بعد دخول إسرائيل على خط الأزمات التي تعصف بمنطقة جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب ذات الأهمية الاستراتيجية القصوى، لم تعد بيانات الرفض والإدانة لاعتراف رئيس الحكومة الإسرائيلية بـ"جمهورية أرض الصومال" الانفصالية كافية لدرء محاولات إسرائيل إحداث تغيير جيوسياسي جذري وعميق في القرن الأفريقي وجنوب اليمن خصوصا، قدر ما يتطلب الأمر تحركا عربيا موحدا ومتعدد الأشكال للحفاظ على وحدة وسلامة أراضي الصومال واليمن، والعمل حثيثا على احتواء أزماتهما واستعادة الدولة فيهما بالنظر إلى أهمية موقعهما وارتباطهما بمنظومة الأمن القومي العربي، خصوصا بالنسبة للسعودية ومصر والسودان.
منذ عقود لم تكن إسرائيل لتغيب عن أفريقيا عموما وفي القرن الأفريقي تحديدا بل تزايد نفوذها وتأثيرها أكثر فأكثر، وكان ذلك خصما من رصيد العالم العربي وعلاقاته التاريخية بهذه المنطقة وعموم القارة، وذلك بعد أن انشغل بقضايا كثيرة أخرى وأدار ظهره لها، وتقطعت سبل تواصله معها، رغم كثرة الأبحاث والدراسات التي نبهت إلى خطورة التوغل الإسرائيلي في وسط وشرق القارة، ما أتاح فراغا خلفه تحاول إسرائيل الآن أن تملأه بشبكة علاقات ومصالح واسعة وتسهيلات عسكرية واستخباراتية مع بعض الدول خصوصا عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
من المؤكد أن إسرائيل تريد مقايضة الاعتراف بالسلطة الانعزالية في "أرض الصومال" إما بتهجير عدد من سكان قطاع غزة إليها وإما بالحصول على قاعدة وتسهيلات عسكرية واستثمارات اقتصادية، أو بكل هذه الأمور معا، لكن هذا الاعتراف يبدو أشبه بهدية ملغومة تضع هذه السلطة في موقف صعب للغاية أمام الذين يرفضون صفقة الاعتراف مقابل التهجير أو التمدد العسكري، ولا يمكن لأي مكان في كل الصومال أو غيره في أفريقيا أن يمثل وطنا بديلا للفلسطينيين، غير أن إسرائيل لا تزال تبعث برسائل "الغزل" لبعض الجماعات الانفصالية في هذه المنطقة تتضمن وعودا بالاعتراف بها والتعامل معها، وأنها ستكون جزءا من الاتفاقات الإبراهيمية التي وقعتها مع أبوظبي والمنامة، بالإضافة إلى دأب إسرائيلي على تعزيز تعاونها الاستخباراتي القائم أصلا مع إريتريا منذ سنوات عديدة.
كما يجري تداول تقارير عديدة عن اتصالات غير مؤكدة بين جهات إسرائيلية وقيادات أو أفراد محسوبين على المجلس الانتقالي في اليمن الذي يبدو في نظر البعض أنه يكاد يتدحرج نحو "الصوملة" ما لم تكن هنالك معجزة للإسراع بوضع حد للنزاع الدائر فيه.
تطلعات "أرض الصومال" لانفصال جنوب اليمن
خلال المحاولة الانفصالية التي شهدها اليمن، أو ما بات يوصف بحرب صيف عام 1994 أعلن الزعيم اليمني الجنوبي الاشتراكي على سالم البيض من مدينة المكلا بمحافظة حضرموت التي ينتمي إليها، مساء يوم 19 مايو/أيار من العام نفسه عن انفصال "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" السابقة وانسحابها من الوحدة مع شمال البلاد.
المفاجأة أن ما يُسمى "جمهورية أرض الصومال" كانت أول من بادر في اليوم التالي إلى تأييد محاولة انفصال جنوب اليمن وأعلنت اعترافها بالدولة الجنوبية اليمنية قبل ودون أن تولد، وذلك أملا في أن تكون هناك دولة "ترد لها الجميل" بالاعتراف بها، لكن هذا الأمل تبدد بعد فشل محاولة الانفصال ولجوء البيض إلى سلطنة عمان المجاورة، ولربما كانت "أرض الصومال" تأمل في أن تكون الدولة الجنوبية في حال عودتها تكون هي الأخرى أول من يمكنه الاعتراف بها قبل إسرائيل، خصوصا إذا تقاطعت مصالح عدن وهرجيسا بالعلاقة مع إسرائيل، الأمر الذي يعد حلما بعيد المنال.



