الهند ودول الخليج... شراكة اقتصادية تعززها الاستثمارات المتبادلة

129 مليار دولار التحويلات المالية الهندية في عام 2023-2024

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
عمال وافدون يحصدون الورد في الطائف، 29 أبريل 2025

الهند ودول الخليج... شراكة اقتصادية تعززها الاستثمارات المتبادلة

ترتبط الهند ودول الخليج بعلاقات اقتصادية ومهنية راسخة تعود الى زمن سحيق، وتترسخ اليوم عبر شراكة مزدهرة يعززها نمو الاستثمارات المشتركة في مختلف القطاعات والتحويلات المتنامية، والتبادل التجاري والثقافي والتكنولوجي.

أقام الكثير من الرحالة الخليجيين في الهند خصوصا في الجنوب الغربي من البلاد وعملوا في التجارة والتحقوا بالمدارس الهندية وتزوج كثيرون من الهنديات المسلمات. ثم أنشأ الميسورون منهم المدارس ومراكز العلاج. يذكر أن مواطني دول الخليج اعتمدوا في سفرهم إلى الهند على المراكب الشراعية، الأبوام أو "Dhows" التي كانت تنقل الخيول العربية والتمور إلى الهند وتعود بالتوابل والأخشاب والأقمشة.

"شركة الهند الشرقية" واللؤلؤ

تأسست "شركة الهند الشرقية" في بريطانيا عام 1600 وكانت من أهم من حفز العلاقات الاقتصادية بين الهند والخليج. تاجرت في القطن، والحرير، وصبغة النيلة والشاي، وتمكنت من الاستفادة من موانئ الخليج الشمالية. ولم يقتصر دورها على الأمور التجارية، بل امتد ليمثل ثقلا سياسيا وديبلوماسيا، كما عملت على تجنيد عساكر لمحاربة القرصنة في مياه الخليج العربي.

تطورت العلاقات التجارية بين الهند ومنطقة الخليج وبلغت مستوى مهما وأصبحت من أهم آليات صناعة الثروة في هذه المنطقة من العالم في أوائل القرن العشرين. نشط الخليجيون، خصوصا البحرينيين والكويتيون، في الغوص على اللؤلؤ الذي كان يتمتع بطلب واسع في شبه القارة الهندية. كان اللؤلؤ مصدرا رئيسا للدخل في بلدان الخليج، الكويت، والبحرين وعمان. في ما عدا البصرة، كان تجار الخليج يؤثرون مدن الهند الساحلية على أي مدينة عربية، وكانت الصادرات إلى الهند تمثل نسبة كبيرة من صادرات أي من بلدان الخليج المشاطئة للخليج، مثل البحرين وعمان والإمارات والكويت.

كذلك كانت الضرائب التي تفرض على الصادرات والواردات أهم مداخيل السلطات الحاكمة آنذاك في بلدان الخليج. تطورت آليات التجارة من خلال تحسن وسائل الاتصالات وبداية حركات السفر بالطيران.

تقدر الأموال الخليجية التي وظفت على شكل استثمارات مباشرة في الهند خلال الفترة من 2013 إلى 2024 بنحو 24.5 مليار دولار

لا بد من التذكير بأن السلطات البريطانية التي استعمرت الهند لزمن طويل وكانت توفر الحماية لعدد من دول الخليج بموجب معاهدات عملت على استخدام الروبية الهندية كعملة وطنية في دول الخليج مثل البحرين والكويت.

التجارة بين الهند ودول الخليج راهنا

تشير بيانات السفارة الهندية في الرياض الى أن قيمة التبادل التجاري بين الهند وبلدان الخليج بلغت 161.6 مليار دولار في السنة المالية 2023 / 2024 منها 105.3 مليار دولار واردات من دول الخليج، و56.3 مليار دولار صادرات هندية إلى دول الخليج. لا شك أن نسبة عالية من صادرات الخليج إلى الهند تتمثل بالنفط والغاز.

واس
ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، في لقاء مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في جدة 22 أبريل

تأتي الإمارات في المركز الأول بين شركاء الهند الخليجيين حيث يبلغ 50 في المئة من قيمة التجارة بين الخليج والهند. وحلت السعودية في المركز الثاني بـ 42.9 مليار دولار. وتلعب دول الخليج الأخرى دورا أساسيا في العلاقات التجارية بين الطرفين، وكما سبقت الإشارة، فإن الصادرات النفطية تظل ذات أهمية في العلاقات التجارية بين الطرفين حيث تظهر بيانات وكالة الطاقة الدولية أن معدل صادرات الخليج النفطية إلى الهند بلغت 12.2 مليون برميل في اليوم. تأتي السعودية في المركز الأول في الصادرات النفطية حيث بلغت صادراتها النفطية إلى الهند 6.4 مليون برميل في اليوم. غني عن البيان أن الهند زادت وارداتها النفطية خلال السنوات الماضية بعد أن تحسن الأداء الاقتصادي وارتفعت مستويات المعيشة بفعل سياسات الإصلاح الاقتصادي وتحسن دور القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب وتوفر بيئة أعمال جاذبة في البلاد.

