قطر في مواجهة متغيرات مشهد الطاقة العالمي

جهود تنويع الاقتصاد القطري واضحة... وحاجة لمساهمة المواطن في نظام ضريبي منصف

قطر في مواجهة متغيرات مشهد الطاقة العالمي

برزت قطر في الأخبار أخيرا بعد الاعتداء الصاروخي الايراني على قاعدة العديد الجوية، لكن الأضرار جاءت مادية وطفيفة ولم تنجم عنها اصابات بشرية. على الرغم من العلاقات السياسية والاقتصادية الجيدة بين إيران وقطر، فإن ذلك لم يعف قطر من العدوان الايراني. تتشارك قطر وإيران ملكية أكبر حقل غاز في العالم الواقع على الحدود البحرية للبلدين. تملك قطر 13 في المئة من احتياطات الغاز المعلومة في العالم وهي تنتج 650 مليون متر مكعب من الغاز يوميا من الجزء المخصص لها في هذا الحقل، في حين تنتج إيران 430 مليون متر مكعب يوميا من الجزء الآخر من الحقل الغازي.

وتوجد اتفاقات اقتصادية بين البلدين في ميادين متنوعة، منها النقل البحري والتجارة البينية. سياسيا، كانت قطر حتى وقت قريب من البلدان الأكثر تفهما للمواقف الايرانية ولخلافات إيران مع بلدان المنطقة والولايات المتحدة، ولعبت دور الوسيط لمعالجة خلافات إيران مع بلدان الخليج وبلدان عربية أخرى. لا شك أن قطر، بالرغم من حجمها الجغرافي ومحدودية قاعدة السكان الوطنية، امتلكت كفاءة ديبلوماسية وحضورا دوليا متميزين، وهي بإمكاناتها الاقتصادية عززت مساهماتها السياسية في منطقة الشرق الأوسط.

اقتصاد قطر بالأرقام

قدر البنك الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي لقطر بلغ 227.5 مليار دولار في عام 2023 وبلغ متوسط دخل الفرد 77 ألف دولار سنويا، ويقارب عدد السكان ثلاثة ملايين نسمة. يعتمد الاقتصاد القطري على إنتاج وتصدير النفط والغاز الطبيعي. بلغت صادرات قطر من الغاز المسال والنفط والأسمدة والحديد في عام 2023 ما يقارب 129 مليار دولار. تتجه الصادرات القطرية الى اليابان وكوريا الجنوبية والهند والصين التي مثلت أهم الشركاء التجاريين لقطر من حيث الصادرات وبنسبة 59.7 في المئة من قيمة الصادرات. كما أن دول الاتحاد الأوروبي تمثل 7.6 في المئة من قيمة الصادرات القطرية، وتأتي بعد ذلك دول أخرى مثل سنغافورة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بنسب أقل ومتفاوتة.

تواجه السياحة في قطر منافسة من دول الخليج الأخرى، خصوصا الإمارات التي تنتعش فيها السياحة وازدادت أعداد الزوار خلال السنوات الماضية

تعتمد قطر على التجارة البحرية التي تمر من خلال مضيق هرمز، بما ينطوي عليه أهمية هذا الممر المائي من أهمية لتجارة البلاد وضرورة ابعاده عن التوترات الاقليمية والممارسات غير الحكيمة التي قد تبدر من إيران، مثلما توقع عدد من المراقبين أثناء الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران. وربما تتمكن قطر في المستقبل من ترشيد العلاقات بين إيران وبلدان الخليج بما يخدم المصالح الاقتصادية لكل بلدان المنطقة واستقرار اقتصاديات الطاقة في العالم. هناك أهمية لاستتباب الأمن في منطقة الخليج العربي وتطور علاقات إيجابية وعادلة بين قطر ودول الخليج الأخرى من جهة وإيران من جهة أخرى.

