لماذا "يقاوم" البعض في الخندق الخطأ ضد اليمن؟

مشاركة زعيم جماعة الحوثيين في "المؤتمر القومي العربي" في بيروت أثارت غضبا يمنيا

@aldnmarki/X
@aldnmarki/X
عبد الملك الحوثي يلقي كلمة أمام الدورة الرابعة والثلاثين للمؤتمر القومي العربي في بيروت

لماذا "يقاوم" البعض في الخندق الخطأ ضد اليمن؟

يزداد شعور غالبية اليمنيين بالإحباط كل يوم، ليس فقط لطول أمد صراعهم المرير والمزمن مع جماعة الحوثيين ومن ورائها إيران وبقائه دون حل، ولكن أيضا للطريقة التي يتعامل بها بعض أشقائهم العرب مع ملف الأزمة اليمنية إما بسوء فهم أو عن قصد لسوء نية ومبتغى أو الاثنين معا.

ويزداد الأمر حدة، أن الأمر لا ينم عن براءة، وذلك عندما تصدر هذه المواقف عن جهات "قومية" عربية طالما ادعت أنها تنتصر للقضايا والحقوق العربية العادلة التي لا يفترض التمييز بينها من بلد عربي إلى آخر.

أبانت عن ذلك بوضوح لا لبس فيه إتاحة المجال لزعيم جماعة الحوثيين، عبد الملك الحوثي، من قبل "المؤتمر القومي العربي" لإلقاء كلمة متلفزة أمام المؤتمر المنعقد في بيروت، خلال الفترة من 7-9 من الشهر الجاري تحت شعار "نصرة الشعب الفلسطيني في غزة وقضيته العادلة".

لكن هذه الاستضافة (عن بُعد) أثارت ضجة كبيرة وحنقا شديدا لدى معظم الأوساط اليمنية، الحكومية الرسمية والحزبية والشعبية على حد سواء، التي رأت في ذلك "مهزلة كبرى" في أن يُسمح لـ"زعيم الميليشيا الحوثية الانقلابية، بإلقاء كلمة أمام المؤتمر، تحت ذريعة دعم غزة والقضية الفلسطينية"، وهي ذريعة واهية لا تبرر في نظر تلك القوى هذا "الانحراف الخطير عن مبادئ المؤتمر وأهدافه" باعتبار أن الرجل "يمثل مشروعا معاديا لكل ما يؤمن به المؤتمر من قيم الوحدة والحرية والديمقراطية والعدالة والتحديث" وفق ما قاله مستشار رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني والأمين العام السابق للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، عبد الملك المخلافي.

لم يحدث أن أثارت مشاركة أحد من الساسة اليمنيين في هذا المؤتمر سابقا مثل هذا الغضب الذي تسببت فيه إطلالة زعيم جماعة الحوثيين على مجموعة من السياسيين الذين يبدو أن أغلبهم بات "منفصلا عن واقعه وعن الحياة من حوله"

ردود فعل متباينة

‏القيادي الناصري السابق، عبدالله سلام الحكيمي، رأى أن في ردود فعل القوى المناهضة للحوثيين "افتعالا متعمدا وتصيدا غير موفق وفي غير مكانه، وفاقدا لأي مبرر موضوعي وجيه، اتخذه بعض أعضاء المؤتمر من اليمنيين، ومن شايعهم من خارج المؤتمر، في حين لم تكن لهم إسهامات ملموسة، للأسف، لا في مواجهة حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الإسرائيلية ولا في نصرة ومساندة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة" كما قال.

غياب ومقاطعة

منذ عام 2015 قاطع المؤتمر أكثر من 60 شخصية سياسية من الناصريين وقيادات يمنية بارزة من "الحزب الاشتراكي" و"تجمع الإصلاح" وحزب "البعث" و"المؤتمر الشعبي العام" والشخصيات المستقلة، قاطعوا أعمال المؤتمر بعد أن دأبت على حضور أعماله باهتمام وانتظام.

أ.ف.ب
مسلحون يمنيون يتجمعون في مديرية حرف سفيان، شمال العاصمة صنعاء، في 13 نوفمبر 2025

ورفضت تلكم الشخصيات حضور جميع دورات المؤتمر الماضية نتيجة لما اعتبرته "تفاعلا مع العناصر السلالية الطائفية المذهبية والانقلابية الحوثية"، وانسحب من الجلسة الأولى للمؤتمر هذه المرة بل ومن المؤتمر القومي العربي وأمانته العامة القيادي الناصري على سيف الضالعي الذي كتب إلى حمدين صباحي الأمين العام للمؤتمر رسالة جاء فيها: "أنا لم أعد أحتمل الاستمرار معكم لأن المؤتمر تخلى عن قضايا أمته العربية، وأصبح داعما للميليشيات ومنحازا للتوجه الإيراني في المنطقة العربية".

