يلعب الخليج العربي دورا محوريا في أسواق الطاقة العالمية، ليس بصفته مجرد مورّد مرن للنفط يستطيع التأثير في المعروض من هذه السلعة، بل بوصفه قوة كبرى في قطاع الغاز. ومع تحقق زيادات في الإنتاج، وعقد شراكات استراتيجية طويلة الأجل، وضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية الخاصة بالغاز الطبيعي المسال وتقنيات الحد من الانبعاثات الكربونية، تتهيأ دول الخليج، لتصبح حجر زاوية في أمن الطاقة وذلك في عالم يمر بمرحلة انتقالية.
تقترب منطقة الشرق الأوسط من أن تصير نقطة تحول استراتيجي حاسمة في قطاع الطاقة، ووفق أحدث تقديرات شركة "ريستاد إينرجي"، يُتوقَّع أن يتجاوز الشرق الأوسط قارة آسيا عام 2025 ليصبح ثاني أكثر مناطق العالم إنتاجا للغاز بعد أميركا الشمالية مباشرة. من المنتظر أن يبلغ إنتاج المنطقة نحو 70 مليار قدم مكعب يوميا، مقارنة بـ68,2 مليار قدم مكعب تنتجها آسيا.
لا يقتصر الأمر على حجم الإنتاج فحسب، بل هو أيضا انعكاس لتوجه أكثر وضوحا لدى المنتجين في الخليج العربي نحو تعزيز الاستفادة من مواردهم الهيدروكربونية إلى أقصى حد، بما يحدد مكانتهم ليس فقط كمورّدين مرنين للنفط، بل كذلك كأطراف فاعلة لا يمكن الاستغناء عنها على نحو متزايد في منظومة أمن الغاز العالمية.
الغاز ورهانات الخليج
تقود هذا التحول كل من المملكة العربية السعودية ودولتي قطر والإمارات العربية المتحدة، ولكل دولة منها مسارها الخاص لتعزيز قيمة احتياطيات الغاز إلى أقصى حد، وتوسيع قدراتها على صعيد الغاز الطبيعي المسال، وتأمين عقود تصدير بعيدة الأجل. ليست هذه الطموحات تجارية بحتة، بل هي أيضا جيوسياسية، ومدروسة في عالم مضطرب عادت فيه مسألة أمن الطاقة عنصرا رئيسا في العلاقات الدولية.