يوجد أكثر من 25 ألف عامل في الموقع، 80 في المئة منهم مصريون، وتتولى مؤسسة الطاقة الذرية الروسية "روس آتوم" تدريب 1700 متخصص نووي محلي. وقد أُسند 55 في المئة من عقود المشروع إلى شركات مصرية. العقوبات تهدد "روس آتوم" يوميا، لكن خرسانة المحطة تواصل الارتفاع، لأن القاهرة جعلت المشروع استراتيجيا إلى حد لا تستطيع موسكو التخلي عنه، ومحاطا بضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما يمنع واشنطن من إيقافه.
وفي الأثناء، تعمل بكين بهدوء على تحويل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس إلى الركيزة الغربية لمبادرة الحزام والطريق. مليارات الاستثمارات الصينية تدفقت إلى الموانئ المصرية، والحدائق الصناعية، وخطوط السكك الحديدية السريعة التي تغطي مساحات واسعة من البلاد.
التجارة باليوان باتت تغطي جزءا كبيرا من المبادلات الثنائية، ما يحمي مصر من أزمات نقص الدولار. وكانت المناورات الجوية المشتركة في أبريل هذا العام الإشارة الأوضح إلى أن الشراكة بين القاهرة وبكين تجاوزت حدود القروض إلى المجال العسكري.
أبرمت مصر أيضا صفقات كبرى مع دول في الخليج العربي، من بينها صفقة رأس الحكمة الساحلية بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات، وهو ما ساعد بشكل كبير على حماية الجنيه المصري من الانهيار.
وفي المقابل، اصطفّت القاهرة مع الموقف الخليجي في اليمن، ونسّقت بشأن السودان، والأهم أنها تولّت مسؤولية إدارة مشروع إعادة إعمار غزة البالغة 53 مليار دولار نيابة عن العرب جميعا. وقد صادقت القمة العربية في القاهرة في مارس/آذار 2025 على المخطط العربي، ومن المرجح أن تمر العقود عبر الشركات المصرية عند بدء المرحلة الثانية من خطة وقف إطلاق النار في غزة، فيما سيبقى معبر غزة–سيناء تحت السيطرة المصرية.
حتى طهران جُذبت إلى المدار. وعلى الرغم من أن القاهرة وطهران لم تُعيّنا سفيرين بعد، فإن العلاقات بين العاصمتين في تحسن منح القاهرة خطا مباشرا إلى راعية كل من "حماس" وميليشيا الحوثي في اليمن.
صحيح أن عدم الانحياز عند عبد الناصر انتهى في أنقاض عام 1967 وعقود من الاعتماد المهين على شحنات القمح الأميركية، لكن توازنات السيسي المتعددة حققت حتى الآن نموا يفوق 4 في المئة، وأمن الطاقة يلوح في الأفق، ومقعدا على كل طاولة مهمة، من دون حرب واحدة أو حملة أيديولوجية.
إن مصر تحاول أن تكون أحد الأطراف الفائزة اليوم في أعقد لعبة دبلوماسية شهدها الشرق الأوسط منذ نصف قرن، وهي لا تكتفي بالبقاء وسط العاصفة متعددة الأقطاب، بل تتعلم كيف تركب أمواجها.