الحوثي "ناصري"

لكن رد صباحي الذي جاء خلال مقابلة له مع قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين وتبث من الضاحية الجنوبية لبيروت أتي غير موفق، ويحصر المشكلة في مجرد خلاف بين الأمانة العامة للمؤتمر التي يقودها والناصريين في اليمن فقط وليست أزمة مع كل القوى السياسية اليمنية التي لا يمثل الناصريون سوى جزء منها وليس كلها وإن كانوا ربما أكثر نشاطا وفعالية على المستوى الوطني والقومي من التيار الناصري في مصر نفسها.

والأغرب من ذلك أن يقول صباحي إنه تعامل مع الحوثيين بمنأى عن خلافهم مع غالبية اليمنيين في الداخل ومن زاوية "وقوف الحوثيين ضد إسرائيل" وإلى حد اعتبار أن عبدالملك الحوثي "ناصري" على حد زعمه، مؤكدا بذلك عدم إدراكه لجوهر وعمق ذلك الخلاف الذي قال إنه يعلمه بين السواد الأعظم من اليمنيين مع الجماعة وزعيمها، ومتجاهلا الضرر الكبير الذي لحق باليمن جراء انخراط الحوثيين في مواجهة غير متكافئة ولا متناسبة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.

‏مبررات المقاطعة

لم يحدث أن أثارت مشاركة أحد من الساسة اليمنيين في هذا المؤتمر سابقا مثل هذا الغضب الذي تسببت فيه إطلالة زعيم جماعة الحوثيين على مجموعة من المثقفين السياسيين الذين يبدو أن أغلبهم بات "يعيش منفصلا عن واقعه وعن الحياة من حوله" كما ذهب إليه قول بعض منتقديهم.

الحوثي لا يقود حزبا سياسيا أو تيارا تحرريا بل إنه على حد وصف البعض "رجل طائفي سلالي عنصري كهنوتي انقلابي ولا شرعية له في وطنه"

صحيح أن الكثير من أعضاء "المؤتمر القومي العربي" لديهم خلافات وتباينات مع بعض أنظمة البلدان العربية التي ينتمون إليها، ولم يكن هناك غبار على حضورهم ومشاركتهم في أعمال المؤتمر، فهم يذهبون إلى بيروت ويعودون منها إلى بلادهم بسلام ودون مضايقات تذكر، أما في حالة إعطاء المؤتمر شخصا مثل زعيم جماعة الحوثيين منبرا لمحاضرة أعضائه فهو أمر فيه نظر من قبل كثيرين، حيث إن الحوثي لا يقود حزبا سياسيا أو تيارا تحرريا بل إنه على حد وصف البعض "رجل طائفي سلالي عنصري كهنوتي انقلابي ولا شرعية له في وطنه"، قاد في رأي معظم الأحزاب الوطنية وعامة اليمنيين منذ عام 2004 "ميليشيات خاضت حروبا متواصلة ضد الدولة والشعب، وقتلت عشرات الآلاف من أبناء وطنه، ودمرت مؤسسات الدولة، ومزّقت الوحدة الوطنية، وتسببت في حروب إقليمية، واستجلبت العدوان والدمار"، إلى غير ذلك من التهم المنسوبة إلى الحوثي وجماعته ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومن بينها إصدارها أحكاما بالإعدام ضد عدد كبير من أعضاء "المؤتمر القومي العربي" أنفسهم.

أ.ف.ب
عضو في المجلس الانتقالي الجنوبي يقف عند نقطة تفتيش في مدينة عدن جنوب اليمن في 27 أبريل 2020، عقب إعلان الانفصاليين في جنوب البلاد الحكم الذاتي.

‏إذن فالحوثي هو عن خلاف واختلاف كل من شارك في هذا المؤتمر من اليمنيين بشتى انتماءاتهم السياسية، حضوريا أو عن بعد، على مدى العقود الماضية، ذلك أن الرجل متهم بالتسبب في مقتل وجرح مئات آلاف من اليمنيين ونزوح وتشريد الملايين منهم داخل البلاد وخارجها، وبالتالي فلم يكن بوسع هذا المؤتمر أو غيره أن يجعل منه بطلا قوميا بأي حال.