نقلة نوعية بعد كأس العالم 2022

يذكر تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في 11 فبراير/ شباط، 2025 أن قطر استفادت من تنظيم مسابقة كأس العالم في عام 2022 حيث طورت البنية التحتية وحسنت وسائط الانتقال وعززت الخدمات السياحية. قدر الصندوق أن معدل النمو الاقتصادي في عام 2025 سيكون 2 في المئة. كما أن الاستثمارات العمومية قد ترفع معدل النمو في الأجل الوسيط إلى 4 في المئة. لا شك أن الزيادة في إنتاج الغاز المسال وتصديره ستساهم في تحسين معدل النمو خلال السنوات المقبلة.

رويترز
لوحة تحمل شعار كأس العالم 2022، خلال فعاليات البطولة في قطر، 13 ديسمبر 2022

يضاف إلى ذلك أن جهود تنويع الاقتصاد القطري أصبحت واضحة، وهناك سعي لتحسين مساهمة القطاعات غير النفطية (Non-Hydrocarbon) من خلال استثمارات كبيرة. تشمل هذه القطاعات السياحة والتعليم والخدمات العلاجية. ويمثل تطوير القطاعات غير النفطية في قطر تحديات للحكومة والقطاع الخاص. وتمتلك الحكومة أموالا طائلة ويمكنها توظيفها في القطاعات المذكورة وتحسين مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي. ويملك الصندوق السيادي القطري اصولا تبلغ قيمتها 526 مليار دولار في نهاية عام 2024. وتدير هذه الاصول هيئة قطر للاستثمار التي يمكنها أن توظف الأموال داخل قطر في القطاعات المختلفة من أجل تحسين معدلات النمو الاقتصادي في البلاد.

منافسة سياحية من دول المنطقة

تمثلت التحديات التي واجهت الاقتصاد القطري خلال السنوات الماضية في الاعتماد الكبير على اقتصاد الهيدوكربون والتحولات في اقتصاديات الطاقة، مثل ارتفاع انتاج العديد من الدول من النفط والغاز وتراجع الطلب في العديد من الدول المستهلكة. لكن هناك تحديات تتعلق بالأنشطة الأخرى. إذ تواجه السياحة في قطر منافسة من دول الخليج الأخرى، خصوصا الإمارات التي انتعشت فيها السياحة وازدادت أعداد الزوار خلال السنوات الماضية. تضاف إلى ذلك طبيعة المناخ في البلاد وارتفاع درجات الحرارة، وهذا أيضا ينطبق على الامارات والسعودية والبحرين. لكن البيانات الرسمية المتعلقة بقطاع الضيافة أو السياحة تشير إلى أن البلاد استقبلت 5 ملايين زائر في عام 2024 محققة نموا بنسبة 25 في المئة عن عام 2023، كما تؤكد بيانات هيئة السياحة القطرية.

يجب أن يحدد التعليم في قطر، وإن قطع شوطاً في التطور، المؤهلات المناسبة للشباب والشابات، ويعزز ملامح اقتصاد المعرفة من أجل تطوير الاقتصاد بالسواعد القطرية

يضاف إلى ذلك أن التحسن في خدمات المطار بعد توسعته جعل من الدوحة ممرا مهما في هذه المنطقة من العالم. كما أن الطيران القطري Qatar Airways تبوأ مركزا في ترتيب شركات الطيران في العالم بل يأتي في المركز الأول. ويعكس هذا التطور في الخدمات الجوية والطيران المدني مدى اهتمام الحكومة القطرية في جعل البلاد مركزا للضيافة وممرا في منطقة الخليج العربي.

تحديات الديموغرافيا

يبلغ عدد السكان الإجمالي في قطر نحوا من 3 ملايين نسمة. يمثل الوافدون الأجانب غالبية السكان في حين يبلغ عدد المواطنين القطريين 360 ألفا، أي 12 في المئة من السكان في البلاد. تقدر السن الوسيطة بـ 33.5 عاما، أي أن نصف السكان تقل أعمارهم عن تلك السن. أما معدل الخصوبة فيقدر بـ 1.7 طفل للمرأة في سن الانجاب، كما أن معدل سنوات الحياة " Life Expectancy " مرتفع، 82.7 عاما، بما يعني الاهتمام بالرعاية الصحية وتوفير أفضل العلاجات لكبار السن. بيد أن السؤال المهم في هذا الشأن هو كيف يمكن قطر أن تتوسع في أنشطتها الاقتصادية وتنوع القاعدة اعتمادا على الوافدين دون مشاركة حقيقية من المواطنين الذين لا بد أن يكون لهم دور مهم ومتميز في عملية التنمية المستدامة؟

