من الشراكة إلى التوتر... السرد الزمني للأزمة بين "المجلس الرئاسي" و"الانتقالي" في اليمن

وحدة المعسكر المناهض للحوثيين أولوية تتقدم على الخلافات البنيوية

من الشراكة إلى التوتر... السرد الزمني للأزمة بين "المجلس الرئاسي" و"الانتقالي" في اليمن

نقدم في "المجلة" سردا زمنيا للأزمة بين المجلس الرئاسي في اليمن و"المجلس الانتقالي الجنوبي" وانتقالها من الشراكة إلى التوتر"

الجذور: جنوبٌ لم ينسَ (2015-2016)

مع اندلاع الحرب إثر استيلاء الحوثي على الحكم في صنعاء واتساع الفراغ الأمني في الجنوب، تشكّلت قوى محلية تولّت إدارة الواقع على الأرض في عدن ولحج وأبين.

هذا الواقع أفرز لاحقا "المجلس الانتقالي الجنوبي" عام 2017، حاملا خطاب "قضية جنوبية" مؤجلة منذ 1990، مستفيدا من انشغال القوى المختلفة في الصراع الدائر في الشمال وكذلك استجابة لرغبة أجزاء واسعة من الجنوب في الانفصال.

في المقابل، ظلّت الشرعية اليمنية بصيغتها التقليدية تعمل من الخارج، مع فجوة متزايدة بينها وبين الشارع الجنوبي. والشرعية هي مركز الحركة.

كيف تشكّلت "الشرعية اليمنية" بعد سقوط صنعاء... ولماذا أيّدها مجلس الأمن؟

ملخص مسار الأزمة اليمنية

- سقوط صنعاء في سبتمبر 2014

في21 سبتمبر/أيلول2014 سيطرت جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء، مستفيدة من ضعف الدولة بعد اندلاع الاحتجاجات.

في يناير/كانون الثاني 2015 فرض الحوثيون إقامة جبرية على الرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة. وقُدّمت استقالات تحت الإكراه. وأُعلن لاحقا حلّ البرلمان والاستيلاء على السلطة.

هذا التطور اعتبرته الأمم المتحدة انقلابا على العملية السياسية الانتقالية التي بدأت بعد 2011.

- ولادة "الشرعية"”في فبراير 2015

تمكّن هادي من مغادرة العاصمة المحتلة صنعاء في الليل إلى عدن. وأعلن تراجعه عن الاستقالة بوصفها فُرضت بالقوة، وأن كل الإجراءات الحوثية باطلة دستوريا، وأن عدن عاصمة مؤقتة.

- مجلس الأمن يعلن: الشرعية هي المرجع

أصدر مجلس الأمن سلسلة قرارات حاسمة، أهمها القرار 2216 في أبريل/نيسان 2015، اعترف فيه بهادي رئيسا شرعيا لليمن وليس الحوثي.

منذ ذلك القرار، أصبحت الشرعية العنوان السياسي والقانوني الوحيد المعترف به دوليا والجهة التي تمثل اليمن في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

تمكّن هادي من مغادرة العاصمة المحتلة صنعاء في الليل إلى عدن. وأعلن تراجعه عن الاستقالة بوصفها فُرضت بالقوة

- الصدام مع الانتقالي ثم الاحتواء: اتفاق الرياض في 2019

بلغ التوتر ذروته في 2019 مع اشتباكات عدن. هنا، لم يكن خيار الحسم العسكري مقبولا إقليميا. فجاء اتفاق الرياض ليحوّل الصدام إلى إدارة خلاف وتم إدماج "الانتقالي" في الحكومة ومنح مقاعد أساسية ليعمل من داخل "المجلس الشرعي" وليس من خارجه.

كان الاتفاق اعترافا بأن الجنوب لا يمكن تجاهله، وأن وحدة المعسكر المناهض للحوثيين أولوية تتقدم على الخلافات البنيوية.

اي بي ايه
مقاتل حوثي مسلح يراقب الشاطئ وفي الخلفية سفينة الشحن "Galaxy Leader"، التي استولى عليها الحوثيون قبالة شاطئ ميناء الصليف على البحر الأحمر في محافظة الحديدة، اليمن، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2023.

- خروج هادي وولادة المجلس الرئاسي في أبريل 2022

مع انتهاء فترة رئاسة هادي تم تشكيل "مجلس القيادة الرئاسي" برئاسة الدكتور رشاد العليمي الذي كان محل إجماع القوى اليمنية. وتم تعيين عيدروس الزبيدي رئيس "الانتقالي" نائبا لرئيس "المجلس الرئاسي"، ومثّل ذلك نقطة مصالحة وانعطافة مهمة.

كان هذا التطور محاولة لتحويل الخلاف من الشارع والسلاح إلى الطاولة والمؤسسة.

- التعايش الصعب 2022-2023

عمل "المجلس الرئاسي" خلال هذه المرحلة كـ"مظلّة احتواء". وركّز "الانتقالي" على تثبيت حضوره في الجنوب وتحسين الخدمات. الرئاسة سعت إلى الحفاظ على وحدة القرار الاقتصادي والسياسي ودعمت الريال اليمني المتدهور والعلاقات مع القوى الخارجية.

الخلافات بين "الانتقالي" و"الرئاسي" كانت موجودة، لكنها مُدارة داخل الإطار المؤسسي.

غير أن المشكلة البنيوية بقيت، حيث يرى "الانتقالي" نفسه ممثلا للمشروع الجنوبي، بينما يرى "المجلس الرئاسي" نفسه حارسا لشرعية دولة واحدة هي اليمن.

لم يكن الخلاف أيديولوجيا بقدر ما كان صراع صلاحيات ومسؤوليات:

من يحكم؟ من يدفع الثمن؟ ومن يملك القرار النهائي؟

- عودة التوتر 2024-2025

مع تفاقم الأزمات المعيشية في عدن، بدأت خطوط التماس السياسية بالظهور مجددا:

في لعبة الشعبوية حمّل "الانتقالي" الحكومة و"المجلس الرئاسي" مسؤولية الانهيار الخدمي، في حين أن الرئاسة إمكانياتها محدودة في الجنوب مع سيطرة الانتقالي.

مقاتلون في عدن أثناء اشتباك ضد القوات الحكومية في أغسطس 2019

رأت الرئاسة أن التحركات الميدانية تُضعف الدولة وتضغط عليها من داخلها وأصبح الشارع الجنوبي ساحة رسائل سياسية متبادلة تعادي وتحرض بعضها على بعض.

لم يكن الخلاف أيديولوجيا بقدر ما كان صراع صلاحيات ومسؤوليات:

من يحكم؟ من يدفع الثمن؟ ومن يملك القرار النهائي؟

- الأزمة الحالية: خلاف داخلي 2025

الأزمة الراهنة هي أخطر ما مر به اليمن منذ استيلاء الحوثي على صنعاء لكن رغم حدّتها تجري داخل "الإطار الرئاسي". حتى الآن لا انسحاب من المجلس ولا عودة إلى الصدام العسكري المفتوح. توجد اشتباكات ورسائل سياسية متبادلة، لكن تحت سقف واحد. الوضع حساس ويمكن أن يتطور نحو الأسوأ وتقسيم الجنوب أو التصالح والاتفاق على صيغة لحل المشاكل العالقة بين المجلسين.

font change