موريتانيا تشعل حروب المعابر التجارية بين المغرب والجزائر

الأسرع نموا في شمال أفريقيا وثروات معدنية ضخمة وممرات استراتيجية للتجارة الدولية

Shutterstock
Shutterstock
صورة جوية تظهر قلب الريشات، أشهر تضاريس في قارة أفريقيا في الصحراء الغربية في موريتانيا

موريتانيا تشعل حروب المعابر التجارية بين المغرب والجزائر

تضع التحولات الجيوسياسية الاقتصادية العالمية دولا مغمورة على مسرح الاهتمام الإقليمي والقاري والدولي، بفضل مواقعها الجغرافية وثرواتها الباطنية، أو موقعها الجغرافي عند ممرات إستراتيجية، في زمن حروب التجارة العالمية، والتنافس على المعادن النادرة.

وتمثل موريتانيا التي يسكنها نحو 4,5 ملايين نسمة، بناتج محلي إجمالي يزيد قليلا على 11 مليار دولار، داخل مساحة تتعدى مليون كيلومتر مربع، إحدى هذه الدول المعنية باستقطاب القوى الإقليمية والدولية المتنافسة، مما يجعلها محط تجاذب مصالح الجيران الأقربين والشركاء الخارجيين.

مخزون مهم من النفط والغاز

يتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق موريتانيا نموا اقتصاديا مرتفعا يفوق مثيله في مجموع دول شمال أفريقيا، يقترب من 5 في المئة هذه السنة، بفضل عائدات تجارة التعدين، خصوصا الذهب والحديد والنحاس والفضة، وكذلك مداخيل جديدة متوقعة من البدء باستغلال "حقل بئر الله" النفطي، الذي يقدر احتياطه بـ80 تريليون قدم مكعب، وحوض "كراند تورتو أميم" من الغاز الطبيعي المشترك مع السنغال على المحيط الأطلسي، المقدر مخزونه بـ15 تريليون قدم مكعب. وتسمح هذه الثروات بزيادة الدخل القومي بشكل تصاعدي على مدى السنوات الثلاثين المقبلة. وتتوقع وكالة "بلومبيرغ" زيادة العائدات الجديدة من الطاقة والمعادن نحو 2,6 مليار دولار، بما يسمح بمعالجة مشاكل الفقر، وتسريع التنمية المحلية المستدامة.

تحسن الإيرادات بفضل المعادن

وكان النمو الاقتصادي في موريتانيا بلغ 6,5 في المئة عام 2023 ثم انخفض إلى 4,6 عام 2024 بسبب التأخر في استغلال موارد الطاقة، والتأثير السلبي للتغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي، أو ما يوصف بالصدمة المناخية. لكن موريتانيا تبدو مستفيدة من احتدام التنافس الدولي على بعض المعادن، التي تشكل 40 في المئة من صادراتها الخارجية. ووضع البنك الدولي توقعات أكثر تفاؤلا عام 2026، بنمو يتراوح من 7,5 إلى 7,8 في المئة بفضل تحسن الإيرادات من الصادرات.

إن موريتانيا، على الرغم مما حققته من تطور اقتصادي واستقرار سياسي وديمقراطي، لا تزال تعاني من فوبيا الانقلابات العسكرية السابقة لكنها تملكت الشجاعة وأدركت مصالحها

وليد كبير، إعلامي جزائري متخصص في الشؤون المغاربية

موريتانيا هي ضمن عشر دول أفريقية تحقق معدلات نمو مرتفعة جدا، منها الكوت دي فوار (6,3 في المئة)، أوغاندا (11 في المئة)، السنغال (9,7 في المئة)، غينيا (6,4 في المئة)، وأكثر من 7 في المئة في رواندا ودول أخرى في محيط البحيرات العظمى. ويشكل الطلب على المعادن، خصوصا الليثيوم والمنغنيز والحديد والنحاس والفضة والماس والكوبالت، أحد أسباب تحسن الأسعار في تلك الدول. وتلعب المعادن النادرة المتوافرة بكثرة في القارة دورا حاسما في ارتفاع الدخل القومي، لكنه يظل مهددا بعدم الاستقرار السياسي والأمني. 

ربما لم تكن موريتانيا أكثر حظا اقتصاديا مما هي عليه اليوم، مستفيدة من اكتشاف واستغلال حقول النفط والغاز، ومعادن الحديد لإنتاج الصلب وتصنيع هياكل العربات، حيث أنتجت 13,3 مليون طن متري عام 2022، متفوقة على الجزائر ومصر وتونس مجتمعة، باحتلالها المرتبة 16 عالميا.