.أ.ف.ب
المتحف الوطني القطري في الدوحة، 12 ديسمبر 2022

لا شك أن المواطنين يتولون المناصب القيادية في مختلف المنشآت والمؤسسات الحكومية والمصارف، ولكن أين دورهم في الأعمال الانتاجية ونشاط الخدمات؟ كيف يمكن تطوير مساهماتهم كعمالة ماهرة متكيفة مع التطورات التكنولوجية والتحولات الوظيفية في سوق العمل؟ غني عن البيان أن قطر مثل بقية دول الخليج استقدمت عمالة تتسم غالبيتها بعدم المهارة التقنية ولا تتوفر لها مؤهلات تعليمية ملائمة. لذلك فإن التعليم في قطر، وإن قطع شوطا في التطور، يجب أن يحدد المؤهلات المناسبة للشباب والشابات ويعزز ملامح اقتصاد المعرفة من أجل تطوير الاقتصاد بالسواعد القطرية.

البناء على ما أنجز

إن من أهم الانجازات التنموية في قطر ما حدث من تطور بعد فعاليات كأس العالم في كرة القدم في ديسمبر/كانون الأول، 2022. تذكر المصادر الحكومية أن العائدات بلغت 2.3 مليار دولار. وقد اعتبرت الفعاليات مقدمة ناجحة لعقد فعاليات متنوعة في البلاد بما يدر مداخيل ملائمة خلال السنوات المقبلة. ففي عام 2022 قدرت الحكومة القطرية امكان تحصيل 2.7 مليار دولار خلال الفترة  2035-2022. وتم تمويل الفعاليات المشار إليها بالكامل من الخزينة العامة، وإن كان القطاع الخاص قد ساهم في اقامة عدد من المنشآت السياحية والسكنية. يتعين الاهتمام بدور القطاع الخاص وتمكينه من توظيف المواطنين والسعي لتحسين تأهيلهم حيث يمكنه أن يعزز المهنية ويرتقي بالإنتاجية ويحفز ثقافة الابداع والتطوير لدى العاملين.

التحسن في مستويات الدخل قد يكون متوافقا مع تحفيز المواطنين على المساهمة في دعم إيرادات الخزينة العامة من خلال نظام ضريبي عادل، وهذا النظام مطلوب في مختلف بلدان الخليج 

قام القطريون بإدارة فعاليات كأس العالم بشكل متميز، لذلك يمكن البناء على التجربة والاستفادة منها وتعظيم النتائج في فعاليات أخرى والعمل على توظيفها في مختلف الأنشطة.

تحدي الثروة

قطر هي من البلدان الغنية نتيجة إيرادات النفط والغاز، وقد تحسنت الأوضاع المعيشية للمواطنين بشكل نوعي. لكن الارتقاء بالمستويات المعيشية يتطلب تحفيز المواطنين على العطاء والانجاز بدلا من الاعتماد على الوافدين. كما أن التحسن في مستويات الدخل قد يكون متوافقا مع تحفيز المواطنين على المساهمة في دعم إيرادات الخزينة العامة من خلال نظام ضريبي عادل.

أ.ف.ب.
مقرشركة قطر للطاقة، 18 أكتوبر 2018

بناء عليه، فإن إقرار النظام الضريبي مطلوب في مختلف بلدان الخليج في هذه المرحلة من تاريخ المنطقة. علما أن قطر لا تحصل التكاليف الحقيقية لخدمات الكهرباء والماء بسبب سياسة الدعم، التي تشمل الخدمات العلاجية مقابل رسوم رمزية.

هناك مشاريع حكومية لإعادة النظر في نظام الدولة الريعية أو دولة الرفاه، وهي مشاريع ضرورية في ظل ما يحدث لاقتصاديات النفط والغاز. بيد أن التغيير يتطلب متغيرات في الثقافة الاجتماعية وتحولات في أنظمة سوق العمل بما يؤدي إلى تطوير الانتاجية.

font change