقات الدولية).

أ.ف.ب
نقطة تفتيش خارج مخيم الداخلة للاجئين في الصحراء الغربية، في 14 يناير 2023

وبصفة عامة يتمثل الهدف الأساسي للاستراتيجية في ضمان عدم وجود تكتلات فاعلة في المناطق ذات الأهمية... لكن لماذا؟ يجيب محمد زناسني: "هذه التكتلات تشكل تهديدا للهيمنة الأميركية وقد عبّر هنري كيسنجر عن هذا الطرح بقوله: ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تحل الخلافات في العالم بل الإمساك بخيوط الخلافات وإدارتها حسب المصلحة القومية الأميركية".

وعليه، سيبقى الوضع السياسي في المنطقة مفتوحا على عدة احتمالات، وتبقى الأنظار متجهة إلى الزيارة التي سيقوم بها مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط قريبا إلى كل من الجزائر والمغرب لبحث ملف الصحراء الغربية.

font change