الابتعاد عن الاستقطاب الإقليمي والعسكر

كلما تحسن الدخل وتسارعت وتيرة التنمية، تعزز الاستقرار السياسي، والابتعاد عن مواقف متشددة بائدة من حكم العسكر والانقلابات السابقة، بتواطؤ أحيانا مع قوى إقليمية، في إطار سياسة المحاور والاستقطاب واستعداء الجيران.

.أ.ف.ب
ميناء العاصمة الموريتانية نواكشوط، 22 مارس 2023

وقال الإعلامي والسياسي الجزائري والباحث في الشؤون المغاربية، وليد كبير لـ"المجلة"، "إن موريتانيا، على الرغم مما حققته من تطور اقتصادي واستقرار سياسي وديمقراطي، لا تزال تعاني من فوبيا الانقلابات العسكرية السابقة  لكنها تملكت الشجاعة وأدركت مصالحها، فهي عارضت فكرة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إنشاء 'اتحاد مغاربي بديل دون المغرب'، مما تسبب في إفشال المشروع، الذي بدا أنه يستهدف إقصاء الرباط وليس تجميع المنطقة المغاربية، التي يجمعها اتحاد المغرب العربي منذ تأسيسه عام 1989 في مراكش".

التقارب مع المغرب

وقد شهدت علاقات موريتانيا مع المغرب تحسنا كبيرا في السنوات الأخيرة، وتعاونا متصاعدا في مجال التكامل الاقتصادي، خصوصا بعد زيارة الرئيس ولد الشيخ الغزواني واجتماعه بالملك محمد السادس نهاية العام المنصرم في قصر الدار البيضاء، وإعلان انضمام نواكشوط إلى مبادرة "أفريقيا الأطلسية" التي اقترحها المغرب، لفك العزلة عن دول الساحل الحبيسة، وربطها بشبكة مواصلات نحو المحيط الأطلسي، لتمكينها من تصدير موادها الأولية والانفتاح على الأسواق العالمية.

وقع وزير الداخلية والتنمية المحلية في موريتانيا، محمد أحمد ولد محمد الأمين، مقررا حكوميا حول الحدود الإلزامية وعددها 82 نقطة جمركية برية، منها 8 معابر تجارية مع المغرب

وسبق لنواكشوط أن وقعت اتفاقية مع دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، لمد أنبوب للغاز بين نيجيريا والمغرب على طول 5600 كيلومتر يمر داخل 13 دولة. وسيكون في إمكان موريتانيا استغلال الأنبوب الأطلسي لتصدير غازها إلى أوروبا، والانضمام إلى الشبكة الكهربائية الإقليمية، التي تغطي 500 مليون نسمة في غرب أفريقيا والبحر المتوسط.

ثمانية معابر حدودية جديدة

وأعلنت الحكومة الموريتانية نهاية فبراير/شباط الماضي إنشاء نقاط عبور حدودية جديدة مع دول الجوار المباشر، لتسهيل عبور التجارة والمبادلات السلعية، وتنقل الأفراد والعربات، في إطار اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية "زليكا"، التي وقعتها أكثر من 50 دولة لإنشاء سوق تجارية حرة. ومن المنتظر أن يتم افتتاح معبر السمارة - أم كرين بين المغرب وموريتانيا رسميا خلال الأسابيع المقبلة، وقد أنجزت الإدارة المحلية طريقا بطول 93 كيلومترا داخل التراب المغربي يربط بين مدينة السمارة وقرية أمغالا وجماعة تيفاريتي، في الجهة الشرقية من الصحراء وراء الحزام الأمني.

.أ.ف.ب

وقالت رئيسة بلدية أمغالا الحدودية فاطمة السيد إن "هذا المعبر جزء من المبادرة الأطلسية لملك المغرب، لفك العزلة عن دول الساحل الإفريقي، والاستفادة من التجهيزات اللوجستية المغربية. وهو جسر تجاري بين موريتانيا والمغرب لتعزيز التنمية الاقتصادية على المستوى الإقليمي والقاري، وتقوية روابط التعاون بين السكان المحليين".

وسيتم ربط هذا المعبر بطريق سريع يصل إلى الزويرات، وهي مدينة منجمية مهمة شرق موريتانيا، وقد تسمح بالوصول إلى تومبوكتو في مالي شرقا. وكانت القوافل التجارية تستخدم هذا الطريق بين شمال أفريقيا ودول الساحل على مدى قرون، حتى نهاية خمسينات القرن الماضي.