إشارة بالغة الخطورة

لم يتردد رئيس الوزراء الأسبق سفير اليمن الحالي لدى المملكة المتحدة، ياسين سعيد نعمان عن التعليق على ذلك بقوله إن "المؤتمر القومي العربي قفز فوق جراح اليمن ، وأفرد للحوثي الذي دمر اليمن وقتا طويلا لاستعراض عضلاته في خطاب فهم منه أنه إعلان إيراني بواسطة (القومي العربي) عن اختيار صنعاء كمركز بديل لقيادة أذرعها في المنطقة بعد أن أخذ لبنان يعيد لملمة دولته ويغادر المأساة التي أورثتها إياه إيران عقودا من الزمن". وتساءل نعمان، وهو أحد القادة التاريخيين للعمل القومي في اليمن: لماذا يصر "المؤتمر القومي العربي" على الخصومة مع اليمن وقد كان اليمنيون من المؤسسين لهذا المؤتمر ويتطلعون إليه كركيزة داعمة للحرية والتقدم والنهوض العربي؟

المتحدث والمجتمعون في هذه الفعالية الصغيرة لا يمثلون سوى أنفسهم، وأغلبهم في نهاية المطاف مجموعة من المتقاعدين السياسيين المنفصلين عن واقعهم

خلل وسوء تقدير

واقع الأمر أن مداولات ووقائع المؤتمر وبيانه الختامي كشفت عن خلل كبير في فهم بعض العرب لطبيعة الصراع في اليمن بين غالبية أبناء هذا البلد وجزء صغير من "طائفة" متحالف وموال بشدة لإيران، وبدلا من أن يقف تجمع يطلق على نفسه "المؤتمر القومي العربي" إلى جانب الشعب اليمني نجده يقف منحازا، وبشكل مستفز، إلى جانب "جماعة ظلامية انقلابية متمردة" سبق خلافُها مع شعبها بسنوات وقوفَها المزعوم ضد إسرائيل بل إن المؤتمر أثار أسئلة محرجة

عن السبب الذي يحمل بعض "القوميين العرب" على القتال في الخندق الخطأ ضد اليمن وشعبه.

خلط ودون تمييز

حري بنا القول هنا إن دعم القضية الفلسطينية واجب قومي وإنساني مشروع سانده ولا يزال الكثير من أمم وشعوب العالم بما في ذلك بعض الدول التي وقفت حكوماتها داعمة لإسرائيل، ولكن لا يجب استخدامه من قبل بعض "القوميين العرب" لتبييض تدخلات إيران وممارسات أذرعها ضد بلدانها وأبناء شعبها.

أ.ف.ب
النازحون اليمنيون امام مركز لتوزيع المواد الغذائية والإمدادات لتلبية احتياجاتهم الأساسية في محافظة الحديدة الغربية في 4 مايو 2025

كل ذلك يعود بنا إلى الفكرة الأساسية لهذا المقال والمتعلقة بكيفية قراءة بعض الأشقاء العرب، القوميين والتقدميين خاصة، للنزاع القائم في اليمن، وكيف أن خلافا سياسيا واجتماعيا عميقا بين غالبية اليمنيين وجماعة الحوثيين لا يُحسن البعض من خارج اليمن أن يفهمه على حقيقته، أو هو يفهمه لكنه لا يريد الإقرار بذلك.

الخلاصة

قصارى القول، إنه لم يكن في الأمر ما يشجع على التفاؤل بشأن جديد محتمل يمكن أن يخرج به المؤتمر، أو يحمل على المتابعة لما قاله زعيم الجماعة في خطابه أمام المؤتمرين، ولا للانخراط في جدل واسع حول دلالته ورمزيته، فالمتحدث والمجتمعون في هذه الفعالية الصغيرة لا يمثلون سوى أنفسهم، وأغلبهم في نهاية المطاف مجموعة من المتقاعدين السياسيين المنفصلين عن واقعهم ويحاولون التجديف عبثا عكس اتجاه الريح وضد حركة التاريخ ومستجدات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وخصوصا في العاصمة اللبنانية بيروت نفسها التي انعقد فيها المؤتمر.

‏وكان من المستبعد وغير المنطقي أن نتوقع من هذه "العزومة" التي تمت في حضرة "حزب الله" اللبناني الموالي والمتحالف مع إيران أي شيء غير محاولة ترميم أضلع هذا "الحزب" التي تكسرت مثل بقية أذرع ما عرف بـ"محور المقاومة" في مواجهة كبيرة مع إسرائيل والقوى الغربية، غير متوازنة ولا محسوبة النتائج أو مدروسة العواقب، ويبدو أن كلفتها وآثارها على الفلسطينيين خصوصا والعرب عموما وفي مقدمتهم اليمنيون سوف تطول لعقود طويلة قادمة من الزمن.

font change