ما بين ساعة وأخرى، تتغير عناوين التقارير والأخبار القادمة من محافظة حضرموت اليمنية كما تتبدل الرمال المتحركة في صحرائها المترامية، وذلك على وقع المواجهات الدامية التي شهدتها مدينة سيؤون عاصمة وادي محافظة حضرموت شرقي اليمن وعدد من المدن في شمال ووسط الوادي وامتدت حتى محافظة المَهَرة أقصى شرقي البلاد بمحاذاة سلطنة عمان المجاورة.
جاء ذلك بعد أن دفع "المجلس الانتقالي الجنوبي" أرتالا من قواته ومسلحيه من عدن إلى حضرموت لدعم ما يسمى "القوات الأمنية" المتمركزة في بعض مديريات الساحل على خليج عدن. لكن تلك القوات سرعان ما تقدمت نحو حقول نفط المَسِيلة الواقعة شمالا في قلب وادي حضرموت المتاخم للحدود السعودية وذلك بغية السيطرة عليه عقب انتشار مئات المسلحين من حلف قبائل حضرموت حول هذه الحقول في "خطوة استباقية" لحمايتها من زحف قوات "الانتقالي الجنوبي" نحوها، كما قال قادة الحلف.
ما اتضح لاحقا هو أن هدف "المجلس الانتقالي" لم يكن فقط نفط حضرموت بل إنهاء وجود قوات "المنطقة العسكرية الأولى" الموالية للحكومة الشرعية، التي كانت متمركزة شمال الوادي، والسعي نحو فرض أمر واقع يقوم على أساس إعادة رسم خارطة الدولة الجنوبية السابقة (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) بعد ما يزيد على ثلاثين عاما من اندماجها في الوحدة مع نظيرتها في شمال البلاد عام 1990.
تحت الضغط العسكري المباغت وواسع النطاق من عدة محاور، وربما بمقتضى توجيهات عليا كما تردد، اضطرت قوات المنطقة العسكرية الأولى إلى الانسحاب غير المنظم وإعادة نشر بعض وحداتها في مناطق بعيدة مختلفة تجنبا للمواجهة مع قوات "الانتقالي" وسفك المزيد من الدماء، مما سهَّل على قوات "الانتقالي" السيطرة على مواقعها دون مقاومة تذكر، إلى جانب الاستيلاء على مدينة سيؤون ومطارها الدولي.
لكن التقارير الواردة من هناك أفادت بقيام قوات "الانتقالي" بقتل وجرح وأسر العشرات من جنود تلك المنطقة، بالإضافة إلى نهب كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة والعتاد والذخائر من مستودعات السلاح في معسكراتهم، ولا يزال مصير مئات من هؤلاء الجنود مجهولا حتى اللحظة، كما جرى تداول الكثير من مقاطع الفيديو التي تظهر حالة من الانفلات الأمني شهدت عمليات اعتداء وسرقات لمحال تجارية كان يملكها مواطنون من شمال البلاد، وتمت كذلك مداهمة بيوت منتسبي المنطقة الخاصة وترويع أسرهم وسرقة ممتلكاتهم.
أضرار عامة
وخلال ثلاثة أيام فقط أسفر النزاع في وادي حضرموت عن خروج منظومة الكهرباء من الخدمة تدريجيا ثم بشكل شبه كامل في معظم مناطق الوادي، وأثر انقطاع التيار الكهربائي على استمرار الخدمات اليومية العامة، بحسب ما أعلنته المؤسسة العامة للكهرباء في منطقة وادي حضرموت.
لكن الأهم من ذلك هو التوتر الأمني في مختلف مديريات الوادي وخشية السكان من صدام مسلح أوسع نطاقا قد يؤدي إلى إزهاق مئات بل آلاف الأرواح من المدنيين والتسبب في حالات نزوح واسعة، وانقطاع الطرق، وتقطع السبل بالمسافرين الذين يتخذون من مطار سيؤون منفذا ونقطة عبور من وإلى محافظات حضرموت والمهرة ومأرب وغيرهما من محافظات شرقي البلاد.
مبادرة سعودية
فور اندلاع تلك الأحداث أرسلت المملكة العربية السعودية- بوصفها قائد التحالف العسكري الداعم للحكومة الشرعية في اليمن- وفدا أمنيا رفيع المستوى إلى المكلا مركز محافظة حضرموت بقيادة رئيس "اللجنة الخاصة" المعنية بشؤون اليمن، اللواء محمد بن عبيد القحطاني، الذي التقى بمحافظ حضرموت وبوجهاء وأعيان المحافظة وقياداتها السياسية والشخصيات القبلية المؤثرة.
وخلال اللقاء، جدد اللواء القحطاني موقف السعودية الرافض لأي "عمليات عسكرية تقودها قوات من خارج المحافظة" تسببت بإدخالها في دوامة صراع، داعيا بوضوح "كل تلك القوات للعودة إلى معسكراتها التي قدمت منها، وتسليم المواقع التي ستخرج منها إلى قوات درع الوطن".

وشدد اللواء القحطاني وفق ما نقلته وسائل إعلامية، على أهمية وضرورة "استمرار العمل لمنع أي احتكاكات أو اشتباكات، وإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، وضمان عمل المؤسسات وتقديم الخدمات للمجتمع الحضرمي، والحفاظ على الممتلكات الخاصة والعامة".
غير أن ما حدث هو أنه رغم التزام حلف قبائل حضرموت بهذه الدعوة وانسحاب مسلحيها من محيط حقول النفط فإنها تعرضت لهجمات من قبل قوات "الانتقالي" الجنوبي التي واصلت تقدمها، وتجاوزت حدود حضرموت إلى محافظة المهرة المجاورة لسلطنة عمان، وقامت بإنزال الأعلام اليمنية ورفع الأعلام السابقة لليمن الجنوبي على الجانب اليمني من المعابر الحدودية مع عمان.
توتر سياسي
وقد أجبرت الضغوط السياسية والمضايقات الأمنية التي تعرض لها رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، على مغادرة عدن (العاصمة المؤقتة) بعد إفراغ وإتلاف وثائق ومحتويات مكتبه وتسليم مقره في منتجع "معاشيق" الرئاسي لوحدة من قوات "العاصفة" التابعة لـ"المجلس الانتقالي"، وذلك قبل سويعات من توجهه نحو العاصمة السعودية، الرياض، لبحث هذه التطورات.