أفريقيا الأطلسية

ووقع وزير الداخلية والتنمية المحلية في موريتانيا، محمد أحمد ولد محمد الأمين، مقررا حكوميا حول الحدود الإلزامية وعددها 82 نقطة جمركية برية، منها 8 معابر تجارية مع المغرب، تشمل الكيلومتر 55 بمقاطعة نواذيبو، وهو المقابل لمعبر "الكركرات" الحدودي أقصى جنوب المغرب الذي تم افتتاحه نهاية عام 2020.

طريق التجارة بين تومبوكتو في شمال مالي ومدينة موغادور (الصويرة) على المحيط الأطلسي كانت موجودة قبل وصول الأوروبيين بقرون بسبب الروابط الدينية

وبالتزامن مع ما ورد في الوثيقة الرسمية الموريتانية، شرع المغرب في بناء قارعة الطريق الوطنية رقم 17 الرابطة بين السمارة وأمكالة عبر منطقة العكيدة على طول 14 كيلومترا، والطريق الوطنية رقم 178 في إقليم السمارة على طول 39 كيلومترا. ويتم حاليا بناء وتجهيز محطات استراحة وتزود الوقود، لضمان تدبير تدفقات المسافرين في الاتجاهين.

وكشفت مصادر مطلعة لـ"المجلة" أن دولة الإمارات العربية المتحدة مهتمة جدا بالانخراط في هذه المشاريع التنموية بين المغرب وموريتانيا. وقالت مصادر موريتانية "إن النقاط الحدودية مع المغرب ستشمل معبر 'اتميميشات' في مقاطعة الشامي، ومعبر 'القلب' في مقاطعة الزويرات، ومعابر 'افديك' و'الشكات' و'اتواجيل' في مقاطعة افديك، ومعبري 'عين بنتيلي' و'بئر أم كرين' في مقاطعة بئر أم كرين". وهذا المعبر الأخير هو الذي جرى ربطه مباشرة بالطريق البري المؤدي إلى مدينة السمارة في الصحراء المغربية.

.أ.ف.ب
مقاتل تابع لقوات تحالف شعب أزواد (CPA) يقف في حاجز على الطريق الصحراوي الفاصل بين مالي وموريتانيا، في بلدة سومبي، 22 يناير 2022

وقال الأكاديمي الاسباني المتخصص في تاريخ المنطقة، إمانويل ماركغاز "إن السمارة كانت تاريخيا مدينة دينية تتجمع فيها القبائل الصحراوية داخل المغرب وموريتانيا ومجموع دول الساحل، لإعلان الجهاد ضد المستعمرين الأوروبيين".

 من الكركرات إلى الزويرات

رحبت المصادر الرسمية الفرنسية بـ"مبادرة إنشاء طرق صحراوية قد تصل إلى دول الساحل لاحقا، وربطها بشبكة من المواصلات البرية والسككية وصولا إلى الموانئ المغربية على المحيط الأطلسي".

وتقول الوثائق الفرنسية "إن طريق التجارة بين تومبوكتو في شمال مالي ومدينة موغادور (الصويرة) على المحيط الأطلسي كانت موجودة قبل وصول الأوروبيين بقرون بسبب الروابط الدينية".

المعابر الجديدة هي جزء من شبكة مواصلات برية بين المحيط الأطلسي غربا ودول الساحل شرقا، مرورا بموريتانيا جنوبا، ضمن مشروع "أفريقيا الأطلسية" الذي تدعمه الولايات المتحدة وفرنسا والصين وإسبانيا، وتعارضه الجزائر لأسباب جيوسياسية

وقال المؤرخ اليهودي المغربي الفرنسي رافاييل ديفيكو "إن القوافل التجارية بين غرب السودان (مالي حاليا) وسواحل المغرب كانت تضم أكثر من ألف جمل محملة بالذهب والعاج وريش النعام في القرنين 18 و19. وعند احتلال الفرنسيين الجزائر عام 1830 عمدوا إلى إجهاض تلك المبادلات وإضعاف الموانئ المغربية تدريجيا إلى أن توقفت مطلع القرن العشرين".