الاستثمارات الهندية في دول الخليج

تعمل الحكومة الهندية باستمرار على تعزيز نشاطها الديبلوماسي وتبادل الزيارات الرسمية بين الهند ودول الخليج. معلوم أن الهند تملك جالية كبيرة في دول المنطقة، وهناك العديد من المستثمرين الهنود يملكون مؤسسات أعمال في مختلف القطاعات التجارية والعقارية والمالية، وهم أيضا يشاركون مواطنين خليجيين في العديد من الأعمال الخدمية أو في الصناعات التحويلية أو البناء والتطوير العقاري. وتقدر الأموال الخليجية التي وظفت على شكل استثمارات مباشرة في الهند خلال الفترة من 2013 إلى 2024 بنحو 24.5 مليار دولار. وقد ارتفعت التدفقات الخليجية بشكل كبير بعد أن بلغت خلال الفترة من 2000 إلى 2013 ما يقدر بـ 3.1 مليارات دولار.

تمثل التحويلات النقدية من دول الخليج إلى الهند مساهمة وازنة في التحويلات الإجمالية من العاملين في الخارج إلى الهند

هذا الارتفاع في حجم الاستثمارات الخليجية، يعكس تحسن مستويات الثقة بالاقتصاد الهندي بعد أن توفرت قوانين ناظمة ومشجعة للاستثمار الأجنبي. كما أن تحسن أوضاع الطبقة الوسطى في الهند وارتفاع أعداد منتسبيها إلى 583 مليون نسمة بما يشكل 41 في المئة من إجمالي السكان، يشير إلى أن هناك قدرات استهلاكية متنامية. يضاف إلى ذلك أن التحالفات الاقتصادية بين الهند وعدد من الدول الصناعية الرئيسة مثل الولايات المتحدة واليابان وألمانيا يرتقي بإمكانات البلاد ويمهد لتدفق المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

التوزيع السكاني للهنود في الخليج

أبرز ما في العلاقات بين الهند وبلدان الخليج، الانتشار الهندي في دول المنطقة. يقدر عدد الموظفين والعمال الهنود وأفراد عائلاتهم في دول مجلس التعاون الخليجية بنحو 9.6 ملايين يتوزعون كالآتي: الإمارات 3.4 ملايين، السعودية 2.6 مليون، عمان 1.4 مليون، الكويت 1.2 مليون، قطر 700 ألف والبحرين 300 ألف.

وقد ساهم هذا الحضور السكاني في منطقة الخليج بشكل كبير في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها وعزز العلاقات بشكل مثمر.

التحويلات المالية من دول الخليج الى الهند

تمكن العاملون الهنود في الخليج من تحويل أموال مهمة إلى الهند، تمثل مساهمة وازنة في التحويلات الإجمالية من العاملين في الخارج إلى الهند. ويذكر البنك المركزي الهندي "Reserve Bank of India" أن الإمارات العربية المتحدة كانت من أهم المصادر لهذه التحويلات، بنسبة 26.9 في المئة في السنة المالية 2016/2017، إلا أن هذه المساهمة انخفضت إلى 19.2 في المئة في السنة المالية 2023/2024.

تتمتع الهند بإمكانات مفيدة في مجال التعليم المهني، يمكن دول الخليج أن تستفيد من تجارب الهند في هذا الاختصاص، ولا سيما أنها تحاول أن ترتقي بقدرات العمالة الوطنية

هذه التحويلات الى الهند، من مختلف بلدان العالم، ومن بينها دول الخليج، تقدر قيمتها بنحو 129 مليار دولار تمثل 3.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للهند في السنة المالية 2023/2024. جاءت التحويلات من دول الخليج في تلك السنة المالية كالآتي: 

الإمارات                     13.8 مليار دولار

السعودية                    11.2 مليار دولار

الكويت                      4.6 مليارات دولار

عمان                       3.3 مليارات دولار

قطر                        4.1 مليارات دولار

البحرين                     1.5 مليار دولار

أ.ف.ب.
عمال هنود في مدينة جدة أمام جهاز صرافة لتحويل أموالهم إلى الهند، 4 أغسطس 2016

هناك إمكانات عديدة للاستفادة من العلاقات بين الهند ودول الخليج في المجالات الاقتصادية، وفي الآونة الأخيرة أثيرت قضايا المشاريع المشتركة والاستفادة من الخبرات الهندية في قطاع الطاقة المتجددة والاقتصاد الرقمي. وقد أشار جاسم محمد البديوي، الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي في شهر سبتمبر/ أيلول 2024، بعد الاجتماع الأول للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون والهند، إلى أن هناك علاقات قديمة ومستمرة بين الجانبين يمكن تطويرها، وأن فرص التعاون في "مجال التكنولوجيا والابتكار والبحث العلمي يمكن أن تساهم في دفع عجلة التنمية والتقدم في الخليج والهند".

دول الخليج بحاجة لتطوير التعليم المهني

تذكر تقارير مختصة أن الهند تتمتع بإمكانات مفيدة في مجال التعليم المهني، ويمكن لدول الخليج أن تستفيد من تجارب الهند في هذا المجال من التعليم، ولا سيما انها تحاول أن ترتقي بقدرات العمالة الوطنية.

وقد مكّن التعليم المهني الهند من تصدير عمالة مدربة إلى دول الخليج، ومختلف دول العالم ومنها أوروبية وفي أميركا الشمالية. يمكن لدول الخليج أن تتوصل مع الهند إلى صياغة تعاون في مجال التعليم بما يؤدي إلى تطوير أنظمته في بلدان المنطقة، وإلى مخرجات تعليمية مناسبة وتحظى بالطلب في سوق العمل الخليجي.

font change