طريق جزائري نحو الجنوب

شهدت الأيام الأخيرة تحركات جزائرية مكثفة نحو موريتانيا شملت الرئيس عبد العزيز تبون وعددا من المسؤولين العسكريين والمدنيين. وتقول المصادر الرسمية إنها "تهدف إلى تسريع تنفيذ طريق بين تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، على مسافة 840 كيلومترا". وتتحمل الجزائر تكلفة بناء 80 في المئة من هذا الطريق الصحراوي داخل الأراضي الموريتانية، في مقابل استغلالها لمدة عشر سنوات، مع تمكين الطرف الموريتاني من إنشاء محطات استراحة وتزود الوقود داخل ترابه الوطني. وتقدر قيمة المشروع بنحو 600 مليون دولار. وقال الإعلامي كبير، الذي يقيم في وجدة المغربية، لـ"المجلة" "إن الحكومة متخوفة من كل تقارب بين نواكشوط والرباط، وهي تدرك أن الشعب الموريتاني له امتداد عرقي وثقافي وتاريخي داخل المملكة، لذلك تمارس بعض الإغراءات، وحتى الضغوط حتى لا تتوسع التجارة المغربية في دول الساحل". ومعروف أن العلاقة بين الجزائر ودول الساحل تمر بفترة توتر، زادت بعد استنجادها بمجموعة "فاغنر" الروسية لمحاربة الإرهاب.

.أ.ف.ب
محطة للطاقة الشمسية في الصحراء بالقرب العاصمة الموريتانية نواكشوط، 25 ديسمبر 2023

المعابر الجديدة هي جزء من شبكة مواصلات برية بين المحيط الأطلسي غربا ودول الساحل شرقا، مرورا بموريتانيا جنوبا، ضمن مشروع "أفريقيا الأطلسية" الذي تدعمه الولايات المتحدة وفرنسا والصين وإسبانيا، وتعارضه الجزائر لأسباب جيوسياسية.

وقال وزير التجارة الخارجية المغربي، عمر حجيرة، لـ"المجلة"، "إن مشكلة المواصلات والطرق المعبدة هي التحدي الأكبر أمام تسريع وتطوير التجارة البينية الأفريقية. وكلما تم التغلب على هذه الصعوبات اللوجستية، تسارعت التنمية داخل القارة".

تُقدّر الأمم المتحدة الخسائر الاقتصادية للإرهاب في أفريقيا مجتمعة بنحو 119 مليار دولار بين عامي 2007 و2016. وقدرت المنظمة العالمية للهجرة الخسائر الاقتصادية للنزوح السكاني بنحو 312,7 مليار دولار في عشر سنوات

وأضاف "يستثمر المغرب في البنى التحتية خصوصا ميناء الداخلة الأطلسي وشبكة من المواصلات، لربطها بدول الساحل لا سيما مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، لتمكينها من زيادة التصدير والاستيراد، والاندماج في التجارة العالمية".

موريتانيا حلقة وصل  

يتوقع معهد "أكسفورد" للأعمال أن "تلعب موريتانيا دورا وأن تكون همزة وصل، بفضل موقعها الجغرافي وثرواتها المختلفة، لتصبح بوابة الأسواق التجارية داخل منظمة التجارة الحرة القارية الأفريقية، ومنها نحو بقية العالم". فهي رابط جغرافي بين دول المغرب العربي، ودول الساحل جنوب الصحراء، في منطقة تلاق بين تجمعين إقليميين، هما اتحاد المغرب العربي شمالا، والمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا جنوبا. لكن التجمعين اللذين يضمان 20 دولة يتجاوز ناتجها المحلي 1,5 تريليون دولار، تواجه انقسامات سياسية حادة وعلى شفير المواجهة. في الشمال على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، تناهض الجزائر حقوق المغرب في الصحراء منذ 50 سنة. وفي دول الساحل أوجدت الانقلابات المتتالية انقساما حادا بين أعضاء "المجوعة الاقتصادية لغرب أفريقيا"، يهددها بالانفجار من الداخل.

خسائر فادحة بسبب الارهاب

تعاني دول الساحل الأفريقي من هشاشة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، تجعلها عرضة لتسلل الجماعات الإرهابية والهجرة السرية والجريمة العابرة للحدود، زادت حدتها بعد اندحار "داعش" في العراق وسوريا. ووفق مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023، تعتبر الجماعات المسلحة في هذه المنطقة مسؤولة عن مقتل 6800 شخص، وتُقدر الأمم المتحدة الخسائر الاقتصادية للإرهاب في أفريقيا مجتمعة بنحو 119 مليار دولار بين عامي 2007 و2016. وقدرت المنظمة العالمية للهجرة الخسائر الاقتصادية للنزوح السكاني بنحو 312,7 مليار دولار في عشر سنوات، غالبيتها في منطقة الساحل والبحيرات العظمى.

من وجهة نظر المنظمات الدولية، فإن فك العزلة، والتنمية المحلية، وسيلة ناجحة لمحاربة الإرهاب عبر تحسين مستويات المعيشة.

font change